أشد البلاء افتتان الرجال بالنساء

محمد بن عبد الله الإمام
عناصر الخطبة
  1. ميل الرجال إلى النساء وضبط الإسلام لذلك .
  2. فتنة الرجال بالنساء وخطر ذلك .
  3. سد الإسلام للطرق المؤدية إلى افتتان الرجال بالنساء .
  4. وجوب السعي لمنع افتتان الرجال بالنساء .
  5. بعض آثار ومفاسد افتتان الرجال بالنساء .
  6. استغلال أعداء الإسلام للنساء وبعض مجالات ذلك .
  7. وسائل الحد من افتتان الرجال بالنساء .

اقتباس

الإسلام لا يتهمك، ولكن الإسلام يخاف عليك من الفتنة، لست معصوما، فقد وقع، وتسمعون ما بين حين وآخر: أن بعض الناس قد قع على محارمه، فكيف بمن ليس من محارمه؟! ضعوا المغالطة، وخذوا الأمور بمأخذ السلامة، وبمأخذ الحزم والجد، ومأخذ...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فكما تعلمون -عباد الله- أن الله -عز وجل- خلق النساء للرجال للزواج بهن والتسري، قال الله في كتابه الكريم مخبرا ومخاطبا قوم لوط الذين مالوا عن النساء إلى الرجال: (وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم) [الشعراء: 166].

وعندما خلق الله النساء للرجال، فإن الله -عز وجل- خلق في الرجال الميل إلى النساء، والشهوة إليهن، والرغبة فيهن، والحب لهن، قال ربنا في كتابه الكريم: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء) [آل عمران: 14].

ذكر المفسر السمعاني -رحمه الله- والخازن والنسفي وابن عادل: أن الذي عليه المفسرون قالوا: "إن المزين هنا هو الله، أي ربنا -جل شأنه- خلق في قلوب الرجال وجعل فيهم طبعا وميلا وغريزة، وهي حب الشهوات من النساء، والله -عز وجل- فعل هذا لحكم عظيمة، ومن أظهرها وأبينها: بقاء النسل البشري إلى قيام الساعة".

وهنا سؤال يوجه: لماذا قدم الله شهوة الرجال في النساء على شهوتهم في البنين والأموال؟ هذا السؤال أجمع المفسرون على أن الحكمة من هذا التقديم أن افتتان الرجال بالنساء أعظم من افتتانهم بغيرهم، وأن ميلهم إليهن أعظم من ميلهم إلى غيرهن.

وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "اشتهاء الرجال النساء للذة والولد وكلاهما مقصود لذاته"، قال: "وأما البنين فمتولدون من النساء"، أي فهم فرع من أصل، قال: "وأما الأموال، فإنما تقصد لغيرها من باب الوسائل لا من باب الغايات".

وهذا زيادة بيان وإيضاح من الحكمة الإلهية في تقديم حب الرجال النساء هذا الحب للنساء ابتلى الله به الرجال ابتلاءً عظيما.

وهكذا أيضا قد خلق الله في النساء الميل للرجال، واشتهاء الرجال، إلا أن ما خلقه الله في الرجال هو أعظم.

وكذلك أيضا حب الرجال النساء إنما يصاحبه من القوة والإقدام والشجاعة، ومن قوة الرغبة والطلب ما يكون في ذلك من الابتلاء العظيم.

ألا وإن السنة المطهرة قد أوضحت لنا الآفات والعلل والأمراض والفساد في ميل الرجال إلى النساء، واشتهاء الرجال النساء، والعكس كذلك، إلا إذا ضبطت هذه الشهوات بالشريعة وأحكامها، فإن الأمر يسير إلى سداد ورشاد.

فالسنة المطهرة أوضحت ما أجمله القرآن الكريم، روى الإمام البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، خذوها من رسولكم، ورسولنا قد أخذها من ربنا القائل في كتابه: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14] -سبحانه وتعالى-.

فيا معشر المسلمين: هذه الفتنة، وهي فتنة الرجال بالنساء أعظم الفتن، أعظم من الافتتان بالمال وبالأصدقاء والزملاء وبالبنين، إلى غير ذلك مما يشتهى من الأمور الدنيوية، فهذه الفتنة هي أصل الفتن الدائرة في العالم، والحاصلة في الأمم، والتي بسببها تكثر الشرور، وتعظم المحن.

خذوا هذا من رسولكم -عليه الصلاة والسلام-، فقد أخرج الإمام ابن المبارك -رحمه الله- في الزهد والرقائق بإسناد صحيح، عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنه قال: "إنما أخشى عليكم فتنة النساء، إذا تسورنا بالذهب، وإذا لبسنا رقيق الثياب".

وروى الإمام مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "فاتّقوا الدنيا واتّقوا النساء، فّإنّ أوّل فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".

فبسبب انتشار فتنة النساء تذهب الدول، وتدمر الشعوب، وتتغير الأخلاق، ويعبد غير الله، وتنتهك الحرمات.

فيا عباد الله: زيادة المعرفة بهذه الفتنة من الأمور المطلوبة في الشريعة الإسلامية، الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين أنه ربما فتن بالنساء العابدون الزاهدون الصالحون والعلماء الربانيون، ربما حصل هذا، فقد روى الإمام البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري، ورواه مسلم من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ"، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ"، والعشير هو الزوج "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ".

فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من أسباب تقحم النساء جهنم -عياذا بالله- هذه الثلاث أمور، ومنها: أنهن فتنة للرجال إذا تعرضن لذلك، وإذا سعينا إلى ذلك -عياذا بالله-، فقوله عليه الصلاة والسلام: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ" اللب هو خالص العقل، كم من حازم من الرجال؟ كم من تقي؟ وكم من صالح؟ هذا يحصل -عياذا بالله-.

فمن يأمن على نفسه من فتنة النساء، ممن كان يتطلع إليهن، أو يختلط بهن، أو إلى غير ذلك، قال الشاعر:

قل للمليحة في الخمار الأسود *** ماذا فعلت بزاهد متعبد

قد كان شمر للصلاة ثيابه *** حتى خطرت له بباب المسجد

ردي عليه صلاته وصيامه *** لا تفتنيه بحق دين محمد

فكما سمعت المرأة تفتن الرجل الصالح، فحذار حذار أن شخصا يظن أن صلاحه يجعله معصوما، من أن يفتتن بالنساء، وقد اقترب منهن أو غشيهن، وصار معهن أو اختلا بهن.

انتبهوا -عباد الله- الفتن الخطيرة المدلهمة المظلمة -عياذا بالله-، ولهذا قال بعض السلف: "لو ائتمنوني على كذا من الذهب والفضة لوجدت نفسي أمينا، ولو ائتمنوني على جارية سوداء لم أجد نفسي عليها أمينا".

وهذا هو الصحيح وهو المعرفة بشدة الميل إلى النساء، والحب للنساء، أضف إلى هذا الميل الشديد أن الشيطان ساع في إفساد الإنسان، وفي إيقاعه في المحظورات، ولهذا قال بعض السلف: "ما عجز الشيطان عن إفساد الناس في باب إلا جاء إليهم من باب النساء" أي بتبرجهن وسفورهن، واختلاطهن بالرجال غير المحارم، وظهورهن وتحركهن وتنقلهن بدون ضوابط شرعية.

الرسول -عليه الصلاة والسلام- يبين استغلال الشيطان للمرأة عندما تخرج من بيتها أو من مسجدها، روى الإمام مسلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن المرأةَ تقبلُ في صورةِ شيطانٍ، وتدبرُ في صورةِ شيطانٍ..."، ما معنى هذا الحديث ؟ هذا الحديث يبين أمرا خطيرا، وهو أن الشيطان إذا خرجت المرأة صار يزينها للناس، فالمرأة ليست شيطانة، ولكن ينبغي أن تعلم أن الشيطان يستغلها لإفسادها وإفساد الرجال بها، فلتكن حذرة من الخروج الذي يخالف الآداب الشرعية، ويخرجوا عن الضوابط المرعية، فلتكن حريصة على ألا تخرج إلا لما أذنت به الشريعة، وبالضوابط المتبعة والمرعية، وإلا حصل من الشرور وحصل من الفتن ما حصل.

معاشر المسلمين: إذن الفتنة بالنساء فتنة عظيمة وكبيرة وخطيرة مدمرة، والإسلام قد حزم أبواب الفتن وسدها وردمها، وقطع التواصل للوصول إليها، ومن ذلك ما رواه الإمام البخاري ومسلم من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والدخول على النساء"، قالوا: يا رسول الله مالنا بد من الدخول على النساء؟ وقالوا: أرأيت الحمو؟ قال النووي: "الحمو هم أقارب الزوج من غير أبيه وأبنائه"، قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ يعني هؤلاء لو دخلوا على النساء اللاتي لسنا لهم محارم، قال عليه الصلاة والسلام: "الحمو الموت" أي الدخول على نساء أقاربهن هذا من أسباب الموت والهلاك، قال الشراح للحديث -رحمهم الله-: "إنما قال الرسول: "الحمو الموت"؛ لأن مظنة الفساد من هذا الصنف عند الناس مأمونة" يعني هنالك من الناس من يظن أنه إذا جلس الرجل مع زوجة أخيه أنه لا يقع شيء، وقد يقع قد يحصل الشيطان يعمل في إفساد الرجال بالنساء، والشيطان سيقول لهذا: هذه ليست من محارمك إنما هي امرأة أجنبية، ولن يطلع الناس، وهكذا.. سبل الشيطان كثيرة في إفساد الناس، وقد حصل ما حصل، ولله در الشاعر:

لا يأمن على النساء أخ أخاً *** ما في الرِّجال على النِّساء أمين

لا تظن وتقول: هذا أخي ماذا سيقع نحن إخوة .. إلى آخره، القضية شهوة واندفاع وشيطان شغال -عياذا بالله من الفتن-.

ومن هنا تعلمون أن الناس الذين عملوا على أن يبعدوا النساء عن اختلاطهن بالأحماء، أقاموا ثورة، وقالوا: تتهمون بعضنا بعض ونحن أقارب؟! وهكذا..

الإسلام لا يتهمك، ولكن الإسلام يخاف عليك من الفتنة، لست معصوما، فقد وقع، وتسمعون ما بين حين وآخر: أن بعض الناس قد يقع في محارمه، فكيف بمن ليس من محارمه؟!

ضعوا المغالطة، وخذوا الأمور بمأخذ السلامة، وبمأخذ الحزم والجد، ومأخذ بقاء الأمان والاستقرار في داخل الأسرة، فلربما تحطمت الأسرة وتدمرت بسبب شخص منها، سلك مسلكا مشئوما، مع إحدى زوجات أقاربه.

فيا معشر المسلمين: احذروا الفتن، الفتن ثائرة ودائرة وهائجة ومائجة إن لم نسعى بإيقافها بتقوى الله، ومراقبة الله، وبالأخذ بزمام الشريعة وأحكامها وآدابها، صار من صار ضحية للفتن -عياذا بالله-.

أيها الناس: والذي ينظر إلى بعض ما تفعله الفتن يجد العجب العجاب، أخرج الإمام الحافظ محمد بن عبد الله المشهور با ابن أبي الدنيا قصة، وهي حسنة من جهة إسنادها: أن رجلا تاه في سفره، فنبحت عليه الكلاب، فقام صاحب الكلب ينظر على ما ينبح كلبه، فوجد هذا الرجل التائه في الطريق وأخذه واستضافه عنده، وذبح له، فجاء وقت النوم، قال الرجل المضيف لضيف: نم. بينما الرجل المضيف عند موقده يوقد النار خرجت ابنته، وكانت ابنة جميلة، فرآها الضيف ففتن بها، فقال المضيف للضيف: نم، فقال الضيف: أنا لا أنام والنار موقدة، فأطفأها المضيف، ورقد المضيف، فبعد أن رقد المضيف قام الضيف إلى البنت، فقالت البنت: يا أبت الكلب؟ يعني كلب البيت الذي يحرس، فقام أبوها وجد الكلب رابضا في مكانه، ثم رأى الرجل هذا قال: أنا فزعت فرجع الرجل المضيف إلى مكانه، وذاك الرجل إلى مكانه، باعتبار أنه أصيب بالفزع، ثم بعد قليل قام الضيف إلى البنت، فقالت: البنت البهم؟! أي البهيمة، فقام الرجل ولم يرى من البهيمة شيئًا، رآها رابضة، فعرف أنه الضيف فزعت. ثم نام ثم بعد قليل قام الضيف إلى البنت، فقالت البنت: يا أبت الضيف؟! فما بقي شيء تعتذر به، فقام أبوها، فرجع الضيف إلى محله، محل النوم، ثم قام الأب وأمسى ساهرا يحرس ابنته من ضيفه.

انظروا الافتتان ماذا يعمل وهذا لأول مرة رآها ما قد سبق بينه وبينها علاقات قوية، ولا لقاءات، ولا.. ولا.. فكيف بمن يصير بينه وبين فلانة اتصالات وعلاقات ومراسلات؟ وإلى غير ذلك؟

على كلٍ، هذا المضيف قال: احمد الله يا بنتي، قد ضيفنا ضيفنا، وأشبعناه وريناه، يبيت ما بقي معه إلا الباءة، يعني أنه قد صار مفتونا بها، يريد ذلك، وتركه ولم ينهه، مع أنه قد تسبب في شر عظيم، لكن تركه حتى لا يصير له سمعة في العرب أن يقال: ضرب ضيفه، أو اخرج ضيفه في الليل وشرده، لم يحدث معه شيئا.

هكذا الفتنة بالنساء تعمل بالرجال، وهكذا يفتتن الرجال بالنساء إلا من سلمه الله، ودفع عن نفسه الفتن وتباعد عنها.

كذلك أيضا هنالك شخص كان من العلماء، وهذا حصل في هذا العصر ذهب إلى لبنان، فرأى الراقصات الماجنات، فقال: إن الله أعدل أن يدخل بنات لبنان النار، يعني الزانيات والفاجرات يقول: ما يدخلهن وهن بهذا الحسن والجمال، انظروا إلى افتتان من كان في مستوى عالم.

قبل أن يذهب إلى النساء كان في بلده في مأمن، وفي بيته في مأمن، فلما ذهب وغشي الأماكن التي فيها الفاجرات والسافرات أصيب بالفتنة.

وكذلك ذكر العصيمي في كتابه: "أخبار المنتكسين" أن شابا ذهب إلى بنكوك، ثم عشق هناك امرأة فاجرة، أي زانية، وأصيب بهذا العشق إصابة خطيرة جدا، ففي ذات يوم تأخرت عنه هذه العشيقة، فخاف ألا تأتي، ثم فجأة حضرت، فقام وسجد لها، وكانت تلك آخر سجدة سجدها.

انظروا إلى هذه الفتنة العظيمة، وكم تسمع من أخبار من فتنوا بالنساء؟ ومن أحوال عند النساء المفتونات والرجال المفتونين أمور خطيرة؟ أمور مضرة -عياذا بالله-.

فالإسلام ما حرم النظر إلى النساء غير المحارم إلا لما في ذلك من الفتنة.

ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه: "مجموع فتاوى" قال: "عشق الصور -صور النساء- يوجب فساد العقل، وعمي البصيرة، وسكر القلب، بل جنونه".

هذه الجنونية سمعتم شيئا من التمثيل لها، فعشق النساء خطير، والنساء بحاجة إلى أن يعرفن أن الرجال يمكرون بالنساء اللاتي يمددن أيديهن إليهم، ولو بالكلمة الواحدة، فالفجرة فجرة، والمرأة قد تحسن ظنها بالرجل، وتظن أنه كما يظهر لها، وهو كما قال الشاعر:

إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها *** عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ

عند الرجال يخدعن النساء أي خدع؟ ويمكرون بهن أي مكر؟ وأعني بذلك الرجال مفتنون بالنساء، وإلا هناك -بحمد الله- الذين هم بعيدون إعداد لا يحصيها إلا الله في بعد عن هذه الفتن، فالنساء يخدعن كثيرا من قبل من يخدعن من الرجال، فعلى النساء أن يحذرن من الاقتراب إلى الرجال.

المطلوب الابتعاد عن الرجال من قبل النساء، هذا أمر مهم، إلا ما دعت إليه الضرورة الشرعية.

استغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:

معاشر المسلمين: شياطين الجن والإنس اشتغلوا في هذا العصر، اشتغلوا النساء التي مددن أيديهن إليهم، وجعلوا النساء الصيد الثمين، فتجد في واقعنا هذا الذي نحن فيه أن المرأة قد استغلت في كل المجالات، ربما في مجالات دينية، لم يقف الاستغلال عند حد المجالات الدنيوية، في كل مجالاتها، فتصير تجد المرأة أمامك خلفك عن يمينك عن شمالك في الوظيفة في السفريات، في كذا..

المرأة موجودة، وجُعلت واستغلت، حتى تجاريا في السلع، استغلت صورها في الصحف والمجلات، وفي مواقع الإنترنت، وغير ذلك كل، هذا يزيد في الفتنة، ويؤجج الفتنة، أعظم وأعظم.

فقد كانت المرأة في الأيام الغابرة لا تخشى الرجال كمثل ما هو حاصل الآن أن صارت غاشية لهم، والعكس كذلك، لكن لما حصل من بعض المسلمين والمسلمات أن قلدوا أعداء الإسلام، فأخذوا من أعداء الإسلام الوباء والشرور والفتن، قال ابن القيم -رحمه الله- في الطرق الحكمية: "إن تمكين النساء من الاختلاط بالرجال أصل كل بلية وشر".

الآن التمكين بلغ ما لم يبلغ في أي عصر مضى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "جامع المسائل" قال رحمه الله: "الرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة النار والحطب".

فمن ظن أن هذه الأماكن فيها السلامة فقد ضعف إدراكه، وقل فهمه للأحوال، ومعرفته بالفتن، ولهذا سأل صحفي نصراني أحد أدباء المسلمين: لماذا العرب يمنعون نساءهم من الاختلاط بالرجال؟ قال: "لأنهم لا يحبون أن يلدن من غيرهم".

هذا الجواب كان لما كان العرب في عافية من الاختلاط، أما الآن فقد صار من صار من العرب في ضحية هذه الفتن -عياذا بالله-، فقد صارت البنت الشابة تجوب العالم، تجوب القارات من أجل أن تدرس ليس معها محارم.

هكذا عظمت الفتنة بين الشباب والشابات، في المدارس والجامعات، وغير ذلك من الأماكن، فأين السلامة وقد اجتمع النار والحطب؟

فيا معشر المسلمين: نقول كما قال الشافعي:

عِفُّوا تعِفَّ نساؤكم في المحرمِ *** وتجنَّبُوا ما لا يليقُ بمسلمِ

إنَّ الزِّنا دَينٌ إذا أقرضتًه *** كان الوفا مِن أهلِ بيتِك فاعلمِ

يا هاتكًا حُرمَ الرجالِ وقاطعًا *** سُبلَ المودةِ عشتَ غيرَ مُكرَّمِ

لو كنتَ حرًّا مِن سُلالةِ ماجدٍ *** ما كنتَ هتَّاكًا لحرمةِ مُسلمِ

من يزنِ يُزنَ به ولو بجدارِه  *** إن كنتَ يا هذا لبيبًا فافهمِ

فاتقوا الله، وراقبوا الله، وحافظوا على الشباب والشابات، فعلى الشباب أن يحذروا الفتن، وعلى الشابات أن يحذرن الفتن، وسأدل على أمر عظيم، وعلى علاج كبير حازم نافع -بحمد الله-، روى الإمام أحمد وغيره من حديث أبي أمامة: أن شابا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا؟! فماذا قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "أتحبُّه لأمك؟" قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: "ولا الناس يحبونه لأمهاتهم" قال: "أفتحبه لابنتك؟" قال: لا والله يا رسول الله! جعلني الله فداك، قال: "ولا الناس يحبونه لبناتهم"، قال: "أتحبُّه لأختك؟" قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: "ولا الناس يحبونه لأخواتهم" قال: "أتحبُّه لعمتك؟" قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: "ولا الناس يحبونه لعماتهم" قال: أتحبُّه لخالتك؟ قال: "لا والله، جعلني الله فداك" قال: "ولا الناس يحبونه لخالاتهم" قال: فوضع يده عليه، وقال: "اللهم! اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه" فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء" [صححه الألباني].

ولهذا ندعو المسلمين والمسلمات، والشباب والشابات، إلى أن يتفقهوا في الدين، وألا يبقوا ضحايا الفتن، فإذا دخل الشباب، إذا دخلوا في حياتهم بالإجرام والفساد والمكر والغدر والخيانة والخداع، أي حياة هذه في المستقبل؟ إلا من تاب تاب الله عليه.

فالمطلوب التعاون على البعد عن الفتن، والتحذير من الفتن، فنحذر من الفتن، تحذير للشباب من الدخول في مواقع الإنترنت التي أصحبت مشبوهة، ومنها مواقع فساد، ومواقع تعري، وعرض للأجساد والمتاجرة بأجساد النساء، وصارت تعرض الجرائم والفواحش -عياذا بالله-.

ألا فليتق الله شبابنا وبناتنا، ألا فليراقبوا الله، وليحذروا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

لا يظن الشخص أنه إذا غذى نفسه بالحرام، أن هذا يسعده، بل نخشى أن يتلفه.

حذارِ حذارِ من التأثر بالفاسدين، المطلوب المسايرة بالمصلحين، والابتعاد عن الفتن.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي