الحث على تخفيف المهور

محمد بن صالح بن عثيمين
عناصر الخطبة
  1. مشكلة تعقيد الزواج والحث على تيسيره والتحذير من تعقيده .
  2. الحث على تخفيف المهور وفضل ذلك .
  3. مفاسد المغالاة في المهور .

اقتباس

أيها الناس: إن لدينا مشكلةً عويصةً معقدةً مشكلةً تهم الناس جميعًا، لا يختلف منهم اثنان في طلب حلها، وزوال مشكلها، ألا وهي: مشكلة الزواج، فلقد أصبحت ذات تعقيد من أهمها مشكلة المهر، أعني الجهاز، فلقد أصبح في شكل خطير، وارتفع في ..

الخطبة الأولى:


 
الحمد لله الذي خلق الناس من نفس واحدة، وجعل منها زوجها ليسكن إليها، والحمد لله الذي يسر لعباده كل طريق يتمتعون به فيما أباح لهم من طيبات المناكح والأقوات واللباس والمساكن لتتم بذلك النعمة، ويحصل الابتلاء، فمن شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فكفره عليها.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أدخرها ليوم تجزى فيه النفوس بما لها وعليها، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا.
 
أما بعد:
 
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، ويسروا ييسر لكم، واطرقوا سبل الإصلاح، لتصلوا إلى الغاية.
 
أيها الناس: إن لدينا مشكلةً عويصةً معقدةً مشكلةً تهم الناس جميعًا، لا يختلف منهم اثنان في طلب حلها، وزوال مشكلها، ألا وهي: مشكلة الزواج، فلقد أصبحت ذات تعقيد من أهمها مشكلة المهر، أعني الجهاز، فلقد أصبح في شكل خطير، وارتفع في الزيادة إلى حد يصعب على أكثر الناس، وكل ذلك بسبب المغالاة فيه، والمفاخرة والمباهاة التي لا داعي لها، ولا موجب، فليست المرأة سلعةً تعرض للبيع، ويقصد فيها ثمنها، وإنما هي امرأة حرة كريمة أهم شيء لها أن تتفق مع زوج يكون قرة عينها، وسعادة حياتها عونًا لها على طاعة الله، ومثالًا تقتدي به في الأخلاق الفاضلة، ومصلحًا ومربيًا لها، ولمن يُقَدِّر الله بينهما من ذرية هذا هو غرض المرأة، وعين مصلحتها.
 
أما المال، فإنه عرض يزول، ولا ينظر إليه إلا أصحاب الجشع من الأولياء، أو ضعيفات العقول من بعض النساء، وأشباههن من الرجال.
 
أيها الناس: لقد بلغت المهور حدًّا لا يطاق عند أكثر الناس، حتى كان الرجل الذي يريد الزواج يكدح المدة الطويلة، ويتعب التعب الكثير، ويذهب أول حياته، وعنفوان شبابه، طارقًا كل باب لتحصيل المال، فلا يكاد يدرك مهرًا يحصل به المرأة.

وذلك بسبب التزايد، والمغالاة في المهور، وهذا خلاف المشروع، فإن المشروع في المهور تخفيفها، وكلما كانت أقل فهي أفضل وأنفع وأعظم بركةً، ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أعظم النكاح بركةً أيسره مؤونةً".
 
وتزوجت امرأة على نعلين فأجاز نكاحها [الترمذي (1113) ابن ماجة (1888)].
 
وقال لرجل: "التمس ولو خاتمًا من حديد، فالتمس فلم يجد فزوجه على أن يعلمها شيئًا من القرآن"[البخاري و مسلم وغيرهما].
 
وقال له رجل: يا رسول الله إني تزوجت امرأةً على أربع أواق من الفضة، يعني مئةً وستين درهمًا؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عَرْض هذا الجبل ما عندنا ما نعطيك؟"[مسلم (1424)].
 
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا تغلوا صدق النساء، فإنها لو كانت مكرمةً في الدنيا، أو تقوى في الآخرة، لكان أولاكم بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

أيها الناس: إن في ازدياد المهور تركًا للأفضل والأنفع.
 
ومن مفاسدها: إغلاق باب النكاح أمام قاصديه من الرجال والنساء، فكم في البيوت من فتيات يردن النكاح؟
 
وكم في الأسواق من فتيان يريدونه، ولكن حال دونهم تلك المهور الباهظة؟
 
ومن مفاسد زيادة المهور: تصعيب الحياة الزوجية وتنكيدها، فإن الزوج إذا لم يتلاءم مع زوجته لا تسمح نفسه بفراقها إلا بتعب وتنكيد، وربما يأبى أن يفارقها حتى تبذل له ما أعطاها، وهذا وإن كان لا يجوز أعني لا يجوز أن يحدها على المفارقة بعوض إذا كانت مستقيمةً، وقائمةً بالواجب نحوه.
 
ومن مفاسد ازدياد المهور: أنها قد تضطر الإنسان إلى شغل ذمته بالديون.
 
ومن مفاسدها: أنها قد تضطر الإنسان إلى أن يتزوج بنساء لا يتلاءمن مع عادات البلاد وتقاليدها، فيحصل من المشقة عليها وعليه ما هو معلوم.
 
إن القلوب إذا استولى اليأس عليها قنطت، ولم تصل إلى مطلوبها، وإن الناس إذا تخاذلوا واستبعدوا الأمور، وقالوا هذا بعيد هذا لا يمكن، فلن يصلوا إلى غاية ألستم كلكم تعرفون مضرة المغالاة في المهور وفائدة تسهيلها وتيسيرها.
 
فمن الأجدر بكم أن تتساعدوا في كل طريق تؤدي إلى رفع المغالاة، وحلول التيسير.
 
من الأجدر بكم أن تشجعوا، وتحثوا بقولكم وفعلكم على ذلك لو كان الناس يقابلون كل فكرة إصلاحية بالفتور واليأس والاستبعاد لما وصلوا إلى صلاح ولا إصلاح، ولكن القلوب الحية والأُمَّة الواعية هي التي تقابل الفكرة الإصلاحية بالقوة والعزيمة الصادقة والتصميم على الوصول إلى الغاية المطلوبة، ما دامت تؤمن بصحة القصد وسلامة السبيل.
 
وأنا أقول: أن العادات الراسخة لا يمكن تغييرها دفعةً واحدةً، ولكنه يمكن القضاء عليها بالتدريج، ما دمنا مصممين على تغييرها بحول الله.
 
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ)الآية [النور: 32].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي