محروم من التلذذ بمناجاة ربه بقوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لا صلاة له تنهاه عن الفحشاء والمنكر وقبيح الآثام. محروم من وراثة الفردوس والتكريم في جنات النعيم مع الذين هم على صلواتهم يحافظون. مأواه سقر. (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) وإذا سئلوا (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) ..
الحمد لله الذي جعل الصلاة عماد الدين. وجعلها كتاباً موقوتاً على المؤمنين فقال وهو أصدق القائلين: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ). أحمده على إحسانه. وأشكره على عظيم بره وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في عبادته. كما أنه لا شريك له في ربوبيته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. حث على الصلاة ورغب فيها وحذر من إضاعتها والتكاسل عنها. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله وأطيعوه.
أيها المسلمون: إن الفارق بين المسلم والكافر إقامة الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر، ومن تكاسل عنها وأخرها عن وقتها فقد توعده الله بأليم الوعيد فقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) ومن تأخر عن أدائها مع الجماعة من غير عذر شرعي فهو متصف بصفة المنافقين، قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً).
وقال –صلى الله عليه وسلم-: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً" وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق".
أيها المؤمنون: خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة على العباد. يطهرون بها أرواحهم من الذنوب، كما يطهرون أبدانهم وثيابهم بالماء من الأوساخ والأدران. قد جعلها الله للدين ركناً أساسياً. وأمر بها النبيين والمرسلين وأتباعهم –إلى يوم الدين- قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) وكان إسماعيل عليه السلام (يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً). وقال عيسى عليه السلام: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً).
وأمر الله محمداً عليه الصلاة والسلام بقوله: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً). وقوله سبحانه: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) وبقوله سبحانه: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى).
فاقتدوا بهؤلاء الأخيار الذين قال الله فيهم: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) ولا تكونوا من الذين قال الله فيهم: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) فتارك الصلاة معرض عن الله خارج من دائرة الإسلام. كافر بغير تفصيل عند جمع من أئمة الإسلام.
محروم من التلذذ بمناجاة ربه بقوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لا صلاة له تنهاه عن الفحشاء والمنكر وقبيح الآثام. محروم من وراثة الفردوس والتكريم في جنات النعيم مع الذين هم على صلواتهم يحافظون. مأواه سقر. (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) وإذا سئلوا (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ).
عباد الله: ما بال مساجدنا خالية من الشبان إلا النزر اليسير؟! أيعاف أغنياؤنا المترفون حضور المساجد والوقوف بين يدي الملك القدير؟! ما بال مساجدنا معطلة من ذكر الله معظم الوقت ما عدا لحظات تؤدي فيها الصلاة على عجل، وفي حالة فتور وكسل؟ ألم تكن المساجد محل اجتماع المسلمين بكرة وعشية، لا يتخلف عنها إلا مسافر أو مريض أو معذور؟. كانت المساجد تغص بالمسلمين شيوخاً وشباناً. وكانت تعج بأصواتهم تسبيحاً وتهليلاً واستغفاراً وقرآناً. كانوا يؤمونها إذا سمعوا الأذان مبادرين.
لا يتخلف إلا مريض فيعاد، أو غائب فيسأل عنه. واليوم قد هجرت بيوت الله وأصبح كثير من الناس يترفعون عن دخولها. وكثير منهم يبخلون بصرف شيء من وقتهم فيها. بينما نراهم لا يبخلون بطويل الوقت في مجالس القيل والقال. أو السعي في طلب المال. أو مشاهدة الملاهي واستماعها. أو حضور الأندية الرياضية من غير ما كسل أو ملل. وبيوت الله خالية من العلماء والعباد ورواد المساجد في ظلمات الليالي من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة – قد فقدوا في هذا الزمان.
فيا شباب الإسلام ويا شيوخ المسلمين كيف هجرتم المساجد، وجالستم العصاة والفاسقين، وهبطتم إلى مستوى السفلة والمنافقين؟! أيحب أحدكم أن يسمع منادي الصلاة فيدبر عنها ولا يجيب، فيكون كمن قال الله فيه: (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) إن المؤمن يستجيب لداعي الله (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً) (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) المؤمن يعظم من ذكر الله فيبعث في قلبه الخشية. (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
أيها المؤمنون: إن الصلاة إنما تكفر سيئات العبد إذا أدى حقها وأكمل خشوعها، ووقف بين يدي ربه تعالى بقلبه وقالبه. فهذا ينصرف من صلاته وهو يجد خفة من نفسه ويحس بأثقال قد وضعت عنه، فيجد نشاطاً وراحة وروحاً. حتى يتمنى أنه لم يخرج منها لأنها قرة عينه ونعيم روحه، وجنة قلبه ومستراحه في الدنيا. فلا يزال كأنه في سجن ضيق حتى يدخل فيها فيستريح بها لا منها. فالمحبون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا. كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم –صلى الله عليه وسلم-: "جعلت قرة عيني في الصلاة"، فمن جعلت قرة عينه في الصلاة كيف تقر عينه –صلى الله عليه وسلم- بدونها، وكيف يطيق الصبر عنها؟
فصلاة هذا الحاضر بقلبه الذي قرة عينه في الصلاة هي التي تصعد ولها نور وبرهان، حتى يستقبل بها الرحمن عز وجل، فتقول: حفظك الله تعالى كما حفظتني. وأما صلاة المفرط المضيع لحقوقها وحدودها وخشوعها، فإنها تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها. وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني.
وقد روي في حديث مرفوع: "ما من مؤمن يتم الوضوء إلى أماكنه ثم يقوم إلى الصلاة في وقتها فيؤديها لله عز وجل بيضاء ولم ينقص من وقتها وركوعها وسجودها ومعالمها شيئاً إلا رفعت إلى الله عز وجل بيضاء مسفرة، يستضيء بنورها ما بين الخافقين حتى ينتهي بها إلى الرحمن عز وجل. ومن قام إلى الصلاة فلم يكمل وضوءها، وأخرها عن وقتها واسترق ركوعها وسجودها ومعالمها، رفعت عنه سوداء مظلمة ثم لا تجاوز شعر رأسه تقول: ضيعك الله كما ضيعتني".
وروى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:1-11].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي