ألا، وإن أعظمَ ما أخبرَ به النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مما يكونُ بين يَدَيِ السَّاعةِ، وأشدَّه هولاً خروجُ الدجالِ، شرُّ غائبٍ يُنتظرُ، فما كانَ ولا يكونُ إلى يومِ القيامةِ أعظمُ فتنةً منه وأشدُّ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما بينَ خلقِ آدمَ إلى قيامِ الساعةِ أمرٌ أكبرُ من الدَّجالِ»؛ ولذلك أجمعت الأنبياءُ على تحذِيرِ أقوامِهِم من. ولقد بيَّن نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- أمرَ الدَّجَّالِ بياناً وافياً شافياً، فجَاءت السُّننُ والأخْبارُ عن النبيِّ المختارِ تِصِفُ عَظِيمَ فِتنتِه، وتنعتُ زمنَ خروجِه، تذكُرُ صفاتِه، وتقصُّ أخبارَه وأنباءَه، وتبيِّنُ للناسِ المخرجَ والملجأَ من شرِّه وفتنتِه...
الحمدُ للهِ الحقِّ المبينِ لم يتخذْ ولداً، ولم يكنْ له شريكٌ في الملكِ، ولم يكنْ له وليٌّ من الذٌّلِّ، وخلقَ كلَّ شيءٍ فقدَّره تقديراً، أحمدُه سبحانه، فله الحمدُ كلُّه، أولُه وآخرُه ظاهرُه وباطنُه، وهو الوليُّ الحميدُ.
وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، يقضِي ما يشاءُ، ويحكمُ ما يُريدُ، وأشهدُ أن محمداً عبدُ الله ورسولُه، لم يتركْ خيراً إلا دلَّ الأُمَّةَ عليه، ولم يَدَعْ شرًّاً إلا حذَّرَها منه.
أما بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ الله، روى مسلمٌ في صحيحِه من حديثِ أبي هريرةَ قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «بادِروا بالأعمالِ الصالحةِ فِتناً كقِطَعِ الليلِ المظلمِ، يُصبحُ الرجلُ مؤمِناً ويمسي كافِراً، ويمسي مؤمِناً ويصبحُ كافراً، يبيعُ دينَه بعَرَضٍ من الدنيا".
عباد الله أيها الناس..
في حديث أبي هريرة عند الترمذيِّ قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «مَا يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ إِلا غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ، وَالدَّجَّالُ شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ، وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟!".
أيها الناس: إنَّ الدُّنيا قد آذَنَت بصرمٍ وانقضاءٍ، وزوالٍ وفناءٍ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر: 1]، (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) [محمد: 18]، (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) [الشورى: 17].
فالساعةُ قد اقترَبَت أيُّها الناسُ، وإن مجيئَها بظهورِ أَشراطِها، وكثيرٌ من علاماتِها، التي بيَّنها الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-، فإن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قد أَكثَرَ من بيانِ تلك الأَشراطِ والعلاماتِ؛ تحذيراً وتنبيهاً للأمةِ؛ تهيئةً وإرهاصاً للساعةِ؛ لعِظمِ هوْلِها وشدةِ خطرِها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [الحج: 1].
ألا، وإن أعظمَ ما أخبرَ به النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مما يكونُ بين يَدَيِ السَّاعةِ، وأشدَّه هولاً خروجُ الدجالِ، شرُّ غائبٍ يُنتظرُ، فما كانَ ولا يكونُ إلى يومِ القيامةِ أعظمُ فتنةً منه وأشدُّ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلمٌ من حديثِ عمرانَ بن حصينٍ -رضي الله عنه-: «ما بينَ خلقِ آدمَ إلى قيامِ الساعةِ أمرٌ أكبرُ من الدَّجالِ»؛ ولذلك أجمعت الأنبياءُ على تحذِيرِ أقوامِهِم منه، فما من نبيٍّ إلا حذَّر أمَّتَه الدَّجالَ.
ولقد بيَّن نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- أمرَ الدَّجَّالِ بياناً وافياً شافياً، فجَاءت السُّننُ والأخْبارُ عن النبيِّ المختارِ تِصِفُ عَظِيمَ فِتنتِه، وتنعتُ زمنَ خروجِه، تذكُرُ صفاتِه، وتقصُّ أخبارَه وأنباءَه، وتبيِّنُ للناسِ المخرجَ والملجأَ من شرِّه وفتنتِه.
أيها الناس: أخبرَ من لا ينطِقُ عن الهوى أن خروجَ الدَّجالِ يكونُ في زمنٍ مظلمٍ، تنطمِسُ فيه أنوارُ الهدى عن أكثرِ الأرضِ.
زمنٌ يُدرسُ فيه العلمُ ويقلُّ العملُ.
زمنٌ يخفُّ فيه الدِّينُ ويضعفُ، ويظهرُ فيه الربا والزِّنى، ويشيعُ فيه الخمرُ والغناءُ.
زمنٌ تُهدرُ فيه الدماءُ ويكثرُ فيه القتلُ.
زمنٌ يتطاولُ فيه السُّفهاءُ، ويتحيرُ فيه العلماءُ.
زمنٌ يَضعُفُ فيه الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر.
زمنٌ تمتهنُ فيه الشريعةُ ويعزُّ أنصارُها.
زمنٌ يُغفلُ فيه ذكرُ الدجالِ، فلا يُذكرُ إلا قليلاً.
هذه بعضُ أوصافِ الزمنِ الذي يخرجُ فيه هذا الفتانُ، وقد وقعَ في الناسِ كثيرٌ مما جاءت به الأخبارُ التي تصفُ وقتَ خروجِ الدجالِ.
فكيفَ يأمنُ المرءُ على نفسِه من فتنةِ الدجالِ، وقد خافَه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وصحابتُه الأطهارُ؟! فقال لهم -صلى الله عليه وسلم- مُسكِّناً كما في حديثِ النواسِ بن سمعانَ -رضي الله عنه-: «إنْ يخرجْ وأنا فيكُم فأنا حجِيجُه دونَكم، وإنْ يخرجْ ولستُ فِيكم فامْرُؤٌ حجِيجُ نفسِهِ، واللهُ خلِيفَتي على كلِّ مسلمٍ".
أيها الناس: إن فتنة الدجالِ فتنةٌ تُدهشُ العُقولَ وتُطيرُ الألبابَ وتُفقدُ الصوابَ، فإن اللهَ تعالى يبتلِي بالدجالِ الناسَ ؛ليتبينَ الصادقُ من الكاذبِ، والموقنُ من المرتابِ.
فمن فتنتِه: أنه يأتي على القومِ فيدْعُوهم إلى عبادتِه، فيستجيبون له، فيأمرُ السماءَ فتمطرُ، والأرضَ فتنبتُ، ويأتي على القومِ فيرُدُّون قولَه فينصرفُ عنهم ممحِلِين مجدِبين.
ومن فتنته: أنَّ معه جنةً وناراً، يَفتنُ بهما الناسَ، فمن أطاعَه أدخلَه جنَّتَه، وهي نارٌ تلظَّى، ومن كذَّبَه أدخلَه نارَه وهي جنَّةٌ غنَّاء.
ومع هذا وغيرِه من أسبابِ الفتنةِ، إلا أنَّ اللهَ يثبِّتُ الذين آمنوا، فقد أقامَ الله- عز وجل- في الدَّجالِ من الصفاتِ ما يدلُّ على كذِبِه، وأنه ليس ربَّ العالمين.
فمن علامات كذبِه: أنه أعورُ العينِ اليمنى، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن اللهَ لا يخفى عليكم، إن اللهَ ليس بأعورَ، وإن المسيحَ الدجالَ أعورُ العينِ اليمنى، كأنَّ عينَه عنبةٌ طافئةٌ".
فكيف يصحُّ أن يكونَ ربَّ العالمين، وهو عاجزٌ عن أن يدفعَ عن نفسِه النقصَ والعيبَ؟! واللهُ تعالى له الأسماءُ الحسنى، وله المثلُ الأعلى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11].
ومن العلاماتِ التي يُعرفُ بها كذبُه: أنه مكتوبٌ بينَ عينيْه "كافرٌ" أو "ك ف ر" وهي علامةٌ يقرؤُها كلُّ مؤمنٍ، كاتبٌ أو غيرُ كاتبٍ.
ومن علاماتِه الدالةِ على كذِبِه: أن أكثرَ أتباعِهِ اليهودُ، فإنه يتبعُه من يهودِ أصبهانَ وحدَها سبعون ألفاً، وهذا من العجائبِ، والعجائبُ جمَّةٌ.
أيها المؤمنون:
إن مدةَ هذه الفتنةِ العمياءِ أربعون يوماً: "يومٌ كسنةٍ ويومٌ كشهرٍ ويومٌ كجُمُعةٍ، وباقي أيامِه كسائرِ الأَيَّامِ، وإن أوَّلَ نهايتِه وهزيمتِه أنه يأتي قربَ المدينةِ النبويةِ، وهو ممنوعٌ من دخولِها، فيخرجُ له شابٌّ فيقولُ له: أشهدُ أنك الدَّجالُ، الذي حدَّثنا رسولُ اللهِ حديثَه، فيقتلُه ثم يحيِيه، فيقولُ له الدَّجالُ: أتؤمِنُ بي؟ فيكذِّبُه فيُريدُ الدَّجالُ قتلَه فلا يتمكن".
ثم إن اللهَ يأذنُ لأهلِ الإيمانِ بالفرجِ فينزلُ عيسى بنُ مريمَ رضي الله عنها، فيطلبُ الدجالَ، فيدركُه ببابِ لُدٍّ في فلسطين، فما أنْ يراه الدَّجالُ حتى يذوبَ كما يذوبُ الملحُ في الماءِ، لكن اللهَ يمكِّنُ عيسى من قتلِه، فيقتلُه بيدِه،ثم يُرِي الناسَ دمَه في حَرْبتِه، وبهذا يُطوَى خبرُ أعظمِ فتنةٍ يبتلِي اللهُ بها البشرَ.
اللهم إنا نعوذُ بك من عذابِ القبرِ، ومن فتنة المحيا والمماتِ، ومن فتنةِ المسيح الدجال.
أما بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واحذروا الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطنَ، واعلموا -عبادَ الله- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بيَّن لأمتِه طريقَ النجاةِ من أعظمِ فتنةٍ، من فتنةِ الدجالِ، وهذا السبيلُ النبويُّ للنجاةِ يمثِّل منهجاً للمؤمنِ، يستمسك به لينجوَ من كل فتنة.
أيها المؤمنون: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في الدَّجالِ: «من سمِعَ به فلينأَ عنه - أي: ليبعدَ وليهربَ منه- فواللهِ إن الرجلَ ليأتِيه وهو يحسبُ أنه مؤمنٌ، فيتبعُه لما يبعثُ به من الشُّبُهاتِ"، نعوذ بالله من الخِذْلان.
فعلى المؤمن أن يَبعدَ نفسَه عن كلِّ أسبابِ الزيغِ والضلالِ، وألا يأمنَ على نفسِه، فإنَّ اللهَ يحولُ بين المرءِ وقلبِه.
أيها المؤمنون: أمَّا إذا ابتُليَ المؤمنُ بالدَّجالِ -نعوذ بالله منه- فعليه بأَسبابِ الثَّباتِ على الحقِّ والهُدى والصَّبرِ على الفتنةِ والبلاءِ، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في الدَّجَّالِ: «إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالاً، يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا». فعلى المؤمن إذا غشِيتْه الفتنُ أن يثبتَ، وليعلمَ أن من أعظمِ أسبابِ الثباتِ كثرةَ ذكرِ اللهِ تعالى.
أيها المؤمنون: إن من أسبابِ النجاةِ من فتنةِ الدجالِ أن يقرأَ عليه من القرآنِ فواتحَ أو خواتيمَ سورةِ الكهفِ، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «فمنْ أدرَكه منكم فليقرأْ عليه فواتحَ سورةِ الكهفِ".
ولا عجبَ، فإن القرآنَ شفاءٌ لما في الصدورِ، وهدى ورحمةٌ للمؤمنين: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 102]، فاستمسكوا عبادَ اللهِ بالقرآنِ العظيمِ، فإنَّ اللهَ يُخرِجُ به المرءَ من الظلماتِ إلى النورِ، ويهديه به سبلَ السلامِ.
أيها المؤمنون: إن مما يتوقَّى به المسلمُ الفتنَ كُلَّها، وفتنةَ الدجالِ خصوصاً الالتجاءَ إلى اللهِ، وسؤالَه النجاةَ من شرِّ الفتنِ، فهذا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كان يستَعيذُ في صلاتِه من فتنةِ الدجالِ، وأمرَ المصلِّيَ أن يستعيذَ بالله من أربعٍ: «اللهم إنا نعوذُ بك من عذابِ جهنم، ومن عذابِ القبرِ، ومن فتنةِ المحيا والمماتِ، ومن فتنةِ المسيحِ الدجالِ".
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي