يا معشر الآباء القتلة، يوم أن قتلتم إيمان أولادكم وحياءهم وعقولهم بتهيئة القنوات الهابطة لهم، فإنما تتجهون بهم نحو الانحلال والتميع، وتهددون الأجواء الأخلاقية بالدمار، وتستثيرون الغريزة الهمجية، وتشجعونهم على الهبوط إلى درك الانحراف، والشرب من مستنقع الفحشاء، فتميتون في داخلهم نبتات الشرف والصيانة، وتغلفون ضمائرهم الأخلاقية بأدران الخلاعة والإجرام.
الحمد لله الذي جعل لكم من أنفسكم أزواجا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات.
وأشهد أن الله لا اله إلا هو وحده لا شريك له، يعلم ما في الأرض وما في السموات، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وحّد الله به الأمة وجمعها من شتات، صلى الله عليه وعلى أصحابه وكل من سلك سبيل النجاة، وسلم تسليما.
أما بعد: فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ويجعل له فرقانا؛ فاتقوا الله عباد الله.
عندما يقدِم أب على قتل أحد أبنائه بسفك دمه ظلما وعدوانا فإن ذلك عند الله وعند الناس عظيم، وحينما يُلقي أبٌ ابنا من أبنائه في نار تلظى، يصطلي بحرّها، ويحترق بسعيرها، فتلك في ميزان الشرع والعقل وعند الناس إحدى الكُبَر، وهذه وتلك لا يختلف على شناعتها اثنان، ولا ينتطح فيها عنزان، وهي مما أجمع عقلاء البشر عليها.
لكن الناس يغفلون عن فئة من الآباء القتَلة ممن لا يلقون على جرمهم نكيرا، ولا يعدون جرمهم خطيرا، فئة من الآباء القتلة لم يسفكوا من أبنائهم دما، ولم يبخلوا بمال، ولم يقصروا في طلب، يلبون لأبنائهم ما يريدون، ويأتون لهم بما يشتهون، بهم يرأفون، وعليهم يعطفون، يسهرون على أبنائهم إذا مرضوا، ويقلقون عليهم إذا تغيبوا، ويمنحونهم إذا طلبوا. فلماذا هم قَتَلة؟.
أما إنهم لم يقتلوا نفسا معصومة، ولم يسفكوا دما حراما، لكنهم قتلوا في أبنائهم ما هو أخطر وأكبر، قتلوا في أبنائهم أعظم المعاني، وأنبل الخلال، وأجمل الخصال؛ قتلوا إنسانيتهم وعقولهم، وسفكوا دم الحياء من وجوههم، وسلبوا أرواحهم، وأنت بالروح لا بالجسم إنسان.
قتلوا إيمانهم وحياءهم حينما أسلموا تلك الأرواح البريئة، والنفوس الطاهرة، والعقول الناضجة، لتكون فريسة للقنوات الهابطة، والأغاني الساقطة؛ تصنع منهم جيلا ضعيف الصلة بالله، هامشي التفكير، منزوع الإرادة، مهزول الكرامة، للشهوات يحيا، وعليها يموت.
لقد ابتلي مسلمون بالتساهل بمشاهدة القنوات الفضائية بحجة الأخبار والحوارات، وجلبوها إلى بيوتهم لينقلوا داءها وينشروا وباءها في أجواء بيوتهم المعطرة بالمحافظة والاستقامة، ويدسوا سمها في قلوب أبنائهم وبناتهم، تلك القلوب المستنيرة بنور الفطرة...
قاتلٌ والله ذلك الأب الذي ينصب طبقا فوق سطح بيته، يجلب العار، ويقود إلى النار، ويقضي على بذرة الحياء وشجرة الإيمان.
إنني أسائلكم أيها الآباء، ولنكن صرحاء: ماذا تحوي هذه القنوات؟ وماذا تقدم لروادها؟ أليس كثير من برامجها يعد مخالفة صارخة وصريحة لمبادئ الإسلام وعقيدة المشاهد المسلم؟ أليست تحوي صورا فاتنة، وحركات مثيرة، وأغاني هابطة؟ ألم تروا إلى آثارها على المجتمع وسلوك أفراده؟ من أين تعلّم شبابنا الرقص وأنواع القصات والرقصات؟ من أين جاءت نساؤنا بهذه الألبسة الفاضحة والتسريحات المضحكة المبكية؟ ألم تروا كيف اشتد سعار الشهوات فكانت النتيجة صورا من الانحرافات الجنسية والمخالفات الأخلاقية؟ أليست تعلّم أولادنا التناقض في حياتهم؟.
الأولاد يعيشون مع آبائهم المتعلقين ببرامج هذه القنوات في حالة من التناقض والفصل الكامل بين القول والعمل، إذ يسمع الولد من أبيه عبارات الأمر بالمعروف وحب الفضائل والأمر بها، واجتناب الرذائل والنهي عنها، ثم يراه قد عكف على هذه البرامج يشاهد النساء المتبرجات ويتحدث عن جمالهن! وينهمك في متابعة أحداث تلك القصص المثيرة، ويستمع إلى غناء خليع فاحش دون أن تصدر منه عبارات التذمر أو عدم الرضا عن هذه المخالفات.
إن هذا الأب لا يمكن أن يؤثر في أولاده تأثيرا إيجابيا يدفعهم إلى الفضيلة ويباعدهم عن الرذيلة، بل ربما فاق الأولاد آباءهم في الانحراف إذا كبروا، فلا يقبلون منه أمرا ولا نهيا.
إن مشاهدة الأبناء لمثل هذه القنوات المرتمية إلى الغناء الفاحش وتبرج النساء خاصة في مراحل الطفولة المتأخرة تثيره جنسيا، وربما دفعته لممارسة نوع من أنواع الحب أو الغزل مع إحدى قريباته أو جاراته، ومشاهدته لشيء من خفايا علاقة الرجل بالمرأة يدفعه إلى ممارسة ذلك مع أقرب بنت إذا سنحت له فرصة، ولا تحتقروا الصغار!.
وربما دفعته هذه الإثارة في أقل الأحوال إلى ممارسة العادة السرية، فإذا حدث شيء من ذلك فان الأب هو المسؤول الأول عن هذه الجرائم قبل الولد؛ لأنه هو موقد النار ومشعل الفتيل.
يا معشر الآباء القتلة، يوم أن قتلتم إيمان أولادكم وحياءهم وعقولهم بتهيئة القنوات الهابطة لهم، فإنما تتجهون بهم نحو الانحلال والتميع، وتهددون الأجواء الأخلاقية بالدمار، وتستثيرون الغريزة الهمجية، وتشجعونهم على الهبوط إلى درك الانحراف، والشرب من مستنقع الفحشاء، فتميتون في داخلهم نبتات الشرف والصيانة، وتغلفون ضمائرهم الأخلاقية بأدران الخلاعة والإجرام.
ثم يتسع الخرق على الراقع، ولا سيما في عصرنا الحاضر الذي نبت في ساحته من يتاجر في الغرائز، ويسابق في إنتاج كل هابط من الأفلام.
وإذا كانت هذه القنوات تفتك بأخلاق الكبار، وتعصف بأخلاق الرجال، وتذهب بهم كل مذهب مرذول، فكيف يكون حال المشاهدين من المراهقين والأطفال؟ ولا مراء أن هذه الصور والحركات المقيتة ستنطبع انطباعا في أذهانهم، وسيكون لذلك ردود فعل مدمرة للبناء الأخلاقي في المستقبل القريب.
إذا كان ديننا أمرنا أن نفرق بين الأولاد في المضاجع وهم إخوة وأخوات أنجبهم صلب واحد، فكيف تستسيغ ضمائرنا أن ندعهم يشاهدون عبر الفضائيات أو غيرها أفلاما ساقطة يتراقص فيها فتيات مدربات على إثارة الرجال في الحركات المغرية، والكلمات المتغنجة، والعري الفاضح؟! إذا كان المراهق يستثيره الخيال وتهيجه الأمنيات، فكيف بمشاهد مرئية مسموعة تغري بهارجها؟ أفلا تتقون؟!.
لن أسترسل معكم أيها الآباء العقلاء في ذكر أخطار هذه القنوات، ومن قبلها التلفاز الذي مهد الطريق لها، ومن بعدها الانترنت؛ فإن كثيرا من برامج هذه القنوات تتضمن أفكارا وآراء مخالفة لدين الإسلام، حيث تستغل كثير من برامجها ومسرحياتها في نشر وبث هذه الأفكار وترويجها باسم الفن.
ومن هذه الأفكار التي يروج لها الإعلام بقنواته قضية فصل الدين عن حياة الناس وعن الدولة وجعله قضية شخصية، أو الدعوة إلى التآخي بين المسلمين والكفار، أو المناداة بتحرير المرأة ومساواتها بالرجل في جميع شؤون الحياة، أو مقت مشروعية تعدد الزوجات وقذف المعددين بالجريمة والظلم، وغيرها مما لا يخفى على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ألم تسمعوا -يا معشر الآباء- عن حالات من الشذوذ الجنسي والانحراف الخلقي من تعدٍّ على المحارم، واغتصاب للقاصرات، واختطاف للصغار، وتحرش بالخادمات، كان وقودها فلما هابطا، وشرارتها أوقدت في استراحة أو بيت تلطخ بهذا الطبق الهابط؟ ولولا أن تشمئز قلوبكم وتضيق نفوسكم، ولولا خشية أن أتهم بالتهويل والإثارة لأوردت لكم قصصا من الواقع، ولكن المؤمن الحر تكفيه الإشارة؛ فهل تغيرون من حالكم وتعتبرون بغيركم؟ أم تنتظرون حتى تحل الكارثة ببيوتكم وعلى أيدي أبنائكم وبناتكم؟.
إن المفترض في هذه القنوات أن تتوجه نحو الالتزام بمنهج الإسلام فيما يعرض ويسمع، وأن تتعاضد مع المؤسسات التربوية الأخرى لإخراج جيل يعيش بالإسلام وللإسلام قولا وعملا واعتقادا وتطبيقا؛ ولكن، ريثما يحدث هذا التوجه الإعلامي نحو التزام منهج الإسلام فان الحل الأمثل والأفضل للأب المسلم لحماية أولاده وحراسة أخلاقهم هو إقصاء هذه الأجهزة الفاسدة؛ طاعة لله عز وجل، الذي أمرنا بقوله: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) [النور:30]، وطاعة لرسوله -صلى الله عليه وسلم- القائل عن نظر الفجاة: "اصرف بصرك"، والبصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته، ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى الفتنة من أجله.
وإذا تبين ذلك فإنه ليس بغريب أن تكثر الفتاوى الصريحة من علماء الأمة المخلصين ضد هذه القنوات ومن قبلها جهاز التلفاز، خاصة وأن بعض رجال الغرب من العقلاء قد تنادوا بمثل ذلك، فهذا أحدهم يقول: ربما لا نستطيع أن نفعل أي شيء ضد الهندسة الوراثية أو القنابل النيتروجينية، ولكننا نستطيع أن نقول: لا للتلفزيون! ونستطيع أن نلقي بأجهزته في مقلب الزبالة، حيث يجب أن تكون! إن التلفزيون لا يتقبل الإصلاح عادة، إن مشاكله كامنة في التقنية نفسها تماما، كما أن العنف كامن في البنادق. انتهى.
إن الأب الذي يقتنع بوجوب الاستغناء عن هذه الأجهزة الفاسدة والقنوات الهابطة وقد تعلق أولاده بها فانه سيواجه مشقة وعنتا شديدا، ولكنّ عزاءه الوحيد استحضار قول الحق (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) [التغابن:14]، فالأزواج والأولاد يمكن أن يكونوا وبالا على الآباء يدفعونهم بعواطفهم الجياشة نحو ارتكاب المعاصي والمحرمات، وفي الحديث: "الولد محزنة مجبنة مجهلة مبخلة".
يا معشر الآباء: "الوقاية خير من العلاج"، وقبل أن تقدم على الخطوة الأخيرة فكر، وقبل أن تقدم على الخطوة الخطيرة فكر في عواقبها على أولادك وبيتك وسمعتك، وفي آثارها على دينك وعلاقتك بربك، و"العاقل من اتعظ بغيره"، والمسكين من أصبح موعظة لغيره، و"إنك لا تجني من الشوك العنب"، و"من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه"، والله خير حافظا، وهو أرحم الراحمين.
إن الحديث عن هذه القضية الخطيرة حديث ذو شجون، وما أكثر الهالكين المتبعين لأهوائهم، المعرضين عن هدي ربهم! ورب قائل: مسكين هذا المتحدث! يتكلم بمثل هذا في زمن الانفتاح والعولمة والتقاء الحضارات! في زمن أصبح التلفاز جزءا أساسيا من حياة البيوت! وأنا أقول: إن الباطل سيظل باطلا، والذنب سيبقى ذنبا، والحمار سيبقى حمارا ولو طوق بالذهب، والباطل سيبقى باطلا ولو غلف بأغلفة براقة.
وحينما تقف بين يدي الله فردا ويسألك ليس بينك وبينه ترجمان، قدم هذا الاعتذار، وانظر: هل يغني عنك من الله شيئا؟.
إنني لا أملك العصا السحرية التي يسوقون بها الآباء القتلة ليعودوا لرشدهم وينقذوا بيوتهم من حريق مرتقب، وانهيار متوقع؛ ولكنني أبث من قلب محب كلمات تحمل في طياتها النصح وحب الخير.
فيا معشر الآباء، استمعوا! إني لكم من الناصحين. يوم أن تساهلتم بمشاهدة القنوات تحت أي حجة واعتذار فإنما تقتلون أنفسكم, وتردون بها موارد الهلكة , تقتلون معاني الإيمان والغيرة والحمية لدين الله، اسألوا قلوبكم عن حالها مع خوف الله ورجائه، وعن شأنها مع الخشوع والدعاء، واسألوا أنفسكم عن حالها مع الصلاة وقراءة القرآن؛ ستجيبكم عيونكم الجامدة، وقلوبكم القاسية، وهممكم الضعيفة. فلم تقتلون أنفسكم؟ لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما.
وإذا أبيتم إلا أن تقتلوا أنفسكم بمشاهدة هذه القنوات وما فيها من هبوط وإسفاف فاني أناشدكم الله ألا تمتد يد القتل إلى ذريتكم! إني أناشدكم الله ألا تمتد يد القتل إلى ذريتكم البريئة فتحملوا أثقالكم وأثقالا مع أثقالكم، وتنوؤوا بأوزاركم وأوزار الذين تضلونهم بغير علم، ألا ساء ما تزرون!.
يا معشر الآباء والأولياء: إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ ذلك أم ضيعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته؛ فماذا أنتم قائلون؟.
يا معشر الآباء: "ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة"، وأي غش أكبر من إفساد الأخلاق والدين، أفلا تذكرون؟.
يا معشر الآباء: إننا لا نعدمكم الثقة بأولادكم وأنتم الذين تبذلون وتكدحون في سبيل راحتهم وجلب السعادة لهم، ولكن الثقة لا تعني أبدا فتح الأبواب والدروب دون رقابة أو اهتمام، ولا تعني أبدا ترك عود الثقاب مشتعلا قرب الوقود، ولا تعني أبدا إثراء المنزل بما يشتهي الأبناء ويطلبونه من ملذات على حساب الجوهر الذي خلقوا من أجله.
أيها الأب المبارك: هل رأيت يوما قاربا صغيرا تصارعه أمواج البحر في عتو واستكبار؟ وهل أبصرت زهرة ندية تقاوم على ضعفها سطوة إعصار؟ وهل لمحت طائرا ضعيفا مكسور الجناح تطارده سباع وضباع في نهم وسعار؟ إن أبناءك -يا أخي- أضعف من هؤلاء جميعا في جو الفتن والشهوات الذي يعيشونه ليلَ نهار، فالعين لا ترى إلا ما يسحرها، والأذن لا تسمع إلا ما يطربها، والجوارح لا تعيش إلا ما يغريها، والقلب لا يشعر إلا بما يفتنه.
عندما أدخلت إلى بيتك أجهزة الفساد وقنوات الإفساد فإنما هيأت لذريتك جو المعصية، وأحطتهم بسياج الخطيئة، فتنفسوا رائحة الشهوة في الشهيق، فأخرجوا ذلك معصية لله -تعالى- في الزفير!.
إن قنوات التلقي عندهم لا تلتقط إلا ما يفتن؛ فأصبح البث ممزوجا بالخطايا والرزايا والبلايا.
ألقيت أبناءك في بحر الشهوات ولم تلبسهم طوق النجاة، ثم تريدهم بعد ذلك أن يكونوا بررة أتقياء؟! هيهات هيهات!
ألقاه باليم مكتوفا وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء!
يا أيها الأب المبارك: لا أظنك إلا ممن ينشد الولد الصالح الذي يبره في حياته، ويدعو له بعد مماته، الولد الحافظ للقرآن، الذي يلبس والداه تاج الوقار يوم القيامة، الولد الذي يرفع رأس والديه وأهليه ويصنع لوحة الشرف والمجد لعائلته. فهل ستجد هذا الولد في أجواء ملوثة بغرقد الشهوات التي زرعتها حينما أدخلت إلى بيتك طبقا أطبق على الأخلاق والدين فأفسدها؟ أتريد أن يكون أبناؤك خصماءك يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون؟ وأنت الذي تعبت من أجلهم وبذلت لراحتهم!.
يا معشر الآباء والأولياء: أبناؤكم وبناتكم أمانة في أعناقكم، وأنتم مسؤولون عنهم أمام الله، و"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، فاعدوا للسؤال جوابا ينجيكم من هول القيامة.
يا معشر الآباء والأولياء: والله الذي لا رب غيره إني لكم ناصح أمين! ها أنا ذا أحمل يراع التذكير لأسطر لكم ما يدور في خلدي، وما يحتبس في أعماقي، وما تحتويه جوانحي.
يا من تحملتم أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة أبت حملها السموات والأرض والجبال وأشفقن منها ومن تبعاتها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].
يا من أعطاكم الله الزينة، فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا، وابتلاكم بالفتنة، (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن:15]، وخصكم بالوصية، (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) [النساء:11]، وحذركم من العداوة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) [التغابن:14] اتقوا الله في ذريتكم! اتقوا الله في ذريتكم فهم فلذات أكبادكم، ومنشأ أصلابكم وامتداد أنسابكم! هم أحلام الماضي الغابر، وسعادة الحاضر، وآمال المستقبل السائر.
وإنـما أولادنا بــيـنــنــا *** أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم *** لامتنعت عيني من الغمض
خذوا بحُجَزهم عن النار، وغذوهم بالحلال؛ فإنهم يصبرون على الجوع ولا يصبرون على النار، وثقوا أن من كان جادا وصادقا في قراره سيلقى من الله عونا وتوفيقا، وسيجد من البدائل المباحة ما يغني عن الحرام.
أكرر النداء والمناشدة لكل أب تورط في قتل معاني الخير والشهامة والحياء في أولاده عندما أدخل عليهم قاتل الدين، وذراع المفسدين، (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]، وتداركوا بيوتكم من قبل أن يشتمل الهدم على البناء، والكدر على الصفاء، ومن قبل أن تقول نفس: يا ليتني قدمت لحياتي! ومن قبل أن يتعلق الأبناء بالآباء قائلين: ربنا هؤلاء أضلونا!.
يا أيها الأب المتنور، قم فقرر، وبيتك فطهر، والرجز فاهجر، ولربك فاصبر، وحينها أبشر! ثم أبشر!.
و"من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عنه الناس"، ومن اتقى الله جعل له من كل هم فرجا، (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ) [العنكبوت:6]، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].
اللهم...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي