مَا بَالُ أَقْوَامٍ غَابَ عَنْ أَذْهَانِهِمْ هَذَا الهَدْيُ النَّبَوِيُّ مِنَ المزَاحِ فِي بِيُوتِهِمْ؟ وَقَدْ جَعَلُوا مِنْ كَثْرَةِ الأَشْغَالِ وَالأَعْمَالِ مُسَوِّغًا فِي عَدَمِ إِيجَادِ مُتَّسَعٍ مِنَ الوَقْتِ فِي ذَلِكَ مَعَهُمْ؟ وَلِمَاذَا يَحْجُرُ الرَّجُلُ المزَاحَ على أَهْلِ بَيتِهِ ويَجْعَلُهُ مَقْصُورًا عَلَى أَصدَقَائِهِ وَزُمَلاَءِ عَمَلِهِ؟ مَعَ أَنَّ أُسْرَتَهُ أَحْوَجُ إِلَيْهِ لِيَبْعَثَ فِيهَا رُوحَ الأُلْفَةِ، وَيُشْعِرَهَا بِجَوِّ الحُبِّ وَالعَطْفِ، وَيكْسِرَ بَيْنَ أَفْرَادِهَا حَاجِزَ الصَّمْتِ، فَأَكْرِمْ بِرَجُلٍ يُمَازِحُ أَهْلَ بَيْتِهِ وَيُلاَطِفُهُمْ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيكْسِبُ وُدَّهُمْ...
الحَمْدُ للهِ الذِي يَسَّرَ لِعِبَادِهِ أُمُورَ مَعَاشِهِمْ بِكَثْرَةِ الحَلاَلِ المُبَاحِ، وَأَبَاحَ لَهُمْ مَا فِيهِ بَسْطَةٌ لِلنَّفْسِ وَرَاحَةٌ وَانْشِرَاحٌ، وَمَا يُؤنِسُ قُلُوبَهُمْ وَيُجَدِّدُ نَشَاطَهُمْ بِالمُلاطَفَةِ وَالمزَاحِ.
وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ، وَهَدَاهُمْ لِمَا فِيهِ صَلاَحُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ التَّلاَقِ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، جَعَلَ مِنَ المُلاطَفَةِ وَالمزَاحِ بَابًا يُؤلَّفُ بِه بَيْنَ القُلُوبِ، وَعِلاَجًا نَاجِعًا لِلتَّنْفِيسِ عَنِ المَحْزُونِ وَالمَكْرُوبِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي - عِبَادَ اللهِ - بِتَقْوَى اللهِ كَمَا أَمَرَ، وَالشُّكْرِ عَلَى نَعْمَائِهِ؛ فَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 100].
وَاعلَمُوا -رَحِمَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ - أَنْ دِينَنَا الحَنِيفَ وَشَرْعَنا القَوِيمَ، قَدِ اعتَنَى جُلَّ العِنَايَةِ، وَأَولَى غَايَةَ الرِّعَايَةِ، بِجَمِيعِ الجَوَانِبِ التِي تُهِمُّ المُسلِمَ فِي حَيَاتِهِ مِنْ أُمُورٍ اجتِمَاعِيَّةٍ، وَقِيَمٍ إِنْسَانِيَّةٍ، وَصِفَاتٍ خُلُقِيَّةٍ، وَمِنْ تِلْكَ الأَخلاَقِ التِي حَضَّ عَلَيْهَا دِينُنَا العَظِيمُ، وَدَعَا إِلَى مُرَاعَاتِهَا فِي تَنْمِيَةِ مَشَاعِرِ الوُدِّ وَالاحتِرَامِ بَيْنَ الآخَرِينَ خُلُقُ المزَاحِ، الذِي يُزِيلُ عَنِ القُلُوبِ الكَآبَةَ وَالشَّحْنَاءَ وَالبَغْضَاءَ، وَيَرفَعُ الكُلْفَةَ وَالحَوَاجِزَ بَيْنَ الأَهْلِ وَالأَقَارِبِ وَالأَصدِقَاءِ، وَيُحَقِّقُ لِلنَّفْسِ السُّرُورَ ويُرَسِّخُ فِيهَا الوُدَّ وَالإِخَاءَ.
فَالمزَاحُ بِصُوَرِهِ المُحَبَّبَةِ إِذَا تَحلَّى وَتَجَمَّلَ بِهِ أَيُّ إِنْسَانٍ، صَارَ بَلْسَمًا لِحَيَاتِهِ التِي تَتَقلَّبُ بَيْنَ حِيْنٍ وَآنٍ، وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللهُ مِنْ مَبَادِئِ شَرْعِهِ لِلإِنْسَانِ اليُسْرَ وَالتَّخْفِيفَ فِي كُلِّ الأُمُورِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا)[النساء: 28].
إِنَّ الإِسلاَمَ كَمَا يَحْرِصُ عَلَى تَحْبِيبِ أَتْبَاعِهِ فِي الطَّاعَاتِ، وَحَثِّهِمْ عَلَى أَدَاءِ العِبَادَاتِ، كَذَلِكَ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّرْوِيحِ عَنْ نُفُوسِهِمْ بِسَائِرِ المُبَاحَاتِ، فَالإِنْسَانُ رُوحٌ وَجَسَدٌ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقٌّ فِي تَغْذِيَتِهِ، بِمَا يُجَدِّدُ فِيهِ نَشَاطَهُ ويُعِيدُ لَهُ حَيَوِيَّتَهُ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ لِبَدَنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لأَهلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ".
وَفِي حَدِيثِ حَنْظَلَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عِنْدَمَا اشتَكَى لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ضَحِكَهُ وَمزَاحَهُ مَعَ أَهلِهِ، وَأَنَّهُ إِذَا أَتَى مَجْلِسَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَ الجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَأَرَادَ أَنْ يَستَوضِحَ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ تَنَاقُضٌ فِي شَخْصِيَّةِ المُسلِمِ، فَمَا كَانَ جَوابَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلاَّ أَنْ قَالَ لَهُ: "يَا حَنْظَلَةُ، لَو تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكَنْ يَا حَنْظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً".
بِهَذَا يَتَبيَّنُ لَنَا أَنَّ الإِسلاَمَ لاَ يُصَادِرُ نُزُوعَ الإِنْسَانِ الفِطْرِيِّ مِنْ ضَحِكٍ ومزَاحٍ، بَلْ يَحُثُّ عَلَى كُلِّ مَا يَجْعَلُ حَيَاةَ المُسلِمِ بَاسِمَةً طَيِّبَةً، وَمَا يَجْعَلُ شَخْصِيَّتَهُ بَاشَّةً غَيْرَ مُكْتِئَبَةٍ، وَمَا يُفْضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ إِلَى الأُلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ، فَالنَّاسُ يُؤَثِّرُ فِيهِمْ حُسْنُ الخِصَالِ، وَطِيْبُ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، وَالمزَاحُ بِأَنْوَاعِهِ المُحَبَّبَةِ إِذَا شَاعَ بَيْنَ النَّاسِ لاَ شَكَّ أَنَّهُ سَيَغْرِسُ فِيهِمُ الحُبَّ وَالتَّآلُفَ، وَيَدْفَعُ عَنْهُمُ التَّدَابُرَ وَالتَّنَافُرَ، وَقَدْ قَالَ نَبِيُّنَا -صلى الله عليه وسلم-: "وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤمِنُوا، وَلاَ تُؤمِنُوا حتَّى تَحَابُّوا".
أَيُّها المُؤمِنونَ:
إِنَّ المزَاحَ بِصُوَرِهِ المَقْبُولَةِ يُعَدُّ لِلنَّفْسِ المُتْعَبَةِ عِلاَجًا خَفِيفًا، وَدَواءً لِلْقَلْبِ مَحْبُوبًا لَطِيفًا، فَهُوَ يُسَرِّي عَنِ المَهْمُومِ، ويُنَفِّسُ عَنِ المَغْمُومِ، ويُسْعِدُ المَحْزُونَ وَالمَكْرُوبَ، وَيَغْرِسُ الأُلْفَةَ وَالمَحَبَّةَ فِي القُلُوبِ، بَلْ بِالمزَاحِ يَصِيرُ الغَرِيبُ صَدِيقًا حَمِيْمًا، وَالغَضُوبُ لَطِيفًا حَلِيمًا، فَهُوَ يُقَرِّبُ البَعِيدَ، ويُلَيِّنُ قَلْبَ الغَلِيظِ الشَّدِيدِ، الذِي يَنْفِرُ مِنْهُ النَّاسُ وَلاَ يَأْلَفُونَهُ، وَيَحْذَرُونَ كَلاَمَهُ وَلاَ يُخَالِطُونَهُ، وَالمزَاحُ الذِي تَتَقَبَّلُهُ النَّفْسُ يَجْعَلُ القُلُوبَ لاَ تَحْمِلُ حِقْدًا، وَلاَ تَعْرِفُ غِلاًّ وَلاَ حَسَدًا.
وَالمُؤمِنُ إِذَا قَابَلَ أَخَاهُ بِبَسْمَةٍ مُشْرِقَةٍ، أَو مَزْحَةٍ مُحَبَّبَةٍ بِقَصْدِ إِدْخَالِ السُّرورِ فِي قَلْبِ أَخِيهِ أَو تَطْيِيْبِ خَاطِرِهِ، أَثْابَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِذَلِكَ العَمَلِ وَآجَرَهُ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ".
إِنَّ المُؤمِنَ إِذَا ضَمَّ إِلَى الجِدِّ رُوحَ الدُّعَابَةِ وَفُكَاهَةَ الحَدِيثِ، وَعُذُوبَةَ المَنْطِقِ وَطَرَافَةَ الحِكْمَةِ وَالبَشَّ فِي وُجُوهِ النَّاسِ، لاَ شَكَّ أنَّهُ سَيَمْلِكُ القُلُوبَ بِطِيْبِ حَدِيثِهِ وَحُسْنِ مزَاحِهِ وَمُلاَطَفَتِهِ، وَيَأْسِرُ النُّفُوسَ بِلَطِيفِ مُعَامَلَتِهِ، وَأَقلُّ مَا يَفْعَلُهُ المُسلِمُ عِنْدَ لِقَاءِ أَخِيهِ أَنْ يَلْقَاهُ بِوَجْهٍ بَاسِمٍ غَيْرِ مُكْفَهِرٍّ، كَمَا أَوصَى بِذَلِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمَرَ، حَيْثُ قَالَ: "لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْروفِ شَيئًا وَلَو أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ".
فَيَا لَهَذَا المَنْهَجِ القَوِيمِ، الذِي يُبَيِّنُ لَنَا مَجَالَ الفُسْحَةِ التِي أَوجَدَها لَنَا هَذَا الدِّينُ العَظِيمُ، بِأَنَّهُ لاَ تَعَارُضَ بَيْنَ الجِدِّ وَالمزَاحِ، فَكَمَا أَنَّ فِي دِينِنَا الإِسلاَمِيِّ غِذَاءً لِلْقُلُوبِ وَالأَروَاحِ، فَفِيهِ أَيْضًا مَا يُرَوِّحُ عَنِ النُّفُوسِ وَيَمْنَحُها الأُنْسَ وَالانْشَرَاحَ، وَيَبْعَثُ فِيهَا الفَرَحَ وَالسُّرُورَ وَالارتِيَاحَ، قَالَ تَعَالَى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
لَو تَأَمَّلْنَا سِيرَةَ صَاحِبِ الخُلُقِ الرَّفِيعِ، وَالمَنْهَجِ الرَّبَّانِيِّ البَدِيعِ، سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، لَوَجَدْنَا صُوَرًا مِنَ المزَاحِ فِي حَيَاتِهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَمَعَ كَثْرَةِ مَشَاغِلِهِ فِيمَا يَخُصُّ أُمُورَ الدِّينِ، وَمَا يُهِمُّ مَصَالِحَ المُسلِمِينَ، كَانَ يَحْيَا مَعَ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- حَيَاةً سَهْلَةً عَادِيَّةً، تَجَسَّدَ فِيهَا رُوحُ التَّواضُعِ الإِنْسَانِيّ، فَتَجِدُهُ يُشَارِكُهُمْ فِيهَا ضَحِكَهُمْ وَمِزَاحَهُمْ، كَمَا يُشَارِكُهُمْ آلاَمَهُمْ وَأَحْزَانَهُمْ وَمَصَائِبَهُمْ، حتَّى إِنَّ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- لَيَصِفُونَهُ بِأَنَّهُ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ وَأَعْظَمِهِمْ خُلُقًا، وَإِذَا مَازَحَهُمْ لاَ يَقُولُ إِلاَّ حَقًّا، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا - أَي تُمَازِحُنَا- قَالَ: "نَعَمْ، غَيْرَ أَنَّي لاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقًّا".
وَعِنْدَمَا طُلِبَ مِنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنْ يُحَدِّثَ عَنْ حَالِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كُنْتُ جَارَهُ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ بَعَثَ إِلَيَّ فَكَتَبْتُهُ لَهُ، فَكَانَ إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنا".
وَنَحْنُ نَلْحظُ أَنَّ المزَاحَ قَدْ تَنَوَّعَ فِي سِيْرَتِهِ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، فَتَارَةً تَجِدُهُ يُمَازِحُ الكِبَارَ، وَتَارَةً أُخْرَى يُلاَطِفُ وَيُكنِّي الصِّغَارَ، فَمِنْ مزَاحِهِ مَعَ الكِبَارِ أَنَّ رَجُلاً طَلَبَ مِنَ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى دَابَّةٍ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُمَازِحَهُ فَقَالَ لَهُ: "إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ"، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَمَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ نَاقَةٍ؟ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: "وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ إِلاَّ النُّوقُ؟".
وَأَمَّا مزَاحُهُ مَعَ الصِّغَارِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ وَجَدَ غُلاَمًا صَغِيرًا قَدْ أَلَمَّ بِهِ الحُزْنُ لِمَوتِ طَائِرِهِ الصَّغِيرِ، فَأَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أَنْ يُمَازِحَهُ بِمَا يُنْسِيهِ حُزْنَهُ عَلَى طَائِرِهِ، فَقَالَ لَهُ وَهُوَ يُكَنِّيِهِ: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ! مَا فَعَل النُّغَيْرُ؟"، وَالنُّغَيْرُ: تَصْغِيرُ النُّغَرِ، وَهُوَ طَائِرٌ يُشْبِهُ العُصفُورَ أَحْمَرُ المِنْقَارِ.
فَلاَ غَرَابَةَ -عِبَادَ اللهِ- أَنْ نَرَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُمَازِحُ أَصْحَابَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- بِهَذِهِ الصُّورَةِ المُتَواضِعَةِ، فَهُوَ النَّبِيُّ المُرْسَلُ الذِي شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ، وَأَعلَى شَأْنَهُ وَقَدْرَهُ، فَتَجَمَّعَتْ حَولَهُ القُلُوبُ بِتَواضُعِهِ هَذَا فَأَلِفَتْهُ، وَارتَاحَتْ لَهُ النُّفُوسُ وَأَحَبَّتْهُ، فَكَانَ قُدْوَةَ المُؤمِنِينَ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ مَنْهَجٍ وَأَثَرٍ، فَنَالَ مِنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- الثَّنَاءَ العَطِرَ، قَالَ تَعَالَى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159].
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ المزَاحَ الذِي تَتَقَبَّلُهُ النَّفْسُ وَتَرتَاحُ لَهُ القُلُوبُ، يُعَدُّ صُورَةً مِنْ صُوَرِ الرِّفْقِ الذِي دَعَا إِلَيْهِ الإِسلاَمُ، وَرَغَّبَ فِي وُجُودِهِ بَيْنَ الأَنَامِ، فَالإِنْسَانُ مِنْ طَبْعِهِ يُحِبُّ التَّغْيِيرَ الذِي يَقْضِي عَلَى الرَّتَابَةِ وَالمَلَلِ، وَيُجَدِّدُ فِيهِ نَشَاطَ الحَيَاةِ وَيُبْعِدُ عَنْهُ الخُمُولَ وَالكَسَلَ، فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ شَيءٍ يُجَدِّدُ فِيهِ طَاقَتَهُ، وَتَعلُو فِيهِ هِمَّتُهُ، وَمَا المزَاحُ وَالمُلاَطَفَةُ إِلاَّ نَوعٌ مِنَ التَّجْدِيدِ المُحَبَّبِ لِلنَّفْسِ، لأَنَّ القُلُوبَ إِذَا كَلَّتْ عَمِيَتْ، وَإِذَا سَئِمَتْ فَتَرَتْ، وَقَدْ جَاءَ فِي الأَثَرِ: "رَوِّحُوا القُلُوبَ سَاعَةً فَسَاعَةً".
وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ -عِبَادَ اللهِ- إِلاَّ إِذَا رَاعَى المُسلِمُ فِي مزَاحِهِ جَمِيعَ الضَّوَابِطِ التِي تُقَرِّبُهُ مِنَ النَّاسِ وَلاَ تُنَفِّرُهُ، وتُحَبِّبُهُ فِيهِمْ وَلاَ تُبَغِّضُهُ، فَالمزَاحُ وَإِنْ كَانَ مُحَبَّبًا لِلنَّفْسِ، فَإِنَّ لَهُ أَوقَاتًا وَمُنَاسَبَاتٍ، وَدَوَاعِيَ وَحَالاَتٍ، وَإِذَا كَانَ الإِسلاَمُ يَدْعُو أَتْبَاعَهُ إِلَى اتِّخَاذِ مَسلَكِ التَّوَسُّطِ وَالاعتِدَالِ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ، فَإِنَّ مِنْ بَابِ أَولَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي شَأْنِ مزَاحِهِمْ، فَلاَ يُمَازِحُ المُؤمِنُ فِي وَقْتٍ يَستَوجِبُ مِنْهُ الجِدَّ، وَلاَ بِشَخْصٍ نَزَلَتْ بِهِ مُصِيبَةٌ يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يَحُثُّهُ عَلَى الصَّبْرِ وَالجَلَدِ، وَإِذَا مَا استَوْجَبَ مِنْهُ مَوقِفٌ أَنْ يَبُثَّ فِيهِ المُلاَطَفَةَ وَالمزَاحَ، ويُضْفِيَ جَوًّا مِنَ البَسْطَةِ وَالانْشِرَاحِ.
فَإِنَّ المُؤمِنَ الحَقَّ يُرَاعِي فِي مزَاحِهِ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا مِنَ السُّخْرِيَةِ وَالاستِهْزَاءِ، بَعِيدًا عَنْ كُلِّ مَا يُسبِّبُهُ مِنْ ضَرَرٍ وَإِيذَاءٍ، مُبْتَعِدًا عَنْ إِحْرَاجِ الآخَرِينَ أَو التَّنَابُزِ بِالأَلْقَابِ، امتِثَالاً لِمَا أَمَرَ بِهِ العَزِيزُ الوَهَّابُ، إِذْ قَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ)[الحجرات: 12].
وَجَاءَ فِي الأَثَرِ: "لاَ تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ بِأَخِيكَ، فَيَرْحَمَهُ اللهُ وَيَبْتَلِيكَ"، وَأَكْرِمْ بِمُؤمِنٍ لاَ يُمَازِحُ إِلاَّ صِدْقًا، وَلاَ يَقُولُ إِلاَّ حَقًّا، فَهُوَ بَعِيدٌ فِي مزَاحِهِ عَنِ الكَذِبِ وَالافْتِرَاءِ، وَمَا يُؤَدِّي إِلَى الكَرَاهِيَةِ وَالضَّغِينَةِ وَالبَغْضَاءِ، وَحَسْبُهُ فِي ذَلِكَ مَا حَذَّرَ مِنْهُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- حَيْثُ قَالَ: "وَيْلٌ لِلْذَي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ".
كَمَا أَنَّ المُؤمِنَ ذَا الأَخْلاَقِ الفَاضِلَةِ يَتَجَنَّبُ فِي مزَاحِهِ تَروِيعَ الأَنْفُسِ وَتَخْوِيفَهَا، مُمْتَثِلاً بِذَلِكَ قَولَ سَيِّدِ الأَنَامِ، إِذْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: "لاَ يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسلِمًا"، كَمَا أَنَّ مِنَ المُرُوءَةِ أَلاَّ يُبَالِغَ المُسلِمُ فِي مزَاحِهِ وَيُفَْرِطَ فِيهِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى قَدْرَ الإِمكَانِ فِي التَّقْلِيلِ مِنْهُ؛ لأَنَّ كَثْرَةَ المزَاحِ وَالمُبَالَغَةَ فِيهِ تُذْهِبُ الهَيْبَةَ وَالوَقَارَ أَمَامَ النَّاسِ، يَقُولُ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "اقتَصِرْ فِي مزَاحِكَ، فَإِنَّ الإِفْرَاطَ فِيهِ يُذْهِبُ البَهَاءَ، وَيُجَرِّئُ عَلَيْكَ السُّفَهَاءَ"، وَقَالَ عُمُرُ بنُ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: "مَنْ كَثُرَ ضَحِكُهُ قَلَّتْ هَيْبَتُهُ".
فَحَرِيٌّ بِنَا - عِبَادَ اللهِ - أَنْ نَقْتَفِيَ فِي ذَلِكَ أَثَرَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - الذِين كَانُوا أَوفِيَاءَ لِلْمَنْهَجِ النَّبَوِيِّ فِي مزَاحِهِمْ، دُونَ أَنْ يُؤثِّرَ فِي الجِدِّيَّةِ فِي أَعْمَالِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ، أَو يُهْمِلُوا مَصَالِحَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ، وَقَدْ سُئِلَ ابنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: "هَلْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَضْحَكُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ مِثْلُ الجِبَالِ".
فَطُوبَى لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الهَدْيِ فِي مزَاحِهِ، وَجَعَلَ لَهُ أَوقَاتًا تُنَاسِبُهُ، وَأَحْدَاثًا تُواكِبُهُ، بِعَكْسِ ذَلِكَ الشَّخْصِ الذِي يَهْوَى المزَاحَ الثَّقِيلَ، وَلاَ يَكْتَرِثُ لِمَشَاعِرِ الآخَرِينَ، وَلاَ يُبَالِي بِكَثْرَةِ مزَاحِهِ وَمَا يُسَبِّبُهُ لَهُمْ مِنْ ضَرَرٍ وَإِحْرَاجٍ، وَمَا يَدْفَعُهُ إِلَيْهِ جَهْلُهُ مِنَ ارتِكَابِ الحَمَاقَاتِ، قَصْدًا لِلَفْتِ الانْتِبَاهِ وَإِثَارَةِ الضَّحَكَاتِ، فَهَذَا لَعَمْرِي شَخْصٌ يَنْفِرُ مِنْهُ القَرِيبُ قَبْلَ البَعِيدِ، وَيَحْذَرُ النَّاسُ مِنْ مُخَالَطَتِهِ وَمزَاحِهِ الحَذَرَ الشَّدِيدَ.
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ-، وَتَجَنَّبُوا فِي مزَاحِكُمْ مَا يَضُرُّ الآخَرِينَ، وَأَخْلِصُوا فِيهِ النِّيَّةَ لِتَنَالُوا بِذَلِكَ رِضَا رَبِّ العَالَمِينَ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ؛ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
إِنَّ المزَاحَ بِصُوَرِهِ المُحَبَّبَةِ لِلنَّفْسِ لاَ تَقْتَصِرُ حُدُودُهُ عَلَى الأَصدِقَاءِ، وَلاَ أَصْحَابِ الرِّفْقَةِ مِنَ الزُّمَلاَءِ، بَلْ يَتَعَدَّاهُ إِلَى دَاخِلِ الأُسْرَةِ، التِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا الحَظُّ الأَوفَرُ مِنْ ذَلِكَ المزَاحِ اللَّطِيفِ.
وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ المزَاحَ إِذَا وُجِدَ بَيْنَ الزَّوجَيْنِ، سَيُقَوِّي بَيْنَهُمَا العَلاَقَاتِ، وَيُعَمِّقُ فِيهِمَا الصِّلاَتِ، فَتَعُمُّ فِي قَلْبَيْهِما المَحَبَّةُ وَالمَوَدَّةُ، وَتَذُوبُ أَمَامَهُمَا عَوامِلُ الفُتُورِ وَالجَفْوَةِ، فَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ المَمْزُوجَةُ بِحُلْوِ الفُكَاهَةِ وَالمزَاحِ، مَدْعَاةٌ لِلْوِئَامِ وَمَبْعَثَةٌ لِلانْشِرَاحِ، وَعِنْدَمَا تَتَأَزَّمُ المُشْكِلاَتُ الأُسْرِيَّةُ وَيَغْضَبُ أَحَدُ الزَّوجَيْنِ، فَإِنَّ المُمازَحَةَ الخَفِيفَةَ تُزِيلُ الوَحْشَةَ وَتُعِيدُ المِيَاهَ إِلَى مَجَارِيها، وَهَذَا مِنْ مَعَانِي العِشْرَةِ بِالمَعْروفِ التِي أَمَرَ بِهَا الحَقُّ تَبَارَكَ وَتَعالَى فِي كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].
وَلَو تَأَمَّلْنَا حَيَاةَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ، لَرَأَيْنَا أَنَّهُ استَطَاعَ أَنْ يُوَظِّفَ المزَاحَ وَالمُلاَطَفَةَ فِي بَيْتِهِ، وَيَجْعَلَ مِنْهُ بَابًا لِلْمَحَبَّةِ وَالوِئَامِ، وَدَلِيلاً عَلَى المَوَدَّةِ وَالانْسَجَامِ، كَيْفَ لاَ؟ وَهُوَ القَائِلُ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهلِي".
وَعِنْدَمَا سُئِلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ المُؤمنِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-: كَيفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَلاَ بِأَهلِ بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: "كَانَ كَالرَّجُلِ مِنْ رِجَالِكُمْ، إِلاَّ أنَّهُ كَانَ أَكْرَمَ النَّاسِ خُلقًا، وَكَانَ ضَاحِكًا بَسَّامًا".
فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ غَابَ عَنْ أَذْهَانِهِمْ هَذَا الهَدْيُ النَّبَوِيُّ مِنَ المزَاحِ فِي بِيُوتِهِمْ؟ وَقَدْ جَعَلُوا مِنْ كَثْرَةِ الأَشْغَالِ وَالأَعْمَالِ مُسَوِّغًا فِي عَدَمِ إِيجَادِ مُتَّسَعٍ مِنَ الوَقْتِ فِي ذَلِكَ مَعَهُمْ؟ وَلِمَاذَا يَحْجُرُ الرَّجُلُ المزَاحَ على أَهْلِ بَيتِهِ ويَجْعَلُهُ مَقْصُورًا عَلَى أَصدَقَائِهِ وَزُمَلاَءِ عَمَلِهِ؟ مَعَ أَنَّ أُسْرَتَهُ أَحْوَجُ إِلَيْهِ لِيَبْعَثَ فِيهَا رُوحَ الأُلْفَةِ، وَيُشْعِرَهَا بِجَوِّ الحُبِّ وَالعَطْفِ، وَيكْسِرَ بَيْنَ أَفْرَادِهَا حَاجِزَ الصَّمْتِ، فَأَكْرِمْ بِرَجُلٍ يُمَازِحُ أَهْلَ بَيْتِهِ وَيُلاَطِفُهُمْ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيكْسِبُ وُدَّهُمْ.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاجعَلُوا مِنَ المزَاحِ الذِي تَرتَاحُ إِلَيْهِ النَّفْسُ فُرصَةً لِلتَّآلُفِ فِيمَا بَينَكُمْ، وَخُلُقًا مِنْ أَخْلاَقِكُمْ فِي بِيُوتِكُمْ، وَمَحَطَّةً لِتَجْدِيدِ الطَّاقَاتِ فِي نُفُوسِكُمْ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ -تَعَالَى- بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا) [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ.
وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ) [النحل: 90].
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي