وَاعْلَمُوا أَنَّ أَشَدَّ الْمَعَاصِي ضَرَراً وَأَعْظَمَهَا خَطَرَاً هُوَ الشِّرْك!!! إِنَّهُ أَقْبَحُ الذُّنُوبِ وَأَشَرُّ الْعُيُوبِ وَمَا عُصِيَ اللهُ بِذَنْبٍ أَسْوَأَ مِنْهُ!!! إِنَّهُ ظُلْمٌ كَبِير، وَخَلَل ٌعَسِير وَشَرٌّ مُسْتَطِير! أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ لِلتَّحْذِيرِ مِنْه، وَأُنْزِلَتِ الْكُتُبُ لِلزَّجْرِ عَنْه، وَتَوَالَتْ نِدَاءَاتُ الْقُرْآن ِلِلتَّوْبِةِ مِنْه! فلا يَصِحُّ الدِّينُ إِلَّا بِالْبُعْدِ عَنْه، وَلا يُقْبَلُ عَمَلٌ إِلَّا بِالْخَلاصِ مِنْه! إِنَّهُ مُغْضِبٌ لِلْمَلِكِ الْجَبَّار، وُمُوجِبٌ لِلْخُلُودِ فِي النَّار، وَقَائِدٌ لِبِئْسَ الْقَرَار! فَمَا فَعَلَ إِنْسَانٌ ذَنْباً أَشَدَّ مِنْه، وَمَا اقْتَرَفَ آدَمِيٌّ خَطِيئَةً أَسْوَأَ مِنْه...
الْحَمْدُ للهِ الوَاحِدِ الأَحَد، الْفَردِ الصَّمَد، الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد، تَعَالَى عَنِ الأَنْدَادِ وَالشُّرَكَاء، وَتَنَزَّهَ عَنِ السَّمِيِّ وَالنُّظَرَاء.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، الْمُتَفَرِّدُ بِالْمَلَكُوتِ وَالْمُلْك، فَهُوَ أَغْنَى الأغْنِيَاءِ عَنِ الشِّرْك، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ الْمُبَرَّئِينَ مِنَ الْخِيَانَةِ وَالإِفْك، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَحَافِظُوا عَلَى تَوْحِيدِكُمْ، وَصِحَّةِ عِبَادَاتِكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَشَدَّ الْمَعَاصِي ضَرَراً وَأَعْظَمَهَا خَطَرَاً هُوَ الشِّرْك!!! إِنَّهُ أَقْبَحُ الذُّنُوبِ وَأَشَرُّ الْعُيُوبِ وَمَا عُصِيَ اللهُ بِذَنْبٍ أَسْوَأَ مِنْهُ!!! إِنَّهُ ظُلْمٌ كَبِير، وَخَلَل ٌعَسِير وَشَرٌّ مُسْتَطِير! أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ لِلتَّحْذِيرِ مِنْه، وَأُنْزِلَتِ الْكُتُبُ لِلزَّجْرِ عَنْه، وَتَوَالَتْ نِدَاءَاتُ الْقُرْآن ِلِلتَّوْبِةِ مِنْه! فلا يَصِحُّ الدِّينُ إِلَّا بِالْبُعْدِ عَنْه، وَلا يُقْبَلُ عَمَلٌ إِلَّا بِالْخَلاصِ مِنْه! إِنَّهُ مُغْضِبٌ لِلْمَلِكِ الْجَبَّار، وُمُوجِبٌ لِلْخُلُودِ فِي النَّار، وَقَائِدٌ لِبِئْسَ الْقَرَار! فَمَا فَعَلَ إِنْسَانٌ ذَنْباً أَشَدَّ مِنْه، وَمَا اقْتَرَفَ آدَمِيٌّ خَطِيئَةً أَسْوَأَ مِنْه، وَمَا كُتِبَ فِي دِيوَانِ مُكَلَّفٍ سَيِّئَةٌ أَخْزَى مِنْه!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: أَيُّهَا الْمُوحِّدُونَ: إِنَّ الشِّرْكَ أَعْظَمُ ظُلْمٍ وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُنْذُ بَدَأَتِ الْخَلِيقَةُ إِلَى أَنْ تَقَوُمَ السَّاعَةُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ"، قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ" قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ بحَلِيلَةِ جَارِكَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَإِنَّمَا كَانَ الشِّرْكُ أَعَظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللهِ لِأَنَّهُ أَقْبَحُ الْقُبْحِ وَأَظْلَمُ الظُّلْمِ، إِذْ مَضْمُونُهُ تَنْقِيصُ رَبِّ الْعَالَمِين، وَصَرْفُ خَالِصِ حَقِّهِ لِغَيْرِهِ، وَعَدْلُ غَيْرِه بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُون) [الأنعام: 1].
وَلِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِلْمَقْصُودِ بِالْخَلْقِ، مُنَافٍ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْه، وَذَلِكَ غَايَةُ الْمُعَانَدَةِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالاسْتِكْبَارُ عَنْ طَاعَتِهِ، وَالذُّلِّ لَهُ، وَالانْقَيَادِ لأَوَامِرِهِ، وَلأَنَّ الشِّرْكَ تَشْبِيهٌ لِلْمَخْلُوقِ بِالْخَالِقِ سُبْحَانَهُ فِي خَصَائِصِ الإلَهِيَّةِ مِنْ مُلْكِ الضَّرِّ وَالْنَفْعِ، وَالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ، الذِي يُوجِبُ تَعَلُّقَ الدُّعَاءِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالتَّوَكُّلِ وَأَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ كُلِّهَا بِاللهِ وَحْدَه.
فَمَنْ عَلَّقَ ذَلِكَ لِمَخْلُوقٍ فَقَدْ شَبَّهَهُ بِالْخَالِقِ، وَجَعَلَ مَنْ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرَّاً وَلا نَفْعَاً وَلا مَوْتَاً وَلَا حَيَاةً وَلا نُشُوراً، شَبِيهاً بِمَنْ لَهُ الْخَلْقُ كُلُّهُ وَلَهُ الْمُلْكُ كُلُّهُ وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ، فَأَزِمَّةُ الأُمُورِ كُلِّهَا بِيَدَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَمَرْجِعُهَا إِلِيْهِ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطى وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْ، إِذَا فَتَحَ لِلنَّاسِ رَحْمَةً فَلا مُمْسِكَ لَهَا، وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم، فَأَقْبَحُ التَّشْبِيهِ تَشْبِيهُ الْعَاجِزِ الْفَقِيرِ بِالقَادِرِ الْغَنِيِّ. (تيسر العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد بتصرف يسير)!
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ التَّحْذِيرَ مِنَ الشِّرْكِ هُوَ أَسَاسُ دَعْوةِ الأَنْبِيَاءِ -عَلِيهِمُ السَّلامُ-، وَذَلِكَ أَنَّهُ لا يَصِحُّ دِينٌ إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ وَلا يَسْلَمُ التَّوْحِيدُ إِلَّا بِالتَّبِرِّي مِنَ الشِّرْكِ، قَالَ اللهُ – تَعَالَى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة: 72].
فَالتَّحْذِيرُ مِنَ الشِّرْكِ بَعَثَ اللهُ بِهِ رُسَلَهُ وَأَنْزَلَ لأجْلِهِ كُتُبَهُ! فَهَلْ نَحْنُ وَاعُونَ لِهَذا الأَمْرِ الْخَطِيرِ؟ أَمْ أَنَّنَا فِي غَفْلَةٍ وَجَهْل؟
أُمَّةَ الإسْلامِ: إِنَّ الشِّرْكَ مُحْبِطٌ لِلْعَمَلِ مُوجِبٌ لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان: 23].
إِنَّ الشِّرْكَ قَدْ خَافَهُ الأنْبِيَاء، وَفَزِعَ مِنْ هَوْلِهِ الأصْفِيَاء، وَأَقَضَّ مَضَاجِعَ الأَوْلِيَاء، قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَام) [إبراهيم: 35].
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "مَنْ يَأْمَنُ البَلاءَ بَعْدَ إبْرَاهِيمَ! أَيْ: إِذَا كَانَ إبْرَاهِيمُ رَسُولُ اللهِ وَخَلِيلُهُ قَدْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَقَعَ فِي عِبَادَةِ الأصْنَامِ فَلَيْسَ لِعَاقِلٍ أَنْ يَطْمَئِنَّ وَيَأَمْنَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الشِّرْكِ"!
بِلْ إِنَّ النَّبِيَّ مُحَمَّداً -صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ- خَافَ عَلَى صَحَابَتِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ- الشِّرْكَ مَعَ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الأُمَّةِ وَأَعْلَمُهَا وَخَيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأنْبِيَاءِ، فَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ" قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ).
بَلْ لَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ -صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ- بِشِدَّةِ خَفَاءِ الشِّرْكِ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، فَيَقُعُ مِنَ النَّاسِ وَهُمْ لا يَعْلَمُونَ!
فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إِنَّ رَسُولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ الشِّرْكَ، فَقَالَ: "هُوَ أَخْفَى فِيكُمْ مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ".
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: يَا رَسُولَ الله، هَلِ الشِّرْكُ إلا أَنْ يجْعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ؟ فَقَالَ: "ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، الشِّرْكُ أَخْفَى فِيكُمْ مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، وَسَأَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ صِغَارُ الشِّرْكِ وَكِبَارُهُ" -أَوْ صَغِيرُ الشِّرْكِ وَكَبِيرُهُ قُلْ: "اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ" ثَلاَثَ مَرَّاتٍ! (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ).
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفُرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الشِّرْكَ شَرٌ كُلُّه، لَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ أَقْسَامُهُ نَوْعَان: شِرْكٌ أَكْبَر وَشِرْكٌ أَصْغَر، فَأَمَّا الشِّرْكُ الأكْبَرُ فَإِنَّهُ مُحْبِطٌ لِلْعَمَلِ، مُخْرِجٌ عَنْ مِلَّةِ الإسْلامِ، مُوجِبٌ لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ، لا يَغْفِرُ اللهُ لِصَاحِبِهِ إِذَا مَاتَ عَلَيْه!
وَأَمَّا الشِّرْكُ الأصْغَرُ فَهُوَ عَكْسُ ذَلِكَ، فَلا يُخْرِجُ عَنْ مِلَّةِ الإسْلامِ وَلا يُوجِبُ الْخُلُودَ فِي النَّار، وَلا يُحْبِطُ كُلَّ الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا يُحْبِطُ الْعَمَلَ الذِي يُخَالِطُهُ فَقَطْ، وَصَاحِبُهُ إِنْ دَخَل َالنَّارَ لا يُخَلَّدُ فِيهَا!
وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا التَّهْوِينَ فِي أَمْرِ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّفْريقُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، وَإِلَّا فَإِنَّ الشِّرْكَ الأَصْغَرَ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَمُوبِقَةٌ مِنَ الْمُوبِقَاتِ!
وَلِذَلِكَ جَاءَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: "لَأَنْ أَحْلِفَ بِاللهِ كَاذِبَاً أَحَبُّ إِلِيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقاً".
قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا رَجَّحَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الْحَلِفَ بِاللهِ كَاذِباً عَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ صَادِقاً لأَنَّ الْحَلِفَ بِاللهِ تَوْحِيدٌ، وَالْحِلِفَ بِغَيْرِهِ شِرْكٌ وَإِنْ قُدِّرَ الصِّدْقُ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللهِ فَحَسَنَةُ التَّوْحِيدِ أَعْظَمُ مِنْ حَسَنِةِ الصِّدْقِ وَسَيِّئَةُ الْكَذِبِ أَسْهَلُ مِنْ سَيِّئَةِ الشَّرْكِ!
قَالُوا: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللهِ صَادِقَاً أَعْظَمُ مِنَ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ! وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشٍّرْكَ الأَصْغَرَ أَكْبَرُ مِنَ الْكَبَائِرِ!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الوَاجِبَ عَلَيْنَا بَعْدَ أَنْ عَرَفْنَا شَيْئاً مِنْ خَطَرِ الشِّرْكِ أَنْ نَخَافَ مِنْهُ وَأَنْ نُحَذِّرَ غَيْرَنَا، فَيَكُونُ فِي كَلامِ النَّاسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ تَحْذِيرُ مِنَ الشِّرْكِ وَتَهْوَيِلٌ لِأَمْرِه، وَهَكَذَا فَلْيَفْعَلْ حُمَاةُ الْعَقِيدَةِ: الدُّعَاةُ إِلَى اللهِ فِي مَوَاعِظِهِمْ فِي الْمَسَاجِدِ وَفِي الْبُيُوتِ يُحَذِّرُونَ مِنَ الشِّرْكِ وَيَنْهَوْنَ عَنْهُ إِذَا وَقَعَ، وَلا يَتَهَاوَنُونَ فِي أَمْرِهِ.
وَمَع َالأَسَفِ أَنَّ النَّاسَ رُبَّمَا غَضِبُوا لِبَعْضِ الْمَعَاصِي وَأَنْكَرُوهَا وَلا يُنْكِرُونَ الشِّرْكَ بِسَبَبِ الْغَفْلَةِ وَالْجَهْلِ، وَإِنَّي ضَارِبٌ لَكُمْ مِثَالاً: فَلَوْ أَنَّنَا حِينَ دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ وَجَدْنَا مُهِنْدِسَاً يُصْلِحُ الْمُكَيِّفَاتِ وَالسِّيجَارَةُ فِي فَمِهِ لَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ جَمِيعاً بِاللَّوْمِ وَرُبَّمَا بِالطِّرْدِ أَوْ حَتَّى الضَّرْب.
بَيْنَمَا لَوْ أَنَّنَا حِينَ دَخَلنَا عَليْهِ وَهُوَ مُنْهَمِكٌ فِي إِصْلاحِ الْمُكَيِّفِ، قَالَ: وَحَيَاتِكَ أَعْطِنِي الْمِفْتَاحَ! أَوْ: والنَّبِي أَعْطِنِي الْمِفْتَاحَ! لَبَادَرْنَا جَمِيعاً لِمُنَاوَلَتِهِ الْمِفْتَاحَ وَنَحْنُ مَسْرُورُونَ بِمُسَاعَدَتِنَا إِيَّاهُ، مَعَ أَنَّهُ أَشْرَكَ بِاللهِ فِي بَيْتِ اللهِ، حَيْثُ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ حِينَمَا قَالَ: وَحَيَاتِكَ! أو قال: والنَّبِي! فَهَذَا شِرْكٌ لِقَوْلِ النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ).
فَهَلْ عَرَفْنَا أَنَّنَا عَلَى خَطَرٍ مِنْ الشِّرْكِ؟ وَهَلْ عَرَفْنَا أَنَّنَا مُقَصِّرُونَ فِي الْحَذَرِ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الشِّرْكِ؟
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعاً وَعَمَلاً صَالِحَاً، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشِّرْكَ كَبِيرَهُ وَصَغِيرَهُ دَقِيقَهُ وَجَلِيلَهُ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ وَنحن نَعْلَمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ نَعْلَمُ.
اللهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ وَنحن نَعْلَمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ نَعْلَمُ، اللهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ وَنحن نَعْلَمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ نَعْلَمُ!
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لِنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ فِي جَنُوبِ الْمَمْلَكَة، اللَّهُمَّ ثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَانْصُرْهُمْ عَلَى الحُوثِيِينَ الْمُشْرِكِينَ وَعَلَى جُنُودِ صَالِحٍ الْمُعْتَدِينَ، اللَّهُمَّ كُنْ لإِخْوَانِنَا فِي سُورِيَا، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ مِنَ الرَّافِضَةِ وَالنُّصَيْرِيِّينَ وَالْبَعْثِيَّينَ.
اللَّهُمَّ عَجِّلْ بِالْفَرَجِ لإخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمَوْتَاهُمْ وَاجْعَلَهُمْ عِنْدَكَ شُهَدَاءَ، اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَاهُمْ وَسُدَّ جَوْعَاتِهِمْ وَآمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وَاحْفَظْ دِمَاءَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ وَأَمْوَالَهَمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ!
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ!
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي