الله -تعالى- يدعونا

أحمد شريف النعسان
عناصر الخطبة
  1. أهمية عشر ذي الحجة وفضل العمل الصالح فيها .
  2. بعض العبادات المستحبة في عشر ذي الحجة وفضل سلامة الصدر .
  3. شناعة الظلم في الأشهر الحرم .
  4. الحث على سلامة الصدر .
  5. بعض علامات سلامة الصدر .

اقتباس

مِمَّا لا شَكَّ فِيهِ بأنَّ صِيَامَ هذهِ الأَيَّامِ, وقِيَامَ لَيَالِيهَا, والصَّدَقَةَ, وتِلاوَةَ القُرآنِ العَظِيمِ, وكَثْرَةَ ذِكْرِ اللهِ -تعالى-, وكَثْرَةَ الصَّلاةِ والسَّلامِ على النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, من الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ والعِبَادَاتِ التي يُحِبُّهَا اللهُ -تعالى-, ولكن إذا دَقَّقْنَا النَّظَرَ في هذهِ العِبَادَاتِ فإِنَّا...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيَا عِبَادَ اللهِ: لقد دَخَلنَا في أَيَّامٍ ولَيَالٍ أَقسَمَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- بِهَا, فَقَالَ: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) [الفجر: 1 - 3].

دَخَلنَا في أَيَّامٍ ولَيَالٍ عَظَّمَ اللهُ -تعالى- شَأنَهَا, وزَادَهَا شَرَفَاً وقَدْرَاً, إذْ جَمَعَ فِيهَا أَعمَالاً صَالِحَةً من حَجٍّ وصَلاةٍ وصَدَقَةٍ وذِكْرٍ.

يَا عِبَادَ اللهِ: إذا لم نَلحَقْ بِرِكَابِ الحُجَّاجِ والمُعتَمِرِينَ فَعَزَاؤُنَا في قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ" قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: "وَلَا الْجِهَادُ, إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ" [رواه الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-].

فَأَينَ المُسَارِعُونَ للعَمَلِ الصَّالِحِ في هذهِ الأَيَّامِ؟ وأَينَ المُتَسَابِقُونَ فِيهَا؟ هذهِ الأَيَّامُ هيَ أَفضَلُ أَيَّامِ الدُّنيَا؛ كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه البَزَّارُ بِإِسنَادٍ حَسَنٍ عن جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- أنَّ رَسُولَ اللِه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَفضَلُ أَيَّامِ الدُّنيَا العَشْرُ -يَعنِي: عَشْرَ ذِي الحِجَّةِ-" قِيلَ: ولا مِثلَهُنَّ في سَبِيلِ اللهِ؟ قال: "ولا مِثلَهُنَّ في سَبِيلِ اللهِ, إلا رَجُلٌ عَفَّرَ وَجْهَهُ بالتُّرَابِ".

يَا عِبَادَ اللهِ: مِمَّا لا شَكَّ فِيهِ بأنَّ صِيَامَ هذهِ الأَيَّامِ, وقِيَامَ لَيَالِيهَا, والصَّدَقَةَ, وتِلاوَةَ القُرآنِ العَظِيمِ, وكَثْرَةَ ذِكْرِ اللهِ -تعالى-, وكَثْرَةَ الصَّلاةِ والسَّلامِ على النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, من الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ والعِبَادَاتِ التي يُحِبُّهَا اللهُ -تعالى-, ولكن إذا دَقَّقْنَا النَّظَرَ في هذهِ العِبَادَاتِ فإِنَّا نَجِدُ جُلَّ هذهِ العِبَادَاتِ عِبَادَاتٍ ذَاتِيَّةً مُلازِمَةً للإنسَانِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَعلَمْ جَمِيعَاً أنَّ من أَهَمِّ العِبَادَاتِ والأَعمَالِ الصَّالِحَةِ التي خَيرُهَا يَعُودُ على المُجتَمَعِ, وخَاصَّةً في هذهِ الأَزمَةِ هيَ عِبَادَةُ سَلامَةِ الصَّدْرِ, ولقد دَعَانَا القُرآنُ العَظِيمُ إلى ذلكَ بِقَولِهِ تعالى: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].

ودَعَانَا إلى ذلكَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-؛ كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "يَا بُنَيَّ, إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ, يَا بُنَيَّ, وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي, وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي, وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِيَ فِي الْجَنَّةِ".

يَا عِبَادَ اللهِ: نَحنُ نَعِيشُ في هذهِ الأَيَّامِ العَصِيبَةِ التي تَدَاعَت فِيهَا عَلَينَا الأُمَمُ, نَعِيشُ هذهِ الأَيَّامَ التي هيَ من الأَشهُرِ الحُرُمِ, والتي قال تعالى فِيهَا: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) فهل بِوُسعِنَا أن نُصغِيَ إلى دَعْوَةِ اللهِ -تعالى- لَنَا في كِتَابِهِ العَظِيمِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: اللهُ -تعالى- يَدعُونَا للبُرهَانِ على سَلامَةِ الصَّدْرِ والقَلبِ؛ لأَنَّنَا كُلَّنَا يُزَكِّي نَفسَهُ, ويُشهِدُ اللهَ -تعالى- على سَلامَةِ قَلبِهِ, فَيَا من يَدَّعِي ذلكَ, اسمَعْ إلى دَعْوَةِ اللهِ -تعالى- لَكَ: قال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199].

وقال تعالى: (فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ) [البقرة: 109].

وقال تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة: 13].

وقال تعالى: (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [التغابن: 14].

وقال تعالى: (وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [الحجر: 85].

وقال تعالى: (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) [البقرة: 263].

وقال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134].

وقال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النــور: 22].

يَا عِبَادَ اللهِ: أَينَ من يَقِفُ مَعَ هذهِ الآيَاتِ الكَرِيمَةِ وِقفَةَ العَبدِ المُتَدَبِّرِ لآيَاتِ اللهِ -تعالى-؟ لقد دَعَانَا اللهُ -تعالى- بِتِلكَ الآيَاتِ الكَرِيمَةِ من أَجلِ سَلامَةِ العَلاقَةِ بَينَنَا, ومن أَجل سَلامَةِ بِلادِنَا, ومن أَجلِ سَلامَةِ دِيَارِنَا, ومن أَجلِ سَلامَةِ أَعرَاضِنَا, ومن أَجلِ سَلامَةِ أَموَالِنَا, ومن أَجلِ قَطْعِ الطَّرِيقِ على الأُمَمِ الحَاقِدَةِ الحَاسِدَةِ التي تَتَرَبَّصُ بِنَا الدَّوَائِرَ.

يَا عِبَادَ اللهِ: اللهُ -تعالى- يَدعُونَا بِقَولِهِ: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24].

ومن القُرآنِ العَظِيمِ: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى: 40].

فَمَا أَعظَمَ هذا الأَجْرَ, فهوَ من مَالِكِ المُلْكِ, فلا تَحرِمُوا أَنفُسَكُم هذا الأَجْرَ العَظِيمَ, وحَافِظُوا على دِيَارِكُم وأَموَالِكُم ودِمَائِكُم وأَعرَاضِكُم من خِلالِ العَفْوِ والصُّلْحِ فِيمَا بَينَكُم حَتَّى لا تَندَمُوا, وإلا فَسَتَندَمُونَ وَرَبِّ الكَعبَةِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لما يُرضِيكَ عَنَّا، آمين.

أقُولُ هَذا القَولَ, وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم, فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي