يا لعظم شعبان!

صالح بن مقبل العصيمي
عناصر الخطبة
  1. هدي السلف في شعبان .
  2. فضائل شعبان .
  3. أهم السنن والمندوبات في شهر شعبان .
  4. حكم الصيام بعد نصف شعبان .
  5. الغلو في ليلة النصف من شعبان .
  6. أعظم ما يرجى في ليلة النصف من شعبان .
  7. وجوب الحذر من الشرك. .

اقتباس

يَغْفِرُ اللهُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لِكُلِّ عِبَادِهِ إِلَّا المُشْرِكَ وَالْمُشَاحِنَ، فَتَفَقَّدْ نَفْسَكَ يَا عَبْدَ اللهِ، وَفَتِّشْ بَاطِنِهَا، فَلَعَلَّكَ أَنْ تَكُونَ مُبْتَلًى بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الشِّرْكِيَّاتِ المُنْتَشِرَةِ فِي الأُمَّةِ، وَلَا تَقُلْ: إِنَّنِي محميٌ مِنْ الشِّرْكِيَّاتِ، لَا يُمْكِنْ أَنْ أَقَعَ فِيهَا. فَهَذَا غُرُورٌ وَجَهْلٌ مِنْكَ، فَإِذَا كَاَن أَبُو الأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَإِمَامُ الحُنَفَاءِ، وخَلِيلُ الرَّحْمَنِ، يَسْأَلُ رَبَّهُ أَنْ يُجَنِّبَهُ وبَنِيهِ عِبَادَةَ الأْصَنْامِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى حَاكِياً عَنْهُ: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)، قَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِي-رَحِمَهُ الله-: "مَنْ يَأْمَنِ البَلَاءَ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ"؟!، فَلَا يَأْمَنُ الوُقُوعَ فِي الشِّرْكِ إِلَّا مَنْ هُوَ جَاهِلٌ بِهِ، وَبِمَا يُخْلِصْهُ مِنْهُ..

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

عِبَادَ اللهِ، أَقْبَلَ شَهْرُ شَعْبَانَ الْمُوَطِّئ لِشَهْرِ رَمَضَانَ؛ وَالْمقَدّمُ لَهُ، لِذَا كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ إِذَا دَخَلَ شَعْبَانُ، أَكَبُّوا عَلَى المَصَاحِفِ فَقَرَؤُوهَا، وَأخْرَجُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، تَقْوِيَةً لِلْضَعِيفِ وَالمِسْكِينِ، عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ، فَلَا تُفَرِّطُوا فِي صِيَامِ مَا تَسْتَطِيعُونَ مِنْ أَيَّامِهِ اغْتِنَامًا لِلْأَجْرِ.

 لِأَنَّ فِيهِ فَضِيلَةَ الصِّيَامِ؛ وَمِنْ حِكَمِ صِيَامِهِ: تَهْيِئَةُ النُّفُوسِ لِصِيَامِ رَمَضَانَ. قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: يَا رَسُولَ اللهِ: لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟  قَالَ: "ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ النَّاسُ عَنْهُ، بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، عَزَّ وَجَلَّ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

إِنَّ هَذَا الشَهْرَ الْعَظِيمَ، اكْتَنَفَهُ شَهْرَانِ عَظِيمَانِ، شَهْرُ رَجَبِ الحَرَامُ، وَشَهْرُ الصِّيَامِ؛ فَاشْتَغَلَ النَّاسُ بِهِمَا عَنْهُ، فَصَارَ مَغْفُولاً عَنْهُ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ مِنَ النَّبِيِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِلَى أَنَّ بَعْضَ مَا يَشْتَهِرُ فَضْلُهُ مِنَ الْأَزْمَانِ، قَدْ يَكُونُ غَيْرُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ.

وَفِي شَعْبَانَ تُعْرَضُ عَلَى اللهِ، -عَزَّ وَجَلَّ-، أَعْمَالُ الْعَبْدِ خَلَالَ الْعَامِ، وَهُنَاكَ عَرْضٌ أُسْبُوعِيٌّ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْاِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ صِيامَ أَكْثَرِ شَعْبَانَ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَتْ عَائِشَةُ -رِضِيَ اللهُ عَنْهَا-: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: "كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ". وَقَالَتْ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ، بَلْ كَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ» (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

وَعَنْ أُمُّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ،-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ فِي صِيَامِ شَعْبَانَ، دَلِيلاً عَلَى اسْتِحْبَابِ عِمَارَةِ الأَوْقَاتِ الَّتِي يَغْفُلُ النَّاسُ عَنهَا بِالطَّاعَةِ. فَهُوَ مِنْ أَشَقِّ الْأَعْمَالِ عَلَى النُّفُوسِ، وَيَحْتَاجُ إِلَى صَبْرٍ وَمُجَاهَدَةٍ، وَخُصِّصَ لِأَهْلِ الصِّيَامِ، بَابٌ فِي الجَنَّةِ، اسْمُهُ بَابُ الرَيَّانِ. وَأَفْضَلَ التَّطَوُّعِ مَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، وَذَلِكَ يَلْتَحِقُ بِصِيَامِ رَمَضَانَ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَتَكُونُ مَنْزِلَتُهُ مِنَ الصِّيَامِ بِمَنْزِلَةِ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ مَعَ الْفَرَائِضِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا؛ فَيَلْتَحِقُ بِالْفَرَائِضِ فِي الْفَضْلِ، وَهِيَ تَكْمِلَةٌ لِنَقْصِ الْفَرَائِضِ، وَكَذَلِكَ صِيَامُ مَا قَبْلَ رَمَضَانَ وَبَعْدَهُ.

عِبَادَ اللهِ، اشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ حَدِيثُ: "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى رَمَضَانِ"، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي تَصْحِيحِهِ وَتَضْعِيفِهِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ كِبَارُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، حَتَّى قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-، لَمْ يَرْوِ العَلَاءُ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمِ -رَحِمَهُ اللهُ- : "الأَحَادِيثُ كُلُّهَا تُخَالِفُهُ"، وَقَالَ الطَّحَاوِي -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ، وَالإِجْمَاعُ عَلَى تَرْكِ العَمَلِ بِهِ".

وَاشْتُهِرَ أَيْضًا فَضِيلَةُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، اسْتِنَادًا عَلَى حِدِيثٍ ضَعِيفٍ، حَتَّى أَصْبَحَتْ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ تُضَاهِي إِنْ لَمْ تَتَمْيَّزْ عَلَى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، يُصَامُ يَوْمُهَا وُيُحْيَى لَيْلُهَا وَبَعْضُهُمْ يُصَلِّيهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَيَحْتَفِلُونَ فِيهَا، وَرُبَّمَا يُزَيِّنُوا بُيُوتَهُمْ، وَكُلُّ هَذَا مِنَ الأُمُورِ المُحْدَثَةِ، الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ وَلَا صَحْبُهُ، وَلَا مَنْ تَابَعُوهُمْ، وَهُمْ الحُجَّةُ لِمَنْ أَرَادَ سَوَاءَ السَّبِيلِ.

 أَمَّا مَنْ أَحْدَثُوا الْبِدَعَ فِي هَذِهِ الَّليْلَةِ وَنَهَارِهَا فَهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِالْبُعْدِ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَلَيْتَهُمْ صَامُوهُ بِنِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ، أَوْ صَامُوهُ بِنِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ البِيضِ، بَلْ صَامُوهُ بِنِيَّةِ أَنَّهُ النِّصْفُ مِنْ شَعْباَنَ، اسْتِنَادًا عَلَى حَدِيثٍ ضَعِيفٍ.

وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ أَصَحَّ مَا وَرَدَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، مَا أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي مُسْنَدِهِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنُ مَاجَةَ، أَنَّ النَّبِيَ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "إِلَّا لِمُشْركٍ، أَوْ مُشَاحِنٍ"، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رَحْمَةِ اللهِ بِعِبَادِ: "يَطَّلِعُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلَّا لِاثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ"، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تْخْصِيصِهِ بِصِيَامِ، فَمَا رُبِطَتْ مَغْفِرَةُ اللهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ بِصِيَامٍ أَوْ قِيَامٍ، وَإِنَّمَا رُبِطَتْ بِالتَّوْحِيدِ، وَتَصْفِيَةِ الْأَنْفُسِ مِنْ الْأَحْقَاِد وَالْأَضْغَانِ.

وَلَيْسَ هَذَا مَقْصُورًا عَلَى لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 وَأَعْظَمُ الشَّحْنَاءِ الَّتِي يَجِبُ الحَذَرُ مِنْهَا، مَا تَخْتَلِجُهُ الأَنْفُسُ الْخَبِيثَةُ مِنْ شَحْنَاءَ عَلَى صَحْبِ مُحَمَّدٍ،-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمِنْ ذَلِكَ مَا تَحْمِلُهُ أَنْفُسُ الرَوَافِضِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَائِشَةَ، وَمُعَاوِيَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَعاَمَّةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ،-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَذَلِكَ سَلَامَةُ الصُّدُورِ عَلَى سَلَفِ الأُمَّةِ وَعُلَمَائِهَا، وَوُلَاةِ الْأَمْرِ، وَرِجَالِ الحُسْبَةِ، وَعُمُومِ المُسْلِمِينَ، وِإِرَادَةِ الخَيْرِ لَهُمْ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبً فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ..

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

عِبَادَ اللهِ: يَغْفِرُ اللهُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لِكُلِّ عِبَادِهِ إِلَّا المُشْرِكَ وَالْمُشَاحِنَ، فَتَفَقَّدْ نَفْسَكَ يَا عَبْدَ اللهِ، وَفَتِّشْ بَاطِنِهَا، فَلَعَلَّكَ أَنْ تَكُونَ مُبْتَلًى بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الشِّرْكِيَّاتِ المُنْتَشِرَةِ فِي الأُمَّةِ، وَلَا تَقُلْ: إِنَّنِي محميٌ مِنْ الشِّرْكِيَّاتِ، لَا يُمْكِنْ أَنْ أَقَعَ فِيهَا. فَهَذَا غُرُورٌ وَجَهْلٌ مِنْكَ، فَإِذَا كَاَن أَبُو الأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَإِمَامُ الحُنَفَاءِ، وخَلِيلُ الرَّحْمَنِ، يَسْأَلُ رَبَّهُ أَنْ يُجَنِّبَهُ وبَنِيهِ عِبَادَةَ الأْصَنْامِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى حَاكِياً عَنْهُ: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [إبراهيم: 35]، قَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِي-رَحِمَهُ الله-: "مَنْ يَأْمَنِ البَلَاءَ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ"؟!، فَلَا يَأْمَنُ الوُقُوعَ فِي الشِّرْكِ إِلَّا مَنْ هُوَ جَاهِلٌ بِهِ، وَبِمَا يُخْلِصْهُ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ، فَسُئِلَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: "الرِّيَاءُ"، (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ).

كَذَلِكَ الْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ شِرْكِ الْمَحَبَّةِ، وَالَّذِي يَقَعُ فِيهِ بَعْضُ النَّاشِئَةِ، مِمَّنْ فُتِنُوا بِالتَّعَصُّبِ الرِّيَاضِيِّ حَتَّى قَدَّمُوا مَحْبُوبَ أَنْدَيَتِهِمْ عَلَى مَحْبُوبِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلّ، فَهَذَا أَمْرٌ خَطِيرٌ.

كَذَلِكَ الْحَذَرُ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي الدُّنْيَا فَفِي الْحَدِيثِ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَابِدًا للدُّنْيَا؛ لأَنَّهُ مَفْتُونٌ بِهَا. الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي