وتستمر معاناة أهلنا في الشام، ويعظم مصابهم، وها هي الأحداث تشهد هذه الأيام فصلاً داميًا مروعًا مفجعًا تشهد مدينة حلب الشهباء مآسي مروِّعة بما تقوم به طائرات النظام البعثي النصيري مسنودة بطائرات غزاة الروس الملاحدة من قصف عشوائي مجرم لم تسلم منه المدارس والمساجد، بل والمستشفيات، حتى تجاوز القتلى المائة وعشرات الجرحى في ساعات معدودة في ظل صمت من القوى التي تتشدق دائمًا بالحديث كثيرًا عن حقوق الإنسان وإنصاف المظلومين. إن هذه الأحداث الدامية شاهدة على جملة من الحقائق التي ينبغي أن يعيها المسلمون: أولى هذه الحقائق عظيم ضرر هذه الفرق المنتسبة زورًا للإسلام والإسلام منهم براء،...
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واقتفى وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ وذلك بأن يُطاع الله -عز وجل- فلا يُعصَى، وأن يُذكر فلا يُنسَى، وأن يُشكر فلا يُكفَر، جاهدوا أنفسكم على تحقيق هذه المعاني العظيمة في حياتكم؛ فبها تتحقق تقوى الله -عز وجل-، ومن حصلت منه التقوى لربه -عز وجل- حاز أسباب السعادة والهداية ونال أسباب النجاح والفلاح (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) [القلم:35]، رزقني الله وإياكم تقواه، ومنَّ علينا جميعا بهداه إن ربي سميع مجيب.
أيها الإخوة المسلمون: وتستمر معاناة أهلنا في الشام، ويعظم مصابهم، وها هي الأحداث تشهد هذه الأيام فصلاً داميًا مروعًا مفجعًا تشهد مدينة حلب الشهباء مآسي مروِّعة بما تقوم به طائرات النظام البعثي النصيري مسنودة بطائرات غزاة الروس الملاحدة من قصف عشوائي مجرم لم تسلم منه المدارس والمساجد، بل والمستشفيات، حتى تجاوز القتلى المائة وعشرات الجرحى في ساعات معدودة في ظل صمت من القوى التي تتشدق دائمًا بالحديث كثيرًا عن حقوق الإنسان وإنصاف المظلومين.
إن هذه الأحداث الدامية شاهدة على جملة من الحقائق التي ينبغي أن يعيها المسلمون:
أولى هذه الحقائق عظيم ضرر هذه الفرق المنتسبة زورًا للإسلام والإسلام منهم براء، فالنصيريون وإن انتسبوا للإسلام إلا أن انتسابهم له باطل بهم بأصول مذهبهم وعقائدهم بعيدون كل البعد عن دائرة الإسلام في أصوله وفروعه في عقائده وأحكامه، ولهذا عدهم جماعة من أهل العلم قديمًا وحديثًا أخطر على المسلمين من اليهود والنصارى.
ونحن نرى بأم أعيننا ما ذاقه أهل السنة في الشام ليس في الخمس سنوات الماضية، بل منذ أن تسلمت حكم الشام هذه العصابة المجرمة المنتمية لهذه الطائفة المخذولة طائفة النصيرية وأهل السنة في بلاء عظيم وكرب عظيم وويلات متتابعة ومحن متواصلة؛ حيث القتل والسجن والتهجير والتشريد والطرد، والإبعاد والملاحقة لمعارضي النظام، وغيرهم من أهل الشام في العالم أجمع، والقيام بعمليات تصفيات طالت الرجال والنساء وأهل العلم والعامة.
مما ينبئ عن حقد دفين، وكراهية متواصلة، وإجرام شديد، وعدوان صارخ تقوم به طائفة نصيرية ضد أهل السنة والجماعة، عاملهم الله بعدله، وأراح الشام وأهله من تلك الطائفة المخذولة، وعجَّل بخذلانهم وهزيمتهم وكسر شوكتهم؛ إن ربي على كل شيء قدير.
والحقيقة الثانية: تكاتف فرق الضلال وتأزرهم وتعاونهم؛ على الرغم من اختلاف بينهم ووجود عداوات بينهم تصل إلى حد تكفير بعضهم بعضًا إلا أنهم يتحدون في حربهم على السنة.
فها هم الروافض وطوائف الحزب الشعبي، وأنصار حزب الله، يأتون من كل مكان من إيران والعراق وأفغانستان ولبنان إلى أرض الشام لمناصرة النصيرين المجرمين في حربهم وعدوانهم لأهل السنة؛ يتناسون خلافاتهم وتكفير بعضهم لبعض وأعلنوها حربًا ضروسًا لا هوادة فيها على أهل السنة، وسخروا جميع إمكاناتهم المادية والجسدية دعمًا للباطل، ونصرةً للظالم مما يدل على عظيم خطر هذه الفِرَق المنحرفة عن الكتاب والسنة على عظيم خطرها على المسلمين بعامة في كل مكان.
وكما شهدت وتشهد أحداث الشام بهذه الحقيقة؛ فإن التاريخ يشهد على أن هذه الفرق الضالة من الروافض والنصيرين وغيرهم كانوا هم الداعم والمناصر لكل عدو خارجي يشن حربه على بلاد الإسلام كما حصل أيام غزو التتار والمغول وحروب الصليبيين وعدوان المستعمرين.
وهذا كله يؤكد على ضرورة وعي أهل السنة بهذه الحقيقة، وضرورة توحد صفوفهم واجتماع قادتهم وعلمائهم ودعاتهم صفًّا واحدًا ضد عدوان المعتدين من المنتسبين زورًا وبهتانًا للإسلام والإسلام منهم براء.
والحقيقة الثالثة: شؤم الغلو وحركات الغلو شؤمهم على الإسلام والمسلمين؛ فإن جزءًا من مشكلات أهل السنة في العراق والشام تلك الحركات الغالية التي تنتسب زورًا وبهتانًا لأهل السنة، والسنة براء منهم فإن أهل السنة مبيانون لما عليه تلك الطوائف الغالية من استحلال للدماء المعصومة، ومسارعة في تكفير المسلمين وسعيهم في تفريق كلمة المجاهدين وتفريق صفوفهم.
والتاريخ المعاصر يشهد بأن حركات الغلو المعاصرة أضرت بأهل السنة ضررًا كبيرًا وشوَّهت الإسلام وألصقت به من الأقوال والأفعال والتصرفات ما الإسلام منه براء، بل واستعملهم أعداء المسلمين من الصليبيين والصفويين أداة لشن حربهم على أهل السنة والمجاهدين البعيدين عن الغلو.
بل واستعملهم في تحقيق مأربه الخبيثة ومقاصده السيئة لنشر الفوضى في بلاد المسلمين وزعزعة أمن المسلمين واستقرار دولهم واستهداف مكدراتهم.
وليس ذلك بمستغرَب على كل من خالف منهج الكتاب والسنة من الغلاة، ولو ادعى دفاعه عن أهل السنة فقديمًا خرج الخوارج يحملون شعار القرآن الكريم والدفاع عن الشرع، وأنه لا حكم إلا لله وشنُّوها مع ذلك حربًا على خيار الأمة من الصحابة والتابعين حتى وصل الحد بهم إلى أن قتلوا أمير المؤمنين عثمان بن عفان وأعلنوها حربًا ضروسًا لقتال أمير المؤمنين بعده علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
واستمر عدوانهم وبغيهم على دولة الإسلام في صدر خلافة بني أمية وبني العباس حتى أشغلوا المسلمين عن مواصلة فتوحاتهم ونشر الإسلام في ربوع المعمورة.
وها هو التاريخ المعاصر يعيد المشهد نفسه، ويقوم أحفاد الخوارج بالدور الذي قام به أسلافهم وآبائهم فيسهم إسهامًا كبيرًا في تمكين الأعداء من بلدان المسلمين بحجة قتال الإرهاب.
وها هم يسهمون بإطالة عمر النظام الحاكم في سوريا، بل وينسقون معه، فهل يعي بعض المغرَّر بهم من شبابنا هذه الحقيقة، ويفيقوا من غفلتهم، ويعلن من تلوث بشيء من التعاطف مع أولئك الغلاة -وإن كانوا قلة بحمد الله-؛ يعلنون براءتهم وينفضوا أيديهم من التعاطف مع تلك الفرقة الباغية.
وأما الحقيقة الرابعة فهي استغلال الصليبيين الحاقدين لأحداث الشام في الانتقام من أهل السنة؛ لعلمهم بأن أهل السنة هم على الحق، وأنهم هم الذين يمثلون الدين الحق، وأما من سواهم ممن انتسب إلى الإسلام زورًا وبهتانًا فهم لا يمثلون حقيقة الإسلام، وحربهم حرب المستعمرين والغزاة الصليبين قديمًا وحديثًا، حربهم إنما هي مع الإسلام نفسه الإسلام الحق الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-.
إنهم اليوم يعلنون وقوفهم ودعمهم لتلك الطوائف المعادية لأهل السنة من النصيرين والصفويين وغيرهم.
إنهم يتعمدون بل يندِّدون أشد التنديد بقتل عشرات من طوائف الحشد الرافضي، ولكنهم يصمُّون آذانهم عن مئات القتلى وآلاف الجرحى من الرجال والنساء والأطفال الذي يسقطون يوميًّا جراء ما يقوم به جيش النظام النصيري وطيران الروس المناصر للنظام النصيري في بلاد الشام.
إنه وقوف أهل الباطل مع أهل الباطل ودعم بعضهم لبعض، وإن تشدقت بعض الطوائف من طوائف الرافضة بشعاراتهم "الموت لأمريكا، والموت لليهود، والموت لإسرائيل"، لكننا لا نشاهد أثر لهذه الشعارات المزيفة إلا مزيدًا من قتل للمسلمين والعدوان على الآمنين وبث الفُرقة في بلاد المسلمين. فإلى الله المشتكى من أحوالنا وضعفنا وتسلط الأعداء علينا.
إنه والله لا مخرج من هذه الفتن المتلاطمة لا مخرج من هذه المحن المتتابعة في الشام وغير الشام؛ إلا رجعة صادقة للدين الحق، ومزيد استمساك بالكتاب والسنة، واجتماع واتحاد بين أهل السنة على الكتاب والسنة، وتربية للناس عليه، وتسخير إمكانات الأمة السياسية والاقتصادية والإعلامية لمناصرة قضاياها الرئيسة.
نسأل الله -عز وجل- أن يهيأ لأمة الإسلام أمرًا رشيدًا يتحقق فيه وعد الله بالنصر والتمكين والغلبة على الباطل وجنده إن ربي على كل شيء قدير. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله ولي المتقين وناصر المظلومين، وقاسم الطغاة والجبابرة المعتدين؛ أحمده على إحسانه وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا المعاصي كلها صغيرها وكبيرها؛ فإن أقدامكم ضعيفة على النار لا تقوى، جعلنا وإياكم من أهل التقوى والمغفرة؛ إن ربي رحيم ودود.
أيها الإخوة المسلمون: وأنتم تشاهدون هذه المآسي التي يمر بها المسلمون في بعض البلدان تذكروا ما أنتم فيه من نعمة عظيمة، لنتذكر أيها الإخوة في الله ما نحن فيه من نعمة عظيمة من حيث استقرار الأمن، ورغد العيش واجتماع الكلمة في ظل ولاية شرعية أمنت بها السبل، وحميت الحدود، وحرست الثغور، وأقيمت معالم الدين الظاهرة، فاحمدوا الله -عز وجل- على ذلك.
ولنقم جميعًا دعاة ورعية بواجب شكر هذه النعم لتدوم وتستمر، ولن يديمها الله بمثل طاعة الله -عز وجل-، والاستقامة على دينه وشرعه والالتزام الحق بالإسلام ظاهرًا وباطنًا، والدعوة إلى الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والصبر، والحرص على طاعة ولاة الأمور بالمعروف، وإعانتهم على الحق وتأيدهم ومناصرتهم على كل بر وهدى معروف.
نسأل الله -عز وجل- أن يديم علينا نعمه الظاهرة والباطنة، وأن يزيدنا من فضله إنه على كل شيء قدير.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صل وسلم وبارك...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي