شهر رجب من الأشهر الحرُم التي يجب فيها تعظيم أمرِ الله، وترك ما حرَّم الله -جل وعلا- كغيرِه من الأوقات والشهور، ولكن لم يثبُت أنَّ للعبادة فيه مزيّةً على غيره من الشهور.. ومدار العبادات على الحظر والمنع حتى يأتي الدليل، فمن ركائز صحة العمل وقبوله الاتباع للشريعة في أي عيادة يتعبدها العباد سواء في سببها، أو جنسها، أو قدرها أو في وصفها أو زمنها أو مكانها...
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بما أوصي به الخلفيةُ الراشد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- أحدَ ولاته حين يقول: "أوصيك بتقوَى الله والاقتصادِ في أمرِه واتِّباع سنة نبيّه وتركِ ما أحدثَ المحدثون بعدما جرَت به سنّتُه وكُفُوا مؤنته، فعليك بلزوم السنّة، فإنها لك بإذن الله عِصمة.
ثم اعلم أنه لم يبتَدِع الناس بدعةً إلا قد مضى قبلَها ما هو دليلٌ عليها أو عِبرةٌ منها، فإنَّ السنة إنما سنّها من قد علِم ما في خلافها من الخطأ والزّلل والحمقِ والتملّق، فارضَ لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فقد قصر قومٌ دونهم فجفوا، وطمح عنهم أقوام فضلّوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدي مستقيم".
ومدار العبادات على الحظر والمنع حتى يأتي الدليل، فمن ركائز صحة العمل وقبوله الاتباع للشريعة في أي عيادة يتعبدها العباد سواء في سببها، أو جنسها، أو قدرها أو في وصفها أو زمنها أو مكانها "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (أخرجه مسلم)، وفي الصحيحين: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
فاحذروا - عباد الله - ممّا ليس بمشروع، والزموا السنة في كل شيء؛ تفوزوا وتسعدوا بخيرَي الدنيا والآخرة.
ثم اعلموا - إخوة الإيمان - أنّ شهرَ رجب من الأشهر الحرُم التي يجب فيها تعظيم أمرِ الله وترك ما حرَّم الله جل وعلا كغيرِه من الأوقات والشهور، ولكن لم يثبُت أنَّ للعبادة فيه مزيّةً على غيره من الشهور.
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "وقد روِيَ أنه كان في شهرِ رَجب حوادث عظيمة، ولم يصِحَّ شيءٌ من ذلك، وأما الصلاة فلم يصحَّ في شهر رجب صلاةٌ مخصوصة تختصّ به، لا عن النبي ولا عن صحابته، والأحاديث المرويّة في فضل صلاةِ الرغائِب في أوّل جمعةٍ من شهر رجب كذِبٌ وباطل لا تصحّ.
وأما الاعتمار فقد أنكرَت عائشة -رضي الله عنها- أن يكونَ النبي اعتمرَ في شهر رجَب، بل هو كغَيره من الشهور، وأما الصّيام فلم يصحَّ في فضل صومِ رَجَب بخصوصه شيء عن النبيِّ ولا عن أصحابه" انتهى كلامه -رحمه الله-.
وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "لم يرِد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيءٍ منه معيَّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديثٌ صحيح يصلح للحجة".
ومن الأخطاء التي قد يقَع فيها من يرغَب في الخير الاحتفال بالإسراءِ والمعراج زَعمًا أنها ليلة سبعٍ وعشرين، وهذا خطأ من أمرين:
الأوّل: أنّ علماءَ الشريعة بيَّنوا أنه لم يأتِ في تعيينها حديثٌ صحيح، لا في رجب ولا في غيره، وما ورد في تعيينها فغيرُ ثابت عند العارفين بالحديث ورجاله.
الثاني: أنها لو كانت معيّنة فهذا - أي: الاحتفال بالإسراء والمعراج - عملٌ لا أصلَ له منَ الشريعة، فنبيّ الأمة وصحابته رضي الله عنهم لم يحتفِلوا بها، ولم يخصّوها بشيءٍ ما، ولو كان مشروعًا لحصَل ذلك إمّا بالقول أو الفعل، ولمّا لم يقَع شيء من ذلك البتّة فهي من البِدَع المحدثة في الدين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "صلاةُ ليلة السابِع والعشرين من رجب وأمثالها فهذا غَير مشروع باتفاق أئمة الإسلام، كما نصّ على ذلك العلماء المعتبَرون، ولا ينشِئ ذلك إلا جاهل مبتدع".
وشهر رجب عباد الله من الأشهر المحرم التي يجب فيها تعظيم حرمات الله كغيرها من الأوقات، ولكن لم يثبت أن للعبادة فيه مزية على غيره من الشهور، فلم يصح فيه صلاة مخصوصة، تختص به لا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن صحابته -رضي الله عنهم-، والأحاديث المروية في فضل الصلاة الرغائب في أوله جمعة من شهر رجب كذب باطل ولا تصح كما تقرر ذلك عن علماء الله، وهكذا في بقية العبادات الأخرى من صيام واعتمار ونحو ذلك.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "لم يروَ في فضل رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة".
عباد الله: نحن في مستهلّ رجب شهر كريم، ينبغي أن يُعْمَرَ كغيره من الأوقات والأزمان بطاعة الرحمن والبُعد عن سَخَط الديّان، ولكن الحذر من تعبّدات محدثة لا برهان عليها من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فالأصل المقطوع به في الدين النهي عن تخصيص زمان أو مكان بعبادة من العبادات إلا بدليل من الوحيين.
فما أُحدِث من صلاة الرغائب، وهي ما يُفعَل من الركعات ليلة أول جمعة من رجب، اعتقادًا بشرعيتها وفضيلتها في هذا الزمان بعينه، فذلك بدعة محدثة، كما صرح بذلك النووي وشيخ الإسلام والعز بن عبد السلام والشاطبي وغيرهم.
واعلموا عباد الله أن ما شاع عند البَعْض من الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ليلة السابع والعشرين من رجب، فهو أمر محدَث لم يكن عليه عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه، ولا القرون المفضّلة، ولا من تبعهم بإحسان من أهل الفضل والإيمان.
ثم إن هذا العمل كما هو خطأ شرعًا فهو خطأ تاريخيًّا؛ فإن تحديد هذه الواقعة بهذه الليلة لم يثبت تاريخيًا، قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "وذكر بعض القصّاص أن الإسراء والمعراج كان في رجب، وذلك كذب". ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله، عند الكلام عن ليلة الإسراء والمعراج-: "ولم يقم دليل معلوم لا على شهرها ولا على عَشْرها ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يُقطع به، ولا شُرِعَ للمسلمين تخصيص الليلة التي يُظنّ أنها ليلة الإسراء، بقيام ولا غيره بخلاف ليلة القدر".
فاحذروا عباد الله مما ليس بمشروع والزموا السنة في جميع أوقاتكم وشتى أحوالكم: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران: 31].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي