من قبائحها وفضائحها: أنها تذهب الغيرة، وتورث الخزي والفضيحة والندامة، وتلحق شاربها بأحقر أنواع الإنسان, وهم المجانين، وتسلبه أحسن الأسماء والصفات، وتسهل قتل النفس، ومؤاخاة الشياطين، وهتك الأستار، وإظهار الأسرار، وتدل على العورات، وتهون ارتكاب...
لقد جاءت هذه الشريعة الإسلامية بالخير والتقوى، والطهر والعفاف، وأحلت للناس كل طيب، وحرمت كل خبيث, وإن مما حرمت تحريما قاطعا: أم الخبائث، وأم الفواحش، ووسيلة الشيطان لإيقاع العداوة الخمر، وما يتبعها من كل مسكر ومغير للعقل.
وكان الناس يسلمون ويبقون على أمر جاهليتهم حتى يؤمروا أو ينهوا، فكانوا يشربون الخمر أوّل الإسلام حتى نزل قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) [البقرة: 219]، فقال بعضهم: لا نشربها ما دام فيها الإثم، وقال البعض: نشربها للمنفعة لا للإثم؛ قال علي بن أبي طالب: "صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت: (قُلْ يا أيهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) [الكافرون: 1-2]، ونحن نعبد ما تعبدون، قال: فأنزل الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) [النساء: 43]، فقال بعضهم: والله لا نشرب شيئا يمنعنا من الصلاة، فامتنعوا عنها، وبقي البعض يشربها من بعد صلاة العشاء, وكان منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينادي وقت الصلاة: "ألا لا يقربن الصلاة سكران؟ فقال عمر: اللهم أنزل علينا في الخمر بياناً شافياً؛ فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ والْبَغْضَآءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ * وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) [المائدة: 90- 92]، فقال عمر وغيره من الصحابة: "انتهينا، انتهينا".
وأمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مناديه أن ينادي في سكك المدينة: ألاَ إنّ الخمر قد حُرّمت؛ فكسرت الدِّنان، وأُريقت الخمر حتى جرت في سِكك المدينة، فما كان الصحابة بعد ذلك يرون أشد منها تحريما، قال أنس: "كنتُ ساقِيَ القومِ في منزلِ أبي طلحةَ، فنزل تحريم الخمر، فأمرَ مُنادياً فنادَى، فقال أبو طلحةَ: اخرُج فانظرْ ما هذا الصوتُ، قال: فخرجتُ فقلتُ: هذا مُنادٍ ينادِي: ألا إن الخمرَ قد حُرِّمَت، فقال: لي: اذهَبْ فأهرِقْها، ووالله ما راجعوا فيها قال: فجَرَتْ في سِكَكِ المدينة، فقال بعض القوم: قُتلَ قومٌ وهي في بُطونهم، قال: فأنزَل اللَّهُ: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ) [المائدة: 93].
ثم قوله تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ) [المائدة: 92]، تأكيد للتحريم، وتشديد في الوعيد، أي احذروا ثم احذروا من مخالفة الأمر.
هكذا كان تحريمها, وهكذا كانت استجابتهم -رضي الله عنهم-، ولم يقل أحدهم: إني مدمن لا أستطيع تركها! ولم يقل أحدهم: اتركها بالتدريج! بل كانت استجابة فورية: "انتهينا، انتهينا"، "قم يا أنس فاكسر الدنان وأهرقها, ولم يزيدوا جرعة واحدة".
يقول أنس في رواية أخرى: "كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء، ونفراً من أصحابه عند أبي طلحة, وأنا أسقيهم حتى كاد الشراب أن يأخذ فيهم, فأتى آت من المسلمين، فقال: أو ما شعرتم أن الخمر قد حرمت، فما قالوا حتى ننظر ونسأل بل قالوا: يا أنس أَكْفِئْ ما بقي في إنائك؟ قال: فوالله ما عادوا فيها، وما هي إلا التمر والبسر، وهي خمرهم يومئذٍ، وكفأ الناس آنيتهم بما فيها, حتى كادت السكك أن تمتنع من ريحها، قال: فجاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إنه كان عندي مال يتيم فاشتريت به خمراً، أفتأذن لي أن أبيعه فأرد على اليتيم ماله؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قاتَلَ الله اليَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الثُّرُوبُ فَبَاعُوها، وَأَكَلُوا أثْمانَها"، ولم يأذن لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيع الخمر.
لم يأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيعها حتى ولو كانت مال يتيم مع أن الله -تعالى- قد شدد في حفظ مال اليتيم, بل لم يأذن صلى الله عليه وسلم في أن تحول خلا, فقد جاء أبو طلحة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن في حجري يتامى، وقد ابتعت لهم خمراً أفلا أجعله خلاً؟" قال: "لا" قال: "فأهرقه".
وعن فيروز الديلمي قال: "قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: يا رسول الله إنا أصحاب أعناب وكرم, وقد نزل تحريم الخمر فما نصنع بها؟ قال: "تتخذونه زبيباً"، قال: فنصنع بالزبيب ماذا؟ قال: "تنقعونه على غدائكم، وتشربونه على عشائكم وتنقعونه على عشائكم وتشربونه على غدائكم"، قال: قلت: يا رسول الله نحن من قد علمت ونحن نزول بين ظهراني من قد علمت فمن ولينا؟ قال: "الله ورسوله"، قال: قلت: "حسبي يا رسول الله".
بل لم يأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تتخذ دواءً، فقد جاء رجل يقال له: سويد بن طارق، يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر؟ فنهاه عنها، فقال: إني أصنعها للدواء؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنها داء وليست بدواء".
وليس في الخمر منفعة جائزة أبدًا, فقد روى مسلم عن ابن عباس: أن رجلاً أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- رَاوِية خمر، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل علمت أن الله حرّمها؟" قال: لا، قال: فسَارَّ رجلاً، فقال له رسول الله: "بِم سَارَرْتَه؟" قال؛ أمرته ببيعها؛ فقال: "إن الذي حَرّم شربها حَرّم بيعها" قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها؛ فلو كان فيها منفعة من المنافع الجائزة لبيّنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولم يأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى في الجلوس مع من يشربها، فقال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر".
وقال عبدُ اللّه بن عمرٍو -رضي الله عنهما-: "لاتسلِّموا على شَرَبةِ الخمر".
فكيف يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتعاطى الخمر أو ما شابهها من المسكرات والمفترات والمخدرات الخبيثة التي لا شك في تحريمها؟
كيف وقد جاء من الوعيد على شاربها على لسان الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما تقشعر له الأبدان، وتنفر منه الطباع، ويتعظ به من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
استمع إلى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "مَنْ شَربَ مُسْكِراً بخُسَتْ صَلاَتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيهُ مِنْ طِينَةِ الْخبَالِ، قِيلَ: وَمَا طِينَةُ الْخبَالِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، وَمَنْ سَقَاهُ صَغِيراً لاَ يعْرِفُ حَلاَلَهُ مِنْ حَرَامِهِ كَانَ حَقَاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ".
فالذي يظن أنه يتمتع بالخمر والمخدر، فليتذكر كلما شربها أنه سيدخل النار، ويشرب من صديد وعرق أهل النار إلا أن يتوب الله عليه.
فكيف يرضى المسلم أن يكون مصيره إلى النار؟ كيف يرضى المسلم أن يكون كعباد الأصنام؟ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مدمن الخمر كعابد وثن"؟
كيف يتعاطاها مسلم يعلم أن الله لعنها من عشرة أوجه، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتاني جبريل فقال: يا محمد، إن الله -عز وجل- لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومستقيها".
وجاء في حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يُقرُّ في أهله الخبث".
كيف يرضى مسلم أن يحرم من خمر الجنة وهو يسمع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة"؟
كيف يرضى مسلم أن يكون منزوع الإيمان ولو للحظة واحدة, فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد".
ليعلم المسلم الذي يتعاطى هذا الداء أنه ما دام على حالته تلك، فإن الإيمان يخرج من قلبه وهو معرض لأشد الخطر, فكيف به لو قبض ومات على تلك الحال والإنسان يبعث على ما مات عليه؟ فمن منا يريد أن يبعث وهو منزوع الإيمان؟ وما مصير ذلك الذي يأتي يوم القيامة بقلب خال من الإيمان؟
نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية.
"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".
وقال عُثْمَان -رضي الله عنه-: "اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإنَّهُ وَاللَّهِ لاَ يَجْتَمِعُ وَالإيمَانُ وإدمان الخمر أَبِدا إلاَّ يُوشِكَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْرِجَ صَاحِبَهُ".
لو لم يكن في الخمر إلا أنها تذهب العقل لكانت حرية بتركها, والله -تعالى- قد فضل الإنسان على الحيوان بالعقل, فمن ذلك الإنسان الذي يريد أن يكون مثل الحيوان فيفعل ما لا يليق ويقول ما لا يعقل, وربما ارتكب الكفر أو الجرائم الموبقة وجلب على نفسه وعلى غيره المصائب.
وانظر إلى هذه القصة التي أوردها البخاري عن حمزة -رضي الله عنه- قبل تحريم الخمر، فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "أصبت شارفاً -بعيرا- مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المغنم يوم بدرٍ، وأعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شارفاً أخرى، فأنختهما يوماً عند باب رجل من الأنصار وأنا أريد أن أحمل عليهما أذخراً لأبيعه، ومعي صائغ من بني قينقاع لأستعين به على وليمة فاطمة، وحمزة بن عبد المطلب يشرب في ذلك البيت، فثار إليهما حمزة بالسيف فَجَبَّ أسنمتهما وبقر خواصرهما ثم أخذ من أكبادهما، قال: فنظرت إلى منظر أفظعني، فأتيت نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده زيد بن حارثة فأخبرته الخبر, فخرج ومعه زيد، فانطلق معه فدخل على حمزة فتغيظ عليه، فرجع حمزة بصره، فقال: هل أنتم إلا عبيد لأبي؟ فرجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقهقر حتى خرج عنهم، وذلك قبل تحريم الخمر" فانظر إلى ذلك الرجل الجليل الذي أذهبت الخمر عقله وسلبته لبه حتى قال كلمة كفرية.
قال بعض العلماء: "والخمر أمّ الفواحش أي التي تجمع كل خبيث ومن أكبر الكبائر, من شربها وقع على أمه وخالته وعمته, ومن ثم جعلها الله مفتاح كل إثم كما جعل الغناء مفتاح الزنا، وإطلاق النظر في الصور مفتاح العشق، والكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان، والمعاصي مفتاح الكفر، والكذب مفتاح النفاق, والحرص مفتاح البخل، والخمر تصدع وتكثر اللغو على من شربها، بل لا يطيب شرابها إلا باللغو, وهي كريهة المذاق ورجس ومن عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة, وتستر العقل الذي هو نور الهدى وآلة الرشد".
ألا ترى إلى حمزة -رضي الله عنه- لما زال عقله بها قال للمصطفى: "هل أنتم إلا عبيد أبي أو آبائي؟", فجعله عبداً لكافر، قال ابن العربي: وهذا قول إدّ، وحديث إلى الكفر ممتد, وعذره المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيه لزوال عقله بما كان مباحاً حينئذ, ولو كان زواله بمحرم ما عذره.
ومن قبائحها وفضائحها: أنها تذهب الغيرة، وتورث الخزي والفضيحة والندامة، وتلحق شاربها بأحقر أنواع الإنسان, وهم المجانين، وتسلبه أحسن الأسماء والصفات، وتسهل قتل النفس، ومؤاخاة الشياطين، وهتك الأستار، وإظهار الأسرار، وتدل على العورات، وتهون ارتكاب القبائح والجرائم، وكم أهاجت من حرب, وأفقرت من غني, وأذلت من عزيز, ووضعت من شريف, وسلبت من نعمة, وجلبت ممن نقمة, وفرقت بين رجل وزوجه فذهبت بقلبه وراحت بلبه؟ وكم أورثت من حسرة وأجرت من عبرة, وأوقعت في بلية, وعجلت من منية؟ وكم؟ وكم؟ ولو لم يكن من فواحشها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف واحد لكفى, وآفاتها لا تحصى وفضائحها لا تستقصي.
لقد تنوعت الخمور في هذه الأيام وأصبحت تسمى بأسماء مختلفة, وظهر في هذا الزمن الصنف الذين أخبر النبي عنهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَذْهَبُ اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ حَتَّى تَشْرَبُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ وَيُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا".
ولكن الشريعة الغراء التي أنزلها الله لكل زمان ومكان سدت الطريق على أولئك، فعرفت الخمر بتعربف جامع يحرم جميع أنواع المسكرات, طبيعية كانت أو صناعية، قليلة كانت أم كثيرة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلٌّ مسكر خمرٌ، وكل مسكرِ حرامٌ".
وقال: "كل مسكر حرام, وما أسكر منه الفرق, فملء الكف منه حرام".
وقال: "أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره".
وقال: "مَا أَسْكَرَ كثيرهُ فقليله حرامٌ".
قال الشوكاني -رحمه الله-: "ويحرم ما أسكر من أي شيء وإن لم يكن مشروباً كالحشيش وسائر أنواع المخدرات, ومن قال: إنها لا تسكر وإنما تخدّر، فهي مكابرة، فإنها تحدث ما تحدث الخمر من الطرب والنشوة".
قال: "وإذا سُلّم عدم الإسكار فهي مفترة, وقد أخرج أبو داود أنه "نهى رسول الله عن كل مسكر ومفتر".
وحكى العراقي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة، وأن من استحلها كفر، قال ابن تيمية: "إن الحشيشة أول ما ظهرت في آخر المائة السادسة من الهجرة حين ظهرت دولة التتار, وهي من أعظم المنكرات، وهي شر من الخمر من بعض الوجوه؛ لأنها تورث نشوة ولذة وطرباً كالخمر، وقد أخطأ القائل:
حرموها من غير عقل ونقل *** وحرام تحريم غير الحرام
قال ابن تيمية: "إن الحد في الحشيشة واجب".
قال ابن البيطار: "إن الحشيشة مسكرة جداً إذا تناول الإنسان منها خصالها كثيرة, وعد منها بعض العلماء مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية، وقبائح خصالها موجودة في الأفيون وفيه زيادة مضار".
نسأل الله -تعالى- أن يجنبنا وإياكم الخبائث، والحمد لله رب العالمين.
يجب علينا أن نشكر النعمة التي أنعم الله بها علينا من تحريم الخمر وتحليل الطيبات, فهذه الأمم الكافرة قد حاولت مرارا أن تحرم الخمر فلم تستطع أن تمنعه رغم الإمكانيات الهائلة.
لقد بذلت بريطانيا أيام كانت الدولة العظمى جهودا جبارة بعد عام 1750م للحد من استخدام الخمر خاصة في المستعمرات الأمريكية حتى قال لويد جورج رئيس الوزراء آنذاك: "إننا نحارب ألمانيا والنمسا والخمر, وأستطيع القول بأن أعدى هؤلاء الأعداء هي الخمر"، لكن المحاولات باءت بالفشل، فلم يأت العام 1920م حتى كان الفرد الواحد يستهلك 27 لترا في السنة.
وكذلك حاولت السويد ونورواي وفنلاندا, واستطاعت كندا أن تجفف بلادها من الخمر بحلول عام 1919م.
لكن التجربة الكبرى والعظيمة هي التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد عملت الجمعيات العائلية والكنائس الانجيلكانية بالتعاون مع المؤسسات التشريعية في الحكومة على منع الخمر تجارة وشربا في جميع أنحاء أمريكا، واستمرت هذه المحاولات لمدة قرن كامل من الزمن حتى استطاعت أمريكا أن تصدر قرار تحريم الخمر في عام 1920م.
فماذا كانت النتيجة بعد ذلك؟
على رغم كل الدعايات التي تحذر من مضار الخمر والتي طبع منها أكثر من ألفي مليون ورقة, وعلى الرغم من دعايات التلفاز والسينما والمسرح, وعلى الرغم من ملاحقة السلطات لكل المخالفين، فبلغ عدد الذين أعدموا 300 شخصًا، وبلغ عدد الذين اعتقلوا نصف مليون شخص, وعدد الذين غرموا ملايين الأشخاص، وقدرت الخسائر بمليارات الدولارات, وكانت النتيجة عجز الحكومة الأمريكية الدولة العظمى عن تنفيذ القرار, فاضطرت لإلغائه بعد ثلاثة عشر عاما.
كان من أهم نتائجها تكون عصابات التهريب العالمية، وتكون أسر المافيا في أمريكا حتى أن رجلا واحدا من ذوى النفوذ خرج من العملية بعشرين مليون دولار.
وهذه نعمة يجب أن نشكرها لله -تعالى- حيث عافانا من ذلك البلاء، فالعجب بعد ذلك لمن يترك الطريق المستقيم ويقصد طريق النار -نسأل الله العافية-.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي