ما هو الحب الحقيقي؟

نواف محمد السالم
عناصر الخطبة
  1. الحب المحمود وأنواعه .
  2. الحب الشرعي وأقسامه .
  3. الحب الفطري والمراد به .
  4. الحب المذموم وبعض صوره ومظاهره .
  5. تحذير المسلمين من يوم الحب العالمي .

اقتباس

الحب الشرعي، هو أعظم أنواع الحب، وينقسم إلى أقسام أعظمها: حب الله -تبارك وتعالى- أن يحب الإنسان خالقه، والله -تبارك وتعالى- كيف لا يحب كل نعمة من الله -تبارك وتعالى-؟ نعمه علينا لا تحصى، ومن أعظم هذه النعم: أن أرسل إلينا...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70 -71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الحب -أيها المسلمون- هذه القيمة الجميلة، الحب منه ما هو مقبول، ومنه ما هو مردود، فالحب المقبول ينقسم إلى قسمين: إلى حب شرعي، وإلى حب فطري.

فأما الحب الشرعي، وهو أعظم أنواع الحب ينقسم إلى أقسام: أعظمها حب الله -تبارك وتعالى- أن يحب الإنسان خالقه، والله -تبارك وتعالى- كيف لا يحب كل نعمة من الله -تبارك وتعالى-؟

نعمه علينا لا تحصى -جل في علاه-، ومن أعظم هذه النعم: أن أرسل إلينا هذا الرسول الكريم، وأنزل إلينا هذا الكتاب العظيم، وشرع لنا هذه الشريعة الخالدة السمحة التي ننتسب إليها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، هو الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، هو الذي أخرجنا من العماية والغواية إلى الهدى والصلاح بفضله سبحانه وتعالى.

فكيف ربنا لا يُحب سبحانه وتعالى؟ يُحب بصفاته، فهو المنعوت بصفات الكمال، وبنعوت الجلال، ويحب كذلك بإنعامه سبحانه وتعالى.

فهذا هو القسم الأول من أقسام الحب الشرعي: حب الله -تعالى-.

القسم الثاني: حب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، نبينا -عليه الصلاة والسلام- صاحب الحوض المورود، وصاحب المقام المحمود، صاحب الشفاعة العظمى، وصاحب الوسيلة -صلوات ربي وسلامه عليه-، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة من الله -تبارك وتعالى- الذي لا من خير إلا ودلنا عليه، وما من شر إلا وحذرنا منه صلوات ربي وسلامه عليه.

أتانا بسنن الهدى، أتانا بأحكام الخير صلوات ربي وسلامه عليه، كان حريصًا على هدايتنا، وما توفي عليه الصلاة والسلام وما من طائر في السماء يقلب جناحيه إلا وأعطانا منه خبرًا؛ كما قال أبو ذر -رضي الله عنه وأرضاه-.

فما من خير يقربنا إلى الله والجنة إلا وحثنا عليه، وما من شر يباعدنا من الله والجنة إلا وحذرنا منه صلى الله عليه وآله وسلم.

كيف لا يُحب -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام-، حبه فريضة، حبه واجب في قلب كل مسلم ومسلمة: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران: 31]

وجاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".

يجب أن يكون حب النبي -صلى الله عليه وسلم- في قلوبنا أشد وأعظم من حبنا لأولادنا ولوالدينا، وللناس أجمعين.

وحبه عليه الصلاة والسلام يترجم في إتباع سنته، ليس بشعارات، وليس بمحاضرات، وليس بندوات، وليس بمظاهرات واعتصامات، إنما يترجم حب النبي -صلى الله عليه وسلم- بامتثال سنته، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وتصديقه فيما أخبر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.

القسم الثالث من الحب الشرعي: حب شرع الله -تبارك وتعالى-، حب هذا الدين العظيم، الذي لا يحب دين الإسلام فهو كافر، الذي لا يرضى بالإسلام دينًا فهو كافر، خارجًا عن ملة الإسلام: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران: 19].

(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].

حب هذا الشرع العظيم، ووصف الله -عز وجل- الكافرين بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه، قال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ) قال: (فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 9]، فعدم محبة شرع الله، والرضا بما شرع الله يعد من محبطات الأعمال، كالذي يكره -مثلًا- صلاة الفجر؛ لأنها تقلق راحته، هذا في إيمانه خدش، وهو على شفا جرف هار يوشك أن ينهار به في وادي جهنم.

الذي يكره -مثلًا- شهر رمضان كونه في الصيف، أو يكره -مثلًا- حج بيت الله الحرام لما فيه من الزحام والمشقة، وغير ذلك مما شرعه الله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 28].

لا بد أن نحب شرع الله، النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ كان يقول: "وجعلت الصلاة قرة عيني" فكانت الصلاة قرة عينه صلى الله عليه وآله وسلم.

هكذا -أيها المسلم- لا بد أن تحب شرع الله، ولا بد أن توقن بأن الخير كله في إتباع شرعه سبحانه وتعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].

القسم الرابع من الحب الشرعي: محبة صحابة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، صحابته وآل بيته الطيبين الطاهرين -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- هم الذين ضحوا، هم الذين هاجروا، هم الذين جاهدوا، هم الذين أنفقوا، هم الذين قاتلوا، هم الذين آووا ونصروا، هم الذين توفي عنهم نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو راض عنهم، وقد بشر الله -عز وجل- ثلة مباركة منهم بجنات نعيم، وهو لا يزال يدب على هذه الأرض.

كره الصحابة كفر -أيها المسلمون-، الذي يبغض الصحابة لدينهم هو كافر بالله العظيم، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا حتى يؤمن بهؤلاء الأخيار الأبرار الأطهار -رضي الله عنهم وأرضاهم-.

هذا حب شرعي، وليس بحب فطري فقط أن تحبهم؛ لأنهم هم الذين كانوا سببًا في وصول هذا الدين إلينا، هم الذين كانوا سببًا في حفظ راية الإسلام، وفي نشر التوحيد والسنة في مشارق الأرض ومغاربها.

حب الصحابة إيمان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، والذي يبغضهم لدينهم لا حظ له في الإسلام، وهو عدونا وإن كان أقرب الأقربين، وهو عدونا وإن كان من جلدتنا، نبرأ إلى الله -تبارك وتعالى- من كل كافر زنديق، خبيث يبغض صحابة النبي، وأمهات المؤمنين، وآل بيته الطيبين الطاهرين.

كذلك من أقسام الحب الشرعي -أيها المسلمون-: حب الوالدين، أمر الله -عز وجل- بحب الوالدين، وبطاعة الوالدينن في مواضع متعددة في كتابه الكريم، بل إن الله -عز وجل- قد قرن طاعته وعبادته بالأمر بطاعة الوالدين: (وَقَضَى رَبُّكَ) وقضى، يعني أوجب: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ) توحيد الذي هو حق الله على العبد: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23].

(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان: 15].

وإن كان الوالدان مشركين، بل وإن كان الوالدين داعيين إلى الشرك والكفر بالله العظيم، فلا تطعهما، هل تعقهما؟

لا، قال: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)[لقمان: 15]، إذًا حب الوالدين حب شرعي.

أيها المسلمون: القسم الأخير من الحب الشرعي: حب عموم المسلمين أن يحب الإنسان إخوانه المسلمين، أن يحبهم لله، أن يحبهم ليس لجمالهم، ولا لمالهم، ولا لحسبهم، ولا لنسبهم، ولا لمنصبهم، ولا للهجتهم، ولا لجنسيتهم، ولا لعرقهم، إنما يحبهم لأنهم مسلمون، هنا تتحقق أوثق عرى الإيمان؛ كما جاء في الصحيحين: "ان يحب المرء لا يحبه إلا لله" كلما ازداد هذا المسلم قربًا من شرع الله شرعًا يجب عليك أن تزداد في حبه، وإن كان من أبعد الأبعدين، وكلما ازداد هذا المسلم في بعده عن شرع الله يجب عليك أن تبغض ما فيه من بعد، وإن كان من أقرب الأقربين.

هكذا كان الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- يحبون لله، يوالون لله، ويعادون لله، وذلك كان الجزاء في ذلك اليوم العظيم، أنهم من الصنف الذي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "رجلان تحاب في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه".

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على رسوله وعبده الذي اصطفى.

ثم أما بعد:

أما الحب الفطري -أيها المسلمون- فهو ما جبر الإنسان على حبه من أمور لا تعارض شرع الله -تبارك وتعالى-؛ كحب الزوجة، وحب الولد، وحب المال، وحب الطعام، وغير ذلك من الأمور التي حُببت إلى النفوس البشرية، ما لم يُفرط الإنسان في هذه المحبوبات، فيوقعه في معصية الله -عز وجل-، أو يوقعه في ترك ما أوجب الله -تعالى- عليه.

إذا لم يفعل ذلك، أي لم يفرط في حب المحبوبات التي ذكرته لكم، فإنه لا حرج عليه.

أما القسم الثاني: فهو الحب المذموم، وهو بخلاف، ما ذكرت لكم -أحبتي في الله- وهو الحب الذي -والعياذ بالله- يدعو إلى العشق والهيام، والذي يكون بين رجل وامرأة في غير ذلك الإطار الشرعي، وغير ذلك -والعياذ بالله- الذي عده العلماء داء عضال، قل ما يشفى منه إلا من أراد الله -عز وجل- له الهداية.

إننا -أيها المسلمون- في كل عام نعاني، ويحزنني من هذه المظاهر في اليوم المزعوم البدعي المشؤوم المزعوم: بالفلانتين، هذا العيد ليس من الشريعة بشيء، وليس من الحب الطاهر بشيء، وذكر من ذكر في قصته أساطير متعددة، لا داعي لذكرها في هذا المقام، فكل هذه الأساطير لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد، وإنما جعل هذا اليوم من جعله شعارًا لالتقاء العاشق بمعشوقته، وكل هذا لا يجوز -والعياذ بالله-.

وقد صدرت الفتاوى من العلماء -رحمهم الله وبارك الله في الأحياء منهم- بمنع الاحتفال، أو إظهار أي مظهر من الاحتفال في هذا اليوم البدعي المشؤوم.

ولذلك يجب على التجار وأصحاب المحلات أن يتقوا الله -عز وجل-، وأن يعلموا أن هذا سحت وحرام، أن أموال هذه البضائع التي تخص لهذا اليوم، هو مال حرام سحت، لا يجوز للمسلم أن يتعامل به، والمال الحرام إذا دخل على المال الحلال أفسده -والعياذ بالله- وأيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به.

فعلينا أن نتقي الله، وأن لا نكون إمعات، نحن أصحاب دين، وأصحاب شريعة، وأصحاب هوية عظيمة، لا بد أن نتمسك بها، وأن نعلم أن هذه المظاهر لا تبت إلى الإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، ولا يجوز إظهار أي نوع من أنواع الاحتفال لا برسائل ولا بالتحايا ولا بالهدايا، ولا بأي نوع من الأنواع حتى لا نكون من الذين عارضوا شرع الله -تبارك وتعالى- بإتباع سبل الذين ضلوا السبيل عن هداية الله -تبارك وتعالى-.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي