وعمل المعاصي وترك الطاعات دليل على أنه ليس في القلب إيمان أو فيه إيمان ناقص.. فلا يكفي العمل الظاهر بدون إيمان بالقلب؛ لأن هذه صفة المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار. ولا يكفي الإيمان بالقلب دون نطق باللسان وعمل بالجوارح؛ لأن هذا مذهب المرجئة من الجهمية وغيرهم، وهو مذهب باطل، بل لا بد من الإيمان بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح، وفعل المعاصي دليل على ضعف الإيمان الذي في القلب ونقصه، لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
الحمد لله القائم على كل نفس، المطلع على مكنونات القلوب وما أضمرت، الرقيب على كل جارحة بما اجترحت.
أحمده سبحانه وأشكره على نِعَم له لا تُحصَى عمَّت وغمرت، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفع قائلها في يوم تعلم فيه كل نفس ما قدمت وأخرت.
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، بدعوته إلى الله وجهاده في سبيل الله علت راية التوحيد وانتشرت، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه مصابيح الهدى ونجوم الدجى على هديه تربت، وفي مدرسته تعلمت، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما أشرقت شمس وغربت.
أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله، اتَّقوا الله - تعالى - واحذَروا قولَ السوء، يقول -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه- لما قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ"؛ فالأمر خطير.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».
ومن الأخطار العظيمة أنَّنا نسمع من بعض المخدوعين من أبناء المسلمين عبارات تُنبِئ عن خطرٍ عظيم واعتقادٍ فاسد؛ وهو قول بعضهم: الإيمان في القلب، عندما يُنهَى عن معصية ارتكَبَها، وهذا بابُ شرٍّ ومدخلٌ خطير على أبناء المسلمين، فكأنَّ قائلَ هذا القول يقول: لا تضرُّ المعاصي ولا ترْك الواجبات ما دام العبد قد آمَن بالله ورسوله، وهذا هو مذهب المرجئة الفئة الضالَّة التي تقولُ يَكفِي الإيمان دُون عمل.
عباد الله اعلموا أن قول الإيمان في القلب يقولها بعض الجهال أو المغالطين، وهي كلمة حق يراد بها باطل؛ لأن قائلها يريد تبرير ما هو عليه من المعاصي؛ لأنه يزعم أنه يكفي الإيمان الذي في القلب عن عمل الطاعات وترك المحرمات، وهذه مغالطة مكشوفة، فإن الإيمان ليس في القلب فقط، بل الإيمان كما عرَّفَهُ أهل السنة والجماعة: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح.
قال الإمام الحسن البصري -رحمه الله-: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال".
وعمل المعاصي وترك الطاعات دليل على أنه ليس في القلب إيمان أو فيه إيمان ناقص. والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا) [سورة آل عمران: آية130]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ) [سورة المائدة: آية35]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ) [سورة المائدة: آية95]، فالإيمان لا يسمى إيمانًا كاملاً إلا مع العمل الصالح وترك المعاصي. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) [سورة البقرة: آية 277]، (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا) [سورة البقرة: آية 62]، فلا يكفي العمل الظاهر بدون إيمان بالقلب؛ لأن هذه صفة المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار.
ولا يكفي الإيمان بالقلب دون نطق باللسان وعمل بالجوارح؛ لأن هذا مذهب المرجئة من الجهمية وغيرهم، وهو مذهب باطل، بل لا بد من الإيمان بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح، وفعل المعاصي دليل على ضعف الإيمان الذي في القلب ونقصه، لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
قال - تعالى -: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد: 17].
وقال نبينا - صلوات الله وسلامه عليه -: "الإيمانُ بِضعٌ وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلَّا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شُعبةٌ من الإيمان".
عباد الله : وقال الإمام العلامة ابن باز -رحمه الله- : "الإيمان بالقلب لا يكفي عن الصلاة وغيرها، بل يجب أن يؤمن بقلبه وأن الله واحدٌ لا شريك له، وأنه ربه وخالقه، ويجب أن يخصه بالعبادة -سبحانه وتعالى-، ويؤمن بالرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأنه رسول الله حقاً إلى جميع الثقلين، كل هذا لا بد منه، فهذا أصل الدين وأساسه، كما يجب على المكلف أن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الجنة والنار والصراط والميزان، وغير ذلك مما دل عليه القرآن الكريم والسنة الصحيحة المطهرة.
ولا بد مع ذلك من النطق بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، كما أنه لا بد من الصلاة وبقية أمور الدين، فإذا صلى فقد أدى ما عليه، وإن لم يصل كفر؛ لأن ترك الصلاة كفر.
أما الزكاة والصيام والحج وبقية الأمور الواجبة إذا اعتقدها وأنها واجبة، ولكن تساهل فلا يكفر بذلك، بل يكون عاصياً، ويكون إيمانه ضعيفاً ناقصاً؛ لأن الإيمان يزيد وينقص، يزيد الإيمان بالطاعات والأعمال الصالحات، وينقص بالمعاصي عند أهل السنة والجماعة.
أما الصلاة وحدها خاصة فإن تركها كفر عند كثير من أهل العلم وإن لم يجحد وجوبها، وهو أصح قولي العلماء، بخلاف بقية أمور العبادات، من الزكاة والصوم والحج ونحو ذلك، فإن تركها ليس بكفر أكبر على الصحيح، ولكن نقص في الإيمان، وضعف في الإيمان، وكبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، فترك الزكاة كبيرة عظيمة، وترك الصيام كبيرة عظيمة.
وترك الحج مع الاستطاعة كبيرة عظيمة، ولكن لا يكون كفراً أكبر إذا كان مؤمناً بأن الزكاة حق، وأن الصيام حق، وأن الحج لمن استطاع إليه سبيلاً حق، ما كذب بذلك ولا أنكر وجوب ذلك، ولكنه تساهل في الفعل، فلا يكون كافراً بذلك على الصحيح.
أما الصلاة فإنه إذا تركها يكفر في أصح قولي العلماء كفراً أكبر والعياذ بالله، وإن لم يجحد وجوبها كما تقدم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" (أخرجه مسلم في صحيحه).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح، والمرأة مثل الرجل في ذلك: نسأل الله العافية والسلامة. ا. ه.
فالخطَر عظيمٌ يا عباد الله، والأعداء كثيرون، والباطل يُنمَّق ويُحسَّن، ودُعاته أكثَر من دُعاة الخير، ومذاهبه مُتعدِّدة، وكلُّ فرقة تدعو إلى مذهبها وتحسين باطلها، وتسعى في كسب أنصار ومُروِّجين، والحقُّ واحد وإنْ قلَّ أنصارُه ودُعاته، وما بعد الحق إلا الضلال، وإذا دخَل العقيدةَ ما يشوبُها فسد العمل.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى أصحابه أجمعين.
أما بعد: كلنّا يعلم أيها المؤمنون أهمية هذه المضغة الصغيرة، ألا وهي القلب، وأنها محطُ نظر الله -جل وعلا-.
كما جاء في الحديث الصحيح: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
ففي هذه المضغة يكون الإيمان والصدق والإخلاص لله -جل وعلا-، وفيها أيضاً يكون الكذب والنفاق والغش والخداع "وكُل إناءٍ بما فيه ينضح".
وليس الكلام هُنا عن رجل يصلي ويعمل بعض الطاعات، وعنده بعض التقصير الواضح
وإذا نُصح أنتصح وإذا ذُكّر تذكّر وقال جزاك الله خيراً، "فكلنّا ذوو خطأ".
ولكن الكلام عن رجل يرتكب المحظورات، ويعمل بالكبائر والسيئات، ويترك الطاعات وهاجر للمساجد والصلوات، وعندما تكلمه وتناصحه يأتيك الرد على الفور: "الإيمان بالقلب"، فأصبح هذا القلب (شمّاعةً)، عند الكثير من الناس يبررون بها تركهم للأوامر وفعل المحرمات!!
وهل هذا القول يكفي بأن الإيمان في القلب؟! لا والله لا يكفي ومردود على قائله باتفاق علماء أهل السنة والجماعة، ومخالف للاعتقاد الصحيح للإيمان؛ بأن الإيمان: "اعتقادٌ بالقلب وقولٌ باللسان وعملٌ بالجوارح والأركان".
فأصل الإيمان في القلب ولا بد أن يظهر على الجوارح، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب".
وأيضاً إذا صلح القلب صلح معه العمل، والإيمان بدون عمل لا ينفع؛ كما قال الله عن أهل الفوز والنجاة من الخسارة كما في سورة العصر، (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 3]، والآيات والأحاديث كثيرة جداً، ويكفي في إبطال هذا القول وردّه ما جاء من الوعيد الشديد لمن وقع في المحرمات من أعمال سيئة ومعاصٍ.
ولو كان الإيمان بالقلب يكفي لم يأتِ الزجر والوعيد والعقوبة لمن قام بالفعل، ولو كان يكفي بالقلب لم يأتي الحث والأمر بفعل الطاعات والأعمال بالجوارح وأنها مع الإيمان بعد رحمة الله هي ثمن الجنة ومهرها، كما قال الله: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: 32].
فعليكم يا عباد الله باتباع كتاب الله وسنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، فلا خير إلا دلَّنا عليه، ولا شرَّ إلا حذَّرنا منه...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي