من علامات توفيق الله للعبد

عبد الله بن ناصر الزاحم
عناصر الخطبة
  1. حق الله تعالى في عبادته وتوحيده .
  2. من علامات توفيق الله تعالى للعبد .
  3. الحرص على التحلي بتلك العلامات واكتسابها .

اقتباس

إن من الخطأ العظيم، ومن الجهل بالدين، ظنّ بعضِ الناس أن فتح الدنيا عليه، وإن ضيّع أمر دينه وآخرته، أن هذا من توفيق الله له. ومن تأمّل كتاب الله -جل وعلا-، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- تبيّنت له علاماتُ توفيقِ الله للعبد.

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده ونستعينه....

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4].

عباد الله: إن الله -عز وجل- خلق الخلق لطاعته وعبادته، وأعظم حقٍّ لله -تعالى- أن يعبده العبادُ ولا يشركوا به شيئًا، وأعظم نعمةٍ يمنّ الله بها على العبد أن يهديه للإسلام، وييسر له العيش بين المسلمين، ويتنعم بأحكام وشرائع الدين.

عباد الله: إن من الخطأ العظيم، ومن الجهل بالدين، ظنّ بعضِ الناس أن فتح الدنيا عليه، وإن ضيّع أمر دينه وآخرته، أن هذا من توفيق الله له.

ومن تأمّل كتاب الله -جل وعلا-، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- تبيّنت له علاماتُ توفيقِ الله للعبد.

من تلك العلامات: أن يوفقه الله للعمل الصالح على اختلاف أنواعه، بدنياً أو مالياً أو قولياً، وقد بيّن -عز وجل- أن الفوز العظيم في طاعته، فقال -سبحانه-: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71]، وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله"، فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: "يوفقه لعمل صالح قبل الموت" صحيح رواه الترمذي.

وعن أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ"، قَالَ فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ" رواه أحمد.

ومن علامات توفيق الله للعبد: أن يوفّقه لطلب العلم الشرعي والتفقه في دين الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ".

ومن توفيق الله للعبد: أن يوفقه للدعوة إلى دين الله، ويُعلِّم الناسَ الخير، فالدعوة إلى الله هي مهمة الأنبياء والرسل والموفقين من عباد الله، ويكفي ثناء الله -عز وجل- عليهم بقوله: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33]، وتأمين الله لهم بقوله: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأعراف:35]. نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من الداعين إلى توحيده، المحاربين للشرك وأهله ووسائله.

عباد الله: ومن توفيق الله للعبد أن يوفقه للتوبة الصادقة من المعاصي، أو يحول بينه وبينها، فلا يستطيع أن يصل إليها، فإن هذا من التوفيق والسداد وإرادةِ اللهِ بعبده الخير، فالله -جل وعلا- يحب التوبة لعبده، قال -تعالى-: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء:27]، ويفرح بتوبة عبده، ففي حديث أبي هريرة -صلى الله عليه وسلم-: "وَاللَّهِ! لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاَةِ"، نسأل الله -جل وعلا- أن يمنّ علينا بتوبة صادقة ناصحة.

ويكفي في فضائل التوبة قول الله -تعالى-: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) [مريم:60]، وقوله: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82]، وقوله: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان:70].

ومن همَّ بالمعصية وأعد العدّة لها وأغلق الأبواب وأرخى الستور، ثم حيل بينه وبين المعصية، فليحمد الله كثيرًا، وليشكره على ذلك، فإن الله أراد به الخير، قال -جل وعلا- عن يوسف: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف:24].

ومن علامات توفيق الله للعبد أن ييسر له خدمة الناس ونفعهم وقضاء حوائجهم، وإدخال السرور عليهم، والسعي في أمور الأيتام والأرامل والفقراء والمساكين، روى الطبراني عن عمر-رضي الله عنه- أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا".

وعن رافع بن خديج -رضي الله عنه- عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْحَقِّ كَالْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ"، فجعل العامل على الصدقة تحصيلا أو توزيعا كالمجاهد في سبيل الله، وذلك إذا توفر فيه أمران: تحري الحق، وابتغاء وجه الله بعمله.

عباد الله: ومن علامات توفيق الله للعبد أن يوفقه للعناية بكتاب الله تعلّما وتعليما، قال -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، بل إن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، فهنيئًا لمن درَس القرآن أو درّسه وحافظ على حدوده وأحكامه!.

فيا من فرّطت في تلاوة كتاب الله وتدبره، تدارك نفسك حتى تحوز هذه الخيرية والأجر العظيم.

ومن توفيق الله للعبد أن يوفقه للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي نالت بها الأمةُ الخيرية، كما قال -جل وعلا-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110]، وقال -سبحانه-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104]. جعلنا الله وإياكم من أولئك.

ومن علامات توفيق الله للعبد أن يوفقه الله للخصال الكريمة والأخلاق الحسنة، وسلامة الصدر، ومحبة الخير للمؤمنين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن خياركم أحاسنكم أخلاقًا"، وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِ-صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ".

وأما سلامة الصدر من الغلّ والغشّ والحسد فهو من أسبابِ دخول الجنّة كما جاء في الحديث، ويكفي في ذلك كله قول رسول -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ! لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ -أَوْ قَالَ لأَخِيهِ- مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" .

أسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا التوفيق والسداد، وأن يعيننا على فعل الخيرات وترك المنكرات، إنه جواد كريم.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين...

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون.

عباد الله: ومن علامات توفيق الله للعبد: حسن عِشرته لأهله، عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، فمن قضى حوائج أهله وقدّمها على الأصدقاء والأصحاب كان موفّقًا مسدّدًا؛ لأن حقّهم أولى وأوجبُ من غيرهم.

ومن توفيق الله للعبد أن يكفه عن التدخل فيما لا يعنيه، فلا يتتبّع أخبارَ الناس وأسرارهم، ولا يدخُلُ في أمور لا يُحسنها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ".

ودخل على الصحابي الجليل أبي دجانة بعض أصحابه وهو مريض ووجهه يتهلل فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: "ما من عملِ شيءٍ أوثقُ عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى:كان قلبي للمسلمين سليمًا".

ومن علامات توفيق الله للعبد: أن يُلهِمه السداد والصواب في أقواله وأعماله ومواقفه، وتلك هي الحكمة التي قال الله عنها: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) [البقرة:269].

ومن توفيق الله للعبد: أن يُيسّر له الجهادَ والشهادةَ في سبيل الله، فذلك من أفضل القربات وأعلى المقامات، قال -تعالى-: (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:95]، وبيّن -عز وجل- أنه يختار الشهداء، فقال: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ) [آل عمران:140]، فقد اصطفاهم الله وأنعم عليهم بالشهادة في سبيله. نسأل الله أن يرزقنا الشهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين.

أيها المسلمون: هذه بعض من علامات توفيق الله للعبد، فاسألوا الله -جل وعلا- أن يوفقكم إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يهديكم لخير الأعمال والأقوال والأخلاق وأصلحها وأفضلها، وأن يختم لكم بها، إنه جواد كريم.

ثم صلوا وسلموا على خير البشرية أجمعين، وقائد الغر المحجلين، كما أمركم بذلك رب العالمين فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي