ولله الأسماء الحسنى

عبد الملك بن محمد القاسم

عناصر الخطبة

  1. أسماء الله بلغت في الحسن غايته
  2. مشروعية التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته عند الدعاء
  3. المقصود بإحصاء أسماء الله
  4. هل أسماء الله الحسنى منحصرة بتسعة وتسعين؟
  5. معاني الإِلحاد في أسماء الله
  6. نصيحة وتذكير

الخطبة الأولى

الحمد لله كما حمد نفسه، وكما هو أهله ومستحقه، وكما حمده الحامدون من جميع خلقه، وأستعينه استعانة من فوض إليه أمره، وأقر أنه لا منجا ولا ملجأ إلا إليه، وأستغفره استغفار مقر بذنبه، معترف بخطيئته، وأشكره على سابغ نعمته وعظيم منته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا بربوبيته وإخلاصًا له في وحدانيته، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، خيرته من بريته، ائتمنه على وحيه واصطفاه لرسالته، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى صحابته والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، والزموا التقوى في سركم وعلانيتكم، وعظموا ربكم واتقوه، فإنه -سبحانه- عليم بأحوالكم، مطلع على سرائركم ناظر إليكم، ثم يجازيكم على أعمالكم إن خيرًا فخيرًا، وأن شرًا فشرًا.

أيها المسلمون: لله -سبحانه وتعالى- أسماء قد بلغت الغاية في الحسن؛ فليس في لأسماء أحسن منها ولا أكمل، ولا يقوم غيرها مقامها؛ لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه.

ومن أسمائه: الرحمن، الرحيم، السميع، البصير، العليم، العزيز، القدير.

"فالرحمن الرحيم": يدلان على كمال الرحمة، والسميع: يدل على كمال السمع، والبصير: يدل على كمال البصر…

وقد أمر الله -سبحانه- عباده بأن يدعوه، فقال: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾.

فهم فقراء محتاجون إليه، وهو غني كريم مجيب قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، خزائنه لا تنفد، ولا تنقص بالعطاء.

فعلينا أن ندعوه – سبحانه – بخيري الدنيا والآخرة، ونتحرى أوقات الإِجابة، ونبتعد عن موانعها من أكل الحرام وغيره.

ويشرع التوسل بأسماء الله وصفاته والعمل الصالح عند الدعاء، بل إن ذلك من أسباب الإِجابة.

ودليل التوسل بالأسماء: ما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن كفوًا أحد" [رواه النسائي].

ودليل التوسل بالصفات أنه صلى الله عليه وسلم إذا أصابه هم أو غم قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" [رواه الحاكم].

ودليل التوسل بالعمل الصالح قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فتوسل كل واحد منهم بصالح عمله ففرج الله عنهم.

وقد بين صلى الله عليه وسلم: "أن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة".

ومعنى أحصاها: الإِحاطة بها لفظًا، وفهمها معنى، والتعبد لله بمقتضاها، ولذلك وجهان:

الأول: أن تدعو الله بها لقوله سبحانه: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾ وذلك بأن تجعلها وسيلة إلى مطلوبك، فتختار الاسم المناسب لمطلوبك، فعند سؤال المغفرة والرحمة تقول: "يا غفور يا رحيم اغفر لي وارحمني" وكقول: "رب اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" وعند سؤال الشفاء: "يا شافي اشفني" وهكذا.

الثاني: أن تتعرض في عبادتك لما تقتضيه هذه الأسماء، فمثلاً: أسماء الله "السميع والعليم والرقيب" تملأ القلب مراقبة لله في الحركات والسكنات، فلا يقول المرء أو يفعل إلا ما يُرضي الله فإذا كان كذلك كان جديرًا بأن يكون ذلك ثمنًا لدخول الجنة.

عباد الله: الأسماء الحسنى ليست منحصرة في تسعه وتسعين لحديث: "أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك".

والحديث جملة واحدة، وقوله: "من أحصاها دخل الجنة" صفة لا خبر مستقل؛ لئلا يتوهم الحصر بالتسعة والتسعين اسمًا، فلا تدخل تحت حصر ولا تحد بعدد، والمعنى: له – سبحانه – أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها، والتسعة والتسعين واردة في الكتاب والسنة.

وقد حذر الله – عز وجل – من الإلحاد في أسمائه، فقال تعالى: ﴿وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسمائه سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 180].

ومعنى الإِلحاد في أسماء الله: هو الميل بها عما يجب فيها، وهو أنواع منها:

أولاً: تسمية الأصنام بأسماء الله كما يفعل المشركون، حيث سموا اللات من الإِله، والعزى من العزيز.

ثانيًا: تسمية الله -سبحانه وتعالى- بما لا يليق بجلاله، كتسمية النصارى له أبًا – تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا-.

ثالثًا: وصفه -تعالى- بما يتعالى عنه ويتقدس، من النقائص؛ كقول اليهود: ﴿إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ﴾ [آل عمران: 181].

وقولهم: ﴿يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة: 64].

رابعًا: إنكار شيء من الأسماء، أو مما دلت عليه من الصفات أو الأحكام.

وقد أمر – سبحانه – بالإِعراض عن مجادلة الذين يميلون بهذه الأسماء الجليلة إلى غير الوجهة السليمة، وأخبر أنهم سيلقون جزاءهم الرادع: ﴿سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.

فالواجب على العبد المسلم أن يتعرف على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، ويدعوه ويتوسل إليه بها، وأن يحذر من سلوك طريق أهل الإِلحاد والضلال في أسماء الله وصفاته.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 180].

بارك الله لي ولكم…

الخطبة الثانية

الحمد لله كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله حق تقواه، فإن الله خلقكم لمعرفته وعبادته، فطوبى لمن قام بحق مولاه، فحقه عليكم أن تعبدوه ولا تشركوا به، شركًا خفيًا ولا جليًّا، وأن تحققوا المتابعة والإِخلاص، ويكون الله وحده لكم ناصرًا ووليًا؛ تقربوا إليه بالأعمال الصالحة؛ وتحببوا إليه بإجابة أوامره، والابتعاد عن نواهيه، وادعوه وتوسلوا إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وتداركوا أعماركم بالتوبة النصوح، وإصلاح الأعمال قبل اخترام النفوس، وحضور الآجال، قبل أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله؛ وطاعة ذي الجلال، كيف تغترون بالدنيا، وقد أمدكم بعمر يتذكر فيه من تذكر، وجاءكم النذير، وقد علمتم أن الأجل ينطوي، والإنسان في كل لحظة يرحل ويسير، يا عجبًا لنا! نضيع أوقاتنا وهي أنفس ما لدينا باللهو والبطالات، وقد جعلنا الدنيا دار قرار، وإنما هي دار العمل والتزود واغتنام الخيرات، يا عجبًا تستوفي جميع مراداتك من مولاك، ولا تستوفي حقه عليك وأنت متبع لهواك، وتعرض عن مولاك وقت الرخاء والسراء، وتلجأ إليه حين تصيبك الضراء أكرمك وقدمك على سائر المخلوقات، فقدمه في قلبك وقد حقه على كل المرادات، من أقبل على ربه تلقاه، ومن ترك لأجله وخالف هواه عوضه خيرًا مما تركه ورضي عنه مولاه، ومن قدم رضا المخلوقين على رضاه فقد خسر دينه ودنياه، ومن أعرض عن ذكره فإن له معيشة ضنكًا، وذلك بما قدمت يداه، ومن توكل عليه صادقًا من قلبه يسر له أمره وقواه.

هذا، وصلوا وسلموا.


تم تحميل المحتوى من موقع