وقد شرع الله القتال في الإسلام وأذن به لتحقيق أهداف كثيرة، منها: الدفاع عن المؤمنين، وحفظهم من الأذى والفتنة التي كانوا يسامونها، وليكفل لهم الأمن على أنفسهم وأموالهم ودينهم. فإن الله -عزَّ وجلَّ- أمر المؤمنين أن يجاهدوا الكفار لا طمعاً في أرضهم وأموالهم، إنما يجاهدونهم لأجل إنقاذهم من النار إن أسلموا، ولأجل كف ظلمهم وإراحة المسلمين من شرهم, وليظهر التوحيد ويعلو...
الحمد لله معز من أطاعه مذل من عصاه، الحمد لله ولي الصالحين المؤمنين، ولي المؤمنين المجاهدين الصابرين، الحمد لله الذي جعل العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين والحمد الله الذي رفع أوليائه بهذا الدين وأعزهم بهذا الإسلام العظيم فسبحان الله العظيم.. اللهم صل وسلم على المبعوث رحمة للعالمين خير الناس أجمعين من بلغ الدين -صلى الله عليه وسلم-.
أما بعد:
أيها الإخوة: لقد فرض الله الجهاد في سبيل الله على المسلمين كافة، كما فرض عليهم الصلاة والزكاة وشرائع الإسلام، والجهاد في سبيل الله يُشرع عند اللزوم، وهو واجب لدفع عدو عن المسلمين، وقتال معاند، ونصر مظلوم، وحماية المسلمين، ورفع الظلم عنهم؛ حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، قال -سبحانه-: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: 190]، وقال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) [البقرة: 216], فلا يحل لأحد أن يتخلف عنه إلا من عذر.
إن الجهاد ذروة سنام الإٍسلام، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الله، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَاسْألُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأعْلَى الْجَنَّةِ -أُرَاهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الْجَنَّةِ" [البخاري (2790)].
عباد الله: لقد أرسل الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلى هذه الأمة وختم به الأنبياء والمرسلين, فدعا إلى الله، ولقي من المشركين ما لاقاه, ظلموه وسبوه وأرادوا قتله، وصدوا عن سبيل الله، وبالغوا في ظلمهم وطغيانهم، وأصروا على كفرهم وشركهم وهو مستمر في الدعوة, حتى أذن الله له بالقتال بعد أن مُنع منه ثلاثة عشر عاماً في مكة لما بلغ الأذى والظلم أشده: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 39، 40].
وكلما احتاج المسلمون -في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى القتال بسبب ظلم الكفار لهم، وصدهم عن سبيل الله، أمرهم الله به ورغبهم فيه؛ لإعلاء كلمته كما قال -سبحانه-: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 74].
وقد جاهد المسلمون مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لرد كيد الكفار، وصد عدوانهم، ومنعهم من الصد عن سبيل الله كما حصل في بدر وأحد، والأحزاب، والحديبية وخيبر، وفتح مكة والطائف وغيرها, كما قال -سبحانه-: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
أيها الإخوة: وأهل الجهاد في سبيل الله هم الأعلون في الدنيا والآخرة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- في الذروة العليا منه، واستولى -صلى الله عليه وسلم- على أنواعه كلها, فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان, والدعوة والبيان, والسيف والسنان، فلهذا كان أرفع العالمين ذكراً، وأعظمهم عند الله قدراً، وأمره الله -عزَّ وجلَّ- بالجهاد من حين بعثه فقال: (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [الفرقان: 52]، فهذه آية مكية أمره الله فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان، وإبلاغ القرآن، فجاهد -عليه الصلاة والسلام- بعد الهجرة إلى المدينة؛ حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، ويعبد الله وحده لا شريك له، امتثالاً لأمر ربه الذي قال له: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التوبة: 73].
عباد الله: الإيمان والدعاء والأعمال الصالحة عُدّة المجاهدين في سبيل الله، وهي سبب نصرهم سواء كان جهادهم بالسيف وهو القتال، أو باللسان وهو الدعوة إلى الله, كما قال -سبحانه-: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47]، وقد أمر الله عباده المجاهدين في سبيله بالشجاعة الإيمانية وإعداد القوة، والسعي في جلب الأسباب المقوية للقلوب والأبدان، والتخلص من قيد الشهوات وسيئ الأخلاق، والثبات والصبر، ليواجهوا الأعداء بكمال الإيمان، وكمال التقوى، وكمال الصبر أي -كمال الأرواح والأبدان- فيحصل لهم النصر كما قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 45- 46]، وفي ذلك كله نصرة لدين الله, وقوة لقلوب المؤمنين, وإرهاب للكافرين, وإعلاء لكلمة الله, وإظهار لدينه.
أيها الإخوة: ولا بد للمجاهدين من التحلي بالأخلاق الحسنة، والتخلي عن الصفات السيئة، وتقديم أوامر الله على شهوات النفس؛ ليحصلوا على اليقين في الله، والتوكل عليه وحده في جميع الأمور، وعدم الالتفات مطلقاً إلى الأشياء والمشاهدات, فمن نجح في ذلك نصره الله -عزَّ وجلَّ-، وجعله سبباً لهداية الناس.
عباد الله: والجهاد نوعان: إما جهاد باليد والسنان، وهذا المشارك فيه كثير، أو جهاد بالحجة والبيان، وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل، وهو جهاد الأئمة، وهو أفضل الجهادين؛ لعظم منفعته، وشدة مؤنته، وكثرة أعدائه، وطول مدته.
وفي ميدان الجهاد في سبيل الله كلما تركزت الأنظار على الأسباب الدنيوية رفع الله نصره, كما حصل للمؤمنين في بداية غزوة حنين, كما قال -سبحانه-: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) [التوبة: 25، 26]، ومقدار النصرة تكون على مقدار الاعتماد على الله، وحسن التوجه إليه في جميع الأمور، والتفويض إليه، والتسليم له، وعدم الالتفات إلى ما سواه: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 3].
أيها الإخوة: والجهاد بالمال مقدّم على الجهاد بالنفس، وكلاهما مطلوب من العبد، والجهاد باللسان مقدم على الجهاد بالسيف، وكلاهما مطلوب من العبد؛ فمن كان له مال وهو يقدر على الجهاد بنفسه وجب عليه الجميع، وإن كان لا يقدر بنفسه وله مال وجب عليه الجهاد بماله، فإن كان لا يقدر بالمال ولا بالنفس فالحرج عنه مرفوع كما قال -سبحانه-: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 91].
والجهاد فريضة من فرائض الله إذا قامت أسبابه، فإذا تركته الأمة وأقبلت على الدنيا هلكت كما قال -سبحانه-: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195]، ويجب على المسلمين أن يقوموا بما أمرهم الله به من جهاد أعدائهم بحسب استطاعتهم، وأن يتوكلوا على الله وحده ولا ينظروا إلى قوتهم وكثرتهم ولا يركنوا إليها، فإن ذلك من الشرك الخفي، ومن أسباب هيمنة العدو عليهم، ووهنهم عن لقاء العدو؛ لأن الله أمرنا بفعل الأسباب، ولكن لا نركن إليها، بل نتوكل على الله وحده كما قال -سبحانه-: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة: 23].
إن ترك الدعوة والجهاد في سبيل الله سبب لتسلط الأعداء على المسلمين، فأهانوهم وأذلوهم في ديارهم، فعن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" [أبو دود (3462) وصححه الألباني]، فإلى الله المشتكى من عَالَمٍ القوي فيه متحكم بهواه، والضعيف فيه عن خالقه لاه، والمصلح غافل عن وظيفته ساه.
أيها الإخوة: وعلينا ألا نغتر بأهل الكفر، ولا بما أُعطوه من القوة والعُدّة، فإن المسلمين يقاتلون بأعمالهم، فإن أصلحوها وصلحت وعلم الله منهم الصدق والإخلاص أعانهم ونصرهم على عدوهم وأذل أعداءهم وخذلهم، فالخلق كلهم عبيده، ونواصيهم بيده، وهو القوي الذي لا يقهر، والعزيز الذي لا يغلب، ينصر أولياءه، ويخذل أعداءه: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 160].
عباد الله: وقد شرع الله القتال في الإسلام وأذن به لتحقيق أهداف كثيرة، منها: الدفاع عن المؤمنين، وحفظهم من الأذى والفتنة التي كانوا يسامونها، وليكفل لهم الأمن على أنفسهم وأموالهم ودينهم. فإن الله -عزَّ وجلَّ- أمر المؤمنين أن يجاهدوا الكفار لا طمعاً في أرضهم وأموالهم، إنما يجاهدونهم لأجل إنقاذهم من النار إن أسلموا، ولأجل كف ظلمهم وإراحة المسلمين من شرهم, وليظهر التوحيد ويعلو, كما قال -سبحانه-: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الأنفال: 39، 40].
وشُرع الجهاد لتقرير حرية الدعوة بعد تقرير حرية العقيدة، فقد جاء الإسلام بهذا الخير ليهديه للبشرية كلها، ويبلغه إلى أسماعها وقلوبها، ثم من شاء بعد البيان أن يؤمن أو يكفر؛ فمن وقف في وجه من يقوم بذلك، ومنع الناس من الاستماع للدين والحق، أو صدهم عنه، فهذا يجب قتاله؛ لأنه منع الناس من قول الحق، وسماع الحق، والعمل بالحق. وإقامة خلافة الله في أرضه مما شرع له الجهاد؛ ليعبد الله وحده لا شريك له، وتمتثل أوامره وحده، وتقرير ذلك وحمايته.
والمسلمون الذين لم يقوموا بالدعوة إلى الله ظالمون؛ لأنهم لم يؤدوا الحق الذي للبشرية عليهم، وهو دعوتهم إلى الله، والكفار ظالمون؛ لأنهم لم يقبلوا الحق الذي أرسل الله به رسوله -صلى الله عليه وسلم-, فكانت النتيجة انتشار الباطل مكان الحق، والظلم مكان العدل.
عباد الله: العالم الإنساني قسمان: أولياء الرحمن, وأولياء الشيطان, وأنصار الحق, وأنصار الباطل. والجهاد في الإسلام رحمة من الله لعباده، فلم يشرع إلا ضد أولياء الشيطان، وأنصار الباطل، أينما كانوا، ومن كانوا؟ وغزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت مصدر سعادة البشرية، ورحمة الإنسانية إلى يوم القيامة؛ لأنها إما في نشر حق، أو دفع صائل، أو قمع معتد، أو صد ظالم، أو حماية آمن: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) [البقرة: 216].
ومن تدبر في السيرة النبوية وجد ذلك, فغزوات معدودة، بنفقات محدودة، أعز الله بها الإسلام وأهله، ورد الله بها كيد الظالمين، وحصل بها من المنافع ما سعدت به البشرية إلى يوم القيامة، أما الحروب المدمرة التي يشنها الكفار المتسلطون، فهي حروب إبادة وإهانة، وظلم وإذلال، للضعفاء والفقراء، يأكل فيها القوي الضعيف ظلماً وعدواناً؛ ولذلك تأكل الأخضر واليابس، ووقودها دماء البشر وأموالهم، وعاقبتها الهلاك والدمار، والرعب والخوف، وهذه الحروب عقوبات للكفار، وابتلاء للمسلمين: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 4].
والعدو إنما يُدَالُ على المسلمين بسبب ذنوبهم، والشيطان يستزلهم ويهزمهم بها، والنصر منوط بالطاعة، والتوكل على الله، وطلب النصر ممن يملكه وهو الله -عزَّ وجلَّ-، فلذلك بين الله صفة أوليائه بقوله: (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 147، 148].
فبسبب الذنوب والمعاصي يحصل التولي، وتقع العقوبة، وترتفع النصرة، وتحصل الهزيمة، فالذنوب أشد على المسلمين من أعدائهم، فتكون تلك الذنوب جنداً على المسلمين يزداد بها عدوهم قوة عليهم, كما قال -سبحانه- للمؤمنين في أحد: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 152].
ففرار الإنسان من عدوه وهو يطيقه إنما هو بجند من عمله، بعثه له الشيطان واستزله به كما قال -سبحانه-: (إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [آل عمران: 155].
عباد الله: وسنة الله -سبحانه- جارية بنصر المؤمنين وخذلان الكافرين، لكن الله أحياناً يبتلي المؤمنين بغلبة عدوهم عليهم، وقهره لهم، وفي ذلك منافع ومصالح وحكم وأسرار منها: استخراج عبوديتهم لله, وذلهم له, وانكسارهم له, واستغاثتهم به, وسؤالهم له النصر على عدوهم, وعدم الالتفات إلى ما سواه.
ولو كان المسلمون منصورين دائماً، قاهرين غالبين، لبطروا وأشروا، ولو كانوا دائماً مقهورين مغلوبين، لما قامت للدين قائمة، ولا كانت للحق دولة؛ فاقتضت حكمة العزيز الحكيم أن صرفهم بين غلبهم تارة، وكونهم مغلوبين تارة أخرى، فإذا غلبوا عدوهم أقاموا دين ربهم وشعائره، وإذا غلبهم عدوهم تضرعوا إلى ربهم وأنابوا إليه واستغفروه, وكذلك لو كانوا منصورين دائماً لدخل معهم من ليس مقصده الدين، ولو كانوا مقهورين مغلوبين دائماً لم يدخل معهم أحد، فاقتضت حكمته -سبحانه- أن تكون لهم الدولة تارة، وعليهم تارة؛ ليتميز بذلك من يريد الله ورسوله فيصبر، ومن ليس له مراد إلا الدنيا والجاه فيجزع.
وكذلك الله -عزَّ وجلَّ- يحب من عباده تكميل عبوديتهم على السراء والضراء، وفي حال العافية والبلاء، فلا يستقيم القلب بدونها، كما لا تستقيم الأبدان ولا تصح إلا بالحر والبرد، والراحة والتعب، والجوع والعطش.
وكذلك الله -عزَّ وجلَّ- يمحصهم بذلك، ويطهرهم من الذنوب كما قال -سبحانه-: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 140، 141].
نسأل الله أن يجعلنا من المجاهدين في سبيله، ونسأله -سبحانه- أن ينصر من نصر دينه، وأن يخذل من خذل دينه، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبدالله ورسوله النبي الأمين بعثه الله بالهدى واليقين (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله: إن جهاد النفس أعظم من جهاد الغير، وجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل، والقائمون به وإن كانوا الأقلين عدداً فهم الأفضل عند الله قدراً، وأعظم الجهاد كلمة الحق عند من تخاف سطوته وأذاه كالسلطان الجائر.
والذين ينفرون في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، ويضحون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، هم عادة أكرم الناس قلوباً، وأزكاهم أرواحاً، وأطهرهم نفوساً، وأحسنهم طاعة واستقامة، وهم وإن ماتوا أو قتلوا في سبيل الله فهم أحياء عند ربهم يرزقون, كما قال -سبحانه-: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 169 - 171].
والجهاد في سبيل الله فريضة شاقة، ولكنها فريضة واجبة الأداء؛ لأن فيها خيراً كثيراً للمسلمين كافة، بل للبشرية كلها، والفرائض والأوامر منها ما هو سهل محبوب للنفس كالنكاح وأكل الطيبات والصيد، ومنها ما هو شاق مبغوض للنفس وكريه المذاق كالقتال في سبيل الله، ولكن وراءه حكم ومصالح تهون مشقته، وتسيغ مرارته، وتحقق به خيراً مخبوءاً قد لا يدركه النظر الإنساني القصير. فلعل وراء المكروه خيراً، ووراء المحبوب شراً، والخيرة فيما اختاره الله، والخير كله في طاعة الله، فالقتال ليس إلا مثلاً لما تكرهه النفس، ويكون من ورائه الخير الكثير.
إن الذين يحاربون حقيقة الإيمان أن تستقر في القلوب, ويحاربون منهج الإيمان أن يستقر في الحياة, ويحاربون شريعة الإيمان أن تستقر في المجتمع، هؤلاء هم أعدى أعداء البشرية، وأظلم الظالمين لها، وأخطر المفسدين لحياتها، لسعيهم في غش الخلق، وإفساد أديانهم، وإبعادهم من رحمة الله، وكفرهم بالله ورسوله؛ فهؤلاء من واجب البشرية -لو رشدت- أن تطاردهم؛ حتى يصبحوا عاجزين عن هذا الظلم الذي يزاولونه، وأن ترصد لحربهم كل ما تملك من الأنفس والأموال؛ ليستريح الناس من شرهم وطغيانهم، وهذا هو واجب الأمة المسلمة الذي يندبها إليه ربها، ويأمرها به والله ناصرهم عليهم كما قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 123].
وإلى أن ترشد البشرية وتعقل يجب على أهل الإيمان الذين اختارهم الله وحباهم بنعمة الإيمان أن يطاردوا الباطل في كل مكان؛ ليحل الحق مكان الباطل، والإيمان مكان الكفر، والعدل مكان الظلم، ولا بدَّ من الجهاد لكسر شوكة الباطل المعتدي، فلم يجن أحد على البشرية جناية أعظم ممن يحرمها من هذا الدين الذي فيه كل خير، ويحول بينها وبينه: (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة: 112].
بالجهاد يدفع الله عن المؤمنين الأذى والفتنة والظلم، وبه يتم تقرير حرية الدعوة؛ فمن شاء بعد البيان والبلاغ فليؤمن، ومن شاء فليكفر ويدفع الجزية, ولا إكراه في الدين, كما قال -سبحانه-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 256].
والمجاهدون في سبيل الله كثير، وليس كل مجاهد في سبيل الله يرزق الشهادة، فالشهداء مختارون، يختارهم الله من بين المجاهدين ويتخذهم لنفسه -سبحانه-، فليست رزية ولا هوان أن يستشهد المسلم، إنما هو تكريم وانتقاء وتشريف، وتكريم من الرب لعبده: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 140 - 141].
وهؤلاء شهداء يتخذهم الله، فيؤدون الشهادة بجهادهم حتى الموت في سبيل إعلاء كلمة الله، وإحقاق الحق وتقريره في حياة البشرية بهؤلاء الذين تجردوا للحق, وبذلوا أموالهم وأنفسهم من أجله, وأعزوه؛ حتى أرخصوا كل شيء من أجله, لعلمهم أن حياة الناس لا تصلح ولا تستقيم إلا بهذا الحق والنور؛ يستشهدهم الله على هذا كله فيشهدون، وتكون شهادتهم هي هذا الجهاد حتى الموت: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات: 15].
عباد الله: والمجاهدون في سبيل الله ليس لهم هَمّ إلا إعلاء كلمة الله في الأرض كلها، وهم يشعرون بمعية الله معهم، وهدايته لهم، ونصرهم على عدوهم، فلا تضعف نفوسهم حينما يصيبهم البلاء والكرب، والشدة والجراح، ولا تضعف قواهم عن الاستمرار في الكفاح، وهم حين يواجهون الأعداء، ويواجهون الهول الذي يذهل النفوس، يتوجهون إلى الله لا لطلب النصر أول ما تطلب، ولكن لتطلب العفو والمغفرة عن التقصير، ولتعترف بالذنب والخطيئة، قبل أن تطلب الثبات والنصر على الأعداء.
فيا لها من نفوس مطمئنة إلى وعد ربها واثقة بنصره، عارفة بحقه متوكلة عليه وحده، وذلك لكمال الإيمان والتقوى في قلوبهم: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 146، 147]، ولو تأملت طلبهم وجدت إنهم لم يطلبوا نعمة ولا ثراء، بل لم يطلبوا جزاء ولا ثواباً، ولم يطلبوا ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة.
فما أجمل هذا الأدب مع ربهم، وما أزكى تلك النفوس والقلوب، بينما هم يقاتلون في سبيله لم يطلبوا منه -سبحانه- إلا غفران الذنوب وتثبيت الأقدام، والنصر على الكفار، ولما لم يطلبوا لأنفسهم شيئاً أعطاهم الله كل شيء يتمناه طلاب الدنيا وطلاب الآخرة، وشهد لهم بالإحسان، فقد أحسنوا الأدب، وأحسنوا العمل، وأحسنوا الجهاد، وأعلن حبه لهم، وهو أكبر من النعمة، وأكبر من الثواب كما قال -سبحانه-: (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 148]، فهل فوق هذا الأدب من المجاهدين في سبيل الله شيء؟، وهل فوق هذا الإكرام لهم من رب العالمين شيء؟.
إن المسلم حين يخرج للجهاد في سبيل الله إنما يقاتل في سبيل الله لإعلاء كلمة الله في الأرض، ولتمكين منهجه من تصريف الحياة البشرية، ولتمتيع البشرية بخيرات هذا المنهج، وعرضه عليهم، وصد عدوان المعتدين، فالإسلام لا يعرف قتالاً إلا في هذا السبيل، وليس في الإسلام قتال من أجل الغنيمة، ولا يعرف الإسلام القتال للمجد والفخر، ولا يعرف القتال للسيطرة والقهر.
إن المسلم في الإسلام لا يقاتل للاستيلاء على الأرض, ولا للاستيلاء على السكان, ولا للاستيلاء على الثروات, ولا يقاتل لمجد شخص ولا لبيت, ولا لطبقة, ولا لمجد جنس, ولا لمجد دولة, إنما يقاتل في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، وتمكين منهجه في الحياة، فمن قتل في هذا السبيل فهو شهيد في سبيل الله، ينال بذلك مقام الشهداء عند الله.
أيها الإخوة: إن راية المسلم التي يحامي عنها هي عقيدته, ووطنه الذي يجاهد من أجله هو البلد الذي تقام فيه شريعة الله, وأرضه التي يدافع عنها هي دار الإسلام التي تتخذ الإسلام منهجاً للحياة, وكل تصور آخر للوطن غير هذا هو تصور غير إسلامي, تنضح به الجاهليات ولا يعرفه الإسلام.
فعلى المسلمين أن يتقوا الله، ويحذروا من سخطه وغضبه، ويبتغوا إليه الوسيلة بطاعته، وحسن عبادته، والتقرب إليه، ويجاهدوا في سبيله لنصرة دينه، وإعلاء كلمته، وابتغاء مرضاته لتحصل لهم السعادة في الدنيا والآخرة كما قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 35].
نسأل الله أن يجعلنا من المجاهدين في سبيله، بأنفسنا وأموالنا، ونسأله -سبحانه- أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يعلي دينه وشريعته وسُنة نبيه، آمين والحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي