هذه هي الجنة عباد الله، فاتقوا الله -جل وعلا- فلا يفوتكم هذا النعيم، ولا تفوتكم سلعة الله الغالية، سلعة الله الجنة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند الحاكم: "ألا إن سلعة الله غالية! ألا إن سلعة الله هي الجنة!".
أما بعد: فيا عباد الله، يقول الله -جل وعلا-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ) [الحديد:20]، وقال -جل وعلا-: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133].
عبادَ الله: ثبت عند البخاري أنّ أهل الجنة إذا عبروا الصراط حُبسوا بين الجنة والنار في مكان يُسمَّى بـ"القنطرة"، قال -عليه الصلاة والسلام-: "حتى إذا هُذِّبوا، ونُقُّوا، أُذن لهم بدخول الجنة"؛ وذلك لأن الجنة لا تسمح لقلب أن يكون فيه غلٌّ أو حسد،كما قال -جل وعلا-: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) [الحجر:47].
هذه هي الجنة عباد الله، فاتقوا الله -جل وعلا- فلا يفوتكم هذا النعيم، ولا تفوتكم سلعة الله الغالية، سلعة الله الجنة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند الحاكم: "ألا إن سلعة الله غالية! ألا إن سلعة الله هي الجنة!".
يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-، أيها النائم، أيها الغافل، يقول: "ما رأيت مثل الجنة، نام طالبها" رواه الترمذي.
الجنة -عباد الله- هي مصبُّ اهتمام المتقين؛ ولذا قال -عز وجل-: (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133]، أول من يدخلها نبينا -عليه الصلاة والسلام-، ولذا جاء عند الترمذي، قال -عليه الصلاة والسلام-: "فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها"، وعند مسلم: "فأستفتح باب الجنة، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أُمرت بألا أفتح لأحد قبلك".
الجنة -عباد الله- يُدخل إليها من ثمانية أبواب، كما قال -عليه الصلاة والسلام- في صحيح مسلم، قال أبو بكر -رضي الله عنه- كما في الصحيحين: "يا رسول الله، ما على أحد دُعي من هذه الأبواب من ضرورة (يعني لو دخلها عبد من أي باب فليس هناك ضرر بل هو النعيم)، أيُدعى أحد من جميع هذه الأبواب؟"، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر".
هذه الأبواب قبل أن يصل إليها المتقون تكون مغلقة، وهذا هو القول الصحيح، وليست مفتوحة كما قال بعض العلماء، بل تكون مغلقة كما قال ابن القيم -رحمه الله-، وذلك لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي يشفع للأمة، ويشفع للمتقين أن يُفتح لهم الباب، وهذه إحدى أنواع شفاعاته -عليه الصلاة والسلام-.
قال -عز وجل-: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) [الزمر:73].
سعة الباب: قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن بين المصراعين أربعين سنة" رواه مسلم. لو سرت أربعين سنة، تلك المسافة التي تقطعها في هذه السنين هي ما بين حافتي الباب من أبواب الجنة!.
وجاء في الصحيحين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "ما بين المصراعين كما بين مكة وهجر". وتبعد هجر عن المدينة ما يقارب ألف ومائة وستين كيلو مترا. وفي رواية في الصحيحين: "ما بين مكة وبصرى" وهي تبعد عن المدينة أكثر من ألف ومائتين كيلو مترا.
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بوعده -جل وعلا- أن يملأ الجنة، كما جاء في الصحيحين: "ويملؤها -جل وعلا- بأن ينشِئ لها خلقا آخر"، وذلك لأن أهلها الذين كتب الله -عز وجل- لهم أن يدخلوها لا يملؤونها، بل ينشئ -جل وعلا- تفضلاً منه خلقا آخر.
وهذه الأمة، أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، تُعدُّ ثلثي أهل الجنة، نسأل الله أن نكون من هذين الثلثين، قال -عليه الصلاة والسلام- كما عند الترمذي: "أهل الجنة مئة وعشرون صفا، ثمانون صفا من هذه الأمة، وأربعون صفا من سائر الأمم".
وإذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ عرفوا منازلهم وبيوتهم، كما قال -جل وعلا-: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) [محمد:6]. قال النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عند البخاري: "فوالذي نفسي بيده! إن أحدهم لأهدى لمنزله في الجنة كان منه بمنزله في الدنيا".
وإذا دخلوها، ماذا لهم؟ ما الذي ينتظرهم؟ قال -جل وعلا- في الحديث القدسي، كما في الصحيحين: "أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطرَ على قلب بشر، فاقرؤوا إن شئتم: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17]".
لو رُئي إنسانٌ قد أوتي من متع الدنيا ما أوتي فتعجَّب الناس، ولا أدل من قصة قارون، (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [القصص:79]، ولم يُعطَ إلا شيئا يسيرا من هذه الدنيا! هذه الدنيا بسائرها بما فيها من المتع واللذات لا تُعدُّ شيئا عند نعيم الجنة، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين: "موضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها". السوط، ما حيزه؟ ما مقداره؟ لا يأخذ من الأرض شيئا، هذا الموضع الذي يأخذه السوط في الجنة خير من الدنيا، وما فيها.
وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عند مسلم : "والله! ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يضع أحدكم أُصبعه في اليم (يعني في البحر) فلينظر بم يرجع". أسقط أصبعك في البحر، ماذا يأخذ هذا الأصبع من مياه البحر؟ كذلك الدنيا لا تساوي عند نعيم الآخرة شيئا.
ولذا قال -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين، في صلاة الكسوف، قال: "تقدمت، فهممت أن أتناول عنقودا من عناقيد الجنة، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا".
عند مسلم، قال -عليه الصلاة والسلام-: "يُؤتى بأشد أهل الجنة، كان بؤسا في الدنيا -بئيس فقير في دنياه، فماذا يُصنع به؟- يغمس في النار غمسة فيقال له: يا ابن آدم، هل مرّ بك بُؤس قط؟ هل مرّ بك ضرٌّ قط؟ فيقول: لا والله يا ربي!".
جنات عدن، هذه الجنات لها درجات، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عند ابن ماجة: "الجنة مائة درجة، ما بين كل درجة كما بين السماء والأرض، أعلاها، وأوسطها الفردوس، والعرش فوق الفردوس، منها تُفجَّر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى".
إذا دخلها أهل الجنة لا يبقون على ما هم عليه، تتغير هيئاتهم وتتحول صفاتهم، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين: "أول زمرة تدخل الجنة مثل القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون، لا يتغوطون، لا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوَّة، أزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجلٍ واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا، يسبحون الله بكرة وعشية، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض".
يا بؤس مَن لم يدخل هذه الجنة! فمع أنه في نارٍ تتلظى، فهو يعاني مرارة نفسية، إذ فقد منزله الذي أعده الله -عز وجل- له في الجنة. قال النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في سنن ابن ماجة: "ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله -جل وعلا-: (أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) [المؤمنون:10].
وبينما هم في هذا النعيم تأتيهم نداءات، من بين هذه النداءات ما جاء في الصحيحين، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "إن الله -عز وجل- يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون: يا ربنا، وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحدا من قبلنا؟ فقال -عز وجل-: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً".
ومن بين النداءات، كما جاء عند مسلم: "يا أهل الجنة، إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإنّ لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً".
أما البناء: فهو بناءٌ من ذهب، وبناءٌ من فضة، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عند الترمذي، قال -عليه الصلاة والسلام-: "حصباؤها اللؤلؤ والياقوت، ترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم".
وقال -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين: "إن في الجنة جنتين من فضة، آنيتهما وما فيهما، وجنتين من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنات عدن".
قال -جل وعلا-: (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً) [مريم:61]، يعني آتيا، ولا يخلف ربنا -جل وعلا- ميعاده.
يأكلون، يتمتعون، يسكنون، يسكنون ماذا؟ يسكنون خياما، مكوناتها من الدرر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: "إن في الجنة لخيمة من درة مجوفة، عرضها ستون ميلا، في كل زاوية منها أهل لا يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن".
الطعام: لما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-، عن طعامهم، وأنهم لا يبولون، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، قال رجل: يا رسول الله، فما بال الطعام؟ قال: "جشاء، ورشح كرشح المسك، يُلهمون التسبيح، والتحميد كما تُلهمون النفَس".
أما الأنهار، فكما قال -جل وعلا-: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى) [محمد:15]، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عند الترمذي: "إن في الجنة بحر الماء، وبحر الخمر، وبحر اللبن، وبحر العسل، ثم تُشقق الأنهار بعد ذلك". قال -عليه الصلاة والسلام- كما عند ابن أبي الدنيا بسند حسنه الألباني -رحمه الله-: "أتظنون أن لها أخاديد في الأرض؟ (يعني حواجز) لا والله! إنها لسائحة على الأرض".
ماذا يُقدم لأهل الجنة أول ما يدخلونها؟ هذه الأرض تُقدم لأهل الجنة نزلا، إذ يجعلها -جل وعلا- خبزةً، يجعل هذه الأرض العظيمة خبزة لأهل الجنة، قال -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين -: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة، يتكفَّؤها الجبارُ -جل وعلا- بيده، كما يكفأ أحدُكم خبزته في السفر، نزلا لأهل الجنة"، فقال رجل من اليهود: بارك الله عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بإدامهم؟ -الخبز يحتاج إلى إدام- فقال -عليه الصلاة والسلام-: "بلى". قال: ثورٌ ونون -يعني حوت- يأكل من زائدة كبدهما (وهي قطعة تكون معلقةً في الكبد، تكون أفضل وألذّ ما يكون في اللذة) قال: "يأكل منها سبعون ألفا".
أما الطيور: فكما قال -عليه الصلاة والسلام- عند الترمذي: "فيها طير أعناقها كأعناق النوق"، قالوا يا رسول الله: والله إنها لناعمة! فقال -عليه الصلاة والسلام-: "أكَلَتها أنعم منها".
أما الأشجار، والزروع: فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذات يوم، كما عند البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، حدَّث عن رجل من أهل الجنة، وذلك أن الرجل قال: يا رب، إني أريد أن أزرع. فقال -جل وعلا-: ابنَ آدم، ألا يكفيك ما أنت فيه؟ فقال: لكني أحب أن أزرع. فأذن له -عز وجل- بالزرع، فبادر طرفَه نباتُه واستواؤه واستحصاده، يعني قبل أن يرفع طرفه إذا بهذا النبات أو بهذا البذر قد نبت واستوى للحصاد. فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "حتى كان مثل الجبال، فقال -جل وعلا-: دونك يا ابن آدم! فإنه لا يشبعك شيء".
فقال هذا الأعرابي: "والله، يا رسول الله، لا أرى هذا إلا أنصاريا أو قرشيا، فإنهم أصحاب زرع، أما نحن فلسنا بأصحاب زرع"، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين: "إن في الجنة لشجرة، يسير الراكب في ظلها (يعني في كنفها، لأنه ليس هناك ظلٌ ناشئ من شمس أو قمر؛ لأنه سبق معنا في الخطب السالفة، كما عند البخاري، أن الشمس، والقمر يُكوران في النار، وإنما كما قال النووي -رحمه الله-: هذا الظل الكنف)، قال -عليه الصلاة والسلام-: "يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها، واقرؤوا إن شئتم: (وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ)" [الواقعة:30].
قال -عليه الصلاة والسلام- كما عند الإمام أحمد، عن طوبى: "طوبى شجرة في الجنة، منها تخرج ثياب أهل الجنة، تخرج من أكمامها".
وقد أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عند الترمذي: "ما من شجرة في الجنة إلا وساقها من ذهب".
وقد أخبر -عليه الصلاة والسلام- كما عند الترمذي، بأن أهل الجنة لهم عمر، إما ثلاثون سنة ، وإما ثلاث وثلاثون سنة، على شك من الراوي. قال -عليه الصلاة والسلام-: "أهل الجنة جردٌ مرد (يعني لا شعور لهم) أبناء ثلاثين، أو ثلاث وثلاثين سنة".
وجاء عند البيهقي أنهم على خلق آدم، وقلب أيوب، وحسن (يعني جمال) يوسف، قال -عليه الصلاة والسلام- كما عند الترمذي يبين جمال أهل الجنة: "لو أنّ رجلا من أهل الجنة بدا في الأرض لطمس بأساوره ضوءَ الشمس كما تطمس الشمس ضوءَ النجوم".
أما زوجاتهم، فإن امرأة كما عند البيهقي، وكانت طاعنة في السن، أتت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: أندخل الجنة؟ فقال -عليه الصلاة والسلام- يمازحها، وهي عجوز: "لا يدخل الجنةَ عجوز"، فولَّت تبكي، فأمر -عليه الصلاة والسلام- بأن يُقال لها: إنها لن تدخلها وهي عجوز، إن الله -عز وجل- يقول: (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ) [الواقعة:35-38]، (وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الواقعة:22-24].
قال -عليه الصلاة والسلام- عن إحدى نساء أهل الجنة: "لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت على الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحا (يعني طيبا)، ولَنصيفها (يعني خمارها) على رأسها خير من الدنيا وما فيها".
وقال -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين: "لكل منهم زوجتان يُرى مخ سوقهما من وراء اللحم". عند مسلم: "وليس في الجنة أعزب".
وقال -عليه الصلاة والسلام- عن قوة ونشاط وحيوية أهل الجنة، كما عند الترمذي: "يُعطى المؤمن قوة مئة رجل في الأكل والشرب والشهوة والجماع". ولما سئل -عليه الصلاة والسلام-: أنأتي النساء في الجنة؟ قال -عليه الصلاة والسلام- كما عند أبي نُعيم: "إن أحدكم لَيصل في اليوم إلى مائة عذراء".
ومع هذا الجمال، ومع هذه النضارة، ومع هذه الحياة العظيمة فإن نساء أهل الجنة يغنين بأغنيات جميلات ما سمع بها أحد، يقول -عليه الصلاة والسلام- كما عند الطبراني: "إنهن ليغنين لأزواجهن بأحسن أصوات، ما سمعهنّ أحد، يقلن: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بِقُرَّة أعيان، نحن الخالدات فلا يمتن، ونحن المقيمات فلا يظعن، ونحن الآمنات فلا يخفن".
وأما الأولاد: فقال -عليه الصلاة والسلام- كما عند الترمذي، وابن ماجة -: "إذا اشتهى أحدكم الولد (يريد أن يكون له ولد) كان حمله، ووضعه، وسنه في ساعة واحدة كما يشتهي".
ونساء أهل الجنة، لأن الجنة موجودة، الآن موجودة، قال -عز وجل- (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، وما هُيِّئ فهو موجود، ولذا النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين: رأى الجنة في صلاة الكسوف، هنّ الآن يشتقن إلى أزواجهن من أهل الدنيا من أهل الجنة، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عند الترمذي: "لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله! إنما هو دخيل عندك يوشك أن يفارقك إلينا".
نسأل الله -عز وجل- الكريمَ من فضله.
أقول ما تسمع، وأستغفر الله لي ولك، فاستغفره وتب إليه؛ إن ربي كان توابا رحيما.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المهتدين المقتدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله، إن لأهل الجنة سوقاً، وهذا السوق يكون في يوم الجمعة، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عند مسلم -: "إن أهل الجنة ليأتون سوقا كلَّ جمعة فتهب عليهم ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم الطيب والمسك، فيعودون إلى أهليهم (يعني إلى زوجاتهم) فيقولون: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا، فيقولون: والله لقد ازددتم بعدنا أيضا حسنا".
أتدري -عبد الله- أقل أو أدنى أهل الجنة منزلاً؟! هو آخر من يدخل الجنة، وهو آخر من يخرج من النار.
قال -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين عن ذلك الرجل: "رجل يخرج من النار حبواً، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا، وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي -أو أتضحك بي- وأنت الملك؟ قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه، فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة".
ثم عن الوقت الذي يمضيه أهل الجنة وقتٌ نفيس، لا يُضيَّع في نوم، أو بغفلة، أو بإغماءة، وهذا من تمام النعيم أعده -جل وعلا- لأهل الجنة، نسأل الله أن نكون منهم.
ولذا فإن أهل الجنة لا ينامون، أهل الجنة لا يصل النعاس ولا النوم إلى أجفانهم طرفة عين. قال -عليه الصلاة والسلام- كما عند البيهقي: لما سئل: أينام أهل الجنة؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: "النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا يموتون".
قال -جل وعلا-: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ) [الدخان:56-57]، لا بعمل، العمل ليس بمثابة المعاوضة لما أعده -جل وعلا- لأهل الجنة، وإنما العمل الصالح الذي يقوم به العبد إنما هو سبب، (جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الواقعة:24]؛ ولذا قال -عليه الصلاة والسلام- كما عند مسلم: "اعلموا أنه لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله"، يعني: معاوضة، كما تشتري الشيء من أخيك، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل". لكنه -جل وعلا- تفضلا منه وكرما جعل العمل الصالح سببا من أسباب دخول الجنة.
وأما أفضل النعيم: فكما جاء في صحيح مسلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، نادى منادٍ فقال: إن ربكم له موعد يريد أن ينجزكموه، فيقول أهل الجنة: ألم يبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، وينجنا من النار؟ فيكشف -جل وعلا- عنه الحجاب، فما أُعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إليه -جل وعلا-".
هذه هي الجنة -عبد الله-، تريد عملا، تريد اجتهادا، تريد مجاهدة للنفس، تريد محاربة للشيطان.
والسؤال الأخير: هل أعددتَ العدةَ لهذا النعيم؟ حتى تستقبلك الملائكة من أبواب الجنة، كما قال -جل وعلا-: (وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:23-24].
سلام يعني: تحية، سلام من الآفات، سلام من الخروج، سلام من المهالك، سلام من النوم، سلام من الأمراض، سلام من الشرور.
بما صبرتم، على ماذا؟ على طاعة الله -عز وجل-. والصبر ثلاثة أنواع: على الطاعة، عن المعصية، على أقدار الله.
يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عند ابن ماجة: "من سأل الله الجنة ثلاثا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة".
اللهم إنا نسألك الجنة. اللهم إنا نسألك الجنة. اللهم إنا نسألك الجنة.
وهذه -عباد الله- آخر خطبة من الخطب الست التي تحدثنا فيها في الجمع الماضية عما يكون قبل الموت، وعما يكون في ثناياه، وعما يكون بعده، وعما يكون في المحشر، وعما يكون بعد المحشر، فنسأل الله -جل وعلا- أن يلطف بنا في جميع أطوار خلقنا وحياتنا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي