الذكرى بأشراط الساعة الكبرى

خالد بن علي أبا الخيل

عناصر الخطبة

  1. علامات الساعة الكبرى العشر
  2. تتابع ظهور تلك العلامات
  3. المهدي وخروجه قبل هذه العلامات
  4. وجوب الإيمان بعلامات الساعة
  5. مبادرة علامات الساعة بالتوبة والمسارعة بالأعمال الصالحة

الحمد لله العلي الأعلى، نحمده سبحانه منّ فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل للقيامة الكبرى علامات وذكرى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بيّن وقسم للساعة علامات صغرى وكبرى.

أما بعد: فاتقوا الله يا أهل العقول والنهى، فتقواه فيها البر والهدى والسلامة من مضلات الفتن والهوى.

إخوة الإسلام: مضى في جمعتنا الماضية الحديث عن أشراط الساعة الصغرى، وفي جمعتنا هذه وفاء لما وعدنا به من ذكر أشراط الساعة الكبرى.

العلامات الصغرى – يا مسلمون – إرهاصات ومقدمات للعلامات الكبرى، وهي عشرٌ، ذكرها المصطفى.

ففي مسلم، من حديث حذيفة عن حذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- قال: اطلع النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟" قلنا: نذكر الساعة، قال: "إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات".

فَذَكَرَ: "الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب؛ وآخِر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم" رواه مسلم.

وفي مسلم -أيها المسلم-: "بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة".

وليس هناك نص صريح يبين ترتيبها فيما أعلم، والأحاديث جاءت متفرقة ومجتمعة، والرد إليه أسلم.

وإذا ظهر أول علامات الساعة الكبرى فالأخرى على إثرها تترا، آيات تتتابع كتتابع الخرز في النظام، يتبع بعضها بعضا في انتظام؛ في مسلم: "وأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبة".

وعند الإمام أحمد -مرفوعا-: "الآيات خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضا".

وعند الطبراني: "خروج الآيات بعضها على إثر بعض، يتتابعن كما يتتابع الخرز في النظام".

وقبل ذكر هذه العلامات باختصار، والتعليق عليها بإيجاز وادكار، نتحدث عن المهدي؛ لأن ظهوره يسبق هذه العلامات، فيجتمع عليه المؤمنون لقتال الدجال، ثم ينزل عيسى، ويصلي خلفه.

فهو رجل يخرج من قبل المشرق آخر الزمان، من آل البيت، اسمه واسم أبيه كاسم النبي، واسم أبيه خليل ربه، يملك سبع سنين، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، ينعم الناس في عهده، فتخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويفيض المال في ساحاتها، ويؤم هذه الدنيا، ويصلى عيسى خلفه.

وأما الأشراط المذكورة في كتب السنة المنثورة وعددها عشر متناثرة فدونك إياها في لمحات وإيجاز وومضات.

فالدجال رجل من بني آدم له صفات كثيرة بيّنة واضحة، حتى إذا خرج عرفه المؤمنون فسلموا من فتنته، مكتوب بين عينيه: "كافر"، يقرؤها كل إنسان، يخرج من جهة المشرق من خراسان من يهودية أصبهان ومعه سبعون ألفاً من اليهود.

ثم يسيرون في الأرض فلا يترك بلدا إلا دخله إلا مكة والمدينة فإنهما محرمتان عليه تحرسهم الملائكة، وأكثر أتباعه من اليهود والعجم والترك، وأخلاط من الناس غالبهم الأعراب والنساء، مسيح الضلالة، سمي مسيحاً لأن إحدى عينيه ممسوحة، أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يوما.

ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة من فتنة أعظم من فتنته؛ لما يجري الله على يديه من الخوارق والآيات التي تبهر العقول وتحير الفهوم، يمكث في الأرض أربعين يوما، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا، ثم يكون هلاكه على يد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.

ومن أوصافه أنه رجل شاب أحمر قصير أفحج، ممسوح العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، واليسرى عليها صفرة، وهو عقيم لا يولد له.

ومن فتنته أن معه جنة ونارا، وجنته نار وناره جنة، يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، ويقطع الأرض كسرعة الغيث استدبرته الريح، يدعي الربوبية، وإذا خرج لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل.

وهو عظيم الجسم عظيم الرأس، وشعره متجعد كثيف، أبيض البشرة، نعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال.

وأما نزول عيسى فاسمعوا إليه يا ذوي العقول والنهى: فهو عيسى ابن مريم، من أنثى بلا ذكر، والله يبعثه إلى الأرض على الطائفة المنصورة من المؤمنين بعد خروج الدجال وإفساده في الأرض، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق الشام، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، فَلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ.

فيقتل الدجال، ويقاتل اليهود، ويكسر الصليب، ويحكم بشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فيمكث في الأرض سبع سنين، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون. ثم يرسل الله الريح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين.

وصفته أنه مربوع القامة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أحمر جعد عريض الصدر، سبط الشعر، كأنما خرج من ديماس، أي حمام، له لمة -أي شعر- قد رجلها تملأ ما بين منكبيه.

وعيسى حين ينزل يكون من أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لا ينزل بشرع جديد؛ لأن دين الإسلام خاتم الأديان، وباق إلى قيام الساعة، فيكون عيسى حاكما من حكام هذه الأمة، ومجدداً لأمر الإسلام.

وزمن عيسى زمن أمن وسلام ورخاء، يرسل الله فيه المطر الغزير، وتخرج الأرض ثمرتها وبركتها، ويفيض المال، وتذهب الشحناء والبغضاء والتحاسد.

وأما يأجوج ومأجوج فهم قوم من البشر، كثيرو العدد، يخرجون بعد نزول عيسى فيفسدون في الأرض، فيدعو الله عليهم فيهلكهم الله ثم يرميهم في البحر، ويريح العباد والبلاد من شرهم.

وصفتهم: يشبهون أبناء جنسهم من الترك… الذين لا يفصحون الكلام، صغار العيون، ذلف الأنوف، صهب الشعور، عراض الوجوه، كأن وجوههم المجان المطرقة، على أشكال الترك وألوانهم.

وأما الخسوفات الثلاثة: فالأول في المشرق، والثاني في المغرب، والثالث في جزيرة العرب؛ ولما قالت أم سلمة: يا رسول الله، أيخسف بالأرض وفيها الصالحون؟!  قال لها: "إذا أكثر أهلها الخبث".

وهذه الخسوفات عظيمة وعامة لأماكن كثيرة من الأرض في مشارقها ومغاربها وفي جزيرة العرب.

وأما الدخان فيظهر في السماء بيّنا واضحا يراه كل أحد: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾ [الدخان:10]. فهو يغشى الناس ويعمهم، وعند ذلك يقال لهم: ﴿هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ تقريعا وتوبيخا.

وعند الطبراني وابن جرير، عنه -عليه الصلاة والسلام-: "إن ربكم أنذركم ثلاثا: الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه".

قلت ما سمعتم وأستغفر الله، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: عباد الله: وأما طلوع الشمس من مغربها فكما في قوله -سبحانه-: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام:158].

فالناس، بينما ينتظرون إشراق الشمس وطلوعها من مكانها المعتاد؛ فإذا بالشمس تطلع من الغروب، وعند ذلك يقفل باب التوبة.

ولهذا جاء الأمر بالمبادرة بالأعمال قبل طلوعها: "بادروا بالأعمال ستاً… طلوع الشمس من مغربها".

وإذا رآها الناس آمنوا أجمعين، حين ذلك ﴿لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾.

فإذا طلعت لا يقبل إيمان مؤمن، ولا توبة عاصٍ، فهي آية عظيمة يراها كل من كان في ذلك الزمان، فتنكشف الحقائق، ويشاهدون من الأهوال ما يجعلهم يُقِرُّون ويصدقون بالله وآياته.

وأما الدابة -أمة الإسلام والهداية- فهي تخرج من مكة المكرمة عند فساد الزمان وظهور المعصية، عند تبديل الدين وترك أوامر رب العالمين، فيُخرج الله لهم دابة تكلمهم، تخرج إذا اختلط الحابل بالنابل، والمؤمن بالكافر، والمسلم بالمنافق: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ [النمل:82].

قال العلماء في معنى ﴿وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾: أي: وجب الوعيد عليهم لتماديهم في العصيان والفسوق والطغيان، وإعراضهم عن أهل القرآن، يخرج الله لهم دابة من الأرض تكلمهم، تعقل وتنطق، مع أن الدواب في العادة لا كلام لها، ولا عقل؛ ليعلم الناس أن ذلك آية من عند الله. اهـ.

قال ابن مسعود: "وقْعُ القول يكون بموت العلماء، وذهاب العلم، ورفع القرآن".

وتخرج على الناس ضُحَىً تنطق وتخاطب الناس بكلام يسمعونه ويفهمونه ويعقلونه، والله على كل شيء قدير.

وعلى قراءة ﴿تَكْلِمُهم﴾ أي تجرحهم فتسمهم وسماً، وأما خطابها فهو قولها: ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ [النمل:82]، بقراءة فتح الهمزة، وهي قراءة أهل الكوفة.

فيجب أن نؤمن أنها دابة حقيقية، وأنها تكلم الناس، وأنها تخرج من الأرض؛ ولم يثبت من صفة هذه الدابة حديث صحيح، لا مكانا، ولا صفة، ولا وسما، ولا وقتا.

وأما العاشرة، وهي الخاتمة، نسأل الله حسن الخاتمة وحسن العاقبة، وهي خاتمة العلامات، وآخر الأمارات: نار تخرج من اليمن، وتسوق الناس إلى أرض المحشر، وتجمعهم فيها.

وأرض المحشر هي أرض بيضاء مستوية ليس فيها معلم لأحد.

وجاء أنها تخرج من قعر عدن، ترحل الناس، أي من أقصى قعر أرض عدن.

وفي البخاري: "نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب"، وروى الإمام أحمد مرفوعا: "ستخرج نار قبل يوم القيامة من بحر حضرموت، أو من حضرموت، تحشر الناس"، قالوا: فبم تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "عليكم بالشام". وجاء في وصفها أنها تطردهم إلى المحشر.

وعند ظهور هذه النار العظيمة ينقسم الناس إلى ثلاثة أفواج: فوج  راغبون طاعمون كاسون راكبون؛ وفوج يمشون تارة ويركبون أخرى يعتقبون على البعير الواحد، اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، بل وعشرة على بعير، من قلة الظهر يومئذ؛ والفوج الثالث تحشرهم النار وتحيط بهم من ورائهم وتسوقهم من كل جانب إلى أرض المحشر، ومن تخلف أكلته النار.

ففي البخاري: "يحشر الناس على ثلاثة طرائق: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير؛ ويحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا".

وما مر معنا -عباد الله- في الخطبتين الماضيتين وهذه الخطبة يجب التصديق الجازم به وبوقوعه، والإيمان بكل ما أخبر به ولد عدنان، وأن ذلك واقع لا محالة، ولا يكمل إيمان عبد حتى يؤمن بذلك، فهو وحي من عند الله بلغه رسول الله، فهو الصادق المصدوق، وما ينطق عن الهوى.

كما يجب الاستعداد والمبادرة والمنافسة والمسابقة في ميادين الأعمال الصالحة، مع التوبة الخالصة، والعزيمة الصادقة.

فالنبي لما أخبر بها ابتدأ بقوله قبل ذكرها: "بادروا بالأعمال ستا"، فالإنذار والتحذير من سنة البشير النذير، كما كان يحذر أصحابه الفتن؛ والمسيح الدجال؛ ليكون الإنسان على علم ومعرفة وحذر وعمل وقربة.

هذا؛ وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه.

الذكرى بأشراط الساعة الصغرى


تم تحميل المحتوى من موقع