آثار الألسنة المنحرفة في داخل الأمة، وفي أوساط الأمة، ظاهرة في الأضرار والأخطار والإفساد، كم نساء طُلِّقت بسبب زلات اللسان وفساده! وكم أرحام قُطِّعَت بسبب فساد اللسان! وكم قرابةٍ تمزقت وتشتت بسبب انحراف اللسان! وكذلك كم دماء أُهدرت وسُفكت بسبب انحراف اللسان! وكم أنفس أُزهقت بسبب عدم مراقبة الله في اللسان! وهكذا كم أُخوة ضُيِّعت بين المسلمين بسبب الجرأة بالأقوال الباطلة، وهكذا أيضًا كم قلوب تنافرت وكم قلوب أُصيبت بالأمراض وبالتعقد! وكم هجران بسبب كلام اللسان الذي يخالف شرع الله -سبحانه وتعالى-! فالأضرار كثيرة، الأضرار الناجمة عن أخطاء اللسان، بل أساس الفتن في المسلمين وأساس المحن وأعظم ما يجلب المصائب على المسلمين هي ألسنتهم عندما يقولون ما يخالف شرع الله...
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
من أعظم أوامر الله التي أمر الله بها عباده أوامره -سبحانه وتعالى- عباده بإصلاح ألسنتهم، قال ربنا في كتابه الكريم: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) [الإسراء:53]، وقال: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة: 83]، وقال: (وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا) [النساء: 9].
ففي هذه الآيات أمر الله المؤمنين والمؤمنات أن يقولوا الأقوال التي فيها الخير والصلاح الأقوال الطيبة الحسنة الكريمة الأقوال التي تسير مع العدل، والتي بُنيت على الصدق، والتي مفادها الرحمة وناتجة عن اللين وعن الخير والإحسان.
ولا شك ولا ريب أن عباد الله المؤمنين المتقين يستجيبون لله -عز وجل- في كل ما أمرهم، ومن ذلك استجابتهم لربهم في تنفيذ هذا الأمر الإلهي، والله -عز وجل- قد مدح عباده بصيانة ألسنتهم عن مجارة الجهال والفساق، فقال سبحانه في كتابه الكريم: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان: 63]، يسيئون في مخاطبتهم لهم وهم لا يسيئون إليهم، بل يردون بالقول الجميل والقول المليء بالسلامة والبعد عن الفتنة.
وقال الله مادحًا عباده المؤمنين: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) [الحج: 24]، هداهم الله، وفَّقهم الله، وفتح الله عليهم، فأصلح ألسنتهم إلا أنهم يحرصون على الأقوال الطيبة، فأقوالهم طيبة، وأعمالهم صالحة، وأحوالهم حَسَنة بحمد الله رب العالمين، هذا مما يفتح الله به على مَن يشاء من عباده المؤمنين، فألسنتهم نعمة عليهم من نعم الله العظيمة، وكيف لا وهم يذكرون الله بها، ويشكرون الله، وكذلك يقولون بألسنتهم الخير الذي ينتفعون به في الدنيا والآخرة، ويقولون به ما فيه الإحسان إلى العباد، فهذا من فضله -سبحانه- على مَن يشاء من عباده.
ألا، وإن المؤمنين والمؤمنات بحاجة ماسَّة إلى أن يعرفوا خطر الغفلة عن اللسان عن هفواته وزلاته وانحرافه، وعن انصرافه عن الورع وعن الآداب وعن المراقبة لله -عز وجل- عن انصراف اللسان عن الأدب وعن الورع كما سمع، وانصراف صاحبه عن المراقبة لله -سبحانه وتعالى-.
رسولنا الكريم -عليه الصلاة والسلام- حذَّر أمته أيما تحذير من الغفلة عما يقع فيه من يقع من الناس بسبب غفلتهم عن ألسنتهم.
روى الإمام البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب".
العبد يتكلم بالكلمة من الشر لا يتأكد هل هي نافعة أم ضارة، هل هي حق أم باطل، هل هي عدل أم ظلم، يتكلم بالكلمة دون أن يتحرى الكلمة التي تنفعه، فهنا يقع فيما يقع فيه كما سمعت قال: "يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب".
ما أسرع الوصول إلى النار! وإلى غضب الجبار وإلى عقوبة الواحد القهار، ما أسرع الوصول إلى الهلاك وإلى التلف، إلى الشقاء وإلى العناء بسبب الكلمة الواحدة يقولها العبد يغضب الله -عز وجل- بها يحيد بها عن الصواب والرشاد، ويقع فيها في الغي والفساد عياذا بالله.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك به الناس، يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض، وإنه ليزل عن لسانه أشد مما يزل عن قدمه" (رواه البيهقي في شعب الإيمان).
هذه كلمة يقولها فلان ليضحك فلانًا، أو ليضحك جماعة من الناس، وهي كلمة باطلة وكلمة مضلة، انظروا كم من كلمات يا عباد الله تخرج والشخص يعلم أنها ليست صالحة فأين الحذر من متالف اللسان؟!
يا عبد الله: الأمر خطير الأمر بالنسبة للغفلة عن أخطاء اللسان أمر خطير، فقد جاء من حديث أبي سعيد الخدري عن الترمذي وغيره أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكَفِّر اللسان" أي: تخضع له وتذل "تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوَجَجْتَ اعوَجَجْنَا".
انظروا! الجوارح تخاف من كلمات اللسان، الجوارح تصلح بصلاح اللسان، وتفسد بفساد اللسان، وقد جاء من حديث أنس عند أحمد وغيره أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: "لا يستقيمُ إيمان عبد حتى يستقيمَ قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه".
انظر إلى استقامة لسانك، قال ابن القيم -رحمه الله- في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي "المؤمن يحترز من أكل الحرام، ومن شرب الخمور، ومن الزنا، ومن السرقة، ومن النظر إلى ما حرم الله، ويصعب عليه أن يحترس من هفوات لسانه ومن زلات لسانه"، إلى أن قال: "فكم من متورع عن الظلم والفواحش وهو يفري أعراض الأموات وأعراض الأحياء ولا يبالي بذلك"!!
وقال الحافظ الذهبي -رحمه الله-: "كم من مسلم متورع في مأكله وملبسه ومعاملاته، فإذا جئت إلى لسانه وجدت الدَّخَل يدخل عليه من جهة لسانه".
احذروا عباد الله! احذروا الغفلة عما يحتاج إليه من إصلاح الألسن، ومن إقامتها على الوجه الشرعي، سمعتم في حديث أبي سعيد الخدري أن الأعضاء تخاف من اللسان من فساده وانحرافه عياذا بالله تخاف منه.
عبد الله: أين أنت من خوفك من لسانك الذي هو سبع يفترسك؟! لسانك كالسبع يفترسك إن أنت أطلقت له العنان.
ومن حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- عند الطبراني وغيره أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: "أكثر خطايا ابن آدم في لسانه".
وهكذا أيضا قد جاء عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- أن سفيان بن عبد الله الثقفي -عليه الصلاة والسلام- قال: "يا رسول الله! ما الذي تخافه علينا" فأشار إلى لسانه.
انظروا يخاف الرسول على صحابته على أمته، والصحابة هم خيرة الخلق بعد الأنبياء والرسل، ويخاف عليهم من زلات ألسنتهم فقد كان الصحابة حذرين أيما حذر من زلات اللسان ومن انحرافات اللسان فقد جاء وصح عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا عَلَى الأَرْضِ شَيْءٌ أَحْوَجُ إِلَى طُولِ سَجْنٍ مِنْ لِسَانٍ".
وكذلك أيضًا قد صحَّ عن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يأخذ بلسانه ويقول "هذا أوردني الموارد" -رضي الله عنه-.
وأخرج ابن حبان في روضة العقلاء عن الأوزاعي -رحمه الله- أنه قال: "ما أصيب عبد ببلاء كمثل أن يُصاب بإطلاق لسانه".
ما أصيب عبد ببلاء في دينه كمثل أن يصاب بإطلاق لسانه، أي: يُطلق المجال لنفسه يتكلم بما يتكلم دون ورع ودون خوف ومراقبة لله ودون نظر إلى عواقب الكلام.
الكلام -يا عباد الله- إن خرج عن الحدود الشرعية؛ فإن أضراره كثيرة، وإن مفاسده عظيمة، وإن عواقبه مشئومة.
احذروا عباد الله! احذروا من هذا التصرف، وهو ترك المجال للسان يخوض فيما يخوض ويصول فيما يصول من أنواع الشر والبغي، ومن أنواع الإفساد والإضرار، فما أحوجك أيها العبد إلى حبس اللسان!
وكذلك أيضًا أخرج الإمام أحمد في الزهد عن أبي الأشهب -رحمه الله تعالى- أنه قال كان السلف يقولون " ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه".
انظر يا عبد الله! إن دينك لا يقوم، وإن صلاحك لا يستتب لك إلا بإصلاح اللسان، قال ربنا في كتابه الكريم: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر: 10]، قال بعض المفسرين في قوله تعالى: (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)، قالوا: لا يقبل الكلم الطيب إلا بالعمل الصالح، ما بالك إذا كان الكلام غير طيب فكم يفسد من أعمال صالحة يعملها العبد المسلم، انظر أين أنت من التفقه في معرفة أخطار اللسان؟!
قال السعدي -رحمه الله-: "من ملك لسانه صلُح جميع أمره"، فأمورك لا تصلح إلا بصلاح اللسان، وبعدم صلاح اللسان فما أكثر الفساد، وما أكثر الخراب إذا ترك اللسان على ما هو عليه دون إصلاح.
فيا عبد الله: راقب الله، واتق الله، وقف عند حدود الله -عز وجل-، قال يزيد بن أبي حبيب -رحمه الله- فيما صح عنه: "المتكلم ينتظر الفتنة والصامت ينتظر الرحمة".
المتكلم الذي يتكلم بدون حق وبدون تقوى فهو ينتظر الفتنة، أن يقع فيها، وأن يبتلى بها عياذًا بالله، فانظر بماذا تتكلم مع الناس، وهكذا أيضًا بماذا تتكلم مع ربك ومع دينك، انظر هل أنت مع الشريعة في حدودها، وفي السير بسيرها، والوقوف عند حدودها، أم أن العبد قد ابتُلي بأن جهل ما يجب عليه أن يمسك عنه من أنواع الكلام، ومن فضول الكلام الذي لا يؤذن له بذلك.
فالمسلمون بحاجة ماسَّة إلى أن يتفقهوا في معرفة أضرار وأخطار الكلام الذي يخالف شرع الله، روى الإمام البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه"، قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: "يسبُّ الرجل أبا الرجل، فيسب أباه ويسب أمه".
الذي يسب الآخرين يتسبب في سبّ أبيه وأمه، وفي لعن أبيه وأمه، فكأنه سبَّ أباه وأمه؛ لأنه تسبب في ذلك، هذا في البادئ الذي يبدأ بالشر.
بقي معنا في الردّ الذي يرد عندما يقع الخطأ عليه، وعندما يخطئ شخص في حقه، قد جاء من حديث سعيد بن زيد عند الإمام أحمد وغيره أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال "إن من الكبائر السَّبَّتَانِ بِالسَّبَّةِ"، ومعنى الحديث لو أن شخصًا سبَّ آخر فالمسبوب قال له كلمتين سبَّه بكلمة، وزاد كلمة فوق الكلمة هذا الذي رد، وزاد كلمة فوق الكلمة يسير مرتكبًا لكبيرة؛ لأنه زاد في الرد والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان".
وكذلك أيضًا قال: "المستبان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتدِ المظلوم" (رواه الإمام مسلم وغيره).
فالمسلم إذا حصل الخطأ في حقه يحذر من أن يرد الخطأ بخطأ، وكذلك أيضًا يحذر أن يرد الخطأ بأكثر مما أذن له بالشريعة، فالمطلوب أن يرد الخطأ بما جاءت به الشريعة، وأن يعالج الخطأ بما جاءت به الشريعة.
فيا عباد الله: آثار الألسنة المنحرفة في داخل الأمة، وفي أوساط الأمة، ظاهرة في الأضرار والأخطار والإفساد، كم نساء طُلِّقت بسبب زلات اللسان وفساده! وكم أرحام قُطِّعَت بسبب فساد اللسان! وكم قرابةٍ تمزقت وتشتت بسبب انحراف اللسان! وكذلك كم دماء أُهدرت وسُفكت بسبب انحراف اللسان! وكم أنفس أُزهقت بسبب عدم مراقبة الله في اللسان! وهكذا كم أُخوة ضُيِّعت بين المسلمين بسبب الجرأة بالأقوال الباطلة، وهكذا أيضًا كم قلوب تنافرت وكم قلوب أُصيبت بالأمراض وبالتعقد! وكم هجران بسبب كلام اللسان الذي يخالف شرع الله -سبحانه وتعالى-! فالأضرار كثيرة، الأضرار الناجمة عن أخطاء اللسان، بل أساس الفتن في المسلمين وأساس المحن وأعظم ما يجلب المصائب على المسلمين هي ألسنتهم عندما يقولون ما يخالف شرع الله.
يا عباد الله! احذروا هذه الغفلة الخطيرة، انظروا إلى ألسنة بعض المسلمين كم كلمات خبيثة! وكم كلمات محرمة! كم كلمات تخرج من ألسنتهم وكم سبّ وشتم ولعن وغيبة ونميمة وكذب! وهكذا أشياء أخرى تقال على الألسنة فتجد في أوساط الزملاء وفي أوساط البيوت وبين الناس من يقول، ومن يستمرئ على لسانه السب الشنيع فيقول ذاك لذاك يقول له: يا حمار! يا بقرة! يا كلب! يا مجرم! يا يهودي! يا نصراني!.. إلى غير ذلك من أنواع السب والشتم عياذًا بالله، هذه كلمات خطيرة، كلمات محرمة، هكذا يقع كما سمعت أنواع الرمي بما حرمه الله -عز وجل-.
استغفروا الله؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه، أما بعد:
أيها المسلمون: لما حصل التلاعب بإصلاح اللسان فتجد أن الشخص لا يسلم من سبّه الشنيع أقرب الأقرباء إليه، لا يسلم من أقواله الشنيعة ومن أقواله الخبيثة، ومن ذلك تجد في بعض الناس من يرمي ولده بالزنا ويرمى نفسه بالزنا.
انظر إلى هذا الكلام! وإلى هذا القذف! أمور خطيرة إذا كان هذا الأب يتكلم مع الولد أو الأم تتكلم مع أولادها بهذا الكلام، فمتى ستصح التربية، ومتى سيكون هؤلاء مربين تربية سليمة، ومتى سيصلح الأولاد إذا كانوا لا يتلقون من آبائهم وأمهاتهم إلا ما هو شر وما هو فساد وأضرار من أنواع الكلام.
تجد بعض الأمهات وبعض الآباء يدعون على الأبناء يدعون عليهم بأنواع من الدعاء المحرم، ومن الكلمات الممنوعة في الشريعة فبعضهم يقول لولده لا جبرك، ويقول له أيضًا لا دريت ولا تليت، وهكذا أيضًا يدعو عليه بتسلط الجن عليه إلى غير ذلك من أنواع الدعاء المحرم في شريعة الله -سبحانه وتعالى-.
أضف إلى ذلك اللعن في البيوت الحاصل والدائر في بعض البيوت يوجد اللعن خصوصًا من قبل النساء، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر النساء! تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار"، فقالت امرأة منهن: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟! قال: "تكثرن اللعن.."، الحديث.
فاللعن يكثر في بعض الأسر، وفي بعض البيوت من آباء وأمهات ومن غيرهم، بل بعضهم لا يقف عند لعنة واحدة وكفى باللعنة الواحدة شرًّا؛ لأن اللعن طرد من رحمة الله، ولكن سيقول عليك سبعون لعنة أو مائة لعنة إلى غير ذلك من الألفاظ الخبيثة، وبعضهم يقول: لعن الله أصلك، وهكذا كلمات تسبب المصائب العظام والفتن الجسام بين العباد في داخل الأسر بين الرجل وأولاده، بين الرجل وزوجته، بين المرأة وزوجها بين الجيران مع بعضهم بعضًا.
يا عباد الله! لستم بحاجة إلى ما يجلب الضرر عليكم، ابتعدوا عن هذا، ومن تلكم الكلمات التي فيها احتقار واستهزاء وهي سب في حد ذاتها كمثل ما يقول بعضهم فلان ابن أرملة، ابن امرأة من باب الاحتقار والسب لهذا الشخص.
هذا الكلام المطلوب الترفع عنه المسلم له كرامته وله حرمته، وله مكانته، والمطلوب أن الناس يحسنون التلفظ، ويحسنون التعامل مع بعضهم بعضًا، بالمعاملة الطيب كما سمعت بعضهم، يقول هو ملعون، وعليه لعنه الله، أو هو يفعل بأمه إن فعل كذا وكذا، وبعضهم يقول هو يهودي ابن يهودي أو نصراني ابن نصراني إلى آخره، إن فعل كذا وكذا أو إن لم يفعل كذا وكذا.
يا عباد الله: ما هذه البوائق عند بعض المسلمين، ما هذه الكلمات الشنيعة الخبيثة، المسلم يترفع، المسلم يتقي الله، ويراقب الله، وينظر ما الذي سيتكلم به، وما الذي سيقوله من أنواع الكلام؟
ومما يؤجج الفتن في البيوت ما صار عند بعض الناس أنهم يقولون: "جني تحت التبن، ولا امرأة ابن"، ومفاد الكلام أن امرأة الابن تضر أعظم من ضرر الجن الذي يمكر بهم والذي يكيد بهم.
المطلوب السعي في الإصلاح في داخل النساء، والتحذير من الفتن ومن الشر، وهكذا كلمات كثيرة كما سمعت يقولها الناس مع بعضهم بعضًا، وفي حق بعضهم بعضًا، وبعضهم قد يراها سهلة ويراها أنها لم تضر، فإنها إن لم تضر عند المخلوق إن كانت الأمور المعتادة، وهي تخالف شرع الله فستضر عند الله -عز وجل-، فقد جاء من حديث أبي هريرة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال لصبي تعال أعطك فلم يعطه فقد كتبت عليه كذبة".
إذا قال للطفل: تعال لأعطيك كذا وهو يكذب عليه لن يعطيه؛ تُحسَب عليه وتكتب عليه كذبة.
يا عباد الله! أخطاء اللسان خطيرة وكثيرة لا تُحصى ولا تُعد، فبادروا رعاكم الله إلى مراقبة الله فيما نقول، وإلى مراقبة الله فيما نذر.
وبادروا إلى إصلاح الألسن ولا تتعلل بعادتك أن عادتك تقول كذا، استعن بالله على ترك ما يغضب الله من الكلام، وجاهد نفسك، واقبل النصيحة ممن نصحك ومن ذكرك وحذرك وأنذرك، واشكر له؛ لأنه في صالحك يريد لك الخير.
فيا عباد الله! أحسنوا الألفاظ، طيبوا الكلام زينوا الكلام اجعلوا الكلام فيما فيه النفع وفيما فيه الخير مع القريب، مع الصديق مع العدو مع كل شخص بمقتضى الشريعة، لا نخرج عن شريعة الله، نتكلم مع الناس بما جاءت به الشريعة، لا نخرج عن ذلك فالشريعة قد جاءت بالأحكام وقد جاءت بالمصالح النافعة في كل مجال.
هذا مما ينبغي أن نتعاون جميعًا على إصلاح أنفسنا.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي