إننا عندما نبكي على فلسطين, ليس من أجل ترابها، فعندنا الصحاري الواسعة، وليس من أجل جبالها، فعندنا الجبال الشاهقة، إنما هو من أجل مكانتها ومنزلتها في ديننا؛ فالاعتداء عليها هو اعتداء على ديننا، والإساءة لها هي إساءة إلى مقدساتنا ..
أما بعد:
فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة المؤمنون: سبق الحديث عن عداوة اليهود، وذلك بمناسبة ما يفعله إخوان القردة والخنازير في المسلمين في فلسطين، وأما حديثنا -في هذا اليوم- فهو عن فلسطين نفسها مسرى نبينا، يقول جل جلاله: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) [الإسراء:1].
والمسجد الأقصى في فلسطين اختاره الله مسرى لنبيه, ومنطلقا لمعراجه، يقول عن رحلة الإسراء والمعراج: " أُتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس، فربطته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم عرج بي إلى السماء ", والحديث رواه مسلم.
كثير من الناس -أيها الإخوة- ينظر إلى فلسطين على أنها دولة عربية, أو إسلامية فقط، ويتحمس لها من هذا الجانب، ويجهل ما لفلسطين من مكانة شرعية؛ ففلسطين مسرى النبي صلى الله لعيه وسلم, ومنطلق معراجه.
وأرض فلسطين -أيها الإخوة- أرض مباركة، جعلها الله كذلك، ووصفها بذلك في كتابه، والآيات التي تدل على أن أرض فلسطين أرض مباركة كثيرة جدا، منها قول الله تعالى: (إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) [الإسراء:1]؛ يقول ابن سعدي في تفسيره عند تفسيره لهذه الآية: (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ): " أي: بكثرة الأشجار والأنهار والخصب الدائم، ومن بركته: تفضيله على غيره من المساجد, سوى المسجد الحرام, ومسجد المدينة، وأنه يطلب شد الرحال إليه للعبادة والصلاة فيه، وأن الله اختصه محلا لكثير من أنبيائه وأصفيائه ".
ومن الآيات التي تدل على بركة أرض فلسطين قول الله تعالى: (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:71]، يعني نبي الله وخليله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فقد خرج من أرض العراق مهاجرا إلى الشام، فكانت مهاجره، وكان فيها مماته عليه الصلاة والسلام.
ومنها قول الله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً) [سبأ:18]، قال ابن عباس: " القرى التي باركنا فيها هي بيت المقدس ".
ففلسطين أرض مباركة، وكذلك هي أرض مقدسة، لها مكانة عند المسلمين، ولها منزلة سامية، سماها الله بالأرض المقدسة بنص القرآن، فقال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام وقومه: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) [المائدة:21]، يقول الزجاج: " المقدسة الطاهرة؛ سماها مقدسة؛ لأنها طهرت من الشرك, وجعلت مسكنا للأنبياء والمؤمنين ".
أيها الإخوة المؤمنون: إننا عندما نبكي على فلسطين, ليس من أجل ترابها، فعندنا الصحاري الواسعة، وليس من أجل جبالها، فعندنا الجبال الشاهقة، إنما هو من أجل مكانتها ومنزلتها في ديننا؛ فالاعتداء عليها هو اعتداء على ديننا، والإساءة لها هي إساءة إلى مقدساتنا.
أيها الإخوة: على أرض فلسطين عاش كثير من الأنبياء والمرسلين، فعلى أرضها عاش إبراهيم, وإسحاق, ويعقوب, ويوسف, ولوط, وداود, وسليمان, وصالح, وزكريا, ويحيى, وعيسى عليهم السلام، وغيرهم الكثير ممن لم تذكر أسماؤهم من أنبياء بني إسرائيل.
وفي فلسطين بيت المقدس أحد المساجد التي تشد لها الرحال، قال : " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى " رواه البخاري ومسلم, فالمسجد الأقصى ثالث المساجد في شد الرحال وفي فضل الصلاة، وللصلاة فيه فضل عظيم؛ ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي يقول: " لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس, سأل الله ثلاثًا: حكمًا يصادف حكمه، وملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وأن لا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " ، فقال النبي : " أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة " رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
ومما يدل على مكانة فلسطين: أن الملائكة تبسط عليها أجنحتها؛ كما في الحديث الذي صححه الألباني عن زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله يقول: " يا طوبى للشام، يا طوبى للشام "، قالوا: يا رسول الله، وبم ذلك؟ قال: " تلك الملائكة باسطة أجنحتها على الشام ", فهذه ميزة، ميزة للشام ومنها فلسطين.
وعلى أرض فلسطين يكون المحشر والمنشر؛ فقد روى الإمام أحمد بسنده عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: " أرض المحشر والمنشر ".
وفلسطين موئل الطائفة المنصورة الثابتة على الحق، فعن أبي أمامه عن النبي قال: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لعدوهم قاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك "، قيل: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: " ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس ",والحديث في مسند الإمام أحمد.
وفي فلسطين يصرع الدجال ويقتل، حيث يلقاه عيسى عليه السلام عند باب لُدّ، فيذوب كما يذوب الملح في الماء، فيقول له: " إن لي فيك ضربة لن تفوتني، فيضربه فيقتله ".
وفي فلسطين موطن الكثير من صحابة رسول الله؛ منهم عبادة بن الصامت, وشداد بن أوس, وأسامة بن زيد بن حارثة, وواثلة بن الأسقع, وفيروز الديلمي, ودحية الكلبي, وعبد الرحمن بن غنم الأشعري, وأوس بن الصامت, ومسعود بن أوس, وزنباع بن روح الجذامي, وغيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
إنها فلسطين موطن الآلاف من أعلام الأمة وعلمائها الذي أضاؤوا في سمائها بدورا ولمعوا فيها نجوما، ومن هؤلاء: مالك بن دينار, والأوزاعي, وروح بن زنباع, وسفيان الثوري, وابن شهاب الزهري, والشافعي, وابن قدامة المقدسي.
أسأل الله عز وجل أن يطهرها من أدران اليهود، اللهم طهر فلسطين من إخوة القردة والخنازير، اللهم حرر المسجد الأقصى من اليهود الغاصبين، إنك قوي عزيز.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون: ومن أجل فلسطين سار عمر بن الخطاب على بعير يعتقبه مع غلام له، فلما وصل بيت المقدس صلى في محراب داود عليه السلام، وترنم بسورة الإسراء.
ومن أجل فلسطين امتنع الملك نور الدين زنكي عن التبسم، وقال: " أستحي من الله أن أتبسم, وبيت المقدس في الأسر".
ومن أجل فلسطين شمخ صلاح الدين برأسه, وشحذ سيفه وأعد عدته؛ ليخرج الصليبيين من أرض الأقصى.
كان في بيت المقدس نحوا من ستين ألف مقاتل صليبي، كلهم يرى الموت أهون عليه من تسليمها، فجهز صلاح الدين جيشه الذي لا يزيد على اثني عشر ألف مقاتل، وجابه به جيوش الفرنجة، وحصر المسلمون الصليبيين, وأحرقوا الحشائش الجافة من حولهم ومن تحتهم، فاجتمع عليهم حر الشمس وحر العطش وحر النار وحر السلاح، فقتلوا منهم ثلاثين ألفا, وأسروا ثلاثين ألفا، وبيع الأسير الصليبي يومئذ بدرهم، بل باع مسلم أسيرا صليبيا بنعلين، فقيل له: ما أردت بذلك؟ قال: أردت أن يكتب التاريخ هوانهم وأن أحدهم بيع بنعلين.
نعم، هذه هي فلسطين بعبقها وتاريخها، بخيراتها وبركاتها وفضائلها، بشموخها وكبريائها. هذه هي فلسطين بجمالها الساحر وحسنها الفتان.
أقول والقلب يشدو في خمائلها *** هذا الجمال إلى الفردوس ينتسـب
يـا للجبـال إذا مـا زينت *** وعلى سفوحها غرد الزيتون والعنب
يا للرّبى والمروج الخضر مصبحة *** والورد من كل لون منظر عجب
هنا السموات بالأرض التقَيْن وقد *** عمّ السرور جميع الكون والطرب
هذي فلسطين يا من ليس يعرفها *** كأن أحجارها القدسيـة الشهبُ
أيها المسلمون: ومهما أخذت فلسطين؛ فإنها سوف تعود للإسلام والمسلمين، واجتماع اليهود في فلسطين هو بداية النهاية لإخوان القردة والخنازير، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ".
أسأل الله عز وجل أن يقر عيونكم بهلاك اليهود المعتدين، وبهيمنة الإسلام والمسلمين، ونصرة عباد الله المؤمنين.
اللهم إنا نسألك أن تنصر عبادك المؤمنين، وأن تذل الشرك والمشركين، اللهم عليك باليهود المعتدين، والنصارى الحاقدين...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي