إن كثيرًا من الناس اليوم من أهل الدنيا والرفاهية، يبحثون عن سعادة القلب، يبحثون عن ربيع النفس، يبحثون عن انشراح الصدور، ولكنهم في أكثر الأحايين ضلُّوا الطريق ما عرفوا كيف يدركون هذه السعادات، كيف يجعلون الربيع في قلوبهم، ولا السعادة في نفوسهم، ولا الطمأنينة في صدورهم؛ لأنهم أعرضوا عما به صلاح هذه الأحوال. أعرضوا عن الدواء الناجع لهذه الأمراض: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى)...
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإنه خير زاد تلقى به الله.
إن كثيرًا من الناس اليوم من أهل الدنيا والرفاهية يبحثون عن سعادة القلب، يبحثون عن ربيع النفس، يبحثون عن انشراح الصدور، ولكنهم في أكثر الأحايين ضلُّوا الطريق ما عرفوا كيف يدركون هذه السعادات، كيف يجعلون الربيع في قلوبهم، ولا السعادة في نفوسهم، ولا الطمأنينة في صدورهم؛ لأنهم أعرضوا عما به صلاح هذه الأحوال.
أعرضوا عن الدواء الناجع لهذه الأمراض: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) [طه: 124- 127].
المؤمن الحق المسلم الصادق هو الذي استقر الإيمان في قلبه، وأصبح القرآن هو ماءه ونبته (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء) [إبراهيم:24].
المؤمن الذي تيقن أن هذا القرآن به هداية النفوس وانشراح الصدور تراه في مكان ضيق وقلبه أوسع ما بين الخافقين، ترى حاله في فقر مدقع، ونفسه في سعادة عجيبة لا توصف، يكون ظمآن وجوعان وصائمًا لا يأكل ولا يشرب، لكنه يحس وكأنه في ربيع؛ لأن قلبه أصبح متشبعًا بآيات الله -جل وعلا-، ولذلك يقول الله: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء) [الأنعام:125].
إن ربيع القلوب أن تتلقى الغيث من السماء المنزَّل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحينئذ تمسك الماء وتنبت الكلأ، وتنفع الناس؛ فالقرآن -أيها الإخوة- هذا حاله كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ" تأملوا إلى أحوال الناس، وانظر إلى قلبك أين هو من هذه الأحوال.
"وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ، لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ"، تسمع القرآن من هنا وتخرج ما سمع من هنا، لا ينتفع ولا ينفع.
أما المؤمن الصادق الذي علم أن هذا القرآن هو كلام الله تجده يأنس إذا استوحش الناس، حينما يسمع الله يخاطبه، حينما يدرك أن هذا الكلام كلام خالقه، حينما يتيقن أنه العبد الفقير الذليل أصبح المليك العظيم يخاطبه ليس ثَم وقت معين ليلاً ونهارًا، سرًّا وجهارًا.
وإن كنت حافظًا فحتى على غير وضوء تقرأ كلام الله -جل وعلا- كما قال ابن عباس "أُنزِلَّ غضًّا طريًّا".
كلما تقرأ القرآن تشعر بحلاوته، وتشعر بطلاوته، وتشعر بلذته، كيف لا والمشركون على شركهم وعنادهم إذا سمعوا القرآن قالوا: "إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق..".
كيف لا تحس بربيع في نفسك، والله يخاطبك وأنت عربي فصيح تفهم، وإن كنت تعجب فاعجب من أعجمي فارسي أو رومي حبشي أو بربري مسلم يقرأ القرآن، ولا يفهمه يتلذذ به كأنه لغة أمه، ليس صفحة ولا صفحتين، بل يختم القرآن من أوله إلى آخره متلذذًا بعلمه أن الذي يكلمه، وأن الذي يسمعه، وأن الذي يقرأه هو كلام الله -جل وعلا-.
وقد رأيت بأم عيني أناسًا في الحج لو تسأله: ما اسمك؟ لا يعرف، لكنه يتلذذ بقراءة القرآن كأنه لغة أمه وأبيه، وألذ ما يسمع في حياته، وأنا أتحدى أي إنسان على وجه الأرض يتلذذ بقراءة كتاب بلغة لا يفهمها.
كثير من الناس يقرأ الإنجليزية ولكن لا يفهم، فإذا قرأ كتابًا بالإنجليزية صفحة أو صفحتين وهو لا يفهم يملّ فيغلقه، أو يقرأ أشعارًا بالفارسية، وهو لا يفهم، لكن يستطيع أن يقرأ لأن الأحرف نفس الأحرف العربية، فإذا ما قرأ سطرًا أو سطرين أو صفحة أو صفحتين، وإذا به يصيبه الملل، ويحس بالكلال فيغلق الصفحات ولا يجد إلا انقباضًا في النفس.
أما القرآن فإنه -يا عباد الله- كتابٌ لا ريب فيه مُنَزَّل من الله -عز وجل- المتلو والمسموع والمقروء كلام الله -جل في علاه-.
هو الذي إذا سمعته الملائكة ضربت بأجنحتها خضعانًا لقول الرب -جل وعلا-، القرآن كان إذا نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل عليه بشدة، وكان يجد من ذلك، والله يقول في القرآن: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) [المزمل:5].
يجب علينا أيها المسلمون أن نستشعر حلاوة كلام الله -عز وجل-، متدبرين كلامه (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود:1]، كتاب أُنزِل من الله -جل وعلا- كما يقول -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء: 9].
هداية يهديك في دنياك، في أخراك، في خاصة نفسك، في تعاملك مع ربك، في تعاملك مع الخلق؛ وإنذار يخوفك إذا كسلت، ويبشرك إذا أقبلت، رحمة تلاوته، العمل به، اعتقاده، مفصل من الله -جل وعلا- كتاب فصلت آياته، كتاب أنزل إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور.
تحس بظلمة في صدرك اقرأ (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ) ماذا لهم؟ أجور عظيمة يرفعوهم الله سبحانه وتعالى، فكن منهم هم أهل الله وخاصته.
يقول النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به عشر حسنات"، وهذا إذا كان بلا تدبُّر، فكيف لو كان معه تعقل؟!
"من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" (رواه الترمذي وصححه).
قال -صلى الله عليه وسلم- في حديث عثمان: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" (رواه البخاري)، فكن من أهل الله وخاصته.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر فيه"، مع من؟ أهل الملك في الدنيا؟ لا "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر فيه فهو مع السفرة الكرام البررة".
لا تضيع الوقت في قراءة الجرائد والمجلات والإنترنت.. اجلس اقرأ القرآن تعلم القرآن، كن من أهل الله وخاصته، "والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاقّ له أجران" (متفق عليه).
أهل القرآن يرفعهم الله، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يؤم القومَ أقرؤهم لكتاب الله".
وعن عمر أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ فَقَالَ: "مَنْ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا، قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟! قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَالَ : "إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ".
أيها المسلمون: يجب علينا أن ندرك أن القرآن إذا أصبح ربيع قلوبنا؛ فإنه يكون أنيسنا ويكون شفيعنا، ويكون معك إذا أحسست بأنك بحاجة إلى مَن يشفع لك، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يُؤتَى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان، أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجَّان عن صاحبهما".
وفي الحديث الآخر: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفِّعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان".
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
ما تمسك المسلمون بالقرآن إلا أعزهم الله -جل وعلا- كما قال عمر: "كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام، فمتى ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
والواجب على ولاة الأمر أن يهتموا بالقرآن أيما اهتمام، ومن هذا المنطلق فإن على كل مسئول أن يأخذ على عاتقه الاهتمام بالقرآن الكريم في جميع المجالات كحلقات القرآن، مسابقات القرآن، دور القرآن، مجالس القراءة والتفسير.. كل ذلك حتى نكون من أهل القرآن، ويعزنا الله بالقرآن، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُو أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ مِنْ عَقْلِهَا" (رواه مسلم).
ينبغي مدارسة القرآن وحفظه، ويكون لنا ورد لا نتركه مهما كانت الظروف، ست ساعات ثماني ساعات في العمل والدوام، وربما عشر ساعات، كم ساعة جلست للقرآن؟ (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) [الفرقان:30].
نحمد الله -جل وعلا- أن المصاحف متوفرة اليوم في جيبك، في سيارتك، في بيتك، في مسجدك..
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي