والمسلم الفطن المسلم الصادق هو الذي يراقب هذه التغيرات هو الذي يتابع هذه الأحوال فينظر هل زاد إيمانه أم نقص؟ هل ضعف إيمانه أم قوي؟ كما فعل حنظلة رضي الله عنه وأرضاه شعر بنقص إيمانه فلم يهدأ حتى جاء إلى النبي صلى الله عليه سلم يسأله عن هذا الأمر العظيم ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد:
أيها المسلمون عباد الله: ذات مرة لقي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه وأرضاه- لقي حنظلة الأسيدي فقال حنظلة لأبي بكر: نافق حنظلة فقال أبوبكر -رضي الله عنه وأرضاه- سبحان الله! انظر ما تقول فقال حنظلة -رضي الله عنه وأرضاه-: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا". فقال أبوبكر -رضي الله عنه وأرضاه- ووالله إنا لنلقى مثل ذلك. انطلق بنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانطلق إليه فجاء حنظلة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا رسول الله نافق حنظلة, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "وما ذاك؟" قال يا رسول الله إنا نكون عندك فتذكرنا الجنة والنار حتى كأنا رأي عين فإذا رجعنا عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا". فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا حنظلة لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" ثلاث مرات.
هكذا الإيمان لو يدوم الإيمان على حاله، لو يدوم اليقين على حاله لصار الناس جميعا أولياء صالحين لله، ولكن الإيمان ساعة يزيد وساعة ينقص، ساعة يقوى وساعة يضعف، الإيمان ساعة يغلب وساعة يغلب في قلب العبد، وهذه حكمة أرادها الله -سبحانه وتعالى- في خلقه أن يكون الإيمان على هذا الحال من التغير والتقلب بين الزيادة والنقصان وبين الضعف والقوة.
والمسلم الفطن المسلم الصادق هو الذي يراقب هذه التغيرات هو الذي يتابع هذه الأحوال فينظر هل زاد إيمانه أم نقص؟ هل ضعف إيمانه أم قوي؟ كما فعل حنظلة -رضي الله عنه وأرضاه- شعر بنقص إيمانه فلم يهدأ حتى جاء إلى النبي -صلى الله عليه سلم- يسأله عن هذا الأمر العظيم.
كثير من الناس يسألون عن الصلاة، يسألون عن الطهارة، يسألون عن الحلال والحرام في البيع والشراء والمعاملات وجزاهم الله خيرا وهذا أمر حسن، ولكن قليل هم الذين يسألون سؤال حنظلة -رضي الله عنه وأرضاه-، قليل هم الذين يسألون عن الإيمان الذي في القلوب، قليل هم الذين يستشعرون هذا التغير الذي يحصل في قلوبهم، فيخافون ويفزعون منه، ويسألون لأجل أن يتخلصوا من هذا الضعف الذي في القلوب.
فالإيمان لا بد له من متابعة، لا بد له من مراقبة، لا بد أن يكون العبد يقظا ناظرا دائما إلى قلبه، مطلعا على أحواله، متفكرا في تغيراته وتقلباته.
هناك علامات كثيرة تستطيع أن تعرف بها هل إيمانك في زيادة أم إيمانك في نقصان، هل هو في ضعف أم هو في قوة؛ فمن هذه العلامات:
الوقوع في المحرمات؛ فإن الاستهانة بها والاستخفاف والجرأة عليها تنافي تمام الإيمان وكماله، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" أي لا يصدر منه هذا الفعل في وقت عمله وفعله وإيمانه كامل، لا، بل إنه يفعل هذا الفعل وقد ضعف إيمانه فلهذا تغلب عليه شيطانه وجرَّأه على معصية الله "لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهَا رُءُوسَهُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ"
لا تصدر هذه المحرمات والأفعال في وقت كمال الإيمان وإنما تصدر وتحدث في وقت ضعف الإيمان ونقصانه.
من علامات ضعف الإيمان: قسوة القلب وخشونته يسمع الآيات العظيمة من كلام الله التي تهز الجبال الراسيات فلا يهتز قلبه لها.
يرى أمامه الجنائز ويصلي على الأموات ويحضر إلى المقابر فلا يتأثر بما يشاهد ويرى، يسمع المواعظ والتذكير والنصح فلا يتسلل إلى قلبه؛ تدرون لماذا؟ لأن هذا القلب صار قاسيا، وهذه العضلة اللينة إذا قست وخلت عن ذكر الله صارت أشد قسوة من الحجارة (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة:74]
لكن تدرون -أيها الأحباب- بعض القلوب لا تتشقق، بعض القلوب لا تهبط من خشية الله، بعض القلوب لا ينفذ إليها الإيمان -والعياذ بالله- فمن كان قلبه هكذا فليراجع إيمانه فإن المؤمن صاحب قلب كقلوب العصافير يخاف الله ويخشى الله ويجد قلبه إذا ذكر الله.
وسل نفسك -أيها الأخ الحبيب- متى آخر مرة خشع القلب رهبة لله؟ متى آخر مرة دمعت هاتين العينين من خشية الله -سبحانه وتعالى-؟
من علامات ضعف الإيمان: التكاسل عن الطاعات والعبادات، والفتور في أدائها؛ إما بتركها كلية، أو بفعلها تكاسلا كما قال الله -سبحانه وتعالى- عن حال المنافقين: (وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى) [النَّساء:142] تجد الواحد يترك أو يؤخر الحج وهو قادر على الحج، يؤخر أو يترك صلاة الجماعة وربما الجمعة وهي فرائض واجبة باتفاق المسلمين.
تجد أن بعض الناس يزهد في الخير يفرط في الحسنات يفرط في مواسم الخير والعبادة لا يستغلها ولا ينتهز فرصتها فهو راغب عن هذه الأجور العظيمة وزاهد فيما يقربه إلى الله -سبحانه وتعالى-، لا يقرأ القرآن ولا يصوم يوما لله ولا يصلي وإن صلى صلى الفرائض لا زيادة عليها ولا يذكر الله -سبحانه وتعالى- إلا قليلا.
إذا ذكر الله ذكر ربه شيئا يسيرا ثم انقطع، وإذا رفع يديه إلى الله يدعو ما هي إلا لحظات حتى يمل ويسأم من دعاء الله ومناجاته.
هذا من ضعف الإيمان، هذا من نقصان الإيمان وإلا فإن المؤمن لا يجد راحة ولا يجد طمأنينة ولا سكينة إلا حين يكون بين يدي الله -سبحانه وتعالى-.
حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- كان يقول عن الصلاة: "أرحنا بها يا بلال"؛ فهل نحن نجد راحة قلوبنا وسلوة نفوسنا حين نقف في الصلاة بين يدي ربنا -سبحانه وتعالى-.
من علامات ضعف الإيمان -أيها الأحباب-: عدم الصبر وضيق الصدر وقلة التحمل والانزعاج الكثير والتسخط الكثير وعدم الثبات في المصائب والنائبات.
الإيمان كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الإيمان الصبر والسماحة" فمن كان عنده صبر وكان سمحا فإنه مؤمن، ومن لم يكن عنده ذلك فلينظر في إيمانه وليراجع نفسه (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ) [الزمر:22] فمن كان منشرح الصدر واسع القلب كثير التحمل والصبر فإنه مؤمن حقا بإذن الله.
من علامات ضعف الإيمان: الشح والبخل بالنفقة في سبيل الله إمساك اليد وإمساك المال عن أن يخرج في الصدقات وللمساكين والمحتاجين.
نبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول "لا يجتمع الشح والإيمان في قلب أبداً" إيمان كامل مع شح وبخل هذا لا يكون (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن:16] فالمؤمن كريم جواد ينفق في سبيل الله ولا يبالي بما قدم لله يعلم أن ما أنفقه مدخر له عند الله وسيجده يوم القيامة أضعاف مضاعفة.
من علامات ضعف الإيمان: السرور بما يصيب الأخ المسلم من مصائب أو نكبات أو زوال نعمة فإن هذا من الحسد المذموم الذي يحرق الإيمان في القلب والمؤمن محب للخير للمسلمين جميعا يقول -صلى الله عليه وسلم- "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
فانظر في نفسك هل تحب لإخوانك المسلمين ما تحب لنفسك من الراحة والطمأنينة والسكينة والأمن والأمان والرفاهية والنعمة والمال؟ إن كنت كذلك فالحمد لله وإن لم تكن كذلك فراجع نفسك.
من علامات ضعف الإيمان: عدم الاهتمام بقضايا المسلمين وعدم التفاعل معها، عدم الألم لألمهم والتوجع بوجعهم، حببينا -صلى الله عليه وسلم- يقول "إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد" يألم لألم لأهل الإيمان كما يألم الرأس لألم الجسد.
هكذا المؤمن يعيش مع المسلمين في كل مكان في جميع أقطار الأرض شرقها وغربها يعيش مع المسلمين آلامهم يعيش معهم همومهم وأحزانهم يفرح لفرحهم ويألم لألمهم لجميع المسلمين الأقربين والأبعدين.
من علامات ضعف الإيمان كذلك -أيها الأحباب-: عدم الغيرة والغضب على محارم الله تبارك وتعالى إذا انتهكت، عدم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عدم المبالاة بأن يرى الإنسان ربه -تبارك وتعالى- يعصى في الأرض ولا يحرك ساكنا.
نبينا -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الذي في الصحيح يقول "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
فمن مر بمعصية يراها ويشاهدها ويسمعها ثم لا يتحرك قلبه حرقة لله ولدين الله ثم لا يتألم لرؤية هذه المعصية والمنكر فماذا بقي له من الإيمان؟!
إذا كان -صلى الله عليه وسلم- قد جعل الإنكار بالقلب أضعف الإيمان فماذا بعد ذلك؟!
في حديث آخر يقول -صلى الله عليه وسلم- "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"
من علامات ضعف الإيمان: عدم السؤال عن أحكام الله، عدم السؤال عن الحلال والحرام، عدم السؤال عن الأوامر والنواهي.
لا شك أن كل واحد منا تعرض له في حياته قضايا كثيرة في بيته في عمله في بيعه وشراءه في تعاملاته مع الناس تعرض كثيرا من المسائل التي لا شك أن لله -عز وجل- فيها حكما، فليس هناك حركة ولا سكنة، وليس هناك معاملة في هذه الدنيا كلها إلا ولله -عز وجل- فيها حكم. فالمؤمن الحريص الصادق يسأل ويتحرى يعمل بقول الله -تبارك وتعالى-: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل:43] وأما من كان غير ذلك فإنه لا يبالي كيف يبيع أو كيف يشتري، لا يبالي ماذا يقول أو ماذا يفعل، لا يبالي كيف يتعامل مع الناس بأي طريقة أو وسيلة، ليس هناك في ذهنه أو لا يخطر في باله أن يسأل مجرد سؤال هل هذا يرضي الله أم لا يرضيه؟!، هل هذا يوافق دين الله أم لا يوافقه؟! هل هذا حلال أم هذا حرام؟!
من علامات ضعف الإيمان كذلك -أيها الأحباب-: أن يخلو حديث الإنسان من ذكر الآخرة وذكر الجنة والنار.. أن يصير غالب حديث الإنسان في أمور الدنيا، في متاعها، في حطامها في أغراضها وفي أعمالها بأن يصير غالب حديثه في احدث الموديلات وآخر الصناعات والتقنيات، وما هي أحدث وآخر الأخبار، وما الذي جرى هنا وهناك، ولا يذكر الله -عز وجل- في كلامه إلا قليلا، ولا يذكر أمر الآخرة ولا يذكر أمر مصيره ومآله إلا قليلا.
النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول "ما من قوم يجلسون مجلسا لا يذكرون الله فيه ولا يصلون فيه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة" فأين مجالسنا هل هي مجالس إيمانية؟! هل هي مجالس يذكر فيها الله -تبارك وتعالى- كثيرا؟! أم أنها مجالس قد غلبت عليها الدنيا، قد غلبت عليها أمور الحياة، أمور هذه الأولى وغفلنا عن أمور الآخرة.
من علامات ضعف الإيمان كذلك -أيها الأحباب-: تعظيم الكفار، تمجيدهم، الاحتفاء بهم، ورفعهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله تعالى إياها (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ) [الحج:18].
من علامات ضعف الإيمان: المسارعة فيهم، محاولة تقليدهم والتشبه بهم في أفعالهم وأقوالهم وربنا تبارك وتعالى يقول: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ) [المائدة:52]
مرض ضعف الإيمان، مرض الذل والخضوع، مرض الشبهة والتأثر، هذا المرض إذا وجد في القلوب ترى الناس يسارعون، يسارعون في التقليد، يسارعون في التشبه والإتباع، يسارعون في الخضوع والانقياد، والمؤمن عزيز بإيمانه، أبي بإسلامه يأنف أن يكون تابعا لغيره ويأنف أن يكون مقتديا بأحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فهي من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا
وبعد:
أيها الأحباب الكرام: كأي أمر آخر لا شك أن لضعف الإيمان أسبابا فالله -عز وجل- قد جعل لكل شيئا سببا فإذا عرفت أسباب ضعف الإيمان فإن علاجه يكون منها، خذ كل سبب من هذه الأسباب وحاول أن تتخلص منه وأن تعمل بضده وبإذن الله -عز وجل- تجد أثر هذا في قلبك.
أول سبب من أسباب ضعف الإيمان: طول الأمل وظن البقاء والخلود في هذه الدنيا فإن من أطال الأمل أساء العمل والله تبارك وتعالى يقول (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر:3]
يقول علي -رضي الله عنه وأرضاه- "إن أخوف ما أخاف عليكم إتباع الهوى وطول الأمل فأما إتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فإنه ينسي الآخرة "
وما قست قلوب الذين من قبلنا إلا حين طال بهم الأمل والأمد، قال الله تبارك وتعالى (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16]
السبب الثاني من أسباب ضعف الإيمان: الابتعاد عن الأجواء الإيمانية فإن الشيطان كالذئب وإنما يأكل الذنب من الغنم القاصية إذا ابتعدت الشاة عن قطيع الغنم انفرد بها الذئب وهكذا الإنسان إن ابتعد عن أجواء الخير انفرد به الشيطان، إن ابتعد عن المساجد، ابتعد عن حلقات الذكر، ابتعد عن الرفقة الصالحة فإنه يكون فريسة سهلة للشيطان
ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين أن يكونوا معهم بأخلاقهم وأفعالهم وأن يكونوا معهم بذواتهم وأجسادهم قال الله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119]
فمن كان مع الصادقين كان صادقا تأثر بهم وبأخلاقهم ومن كان مع المؤمنين مخالطا لهم كان مؤمنا تأثر بهم وبأخلاقهم ومن كان مع غيرهم تأثر بهم وبأخلاقهم والإنسان على دين خليله ومن يخالطه
السبب الثالث من أسباب ضعف الإيمان: عدم المحاسبة وترك المراقبة فإن الإيمان كثير التقلب في القلب بين لحظة وأخرى يزيد وينقص ويضعف ويقوى وهذا القلب بطبيعته لا يثبت على حال وإنما سمي القلب من تقلبه فاحذر القلب من قلب وتحويل
ولن يستطيع الإنسان ان يضبط هذا الأمر إلا بكثير محاسبة وكثير مراقبة يسأل نفسه دائما هل في هذا اليوم زاد إيماني أن نقص، هل في هذا اليوم ضعف إيماني أم قوي، هل في هذا اليوم قدمت أم أخرت من العمل والله سبحانه وتعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]
أصل في المحاسبة والمراقبة وإن التاجر الناجح هو الذي يديم النظر في حساباته ليعلم ويعرف هل هو في ربح أم خسارة وإن المؤمن إنما هو في تجارة مع الله سبحانه وتعالى يقول ميمون بن مهران رحمه الله قال "لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه".
لو كان لك شريك في محل صغير يأتي يحاسبك عن كل يوم عن الزيادة والنقصان والربح والخسارة فلا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه هذه المحاسبة.
السبب الرابع من أسباب ضعف الإيمان: الحرص الزائد على الدنيا وعلى المال وعلى هذا الحطام والمتاع الفاني فإنه فتنة تصد الإنسان وتشغله وتلهيه عن ذكر الله سبحانه وتعالى والله -عز وجل- يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ) [المنافقون:9]
نبينا -صلى الله عليه وسلم- يضرب لهذا مثلا جميلا فيقول " مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ" لو كان هناك ذئبان جائعان فترك مع قطيع من الغنم ماذا سيفعلان فيه؟ يأكلان ويقتلان ويفسدان في هذا القطيع.
حرص المرء على المال وحرصه على الشرف والجاه أشد إفسادا لدينه من إفساد هذين الذئبين لقطيع الغنم وحرص العبد على الدنيا وحرصه على الآخرة لا يجتمعان أبداً إما أن يؤثر هذا أو يؤثر هذا أما أن يجتمعا هذان الحرصان فلا يمكن هذا أبدا والله -عز وجل- يقول (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى:16-17]
السبب الخامس من أسباب ضعف الإيمان: قلة الاهتمام بطلب العلم الشرعي هذا العلم الذي يعرف الإنسان بربه يعرفه بدينه يعرفه بمبدئه ومآله ومعاده، يعرفه بما له وما عليه من الحقوق والواجبات، هذا العلم الذي لابد لكل مسلم ان يكون له نصيب منه يصحح به عقيدته وإيمانه، يصحح به فرائضه وعبادته والواجبات التي يؤديها، يعرفه بما حرم الله -عز وجل- عليه ليجتنبه ويتركه، والله سبحانه وتعالى قد جعل الخشية في العلماء بل حصل الخشية فيهم فقال (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) [فاطر:28] فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف ومن كان أكثر علما كان أكثر إيمانا والله سبحانه وتعالى يقول (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11] فالعلم والإيمان قرينان لا يفترقان.
السبب السادس من أسباب ضعف الإيمان: الانشغال بالملهيات التي تصرف القلب عما ينفعه، انظروا أيها الأحباب الله سبحانه وتعالى نهانا وحذرنا أن نلتهي بالأموال والأولاد وقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ) [المنافقون:9] مع أن الأموال والأولاد لها قيمة عظيمة في حياة الإنسان فكيف بالناس اليوم وقد انشغلوا كثيرا بما ليس له قيمة ولا فائدة انشغلوا بالشاشات وبأنواع الألعاب والملهيات، انشغلوا بالإنترنت والفيس بوك والواتساب وغيرها من الملهيات التي صرفت الكثيرين عما يقربهم إلى الله.
هذه الوسائل صارت في أيدي الناس أكثر من القرآن، انشغل الناس بها أكثر مما ينشغلون بالعلم النافع الذي ينفعهم في دينهم ودنياهم والقلب إنما هو واحد (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) [الأحزاب:4] فإن شغل بشيء اهتم به وانصرف عن غيره فإن شغل بالمهمات انصرف بها عن الملهيات وان شغل بالملهيات انصرف بها عن المهمات.
السبب الأخير -أيها الأحباب- من أسباب ضعف الإيمان: قلة دعاء الله تبارك وتعالى، الإيمان أيها الأحباب هبة ربانية ومنحة إلهية (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) [الحجرات:7]
هذه المنحة الإلهية هذه النعمة الربانية إنما تسئل من صاحبها وواهبها ومعطيها ومانحها سبحانه وتعالى.
نبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول "إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ.." أي أن الإيمان يبلى في القلوب كما تبلى الأثواب، قال " فَاسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ"
نحن في كل صلاة نقول في كل ركعة نقول (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) [الفاتحة:7] سؤال مستمر للهداية، سؤال مستمر للتوفيق والثبات على هذا الدين والإيمان فهذه أعظم وسيلة لزيادة الإيمان أن يلجأ العبد إلى الله، أن يلتجأ إلى الله سبحانه وتعالى وأن يسأله سؤال صدق وتضرع وابتهال فإن هذا أعظم شيء يسأله العبد ربه أعظم من سؤال الأموال، أعظم من سؤال الأولاد أعظم من سؤال الجاه والسلطان، أعظم من سؤال الصحة والعافية
سؤال الإيمان أعظم من هذا كله، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجدد الإيمان في قلوبنا، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيد الإيمان في قلوبنا.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له قفوا أحد نسألك يا الله أن ترزقنا إيمانا لا يرتد ونعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي