يتساءلُ الكثير من الناس عمَّا يرونه في منامهم من الرؤى والأحلام, وينشغلون بها ويُشغلون غيرهم من المعبرين, بل ربما سبّبت لهم همومًا واضطرابًا, ولو أنّهم علموا أنّ كثيرًا من رؤاهم غيرُ صادقةٍ لأراحوا واسْتراحوا, وذلك أنّ الرؤيا الفاسدة لها علاماتٌ, وهي التي تُسَمّى بالْحُلُم، وهو في اللغة شاملٌ للرؤيا الحسنة والسيئة, غيرَ أنَّ الشرع خص الخير باسم الرؤيا، والشرّ باسم الحلُم...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, فمن اتقى الله يَسَّرَ له أسبابَ سعادته, وطريقَ نَجَاتِه, قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) [الليل: 6- 8].
إخوةَ الإيمان: يتساءلُ الكثير من الناس عمَّا يرونه في منامهم من الرؤى والأحلام, وينشغلون بها ويُشغلون غيرهم من المعبرين, بل ربما سبّبت لهم همومًا واضطرابًا, ولو أنّهم علموا أنّ كثيرًا من رؤاهم غيرُ صادقةٍ لأراحوا واسْتراحوا, وذلك أنّ الرؤيا الفاسدة لها علاماتٌ, وهي التي تُسَمّى بالْحُلُم، وهو في اللغة شاملٌ للرؤيا الحسنة والسيئة, غيرَ أنَّ الشرع خص الخير باسم الرؤيا، والشرّ باسم الحلُم.
والحلُم له علاماتٌ تدلّ عليه, وهي:
أولاً: أن يشتمل على ما فيه فزعٌ ورعب, وهو من تَخْوِيفِ وتحزينِ الشَّيْطَان.
وهذا في الغالب, وإلا قد يرى الإنسان رؤْيا يخاف منها, وتكون صادقةً من الله تعالى, حيث يُنبّهه أو تُحَذّره من أمر تُضَرّه, وهذا من رحمة الله به.
ثانيًا: أن يكون حَدِيث نفْس, وذلك بأنْ تُحدّثه نفسُه عن شيءٍ في اليقظة, فيراه في المنام.
كمن يبحثُ عن زوجة فيرى في المنام أنه قد تزوّج, وكمن يكون عَطِشًا فيرى في المنام أنه شرب, أو جائعًا فيرى أنه يأكل وغير ذلك.
ومن الرؤى التي تدخل في حديث النفس: "رُؤْيَا مَا يَعْتَادهُ الرَّائِي فِي الْيَقَظَة، كَمَنْ كَانَتْ عَادَته أَنْ يَأْكُل فِي وَقْت, فَنَامَ فِيهِ فَرَأَى أَنَّهُ يَأْكُل, أَوْ بَاتَ شبعانًا مِنْ أَكْل أَوْ شُرْب, فَرَأَى أَنَّهُ يَتَقَيَّأ".
ودليل هذا وما قبله, ما ثبت في صحيح مسلم مرفوعًا : الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: "فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَ".
فالأصل فيمن يرى رؤيا تُحزنه, أو يجد ضيقًا بعد اسْتيقاظِه, أنها من الشيطان.
ويرى الكثيرُ من المعبرين الْمُعاصرين, أنّ أغلب رؤى الناس هي حَدِيث نفْس, أو مَا اعْتَادوهُ فِي الْيَقَظَة.
فلذا لا ينبغي الحرص على طلب التعبير عند كلّ رؤيا, ولْينظر الرائي في رؤياه, فإن كانت من هذين السببين فلْيعلم أنّ ما رآه حلمٌ لا حقيقة له.
ثالثًا: أن يكون من تَلَاعُب الشَّيْطَان، كأنْ يرى رأسه يتدحرج وهو يُلاحقه.
والدليل على ذلك: حَدِيث جَابِر -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْأَعْرَابِيِّ: «لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ» (رواه مسلم).
وهذا تنبيه على أنَّ كلَّ رؤيا كانت من هذا الجنس لا ينبغي أن يَتَحدَّث بها المسلم, فإنها من الشيطان.
وكم من إنسانٍ يُخبر ويُحدّث بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِه فِي مَنَامه!
ومن تلاعب الشيطان: أنْ يتسبّب في احتلام الرائي, قال البغوي -رحمه الله تعالى-: "ومِنْ لَعِبِ الشيطانِ به الاحتلامُ الذي يوجب الغسل، فلا يكون له تأويل". ا.ه.
رابعًا: أن يَكون من الْأَضْغَاث, وسُمّيتْ بعضُ الأحلام أضغاثًا: لأنها مُتداخلة غيرُ مُترابطة, ويستحيل تفسيرها. كأن يرى في منامه مناظر متناقضةً ومتداخلة، لا يعرف أولها من آخرها.
هذه هي العلاماتُ التي متى ما وجدها الإنسان في الرؤيا التي رآها, علم أنها باطلةٌ وغيرُ صالحة, فلا ينشغل بها ولا يطلب تأويلَها.
والرؤى الصادقة تنقسم إلى ثلاثةِ أقسام:
الرؤى المبشرات؛ وهي تحمل بشارة سالفة أو قادمة أو حاضرة.
والرؤى المنذرات؛ وهي التي تنذر بوقوع شر لأخذ الحيطة والحذر.
والرؤى الْمُنبهات؛ وهي التي تنبِّه إلى أن شيئًا يجري حدوثه ويجب إصلاحه".
وأما علامات الرؤيا الصالحة, فهي خمسُ علامات:
الأولى: انتفاء جميع ما تقدم من علامات الرؤيا الفاسدة.
الثانية: أن يكون الرائي معروفًا بالصدق في كلامه، كما قال -صلى الله عليه وسلم- : "أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا".
وهذا في الغالب، وإلا فقد يرى غير الصادق رؤيا صادقة يكون فيها إيقاظ لغفلته.
الثالثة: قُوّةُ انطباع تلك الرؤيا بتفاصيلها في ذاكرتِه, فلا ينسى منها شيئًا, بل يتذكّرها بجميع تفاصيلها.
الرابعة: تكرارُها, فمتى تكررت رُؤْيا بعينها عليك مرارًا, فاعلم أنها حقّ, وأنها ما تكرّرت إلا لتنبيهك أو لتحذيرك أو لتبشيرك, فاحذر أنْ تُهْملها.
الخامسة: أنْ يُحس- بعد اسْتيقاظه- بشعورٍ قويّ؛ نفسيّ أو جسدي, وقد يصل الشعور النفسي إلى البكاء أو الفرح والسرور العجيب, وقد يصل الشعور الجسدي إلى الألم, أو الإحساس بالشبع أو نحو ذلك.
واعلموا أنّ المشروع لمن رأى رُؤْيا صادقة: أن يعلم أنها من الله – تعالى -؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الرؤيا الصادقة من الله".
وأن يحمد الله – تعالى - عليها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها".
وألا يحدِّث بها إلا من يُحب؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يخبر إلا من يحب"؛ "لأنه لا يأمن ممن لا يحبه أن يعبره حسدًا على غير وجهه فيغمه، أو يكيده بأمر؛ كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن يعقوب عليه السلام, حين قص عليه يوسف عليه السلام رؤياه : (يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) [يوسف: 5]".
وألا يقصها إلا على عالمٍ أو ناصح ؛ لِمَا ورد في الحديث: "لاَ تُقَصُّ الرُّؤْيَا إِلاَّ عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ" , "أَمَّا الْعَالِم فَإِنَّهُ يُؤَوِّلهَا لَهُ عَلَى الْخَيْر مَهْمَا أَمْكَنَهُ، وَأَمَّا النَّاصِح فَإِنَّهُ يُرْشِد إِلَى مَا يَنْفَعهُ وَيُعِينهُ عَلَيْهِ" , أو يدلّه على مُعبّر.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: أيها المسلمون: إنّ المشـروع لمن رأى حلمًا من الشيطان أمور:
أولاً: أنْ يتحول عن جنبه, حتى ولو كان على الجنب الأيمن فلْيتحوّل إلى الأيسر.
ثانيًا: أنْ يستعيذ بالله من الشيطان ثلاث مرات.
ثالثًا: أن يبصق عن شماله أثناء الاستعاذة.
لِمَا ثبت في صحيح مسلم عن جابر - رضي الله تعالى عنه - مرفوعاً إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق على يساره ثلاثاً, وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً, وليتحول عن جنبه الذي كان عليه".
رابعًا: أنْ يستعيذ بالله من شرّ الحلم.
خامسًا: ألا يحدث به أحداً.
سادسًا: أنْ يُوقن بأنه لا يضره.
لِمَا ثبت في صحيح البخاري أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان, فليستعذ من شرها, ولا يذكرها لأحد؛ فإنها لا تضره".
سابعًا: أن يقوم فيصلي؛ لِمَا ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيه: "فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل".
وصلوا وسلموا..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي