السياحة في الداخل والخارج

خالد بن عبدالله الشايع
عناصر الخطبة
  1. ضعف التمسك بالإسلام والإعجاب بالكفار .
  2. نظرة الناس للسياحة .
  3. مفهوم السياحة في الإسلام .
  4. الفرق بين نظرة الناس للسياحة ومفهومها في الإسلام .
  5. كثرة الرزق لا يدل على حب الله للعبد .
  6. أقسام نظرة الناس للإجازة وأحكامها .
  7. أضرار ومفاسد السفر إلى بلاد الكفار والدول الإباحية .
  8. استغلال الإجازة في الأشياء المفيدة والنافعة .

اقتباس

إن مما يلهج به كثير من المسلمين -وللأسف-: "كلمة السياحة" يعنون في بلاد الغرب، أو في البلاد الإباحية. وما أدراك ما السياحة؟! إنها مرض العصر الذي أصيب به بعض الخلق، فهم قبل الإجازة بقليل يعدون العدة والعتاد، ويجلبون بخيلهم ورجلهم، ويتهافتون وراء زخارف الدنيا، زعما منهم أن...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله...

أما بعد:

فيا أيها الناس: لقد أعز الله المؤمنين بتمسكهم بدينه، وجعل الذل والصغار على من خالف هديهم، فهم الأصل والناس لهم تبع.

وهذا من التمكين الذي وعد الله عباده المؤمنين، وكلما ابتعد المسلمون عن دينهم كلما نقص هذا التمكين، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ) [النور: 55].

وقال تعالى: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].

ولهذا نجد أن المسلمين في هذا الزمن لما ابتعدوا عن دينهم نقص عزهم وتمكينهم، ومن نتائج ذلك لا محالة: وقوع الشر والابتلاء عليهم، فأنت ترى أن البلاء ينصب عليهم في كل صقع ومن كل قطر، وأصبح الإسلام وأهله يئنون ولا سامع لهم من المسلمين، ولو سمعوا ما استجابوا لهم، حتى استحكم الوهن في القلوب فأصبح الناس يتطلعون إلى حضارات الغرب ومستنقعاته، وهم ينظرون إليهم نظرة إعجاب وإكبار، ناهيك عما يصحب ذلك من الضعف والخنوع الناتجِ  عكسا لذلك، وهذا كله له مردوده ونتائجه المنعكسة، فإذا نظرنا إلى بعض المسلمين الذاهبين إلى بلاد الغرب أيا كانت الأسباب ولو لأيام معدودة، نجد أنه يعود بغير الوجه الذي ذهب به، بل بغير الفكر الذي ذهب به، إلا من رحم الله وهم قليل جدا، للأسف.

فهم يعودون وقد فتنوا بتلك الحضارات الدنيوية البحتة التي وصفهم الله فيها بالعلم، قال تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم: 7].

وإن مما يلهج به كثير من المسلمين -وللأسف-: "كلمة السياحة" يعنون في بلاد الغرب، أو في البلاد الإباحية.

وما أدراك ما السياحة؟

إنها مرض العصر الذي أصيب به بعض الخلق، فهم قبل الإجازة بقليل يعدون العدة والعتاد، ويجلبون بخيلهم ورجلهم، ويتهافتون وراء زخارف الدنيا، زعما منهم أن ذلك من باب الترويح على النفس والتنزه المباح.

وإن من الآثار التي تترتب على ذلك: فساد المعنى الشرعي لمفهوم السياحة، قال تعالى: (مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ) [التحريم: 5].

وقال تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ) [التوبة: 112] فمن هم السائحون؟

اختلفت عبارات المفسرين لما تدل عليه هذه الكلمة في اللغة، فقيل: هم المجاهدون الذين يجاهدون في سبيل الله يسيحون في الأرض خلف أعداء الله يقاتلون من كفر بالله.

وقيل: هم الصائمون الذين يلزمون المساجد، قال سفيان بن عيينة: "إنما قيل للصائم سائح؛ لأنه يترك اللذاتِ كلَّها من المطعم والمشرب والمنكح".

وقيل: "هم طلاب العلم" كما قاله عكرمة.

وقيل: هم المتفكرون في ملكوت السموات والأرض.

فجماع الأمر: أن السياحة -عباد الله-: عبادة وطاعة لله.

هذا هو مفهوم السياحة في الشرع.

فقارن -يا رعاك الله- بين ذا وبين من يعتقد: أن السياحة هي الخروج عن المألوف من العادات وحدود الشرع، أو من يعتقد أنه هروب من المجتمع الذي يعيش فيه، زعما منه أنه مكبل بالقيود وكبت الحرية المزعومة.

معاشر المسلمين: لا عجب من هذه التصورات والمفاهيم، فالانخداع بالغرب وعدم التمسك بتعاليم الشريعة هو العامل الأساس في ذلك.

فإذا أراد العبد أن ينجو من هذا، فلا بد له من فهم الواقع الذي يعيش فيه الغرب، فما هو إلا سراب زائل، تعقبه الحسرات والعذاب الأليم، قال تعالى: (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [آل عمران: 196 - 197].

واعلم -يا عبد الله- أن حصول النعم، واستدرار الرزق، ليس دليلا على محبة الله للعبد، أو أنه يعيش على طريق صحيح، أو أن منهجه في الدنيا صحيح، كلا والله، فالله -جل وعلا- يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري -رضى الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته".

ولنعلم أن النعم إذا توالت على العبد وهو عاص لله، فإنما ذلك استدراج له يزداد إثما، هذا العاصي فكيف بالكافر؟ قال تعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آل عمران: 178].

وأخرج الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر -رضى الله عنه- قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك استدراج".

فلنحذر جميعا أن نكون ممن أمنوا مكر الله، فصاروا من المخدوعين المغرورين ببهارج دنيا الكافرين، قال تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طـه: 131].

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا...

أقول قولي...

الخطبة الثانية:

الحمد الله الذي جعل ما على الأرض زينة لها ليبلونا أينا أحسن عملا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتوحد بالقيومية والديمومة، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه...

أما بعد:

فيا معاشر المؤمنين: إن الناظر في أحوال الناس في هذه الزمن خصوصا في مجتمعنا يرى أنهم في نظرهم إلى السفر في الإجازة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:

الأول: من ينظر إلى الإجازة، ويرى أنها فرصة للاستجمام والترويح عن النفس، ولا يرى ما يفي بهذا الغرض سوى متنزهات البلاد الغربية، وهو بين أمرين: إما أن بسافر لوحده سواء بمفرده أو مع جماعة، أو أن يسافر بعائلته، وكلا الأمرين شر محض، وخطر عظيم، وذلك لأمور منها: أنه لا يجوز للمسلم أن يسافر إلى بلاد الكفر، أو البلاد الإسلامية الإباحية إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، لغرض شرعي صحيح، كالسفر للعلاج الذي لا يتوفر إلا ببلادهم، أو السفر للدراسة التي لا يمكن الحصول عليها في بلاد المسلمين، أو السفر للتجارة، أو السفر للدعوة في سبيل الله ممن آتاه الله علما، فهذه أغراض صحيحة تبيح له ذلك بشرط أن يستطيع المحافظة على شعائر الإسلام الظاهرة، والتمكن من إقامة الدين ببلادهم، وأن يأمن على نفسه من الفتنة، وأن يكون ذلك بقدر الحاجة فقط ثم يعود لبلاد المسلمين، فمن تخلف عنه شرط من هذه الشروط لم يجز له السفر إلى تلك البلاد.

وهذا الحكم هو فتوى أهل العلم قديما وحديثا، وهو فتوى علماء بلادنا، وعلى رأسهم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء -وفقها الله-.

وليحذر العبد من الإصرار وارتكاب المحرم بالذهاب إلى تلك البقاع، فمن فعل ذلك فليعلم أن محمد بن عبد الله بريء منه، أخرج أبو داود في سننه من حديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين لا تتراءى نارهما".

وأخرج ابن ماجة من حديث معاوية بن حيدة -رضى الله عنه- قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يقبل الله من مشرك أشرك بعد ما أسلم عملا حتى يفارق المشركين إلى المسلمين".

أيها المؤمنون: إن السفر إلى بلاد الكفار أو الدول الإباحية ولو كانت دولة مسلمة له أضرار كثيرة، فالكثير قد فتن بالذهاب لبعض دول الخليج التي أصبحت أعظم تفسخا وانحطاطا من دول الكفر، فمن تلك المضار التي يجنيها المسافر لتلك البلاد: الافتتان بالكفار، والثناء عليهم، بعد الرجوع من السفر.

ومن ثمار ذلك: الإعجاب تقليدهم في بعض أفعالهم، كما نرى من بعض المسلمين الذين يسافرون ولو لمدة وجيزة، فإنهم يعودون وقد انخدعوا بما رأوا من تقدم حضاري، ونسوا أنهم في تخلف أخلاقي.

ومن الأضرار: الدعم المادي والاقتصادي للكفار، فهم يأخذون أموال المسلمين ليقتلوا بها المسلمين أنفسهم وللأسف.

ومن مضار السفر إلى خارج البلاد ولو كانت دولة مسلمة في الجملة، ولكنها إباحية، فالفوضى الخُلُقية عامة عليهم: ما يكتسبه الأبناء من قلة الحياء، واستمراء المنكرات في قلوب الأبناء، وانتكاس الفطرة التي نشأ عليها في هذه البلاد المباركة، فالعفة والحياء، والمحافظة على أمور الدين، من أبرز الركائز في قلوب أبنائنا -ولله الحمد-، ولكن الذاهب إلى تلك البلاد ولو تعلل بما يتعلل به من أعذار واهية، فإنه يقتل هذه القيم في قلوب أبنائه، شعر بذلك أم لم يشعر، فهم يرون المنكرات الظاهرة التي لم يعتادوا عليها من نزع للحجاب، ورؤية المناظر المحرمة، والمنكرات الظاهرة، فمن كانت بنته تستحي من إخراج عينيها أمام الرجال، فكيف بها إذا رأت أشباه العراة من الرجال والنساء، ولا تقل: إنهم يغضون أبصارهم، فمن من الناس يستطيع غض بصره وسط تلك الفتن المتلاطم موجها؟

هذه كله فضلا عما يعتاد عليه الشاب المسلم من المنكرات حتى يستمرئها، فإذا عاد لبلده هانت في عينه كل المنكرات التي هي أصغر مما رأى، وذلك لرؤيتهم لما هو أعظم منه، هذا فضلا عن ما يحصل للمسافر من تعلق للقلب لتلك البلدان، فتراه يعاود السفر، ويشتاق إليه.

فيا من يعتز بدينه ويفتخر برجولته وقوامته: إن إلغاء قرار السفر إلى تلك البلاد، واستبداله بمتنزهات بلادك والندم الآن، وعدم الاستجابة لما فيه المفسدة الظاهرة لك ولذريتك في الدنيا والآخرة، خير لك من الندم يوم القيامة على غشك لرعيتك، وخيانتك للأمانة، وإضاعتك

للمسؤلية، فأنت المسؤل وحدك يوم القيامة، ولن تنفعك الآهات.

ولتكن -عبد الله- من أصحاب القسم الثالث، وهم: الذين وفقوا لأمر الرشاد، فقضى إجازته فيما يعود عليه وعلى ذريته بالمفيد والنافع في الدنيا والآخرة، فهو بين تعليم لأبنائه للقرآن، أو تدارس كتب السلف في الدورات الشرعية، أو أداء لعمرة، أو قضاء للإجازة في متنزهات بلده، مع الستر والحياء والعفة والصيانة والديانة.

كما يجب على الآباء أن تكون لهم القوامة الكاملة، فيمنع أبناءه عن السفر للخارج، قبل أن يندم ولا ت حين مندم.

اللهم بصرنا بعيوبنا، وأعنا على إصلاحها...

اللهم أصلح لنا ديننا الذي عصمة أمرنا...

اللهم منَّ على مجتمعنا بالعفة والحياء والستر والنقاء...

اللهم انصر إخواننا المجاهدين في...

سبحان ربك رب العزة...


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي