(أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) [البلد: 8]؟ هَلْ غَابَتْ عَنْكَ يَا مَنْ تَمَادَيتَ بِالمَعاصِي نِعْمَةُ اللهِ عَليكَ بِتِلْكَ العَينَينِ الجَمِيلَتينِ الَّلتينِ أَبْدَعَهُما الخَالِقُ العَظِيمُ! سَلْ طَبِيبَ العُيُونِ: كَمْ تُسَاوِي العَينُ الوَاحِدَةُ؟! بَلْ تَفَكَّرْ فِيمَنْ فَقَد عَينًا، وَرَكَّبَ مَكَانَهَا عَينًا زُجَاجِيَّةً، مَنْظَرٌ فَقَطْ! وَلِكِنَّها لا...
الحَمدُ للهِ مَنَّ عَلَينَا بِالقُرَآنِ هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِن الهُدَى والفُرقانِ، نَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ عَظِيمُ الجَلالِ والشَّأنِ، ونَشهدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ بَعثَهُ اللهُ رَحْمَةً وَأَمَاناً لِلإنْسِ والجَآنِّ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِك عَليهِ،وَعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أُولي الفَضلِ والتُّقَى والإِيمَانِ، وَمَنْ تَبِعَهُم بِإحسَانٍ وإيمانٍ, إلى يَومِ الْبَعْثِ والجَزَاءِ وَالإحْسَانِ.
أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوى, واستَمْسِكُوا مِن الإسلامِ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى, وَلْنُؤْمِنْ أنَّ أجْسَادَنَا على النَّارِ لا تَقْوى -أَجَارَنا اللهُ جَمِيعَاً وَوالِدِينَا مِنْ عَذَابِهَا-.
عِبَادَ اللهِ: لَمَّا تَحَدَّثْنَا عَنْ سُورَةِ البَلَدِ، بَيَّنا مِن خِلالِها مَكَانَةَ البَيتِ الحرَامِ, وَشَرَفَ النَّبِيِّ الأعْظَمِ، وَكَيفَ أنَّ اللهَ -تَعَالى- أَقْسَمَ بِجِنْسِ مَا تَوالَدَ مِن بَشَرٍ وَغَيْرِهِم، أنَّ عَيشَ الإنْسانِ فِي كَبَدٍ؛ حينَها تَوصَّلنا إلى وُجُوبِ الرِّضا والتَّسْلِيمِ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، فَلاَ فَرحَ بِما عِنْدَنَا، ولا تَحَسُّرَ على مَا فَاتَنَا، بَعْدَ تِلْكَ الآيَاتِ والمُقَدِّمَاتِ، قَالَ اللهُ -تَعَالى-: (أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا) [البلد: 5- 6] يَستَنْكِرُ اللهَ -تَعَالى- قَولَ الإِنْسَانِ الكَافِرِ المُتَبَاهِي بِقَولِهِ: أنْفَقْتُ مَالاً كَثِيرًا! أَفَيَظُنُّ أَنَّ اللهَ -تَعالَى- لا يَرِى فِعْلَهُ، ولا يُحَاسِبُهُ عليهِ؟ بَلْ حتَّى المُسْلِمَ الذي أنْفَقَ مَالاً كَثِيرَاً قَدْ تَرَاكَمَ بَعْضُهُ فَوقَ بَعْضٍ فَلَنْ يَسْلَمِ مِنْ حِسابِ اللهِ -تَعالَى- لَهُ!
أَتَدْرُونَ -يَاكِرامُ- لِمَاذَا سَمَّى اللهُ هَذَا الإِنْفَاقَ إِهْلاكاً؟ لِأَنَّهُ أَنْفَقَهُ فِي الشَّهَوَاتِ وَالمَعَاصِي! فَلَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، بَلْ سَيَعُودُ عَليهِ بِالنَّدَمِ وَالخَسَارِ وَالتَّعَبِ وَالقِلَّةِ، نَعَمْ سَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً!
نَسُوا أنَّ اللهَ -تَعالَى- سَيَسْألُهم عَنْ أَمْوَالِهمْ مِنْ أَينَ اكْتَسَبُوهَا وَفِيمَ أنفَقُوهَا؟
أَتُرَونَ -يَا مُؤمِنُونَ- مَنْ يُنفِقُونَ عَشَرَاتِ الآلافِ فِي سَفَرِيَّاتٍ مُحَرَّمَةٍ، وَلَيالٍ مَاجِنَةٍ، وَفِسْقٍ وَفُجُورٍ، أنَّهُمْ عَنْ أَمْوَالِهم لا يُسْألُونَ؟!
بَلى -واللهِ-: "فلاَ تَزُولُ قَدْمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ: عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أُنْفَقَهُ".
وَسُبْحَانِ اللهِ فَرْقٌ بَينَ هذا وَبَينَ يُتَاجِرُ مَعَ اللهِ -تَعالى-!
حَقَّاً: "نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ".
بَعْدَهَا قَالَ تَعَالَى: (أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ) [البلد: 7] أَيَظُنُّ ذَلِكَ الكَافِرُ وَكُلُّ فَاسِقٍ وَمُبَذِّرٍ وَعَاصٍ، أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- لَمْ يَطْلِعَ عَليهِ، وَهُو يُفَرِّقُ الأَمْوَالَ وَيُبَذِّرُهَا، وَيُنْفِقُهَا لِلصَّدِّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَفِي مَعاصِي اللهِ؟!
اللهُ أكْبَرُ! يا لَهُ مِنْ تَهْدِيدٍ بَلِيغٍ! إِنَّ غَيَابَ هَذَا المَعنى عَنْهُمُ هُو الذي أَوْرَدَهُمُ المَهَالِكَ.
لَقَدْ أَطْبَقَتِ الغَفْلَةُ عَلى قُلُوبِهِمْ, وَغَابَ عنْهُمُ الشُّعُورُ بِرَقَابَةِ اللهِ، فَصَارُوا إخْوَانَاً لِلشَّيَاطِينِ! فاللهُمَّ أعْطِ مُنْفِقَاً في سَبِيلِ الخَيرِ خَلَفاً, ومُنْفِقَاً في سَبِيلِ الشَّرِّ تَلَفَاً.
يا مُؤمِنُونَ: وَمَنْ تَأمَّلَ الآيَاتِ الكَرِيمَاتِ الآتِيَةِ: وَجَدَ أنَّ أُسْلُوبَ السُّورَةِ أَتَى بِلَونٍ جَدِيدٍ مِنْ وَقْعِ الآيَاتِ، والجُمَلِ، قَالَ عَزَّ وَتَعَالَى: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) [البلد: 8 - 9] أَيُّ كَرَامَةٍ لِلإنْسَانِ أَنَّ الخَالِقَ العَظِيمَ هُوَ بِنَفْسِهِ الذي جَعَلَ هَذِهِ النِّعَمَ لِبَني آدَمَ وَلَمْ يُوَكِّلْ بِهَا أَيَّ مَخْلُوقٍ آخَرَ!
لَقَدْ ذَكَّرَ اللهُ بَني آدَمَ بِعِدَّةِ نِعَمٍ تَدُلُّ عَلى رُبُوبِيَّتِهِ -سُبْحَانَهُ- عَليهِمْ، فَقَالَ: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) [البلد: 8]؟ هَلْ غَابَتْ عَنْكَ يَا مَنْ تَمَادَيتَ بِالمَعاصِي نِعْمَةُ اللهِ عَليكَ بِتِلْكَ العَينَينِ الجَمِيلَتينِ الَّلتينِ أَبْدَعَهُما الخَالِقُ العَظِيمُ! سَلْ طَبِيبَ العُيُونِ:كَمْ تُسَاوِي العَينُ الوَاحِدَةُ؟! بَلْ تَفَكَّرْ فِيمَنْ فَقَد عَينًا وَرَكَّبَ مَكَانَهَا عَينًا زُجَاجِيَّةً، مَنْظَرٌ فَقَطْ! وَلِكِنَّها لا تَرَى ولا تُبْصِرُ شَيْئًا! أَرَأَيتَ فَضْلَ اللهِ عَلَيكَ؟ هَلْ جَزَاءُ هَذِهِ النِّعْمَةِ أنْ تُطْلِقَ بَصَرَكَ فِيمَا تَشَاءُ كَيفَمَا تَشَاءُ لِمَا تَشَاءُ؟ أينَ أَنَا وَأَنْتَ مِنْ قَولِ اللهِ -تَعَالَى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) [النــور: 30].
وَفِي حَدِيثٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْعَيْنُ تَزْنِي، وَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ".
فاللهُمَّ اعصِمْنَا مِنْ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَنَ.
عِبَادَ اللهِ: مِنْ كَثْرَةِ كَلامِنَا قَدْ نَنْسَى نِعْمَةَ اللهِ علينا بالنُّطْقِ والبَيَانِ، فَذَكَّرَنا اللهُ بِقَولِهِ: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) [البلد: 8- 9] مَاذاَ لَو كُنْتَ أَصَمَّ لا تَتَكَلَّمُ؟! تَخْطُر فِي نَفْسِكَ الخَاطِرَةُ، وَتَعْرِضُ لَكَ الحَاجَةُ، وَلا تَستَطِيعُ أَنْ تُفْصِحَ عَنْها، أيُّ حَرَجٍ سَتَلْقَاهُ؟ وَأَيُّ حَنَقٍ سَيَكُونُ في نَفْسِكْ؟ تَأَمَّلْ حَالَةَ إخْوَانِنَا الصُّمَّ إذا أَرَادَ أحَدُهُمْ حَاجَةً تَحَرَّكَتْ يَدَاهُ وَرَأْسُهُ وَشَفَتَاهُ وَعَيْنَاهُ، وَقَدْ لا تَفْهَمُ مُرَادَهُ على مَا أَرَادَ! وَأَنْتَ بِمُجَرَّدِ تَحْريكِ عَضَلاتِ لِسَانٍ عَجِيبٍ يَخْرُجُ مِنْكَ السِّحْرُ والبَيَانُ! إنَّهُ الرَّحْمَنُ الذي عَلَّمَنا الْبَيَانَ.
ثُمَّ إنَّ اللهَ -تَعَالَى- جَمَّلَكَ بِشَفَتَيْنِ تَفْتَحَهُمَا وَتُغْلِقَهُمَا بِمِقْدَارٍ، وَفِيهِمَا مِن الجَمَالِ والفَائِدَةِ، مَا لَو تَأَمَّلْناه لَوَجَدْنا عَجَبَاً! فَهُما كَالبَوَّابَةِ لِجَوْفِ الإنْسَانِ! أَعْطَتُهُ جَمَالاً وَحِفْظَاً! وَلِذا عَظُمَ خَطَرُ اللِّسَانِ، وَضَمِنَ الرَّسُولُ الأكْرَمُ لِمَنْ حَفِظَهُ أَنَّهُ يَضَمَنُ لَهُ الجَنَّةَ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ!
فيا أيُّها المُؤمِنُ: قُل خَيراَ تَغْنَمُ أو اسكُتْ تَسْلَمُ.
واستَغفِرُ اللهَ الكَرِيمُ الْأَكْرَمُ, الَّذِي عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، إنَّهُ بِعِبَادِ أَرأَفُ وَأَرْحَمُ.
الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَنَا فِي أَحْسَنِ تَقْويمٍ, وَهَدَانا صِرَاطَهُ المُستَقِيمَ, نَشْهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ البَرُّ الرَّحيمُ, وَنَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صًاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ, والدِّينِ القَويمِ, صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وَأَصحابِهِ وأَتْبَاعِهِمْ بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ وَأدُّوا مَا فَرَضَ عليكُمْ مِنْ وُجُوبِ حَمْدِهِ وَشُكْرِهِ عَليكُمْ، فَقَدْ آتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَصَدَقَ اللهُ: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].
أيُّها الأخُ المُؤمِنُ: بَعْدَ مَا عَدَّدَ اللهُ عَليكَ بَعْضَ نِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ عَليكَ تَفَضَّلَ عَليكَ بِأَنْ قَالَ: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد: 10] أَيْ أبَانَ لَكَ طَرِيْقَيْ الخَيرِ وَالشَّرِّ، وَالهُدَى مِنْ الضَّلالِ! وَأَمَرَكَ بِالخَيرِ، وَنَهَاكَ عن الشَّرِّ.
فَهَذِهِ المِنَنُ الجَزِيلَةُ، تَقْتَضِي مِنْكَ أَنْ تَقُومَ بِحُقُوقِ اللهِ، وَتَشْكُرَهُ عَلى نِعَمِهِ، وَأَلاَّ تَستَعِينَ بِالنِّعَمِ على المَعَاصِي، حتَّى إنَّ بَعضَ المُفَسِّرينَ أَفَادُوا أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- هَدَى المَولُودَ الجَدِيدَ أنْ يَلْتَقِمَ النَّجدَينِ وَهُما الثَّدْيَانِ! دُونَ أَنْ يَتَلَقَّى دُرُوسًا فِي طَرِيقَةِ الرَّضَاعَةِ! فَمَا أَنْ تَضُمَّهُ الأُمُّ إلى صَدْرِهَا إلاَّ وَيَشْرَعُ فِي تَنَاوُلِ رِزْقِهِ، فَمَنْ أَلْهَمَهُ وَهَدَاهُ وَعَلَّمَهُ؟!
إنَّهُ اللهُ الوَاحِدُ الأحَدُ.
ثُمَّ قَالَ تَعالَى بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ نِعَمَهُ عَلَى كُلِّ مَنْ تَكَبَّرَ وَتَجَبَّرَ: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ) [البلد: 11- 12] يَعنِي أنَّ أمَامَكَ طَرِيقَاً شَاقَّاً، وَعِراً وَصَعْبَاً، يَحتَاجُ إلى شِدَّةٍ، وَمُضِيٍّ، وَتَحَامُلٍ على النَّفْسِ وَتَخَلُّصٍ مِنْ الشُّحِّ والبُخْلِ والطَّمَعِ, وَتَحْتاجُ إلى نَفْسٍ مُؤمِنَةٍ مُوقِنَةٍ تَطْلُبُ ما عِنْدَ اللهِ لا رِيَاءً ولا سُمْعَةً مُبْتَعِدَةٍ عَنْ شَهَوَاتِهَا، والعَقَبَةُ كَأنَّها نَارٌ أَمَامَ بَني آدَمَ! لا يُمْكِنُ أنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ عَذَابِها إلاَّ إذا أَتَى بِمَا يُنْجِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَلَهَبِها بِأَعمَالٍ صالِحَةٍ أَفْضَلُها وأَعظَمُها عِنْدَ اللهِ: (فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) [البلد: 13- 16].
فَأَوَّلُ الأَعْمَالِ: فَكُّ رَقَبَةٍ، وَذَلِكَ بِعِتْقِها وَتَخْلِيصِها مِنْ الرِّقِّ، بِأنْ تُشتَرى وَلو بِأَغْلَى الأثْمَانِ ثُمَّ تَكُونُ حُرَّةً لِوَجْهِ الله -تَعَالى-، وَلِهذا رَتَّبَ اللهُ أَعلى الأُجُورِ لِمَنْ يُعتِقُونَ إخْوَانَهُمُ الأرِقَّاءَ! في صَحِيحِ مُسلِمٍ وَغَيرِهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي اللهُ عنه- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ, حَتَّى يُعْتِقَ فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ".
اللهُ أكبَرُ -عِبَادَ اللهِ-: هَذا دِينُ اللهِ الذي جَاءَ لِيَحْفَظَ الأنْفُسَ وَيُحَافِظَ عليها، فَكَيفَ يَستِحِلَّ أُنَاسٌ خَرَجُوا عَنِ المُؤمِنينَ وَخَرَجُوا عَلى المُؤمِنينَ وَصَاروا يَسْبُونَ الحَرَائِرَ والعَفِيفَاتِ بِأَدْنَى الشُّبَهِ! ألا يَعْلَمُ هؤلاء الخَوارِجِ الأغْرَارِ أنَّ اللهَ -تَعالى- خَصْمُهُم يَومَ القِيامَةِ؟
في صَحِيحِ البُخاريِّ وَغيرِهِ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "قَالَ اللَّهُ ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وَمِنْهُم: "وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ".
وَثَانِي الأعْمَالِ الفَاضِلَةِ عندَ اللهِ: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) [البلد: 14] يَعني: فِي يَومٍ شَدِيدِ المَجَاعَةِ؛ لِأَنَّ الإطْعَامَ فِي أَيَّامِ المَجَاعَةِ يَحتَاجُ إلى شِدَّةِ مُجَاهَدَةٍ لِلنَّفْسِ وَتَخَلُّصٍ مِنْ الشُّحِ والبُخْلِ وَوَسْوَسَةِ الشَّيطَانِ وَكَيدِهِ فالشَّيطانُ؛ كَمَا قَالَ اللهُ عَنْهُ: (يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) [البقرة: 268].
ثُمَّ بَيَّنَ اللهُ نَوْعَ المُطْعَمِ، فَقَالَ: (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ) [البلد: 15]، فَمِنْ جِهَةِ أنَّهُ يَتِيمٌ قَد مَاتَ أَبُوُهُ وَلَمَّا يَبْلُغُ الحُلُمَ، فَكَيفَ إذا كَانَ فَقِيرَاً وَقَرِيبَاً لَكَ فَهذا الإنْفَاقُ عليهِ أَوْلَى وألزَمُ وأعْظَمُ أجْرَاً ألمْ يَقُلْ نَبِيُّا: "الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الْقَرَابَةِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ, وَصِلَةٌ".
وَمِنْ أَوجُهِ البِرِّ والأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ: الإنْفَاقُ على مَنْ عَنَاهُمُ اللهُ بِقَولِهِ: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) [البلد: 16] وَهُو مَنْ أَسْكَنَتْهُ الحَاجَةُ وَالفَاقَةُ فَخَفَضَتْهُ وَألْصَقَتْهُ بِالتُّرَابِ.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: هُوَ المَطْرُوحُ على ظَهْرِ الطَّرِيقِ لا بَيْتَ لَهُ.
عِبَادَ اللهِ: وَمَنْ تَأمَّلَ حَالَةَ إخْوَانٍ لَنا فِي الشَّامِ واليَمَنِ وبُورْمَا وَأَفْرِيقِيَا، رَأَى مَسَاكِينَاً مِمَّنْ التَصَقُوا بالتُّرَابِ وَأَكَلُوا أَورَاقَ الشَّجَرِ!
فَيَا أَيُّها المُؤمِنُونَ: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران: 92].
وَفي صَحيحِ مُسلِمٍ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِيَ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ".
أمَّا صِفَةُ أهلِ الإيمانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ وَجَزَاؤُهم فَلَها مَقَامٌ آخَرُ -بِإذْنِ اللهِ تَعالى-.
نَسْألُ المَولى أنْ يَنْفَعَنَا وَيَرْفَعَنا بالقُرآنِ العَظِيمِ, وأَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَتَعَلَّمُ القُرآنَ، ويُعَلِّمُهُ ويَعْمَلُ بِهِ وَيَتَعَلَّمُ تَأْوِيلَهُ.
اللهُمَّ ارزُقْنا تِلاوَتَهُ آنَاءَ الَّليلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ إيمَانَا واحْتِسَابَا.
وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا وَلا إلى النَّارِ مَصِيرَنا.
الَّلهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَدُورِنَا وَأَصْلِح أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا، وَأَبْرِم لِأُمَّتِنَا أَمْرِاً رَشِيدَاً وَعَملاً سَدِيداً وَحِّدْ صُفُوفَنا وانْصُرْ جُنُودَنا واحْمِ حُدُودَنا وَاشْفِ مَرْضَانَا وارْحَمْ مَوتَانَا, اللهُمَّ كُنْ لِلمُسَتَضعَفِينَ مِنْ المُسلِمينَ, اللهم أكْسُ عَارِيَهُم وأطْعِمْ جَائِعَهُمْ وارحَمْ ضَعْفَهُمْ يَارَبَّ العَالَمينَ.
اللهمَ اجْعَلنا لَكَ مِن الشَّاكِرينَ لَكَ مِنْ الذَّاكِرينَ.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي