بأي لسان نصِفُه؟ وبأي بنان نمدحه؟ القلب يحبه.. والروح تُجلّه.. والمؤمن يوقّره.. والولي يعزره.. والجذع يحن إليه.. والنفس تشتاق إليه.. أقرب إلينا من أنفسنا.. وأحَبُّ إلينا من أموالنا وأولادنا.. إنه نبي الرحمة.. ورسول الملحمة.. النبي المصطفى، والحبيب المجتبى.. محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم-، شرّف الله -عزّ وجلّ- نبيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بآيات كثيرة من كتابه الكريم فأظهر بها عُلُوَّ شرف نسبه ومكارم أخلاقه وحسن حاله وعظيم قدره وأمرنا بتعظيمه...
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد..
وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير..
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، طبّ القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها..!
بأي لسان نصِفُه؟ وبأي بنان نمدحه؟
القلب يحبه.. والروح تُجلّه.. والمؤمن يوقّره.. والولي يعزره.. والجذع يحن إليه.. والنفس تشتاق إليه.. أقرب إلينا من أنفسنا.. وأحَبُّ إلينا من أموالنا وأولادنا..
إنه نبي الرحمة.. ورسول الملحمة.. النبي المصطفى، والحبيب المجتبى.. محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة 128].
إخوة الإيمان والإسلام: لقد شرّف الله -عزّ وجلّ- نبيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بآيات كثيرة من كتابه الكريم فأظهر بها عُلُوَّ شرف نسبه ومكارم أخلاقه وحسن حاله وعظيم قدره وأمرنا بتعظيمه فقال وهو أصدق القائلين : (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة الأعراف: 157].
فقوله -عزّ وجلّ- (وعزّروه) معناه أثنوا عليه ومدحوه وعظمّوه، فاحترامه وتوقيره وإجلاله وتعظيمه -صلى الله عليه وسلم- فرض من مهمات الدين وعمل من أعمال المفلحين ونهج الأولياء والصالحين، وأما تنقيصه أو بغضه أو تحقيره، فضلال مبين وكفر مُشين، أعاذنا الله وإيّاكم من زيغ المفسدين.
الله عظّم قدر جاه محمـد *** وأناله فضلاً لديه عظيمـًا
في محكم التنْزيل قال لخلقه *** صلّوا عليه وسلّموا تسليما
وإن من لوازم محبته -صلى الله عليه وسلم- اتباع سنّته، وتوقير ملته، والإحاطة بصفاته الخلْقية والخُلُقية..
والمقصود بصفاته الخُلُقية: أي أخلاقه التي جمّله الله بها، وطبعه عليها كالحلم والرفق والتواضع ونحوها، أما صفاته الخلْقية فالمقصود بها صفاته الجبلّية التي فطره الله عليها في خِلْقته وسمات جسده، وصفات أكله وشربه ومِشيته ونومه ونحوها فهذا ما سنأتي عليه في ثنايا حديثنا اليوم بإذن الله.
أيها المسلمون:
لقد كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلْقًا وخُلقًا، فقد جمع الله له كمال الأخلاق ومحاسن الشيم وآتاه من العلم والفضل ما لم يؤت غيره، وإن كان نبي الله الكريم يوسُف الصِدّيق -صلى الله عليه وسلم- أُوتي شَطْرَ الحُسْن، وافْتُتن به بعض النساء، فلقد أوتي رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الحُسْنَ كاملا مع الهيبة والوقار.
فهو أجملُ الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأكملهم من قريب.
فكان منظره يوحي لِمن يراه أنّه أَمام نبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
والتعرف على الصفات الخلْقية للنبي -صلى الله عليه وسلم- من كمال المعرفة بنبينا -صلى الله عليه وسلم-. وكان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إذا وصف النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "هو خاتَمُ النبيّين، أجْوَدُ الناس صَدْرَا، وأصدقُ الناس لهجةً، وألْيَنُهُمْ عَريكة، وأكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، من رآه بَدِيْهَةً هابَهُ، ومن خالطه مَعْرِفَةً أحبّه".
وإليكم أيها المسلمون طرفا من صفاته -صلى الله عليه وسلم- الخلْقية:
فأما طوله -صلى الله عليه وسلم- فقد كان -صلى الله عليه وسلم- ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، وسطًا من القوم، ليس بالطويل الذاهب، ولا بالقصير، فعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله مَرْبُوعاً، ولقد رأيتُه في حُلّة حمراء، ما رأيتُ شيئا قطُّ أحسنَ منه" [متفق عليه].
ومربوعًا: أي ليس قصيرًا ولا مُفرطًا في الطول، وكان إلى الطول أقرب.
أما لونه -صلى الله عليه وسلم-: فلم يكن -صلى الله عليه وسلم- بالأبيض الأمهق، ولا بالأدم، ولا بالجعد القطط، ولا بالسَّبط -صلى الله عليه وسلم-. بل كان -صلى الله عليه وسلم- أبيض مليح الوجه، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله أزهر اللون"، أي: أبيض مشربًا بحمرة.
وعن أبى سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله وما على الأرض رجل رآه غيري. قيل له : كيف رأيته؟ قال : أبيض مليحاً مُقصَّداً".
وأما وجهه -صلى الله عليه وسلم-: فقد كان -صلى الله عليه وسلم-: "حسن الوجه، عظيم الرأس، واسع الجبين، سهل الخَدّين، وكان -صلى الله عليه وسلم- ضَليع الفم" أي: العظيم، وذلك دليل على سلامة النُطق وفصاحة الكلام.
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "وكان -صلى الله عليه وسلم- من أحسن الناس ثَغرًا".
وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- سُئل: "أكان وجه رسول الله مثل السيف؟ قال لا، بل مثل القمر".
وعن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن تبوك قال: "فلمَّا سلمت على رسول الله وهو يبرق وجهه من السرور، وكان رسول الله إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه".
ومن مجموع هذه الآثار الصحيحة نجد أن النبي كان أحسن الناس وجهًا كالقمر ليلة البدر.. أبيض مليحاً، في وجهه تدوير، أزهر اللون أي: أبيض مستنير مائل إلى الحمرة إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه القمر.
وأخرج الدارمي والبيهقي عن جابر بن سمرة أنه قال: "رأيت النبي في ليلة أضحياه "أي: في ليلة مقمرة"، فجعلت أنظر إليه، وأنظر إلى القمر، أنظر إلى النبي، وأنظر إلى القمر، ثم قال: "فو الله لقد كان النبي في عيني أحسن من القمر".
أما عين النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان أدعج العينين أي: شديد سواد العينين، إذا رأيته من بعيد تظن أنه مكتحل.
وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال : "كان رسول الله ضليع الفم، أشكل العينين، منهوس العقبين، ضخم القدمين".
قيل لسماك: ما ضليع الفم، قال عظيم الفم، قيل: وما أشكل العينين؟ قال طويل شق العين. قيل ما منهوس العقب؟ قال قليل لحم العقب.
وعن جابر بن سمرة قال: "كان في ساقي رسول الله حُمْوشةُ، وكان لا يضحك إلا تبسماً، وكنت إذا نظرتُ إليه فلت: أكحل العينين، وليس بأكحل، وكان يكتحل بالإثمد كل ليلة في كل عين ثلاثة أطراف عند النوم".
وأما فم المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "فقد تقدم حديث جابر بن سمرة أنه كان ضليع الفم" أي: واسع الفم، قالوا: والعرب تمدح بذلك وتذم صغر الفم وقيل واسع الفم من البلاغة، فإذا كان الرجل ضليع الفم يكون بليغاً مفهوماً.
وكان مفلج الأسنان فلم تكن أسنانه متلاصقة، وهذا أطيب للفم وأجمل، وكان إذا رؤى وهو يتكلم ظن الناظر إليه كأن نور يخرج من بين ثناياه.
وأما شَعره -صلى الله عليه وسلم-: فقد كان -صلى الله عليه وسلم- عظيم شعر الجُمَّة إلى شحمتي أذنيه، وفي وقت إلى منكبيه، وفي وقتٍ إلى نصف أذنيه، كث اللحية.
وعن قتادة -رحمه الله- قال: "سألت أنساً -رضي الله عنه- عن شعر رسول الله؟ فقال: شعر بين شعرين، لا رجِلٌ ولا جَعدُ قططٌ كان بين أذنيه وعاتقه".
وفى رواية: كان يضرب شعره منكبيه.
وفى رواية أبى داود: كان شعر رسول الله إلى شحمة أذنيه.
وكان قليل الشَّيب في رأسه وفي لحيته إذا ادَّهن لم يُرَ شيبه، وإذا لم يدَّهن رُئي منه شيء، وكان في شعره عشرين شعرة بيضاء كما جاء في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "مات رسول الله في الثلاثة والستين ولم يكن في شعره إلا عشرين شعرة بيضاء".
وأما رائحته -صلى الله عليه وسلم-: فقد كان -صلى الله عليه وسلم- أطيب الناس رائحة. وإذا مرَّ من طريق عُرِفَ أنّه مَرَّ من هنا، لطيب رائحته.
قال أنسُ بن مالك -رضي الله عنه-: "ما مَسَسْتُ ديباجًا ولا حريرًا ألْينَ من كفِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا شَممتُ رائحة قطُّ أطيبَ من رائحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولقد خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، فما قال لي قطّ: أُفٍّ، ولا قال لشيءٍ فعلتُه: لمَ فعلْتَه؟، ولا لشيءٍ لمْ أفعَلْه: ألا فعَلْتَ كذا؟".
وكان يحب الطيب، ويقول: "طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه".
الحمد لله رب العالمين، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضي نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكر الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار..
ومن صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبوة بين كتفه:
فقد كان -صلى الله عليه وسلم- بين كتفيه خاتم النبوة كبيضة الحمامة.
عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله قد شَمطَ مقَّدم رأسه ولحيته، وكان إذا ادّهن لم يتبين فإذا شعث رأسُه تَبَيَّنَ، وكان كثير شعر اللحية، فقال رجل: وجهُه مثلُ السيف؟ قال: لا، بل مثل الشمس والقمر، وكان مستديراً. قال: ورأيت الخاتم عند كتفيه مثل بيضة الحمام، يشبه جسده".
وكان ضخم الكراديس كما في حديث عليّ المتقدم، "والكراديس كل عظمتين التقتا في مفصل: فهو كردوس والجمع كراديس، نحو الركبتين والمنكبين والوركين".
وكان سواء البطن والصدر دون ارتفاع أو انخفاض بينهما، أشعر المنكبين والذراعين وأعالي الصدر ذا مشربة، وهي الشعر الدقيق من الصدر إلى السرة كالقضيب.
وأما مشيته -صلى الله عليه وسلم-: فقد كان إذا مشى كأنما تُطوَى له الأرض ويجدَّون في لحاقه وهو غير مكترث.
وعن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: "ما رأيت أحسن من رسول الله كأن الشمس تجري في وجهه، قال: وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله، لكأنما الأرض تطوى له، كنا إذا مشينا معه نجهد أنفسنا، وإنه لغير مُكْتَرِث".
وكان إذا التفتَ التفت جميعاً ومعناه أنه كان لا ينظر من طرف عينه، وهذه من علامات التواضع، فكان خافض الطرف، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء.
وكان يلبس العمامة، والإزار، وإزاره إلى نصف ساقه -صلى الله عليه وسلم-.
هذه بعض من صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- الخلقية، ومهما قيل في وصفه فلن نعطيه حقه -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ كان أحسن الناس خَلْقًا وخُلقًا.
وبعد.. فليُعلم أنّ من لوازم محبته وتوقيره -عليه الصلاة والسلام- اتباع سُنّته، واقتفاء هديه فمع توقيرنا لجنابه الشريف.. إلا أنّ ذلك لابد أن يكون مُؤطّراً بأُطر الشريعة، وأسوار السُّنة، فليس كل ما يستحسنه المرء صواباً فالمحبة الصّادقة بجنابه -صلى الله عليه وسلم- فيما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد".
وإنّ مما يُستحسن الإشارة إليه: التحذير من تلبيس الشيطان على البعض في إيقاعهم في محاذير شرعية أو مزالق شركية بدافع الحب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كالحلف به، أو إقامة الاحتفالات لمولده، أو التعبيد باسمه كأن يُسمّي نفسه (عبدالنبي)؛ فإنّ ذلك غير مشروع والخير كُلّه في التزام هدي المصطفى واقتفاء أثره.
إلّا وإنّ من تمام المحبة بجنابه، وكمال التعظيم لسنّته الصلاة والسلام عليه.فقد أمركم ربكم بأمر بدأ فيه بنفسه...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي