وجود صف النفاق بين المسلمين والأمر بالمعروف والنهي عن للمنكر

عبد الوهاب العمري

عناصر الخطبة

  1. كثرة النفاق في هذا الزمان
  2. التحذير من النفاق وبعض صفات المنافقين
  3. دور المنافقين في خذلان المسلمين في عهد النبوة
  4. ماذا يريد المنافقون في العصر الحاضر من المجتمعات الإسلامية؟
  5. فضل الصبر والثبات على الدين
  6. التحذير من الاغترار بكثرة المنافقين
  7. أهمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
  8. محاربة المنافقين للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر

الخطبة الأولى:

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، لك الحمد با?سلام، ولك الحمد با?يمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد با?من في ا?وطان، ولك الحمد بالصحة في ا?بدان، ولك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا من قديم أو حديث، من ظاهر أو باطن، من خاص أو عام.

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، خلقتنا ورزقتنا وكفيتنا وآويتنا، ومن كل خير ربنا آتيتنا.

اللهم فلك الحمد كله، ولك الفضل كله، وإليك يرجع ا?مر كله، أنت ربنا، أنت حسبنا، ونعم الوكيل.

أشهد أن ? إله إ? الله وحده ? شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، البشير النذير، والداعي إلى الله بإذنه، والسراج المنير، بعثه الله على فترة من الرسل، وقد عم ا?رض الضلال، وكثر في الناس الظلم والاتهام، فأخرج الله به من شاء من ظلمات الكفر والشرك، والزيغ والفساد، إلى نور الهدى والإسلام، والاستقامة والسعادة.

فالسعيد من سلك سبيله، والتمس سنته، وثبت على طريقه، حتى يلقاه على حوضه، فيشرب من حوضه شربة ? يضمأ بعدها أبدا.

والشقي من سلك غير سبيل المؤمنين، واتبع غير طريق رسول الله ا?مين- صلى الله عليه وسلم-، ضلت به ا?راء، وتشعبت به ا?هواء، وأخذه داء الكبرياء والغطرسة والصلف، فضل عن سبيل الهدى، وسلك سبيل الطغاة والظلمة والفجرة والكافرين: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: 227].

معاشر المسلمين: يا من أتيتم متوضئين، متطهرين، مخبتين، وجلين ترجون رحمة رب العالمين، تسألون الله رحمته، وتخافون من عذابه، وتنتظرون لقاء الله -عز وجل- على ثقة في الله أنه ناصركم وكافيكم وهاديكم إلى سواء السبيل: ? يروعنكم كثرة النفاق وأهله، ? يروعنكم ما ترون من مظاهر، ومن أمور عجائب، نطق فيها الرويبضة، وتكلم فيها أهل السوء في أمر العامة، يلمزون أهل ا?يمان، وأهل الصدقة، ويسعون في ا?رض الفساد، ويزعمون أنهم أهل ا?صلاح.

? يروعنكم كثرة من يأتي بدعاوى باطلة زين لهم فيها الشيطان سوء عملهم، فرأوه حسنا، فأصبحوا ? يرون الحسن إ? قبيحا، و? القبيح إ? حسنا، و? الباطل إ? حقا، و? الحق إ? باطلا، تقلبت لهم ا?مور، وأضحوا يقلبون للناس ا?مور، يبغون للبرآء العنت، ويسعون في ا?رض ليخرجوا الناس من الحق إلى الباطل، وهم يعلمون أو وهم ? يعلمون، وجوههم ?هل الباطل مقبلة، و?هل الحق متنكرة، ضلوا سواء السبيل، يصلون كصلاتنا، ويصومون كصومنا، ويحجون كحجنا، ولكنهم كما قال عنهم صلى الله عليه وسلم: "دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها" قالوا: يا رسول الله صفهم لنا؟ قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا".

هل ترك صلى الله عليه وسلم من أمر لم يذكر لنا فيه خبرا؟

? -والله- فقد بين وأوضح، وهو عليه الصلاة والسلام أو من ابتلي بهؤ?ء الفئام، أهل النفاق، وأهل الشر، وأهل الفساد، من يتزينون بالحق، ويكنون الباطل، ويظهرون ا?يمان، ويبطنون الكفر.

أهل النفاق، هم الذين قال الله عنهم: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المنافقون: 4].

هم الذين قال الله عنهم: ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة: 48].

هم الذين حذر الله منهم، حيث قال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ(16)﴾ [البقرة: 8- 16].

إنها صورة مكرورة، إذ ابتلي بها محمد -صلى الله عليه وسلم-، والصفوة والخيرة من هذه ا?مة، فكيف يسلم منها غيرهم؟! كيف ينجو منها غيرهم؟!

إن وجود صف النفاق الكبير العريض القوي بين صفوف المؤمنين بلاء وفتنة، وهي سنة ماضية جعلها الله في هذه الحياة؛ ليرى من يثبت على دينه، و? يهولنهم كثرة الفساد؟ من الذي يصمد على الحق، و? تجتاله شياطين ا?نس والجن؟

فالله الله في الثبات، الله الله في الثبات، خرج صلى الله عليه وسلم إلى أحد؛ لمجابهة عدوه الذي تجمهر، وجاء من بلاد بعيدة، ليغزوا أهل المدينة في عقر دارهم، جاؤوا ثلاثة آ?ف مقاتل، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- بأهل المدينة قرابة ألف من المقاتلين، فلما توسط في الطريق صلى الله عليه وسلم رجع عبد الله بن أبي بن سلول ومعه ثلاث مائة من المنافقين، خرموا الجيش خرما، ونكثوا العهد نكثا، وسعوا لإيهان قوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه، بالله هل تتخيلون هذا الموقف؟! أن يسير بقوته التي معه صلى الله عليه وسلم، وفي وسط الطريق يخونهم أهل النفاق، فيرجعون بهذه القوة الضاربة، كم سيحدث ذلك في صف المسلمين من الزعزعة؟ هل يباري هؤ?ء؟

إنما يريدون إيهان الصف المؤمن، يريدون علو الكفر، ويريدون هلاك ا?سلام؛ ?نهم الذين وصفهم الله بأن في قلوبهم مرض يقولون قولتهم: ﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: 8].

وتتكرر أيضا بعد تلك الحادثة بست سنين، حين خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك، فجيش الجيوش، وأعلن صراحة، توجهه إلى قتال الروم الذين حشدوا أكثر من مائتي ألف مقاتل لموجهة ا?سلام وأهله، وأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخرج إليهم؛ ?ن خروجه إليهم قوة للإسلام، وتفويتا للفرصة عليهم، حتى ? يدخلوا بلاد المسلمين، فأعلن في الناس أن يستعدوا، وخرجوا في وقت الناس يحبون الراحة فيه، وجعل معسكرا خارج المدينة صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بالتجهز، والاستعداد، والانضمام إلى المعسكر، فماذا فعل المنافقون؟

أقاموا معسكرا بجوار معسكر النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول المؤرخون: فلا يدرى أي المعسكرين أكبر؟ ساوو معسكر أهل النفاق، بمعسكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ولما تحرك النبي -صلى الله عليه وسلم- وخرج إلى تبوك، رجع عبد الله بن أبي بن سلول، ومن معه إلى المدينة، وهنوا الصف، وخانوا ا?مانة، ونكثوا العهد، وسعوا ?يهان المسلمين، وا?رجاف في ا?رض، هم هناك، هم هنا .. تاريخهم واحد، وقلوبهم واحدة.. هم أهل النفاق، هم أهل الفساد، هم بلاء الله للمؤمنين، أيثبتون أم ? يثبتون، هم في كل مكان، هم في كل زمان، جعل الله بعضهم لبعض فتنة، وكذا سنة الله حتى في الرسل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: 112].

فيا معاشر المسلمين: حينما نسمع في هذه ا?يام من يسعون في ا?رض الفساد، يبغون للناس الكفر بدل ا?يمان، يبغون للناس الرذيلة بدل الفضيلة، يبغون للناس الجهل بدل العلم بكتاب الله وسنة رسوله، يبغون للناس الفرقة بدل الانضمام التوحد والصف المؤمن الواحد، يبغون للناس أن يولوا وجوههم صوب اليهود والنصارى وأهل الشرك والكفر، بدل أن يولوا وجوههم إلى أهل ا?يمان والتوحيد، يبغون للناس أن ? يأمروا بمعروف، و? ينهوا عن منكر؛ ليكثر الفساد؛ ولتنتشر في ا?رض الرذيلة والعناد، يبغون لنسائنا أن يكن زانيات فاجرات عابثات مضلات مميلات مائلات، ? يبغون لهن عفة و? شرفا، و? صيانة، و? أن يكن أمهاتا للصالحين والصالحات، يعلنونها صراحة وقحة في هذه ا?يام بما لم يسبق له مثيل، يطالبون بإلغاء مدارس تحفيظ القرآن، وحلقات التحفيظ، ويزعمون أنها ? تفرخ إ? ا?رهاب، و? يخرج منها إ? المعقدين النفسيين -زعموا-، يقولونها بصراحة؛ ?نهم أمنوا العقاب، واطمأنوا، ونطق فيهم أهل الفساد مستعينيين بإخوانهم من أهل الكتاب، كما ذكرهم الله -تعالى- في قوله: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ [المائدة: 52].

فلا عجب -معاشر المسلمين- أن يوجد هؤ?ء، وأن يوجدوا منا، وأن يكونوا من أبناء جلدتنا، وربما نجدهم حتى في دواخل بيوتنا من الرجال والنساء، ? عجب، فقد وجدوا من زمن محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن قبله.

ولكن العجب أن يخدع بهم من في قلبه إيمان، من يصلي الصلوات الخمس، وهو يرجو الله الواحد الديان، من يظن أن الغلبة لهم، وأن الدائرة لهم، وأن الحكم لهم، وأن القوة لهم، خابوا وخسروا، لن يضروكم أبدا، فالثبات الثبات، والصبر الصبر، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنه يصف وقتنا هذا: "فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّابِرُ فِيهِ مِثْلُ الْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلا" قال الصحابة: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلا مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: "لا بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلا مِنْكُمْ".

فصبرك على دينك، وثباتك على سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، حتى تخرج روحك الطاهرة من جسدك، فتخرج في أسعد يوم مر عليك في دهرك، لك بأجر العمل الصالح الذي تعمله أجر خمسين من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، أي نعمة أعظم من هذه؟ أي أجر أكبر من هذا؟

فيا عباد الله: الزموا طريقكم، والزموا سنة نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، و? يهولنكم كثرة الشر، وقوة الباطل، وكثرة صياحه ولجلجته، وكثرة قنواته ا?علامية، وصحفه ومقو?ته، وكثرة ما يجده من معونة من أهل الكفر في الشرق والغرب، فإن الباطل لجلج، وإن الله -عز وجل- يقذف بالحق على الباطل فيدمغه، فإذا هو زاهق، ولهم الويل مما يصفون.

اللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك، واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين و? مضلين.

الخطبة الثانية:

الحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله ا?مين، محمد بن عبد الله سيد ا?ولين وا?خرين من بعثه الله حجة على الخلق أجمعين، وقال لهم سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99].

صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.

فلله الحجة البالغة، ولله الحكمة البالغة، خلق خلقا للجنة، فبعمل أهل الجنة يعملون، وخلق للنار أهلا، فبعمل أهل النار يعملون، وقال: "هؤ?ء للجنة و? أبالي" وقال للنار : "هؤ?ء للنار و? أبالي".

﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23].

فآمنوا بالله، فإنه ? يؤمن عبد حتى يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم ا?خر، والقدر خيره وشره من الله -تعالى-.

فما تكرهون مما تجدون، فهو مقدور وإن كنتم تكرهون، ولكن الابتلاء حاصل أتصبرون، والله -سبحانه وتعالى- يجزي الصابرين، وهو الذي يقول: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].

وقال عليه الصلاة والسلام: "بدأ ا?سلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء".

"طوبى" شجرة في الجنة، مسيرة مائة عام للراكب السريع.

"طوبى" ظل أهل ا?يمان في جنات النعيم، الصابرين على دينهم، الثابتين على الحق، الذين ? يهولهم كثرة الباطل، و? يهولنهم قوة الباطل، قال الله -تعالى-: ﴿لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197)﴾ [آل عمران: 196 – 197].

? يغرنك قوتهم، و? كثرتهم، و? غناهم، و? سلطتهم، و? مكانتهم، و? توغلهم في الرئاسات والو?يات، فإنما هي أيام قليلات، ثم توفى كل نفس ما عملت، يفرح المؤمنون بنصر الله لهم، حين ثبتوا على الحق، ولم يهلهم الباطل، ولم يبعدهم عن السبيل المستقيم، و? يكون المؤمن قويا إ? بالله، ثم بإخوانه، وبا?مر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه خيرية هذه ا?مة: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ [آل عمران: 110].

?حظ، كيف قدم ا?مر بالمعروف والنهي عن المنكر على ا?يمان بالله، مع أنها جزء من ا?يمان، لكن لمكانة ا?مر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه ا?مة قدمها.

فخيريتنا، من أمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، وهواننا وذلنا، واندحارنا، وصغارنا، حين نلغي ا?مر بالمعروف والنهي عن المنكر، الله يقول عن قوم سابقين: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ(79)﴾ [المائدة: 78 – 79].

وقال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليقصرنه على الحق قصرا".

زاد في رواية: "أو ليضربن الله بقلوب بعضكم بعضا، ثم يلعنكم كما لعنهم".

عندما تترك ا?مة ا?مر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ تلعن!.

ولعنتها لعنة من الله: ﴿وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ [النساء: 52].

له ذل في الدنيا، وله خزي في ا?خرة.

إن أهل النفاق يريدون أن يمحى شعار ا?مر بالمعروف والنهي عن المنكر، في هذه ا?مة، بالترويج ضده كل رائجة، وتكبير ا?خطاء الفردية التي يرتكبها بعض المنتسبين، فيجعلونها سمة لكل العاملين، ويجعلونها وصفة يدندنون عليها في كل وقت وحين، ليوهنوا صف المسلمين، ويضعفوا صف المحتسبين.

يريدون أن تنتشر الفاحشة في الذين آمنوا، يريدون أن يخرجوا إلى الشوارع ليتسافدوا كما تتسافد الحمر، ? ينكر عليهم منكر -قبحهم الله أنى يؤفكون- ليست عندنا، وليست فينا، وليست منا، يأبى الله ويأبى المؤمنون أن تكون هذه هي نهاية هذا البلد ا?مين، حماه الله -عز وجل- وجعله مثوى قلوب المؤمنين.

فنسأل الله -عز وجل- أن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يكف بأسهم، وأن يجعل كيدهم مكيدة لهم، وتدبيرهم تدميرا لهم، وأن يوفق و?ة أمرنا لكل خير، وأن يأخذ بنواصيهم إلى الحق، وأن يريهم إياه حقا، ويرزقهم اتباعه، وأن يريهم الباطل باطلا، ويرزقهم اجتنابه.

أ? فاتقوا الله -عباد الله-، واصبروا على الحق مهما كان مرا، وما كنت فيه -أيها المسلم- من غربة ووحشة، ولو كنت على الطريق وحدك، فهي الجماعة التي قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وعليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة".

وإياكم ومحدثات ا?مور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أ? وصلوا على البشير النذير، محمد بن عبد الله، من يسبقكم على الصراط، ادخر دعوته من بين ا?نبياء نجاة لكم، فيعبر وهو يقول: "اللهم سلم، اللهم سلم، اللهم سلم".

يكره أن يقع أحد منكم في النار.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.


تم تحميل المحتوى من موقع