في النكاح امتثال أمر الله ورسوله، وبامتثال أمر الله ورسوله، حصول الرحمة والفلاح في الدنيا والآخرة.. وفي النكاح اتباع سنن المرسلين، ومن اتبع سنن المرسلين في الدنيا حشر معهم في الآخرة. وفي النكاح قـ...
العقبة الثانية التي تحول دون الزواج ومصالحه العظيمة: احتكار بعض الأولياء الظلمة لبناتهم، ومن لهم ولاية تزويجهن، أولئك الأولياء الذين لا يخافون الله، ولا يرعون أمانتهم، ولا يرحمون من تحت أيديهم.
أولئك الأولياء الذين اتخذوا من ولايتهم على تلك المرأة الضعيفة موردًا للكسب المحرم، وأكل المال بالباطل، تجد الخاطب الكفء في دينه وخلقه يخطب منهم، فيفكرون ويقدرون، ثم يقولون الكلمة الأخيرة: البنت فائتة لغيرك، البنت صغيرة، شاورتها فأبت.
أقوالًا كاذبةً يفترونها، ليردوا ذلك الخاطب الكفء، إما لعقد نفسية تثقل عليهم الإجابة، وإما لطلب مال يحصلونه من وراء ولايتهم، وإما لعداوة شخصية بينهم وبين الخاطب والولاية دين وأمانة يجب النظر فيها إلى مصلحة المولى عليه لا إلى أغراض الولي.
إن دفع الخاطب الكفء في دينه وخلقه بمثل هذه الأقوال الكاذبة إنما هو معصية لله ورسوله، وخيانة للأمانة، وإضاعة لعمر المرأة التي تحت ولايته، وسوف يحاسبون على ذلك: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء: 88 - 89].
أفلا يكون عند هؤلاء دين ورحمة؟ أفلا يفكرون لو أن أحدًا منعهم من الزواج مع رغبتهم فيه، فماذا يكون رد الفعل منهم؟ أفلا يعتبرون بذلك فيمن تحت أيديهم من النساء الراغبات في الزواج، وهم يمنعوهن الأكفاء خُلُقًا ودِينًا؟
سبحان الله! ماذا جنى هؤلاء الأولياء على أنفسهم؟ وماذا جَنَوْا على من تحت ولايتهم؟
ولقد أوجد أهل العلم تذليلًا لهذه العقبة، حيث قالوا: إن الولي إذا امتنع من تزويج موليته كفئًا ترضاه، فإن ولايته تزول إلى من بعده؛ فمثلًا لو امتنع أبو المرأة من تزويجها كفئًا في دينه وخلقه، وقد رضيته، ورغبت فيه، فإنه يزوجها أولى الناس بها بعده، فيزوجها أولى الناس بها ممن يصلح للولاية من إخوتها أو أعمامها أو بنيهم.
نعم، لو كان الخاطب غير كفء في دينه أو عفته، فرضيته المرأة وأبى وليها، فله الحق في ذلك، ولا إثم عليه، ولو بقيت لم تتزوج إلى الموت؛ لأن إباءه لمصلحتها ومن مقتضى أمانته.
العقبة الثالثة التي تحول دون الزواج ومصالحه العظيمة: غلاء المهور، ونفقات الزواج وتزايدها، حتى صار الزواج من الأمور المستحيلة أو الشاقة جدًّا لدى كثير من الراغبين في الزواج، إلا بديون تشغل ذمته، فتجعله أسيرًا لدائنه.
وإن تذليل هذه العقبة: أن يفكر ذو الرأي من الأولياء: ما هو المقصود بالنكاح؟ وما هي مكانة المرأة التي جعلك الله وليًّا عليها؟ هل المقصود بالنكاح المال؟ وهل المرأة سلعة تباع أو تمنع بحسب ما يبذل فيها من المال؟
كل هذا لم يكن، فليس المقصود بالنكاح المال، وإنما المال وسيلة إليه.
وليست المرأة سلعة، بل هي أكرم من السلعة هي أمانة عظيمة، وجزء من أهله.
وإذا فكرنا هذا التفكير، وبلغنا هذه النتيجة عرفنا: أن المال لا قيمة له، وأن المغالاة في المهور، ونفقات الزواج، لا مبرر لها، فلنرجع إلى ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "ألا لا تغلوا في صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأةً من نسائه، ولا أُصْدِقَتِ امرأة من بناته، أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل ليغل في صداق امرأته، حتى يكون لها عداوة في نفسه، وحتى يقول: كلفت إليك علق القربة، أي تكلفت دفع كل شيء عندي إليك، حتى علق القربة، وهو الحبل الذي تعلق به".
فإذا رجعنا إلى ما كان عليه السلف الصالح من تقليل المهور، تيسرت أمور الزواج، وعظمت بركاته، وانتفع بذلك الرجال والنساء.
إن هذه المغالاة في المهور؛ توجب تعطل كثير من الرجال والنساء عن النكاح، أو محاولة الزواج من الخارج الذي قد يسبب له مصاعب ومتاعب كثيرة، وربما يحصل به تغيير المجتمع في عاداته وأحواله، وربما في عبادته؛ لأن للخلطة تأثيرًا كثيرًا في تغيير هذه الأمور.
أيها المسلمون: إن كثيرًا من الأولياء الآباء وغيرهم يشترطون على الزوج الخاطب مالًا يدفعه إليهم، وسيكون هذا المال بالتأكيد على حساب مهر المرأة، وهذا أكل للمال بالباطل، فالمهر كله للزوجة، قال الله -تعالى-: (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)[النساء: 4].
فأضاف الصداق إليهن.
وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أيما امرأة نكحت على صداق، أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح أي بعد عقده فهو لمن أعطيه"[النسائي (3353) أبو داود (2129) ابن ماجة (1955) أحمد (2/182)].
فاتقوا الله -عباد الله- ودعوا مهور النساء لهن، ولا تشترطوا لأنفسكم شيئًا منه، فإن ذلك اقتطاع بغير حق، وسبب للتلاعب بولاية النكاح، حيث يلاحظ الولي هذا الشرط فيزوج من يعطيه أكثر، ويمنع من لا يعطيه، ضاربًا بمصلحة موليته عرض الحائط.
وهذا إهدار للأمانة، وخيانة للولاية، فأدوا الأمانة، واحفظوا الولاية: (لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[الأنفال: 27 - 28].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ... إلخ ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي