تحريم أكل المال بالباطل

علي باوزير
عناصر الخطبة
  1. المال من الأمور الأساسية في حياة الناس .
  2. أقسام المال في الشريعة .
  3. الترهيب من أكل المال الحرام في الشريعة .
  4. خطورة الغلول ونهب المال العام .
  5. صور المال الحرام كثيرة متعددة .
  6. كيفية التوبة من المال الحرام. .

اقتباس

المال شيء مهم جدًّا في حياة الناس، لا يستطيعون أن يستغنوا عنه أبداً، وإلا اضطربت حياتهم اضطرابًا شديدًا. ولأهميته البالغة جاءت الشريعة بحفظ الأموال والعناية بها، والحرص عليها،.. وجعلت الشريعة المال على قسمين؛ مال حلال يجوز أخذه والانتفاع به، ومال حرام لا يجوز أخذه ولا يجوز الانتفاع به. وجعلت للمال الحلال وسائل وطرقًا يُكتسب من خلالها، وما أُخِذ بغير ذلك من الطرق المنحرفة؛ فإنه مال حرام لا يجوز أبداً أن يُؤخذ، أو أن يؤكل، وحذرت الشريعة من هذا النوع من المال أشد التحذير،...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد أيها المسلمون عباد الله: المال من الأمور الأساسية في حياة الناس؛ فبه قيام حياتهم، واستقامة أحوالهم كما وصفه الله -سبحانه وتعالى- بذلك فقال: (أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً) [النساء: 5]، أي: جعل الله بها قوام حياتكم، وبها استقامة أحوالكم.

المال شيء مهم جدًّا في حياة الناس، لا يستطيعون أن يستغنوا عنه أبداً، وإلا اضطربت حياتهم اضطرابًا شديدًا.

ولأهميته البالغة جاءت الشريعة بحفظ الأموال والعناية بها، والحرص عليها، وشرعت من الشرائع، وأمرت من الأوامر، ونهت من النواهي ما يتكفل بحفظ وصيانة أموال الناس من الضياع والفساد أو العبث بها.

جعلت الشريعة المال على قسمين؛ مال حلال يجوز أخذه والانتفاع به، ومال حرام لا يجوز أخذه ولا يجوز الانتفاع به.

وجعلت للمال الحلال وسائل وطرقًا يُكتسب من خلالها، فما أُخذ ببيع صحيح، وما أُخذ بميراث أو هبة، أو صدقة أو عطية، أو وصية أو هدية، ونحو ذلك؛ فهذا مال حلال يجوز أخذه وأكله.

وما أُخِذ بغير ذلك من الطرق المنحرفة؛ فإنه مال حرام لا يجوز أبداً أن يُؤخذ، أو أن يؤكل، وحذرت الشريعة من هذا النوع من المال أشد التحذير، ونفرت عنه أشد التنفير، وتوعدت عليه بالوعيد الشديد.

قال الله تبارك وتعالى: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)، ووقف النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم الحج الأكبر خطيبًا بين الناس وقال لهم: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا"، وشدَّد في ذلك غاية التشديد.

ويروي لنا أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه"، لا يجوز أن يتعدى مسلم على شيء من ذلك كان لأحد من المسلمين.

وتوعد النبي -صلى الله عليه وسلم- آكل الحرام وعيد شديد، فيروي لنا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه وأرضاه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به"، أي: من مال حرام، فالنار أولى به وأحق به.

ولما فقُه الأولون هذا المعنى كانت المرأة تخرج مع زوجها تودِّعه وهو ذاهب إلى عمله، وتقف عند الباب وتقول له: "اتق الله فينا! فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار"، فلا تأتنا بمال حرام؛ فأيما جسد نبت من حرام فالنار أولى به.

وقد عاب -صلى الله عليه وسلم- اليهود وذمَّهم أشد الذم بسبب أكلهم أموال الناس بالباطل قال عز وجل: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [النساء: 160- 161].

وقال -سبحانه وتعالى- في شأن أهل الكتاب: (وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [المائدة:62]، فمن أخذ أموال الناس بالباطل وأكل السحت فقد شابه اليهود في أخلاقهم وأعمالهم.

قد توعد الله -سبحانه وتعالى- آكل مال اليتامى خصوصًا فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء:10].

وآكل الحرام لا يستجيب الله -سبحانه وتعالى- له دعوة ولو كان مضطرًّا، ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل يطيل السفر أشعث أغبر قد انقطعت به السبل فيرفع يديه إلى السماء فينادي، ويقول: يا رب يا رب! فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك"، أي: كيف يستجيب -سبحانه وتعالى- لمثل هذا الإنسان وقد ملئ بالحرام؟!

واسمع إلى قصة ذاك الرجل الذي قاتل في سبيل الله وقُتل، ولكنه حُرِمَ الجنة بسبب المال الحرام، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-: "لما كان يوم خبير انطلق جماعة من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- يمرون على القتلى، فيقول فلان شهيد، فلان شهيد، فلان شهيد، حتى جاءوا إلى واحد منهم، فقالوا: فلان شهيد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلا ليس بشهيد، إني رأيته في النار" بسبب ماذا يا رسول الله؟ قال: "رأيته في النار في بردة غلَّها أو عباءة" بردة قطعة قماش أخذها بغير حق أخذها غلولاً، فدخل النار بسببها وحرُم من هذه المنزلة العظيمة.

وتوعد النبي -صلى الله عليه وسلم- من اغتصب مالاً أو أرضًا بغير حق، ولو كان شيئًا يسيرًا، يقول سعيد بن زيد -رضي الله عنه وأرضاه- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من اقتطع شبرًا من الأرض بغير حق طوَّقه الله إياه يوم القيامة من سبع أراضين"، أي: جعله طوقًا على عنقه من سبع أراضين جزاء لعدوانه واغتصابه لهذا المال بغير حق.

وأما السارق الذي أخذ المال من الناس خلسة بغير حق، فقد رتَّب على فعله عقوبة شديدة (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) ذكرًا كان أو أنثى (فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة:38].

لأجل أن تُحفظ أموال الناس، لأجل أن تُصان من العبث واللعب بها، لأجل أن يأمن الناس على أموالهم، وقد حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الغلول، وهو أخذ المال بغير حق، سواء كان هذا المال لفرد أو كان مالاً عامًّا يشترك فيه جميع المسلمين.

يقول أبو هريرة -رضي الله عنه وأرضاه-، قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فذكر الغلول، فعظَّمه وعظَّم أمره –أي: في التحذير منه- ثم قال: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك.

لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة –وهو صوت الفرس- فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك.

 لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك.

لا ألفين أحدكم يجيء القيامة على رقبته نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيًئا، قد أبلغتك.

لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك.

لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت –يعني ذهب أو فضة- فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك".

وهكذا أيها الأحباب من يحمل اليوم كرسيًّا أو جهازًا على ظهره فرحًا بنهبه سيحمله يوم القيامة دليلاً عليه، من يحمل اليوم في جيبه مفتاح بيت أو عقار أخذه بغير حق فليعلم أنه سيأتي يوم القيامة يحمل هذا البيت كله على ظهره، من ملأ سيارته بمتاع لا يحل له أو بأثاث مسروق، فليعلم أنه سيأتي يوم القيامة لا يحمله على سيارته، بل يحمله على ظهره.

وهكذا كل من أخذ مال بغير حق يأتي به يوم القيامة.

ولشدة خطورة أخذ المال الحرام كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحذِّر موظفيه من هذا أشد التحذير، أرسل معاذًا إلى اليمن، وأمره أن يدعو إلى الإسلام، وقال له: "فإن هم أطاعوا لذلك" أي: أطاعوك للتوحيد، وأطاعوك للصلاة "فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تُؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم".

ثم يقول له النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك: "وإياك وكرائم أموالهم"، أي: إذا أخذت الزكاة فلا تأخذها من أنفس الأموال وأعلاها، بل خذها من الوسط، "وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"، أي: لو أخذت الزكاة من أعلى المال، فإنك تكون قد ظلمت صاحب المال، فإذا دعا عليك استجاب الله -سبحانه وتعالى- دعوته عليك، هذا يقوله -صلى الله عليه وسلم- في ماذا ولما؟ يقوله لسيد العلماء معاذ بن جبل -رضي الله عنه وأرضاه-.

ويقول له في شأن الزكاة التي هي حق شرعي واجب على كل من ملك نصابًا من المال، ومع هذا يحذِّره من أن يزيد في قدرها أو في جنسها، فيكون ظالمًا فتصيبه دعوة المظلوم، فكيف بمن يأخذ ما ليس له فيه أدنى حق شرعي؟!

واسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً, يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللَّتْبِيَّةِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ، قَالَ: فَقَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ. أَفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَبَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لا؟! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِمَّا بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟"

ولهذا أيها الأحباب: كانت هدايا العمال الموظفين الذين لهم رواتب محددة على أعمالهم كانت الهدايا لهم محرمة، قال -صلى الله عليه وسلم- كما روى ذلك الإمام أحمد في مسنده عن أبي حميد الساعدي قال: "هدايا العمال غلول"، أي: مال حرام لا يجوز أخذه.

الْمَالُ يَنْفَذ حِلُّهُ وَحَرَامُهُ *** يَوْمًا وَتَبْقَى فِي غَدٍ آثَامُهُ

لَيْسَ التَّقِيُّ بِمُتَّقٍ فِي دِينِهِ *** حَتَّى يَطِيبَ شَرَابُهُ وَطَعَامُهُ  

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مزيدًا، وبعدُ:

أيها الأحباب الكرام: المال الحرام له صور كثيرة متعددة، فمن ذلك المال مال الربا الذي يؤخذ على صور كثيرة؛ كالقروض الربوية، وكالفوائد التي تعطيها البنوك ربوية ونحو ذلك.

ومن المال الحرام: بيع الذهب والفضة بالآجل، وكذلك أيضًا من المال الحرام: المال المكتسب من السرقة والرشوة والغصب، ونحو ذلك من الاعتداء على أموال الناس.

ومن المال الحرام كذلك: المال المأخوذ بالغش والخداع، والذي يُباع بالحلف الكاذب، وكذلك المال الذي يُكتسب بتطفيف الميزان، والتلاعب فيه، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين: 1- 6].

ومن المال الحرام: أن يبيع الإنسان شيئًا لا يملكه، ومن المال الحرام مال اليتامى الذي يؤخذ ظلمًا بغير حق خاصة الذين لا راعي لهم ولا متابع لحقوقهم، وكذلك الذين ذهب آباؤهم لأجل مصلحة الناس كأبناء الشهداء وما إليهم.

ومن المال الحرام: الأراضي والعقارات والمنازل التي يتم الاستيلاء عليها تحت مبررات وأعذار واهية، كأن يقال هذا البيت ملك لفلان الذي من المنطقة الفلانية، أو هذا البيت ملك لفلان الذي ينتمي للمذهب الفلاني، فيُستباح ماله تحت هذه الأعذار الواهية التي لا تمُّت إلى الشرع ولا إلى الدين بصلة.

ومن المال الحرام كذلك: الإتاوات والغرامات التي تؤخذ من السيارات من المارين والمسافرين، وتُفرض عليهم بغير وجه شرعي.

ومن أشد المال الحرام المال العام الذي يؤخذ بغير حق، ويستأثر به بعض الناس دون الآخرين، فالمال العام هو حق لجميع المسلمين، وملك لجميع الشعب، ولا يجوز لواحد أو لأفراد أن يأخذوا شيئًا من هذا المال بغير وجه حق وبغير إذن شرعي، فمن أخذ شيئًا من هذا المال العام استأثر به من دون الناس؛ فإن له النار يوم القيامة.

تروي لنا خولة الأنصارية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة"، هذا كلام محمد -صلى الله عليه وسلم-.

والواجب -أيها الأحباب- على من تعاطى شيئًا من المال الحرام، ولو كان ريالاً واحدًا ولو كان فلسًا واحدًا، ولو كانت حبة واحدة الواجب عليه أن يتوب، وأن يقلع عن اكتساب هذا المال الحرام وأخذه وتعاطيه، وأن يرجع إلى الله -سبحانه وتعالى- وينيب إليه، ويتوب توبة نصوحة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا) [التحريم: 8].

ويعزم ويعاهد الله –عز وجل- على ألا يعود أبداً إلى أخذ المال الحرام أو اكتسابه بأي وجه من الوجوه، ويعلم علم اليقين أن من ترك شيئًا لله عوَّضه الله -سبحانه وتعالى- خيرًا منه، وأن الرزق إنما يأتي بتقوى الله (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2- 3].

وأمال المال الحرام فإنه شر ووبال وبلاء في الدنيا والآخرة، ومن كان عنده مال حرام فليتخلص منه؛ فإن كان هذا المال لشخص معروف يستطيع أن يصل إليه فليُعِدْ هذا المال إليه أو يعطيه لمن يوصله إليه من أقاربه أو معارفه؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ؛ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ".

وإن كان هذا المال الحرام لشخص لا يعرفه أو نسي من هو، أو لا يستطيع أن يصل إليه، فليتصدق بهذا المال بنية صاحبه؛ فإن وجد صاحبه بعد ذلك فليخيره بين أن يبدي أو يقر هذه الصدقة وتكون له، أو يطالب بماله فتعطيه ماله، وتكون الصدقة بعد ذلك لك.

ومن كان -كما هو حاصل كثيرًا في هذه الأيام- من كان قد قام بحراسة هذا المال وراعيته وصيانته بنية أن يعود على صاحب المال، فيطالبه بأجرة الحراسة فليأخذ أجرة الحراسة بقدر المثل ما يأخذ غيره من الحراس دون مبالغة ولا زيادة ولا استغلال ولا انتهاز لمثل هذه الفرصة، بل الواجب عليه أن يسلم المال لصاحبه؛ فإن احتسب هذه الحراسة لله فهو خير له، وإن طالَب بالأجرة فيأخذ بأجر المثل دون زيادة على ذلك.

 ومن كان عنده شيء من المال العام فإنه يجب عليه أن يعيده إلى الجهة المسئولة عن هذا المال، وهي التي تكون بعد ذلك مسئولة عنه أمام الله -سبحانه وتعالى- فيبرأ ذمته ويسلمه إلى من هو مسئول عنه، وما بعد ذلك أمره إلى الله -سبحانه وتعالى-.

وليعجل بهذا الساعةَ، وليبادر بهذا اليومَ قبل غد، فإن الإنسان لا يدري متى تأتيه منيته حتى يوفيه أجله فلا يخرجن من هذه الدنيا وفي ذمته شيء من المال الحرام يوقف عليه بعد ذلك أمام الله -سبحانه وتعالى- ويحاسب عليه أشد الحساب موقفًا عسيرًا شديدًا بهذا المال الحرام الخسارة حينئذ تكون خسارة عظيمة (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ * فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) [المؤمنون: 99- 104].

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يثقل موازيننا..


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي