استفهام إنكاري

أحمد شريف النعسان
عناصر الخطبة
  1. شكر الإنسان لمن أحسن إليه .
  2. كثرة النعم وأفضلها ووجوب شكرها .
  3. لا يعرف قدر النعم إلا من فقدها .
  4. كفران الإنسان للنعم وجحوده لها .
  5. استنكار القرآن على من جحد نعم الله .

اقتباس

عِنْدَمَا يُحْسِنُ إِلَيْنَا عَبْدٌ من عِبَادِ اللهِ -تعالى-، بإِسْدَاءِ مَعْرُوفٍ، أَوْ بِقَضَاءِ حَاجَةٍ، أَوْ بِإِعَانَةٍ على أَمْرٍ من الأُمُورِ، فَإِنَّا لا نَعْرِفُ كَيْفَ نَشْكُرُهُ وَنَرُدُّ لَهُ الجَمِيلَ، وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ لَهُ: إِنِّي عَاجِزٌ عَن شُكْرِكَ، وَلَكَ فَضْلٌ عَلَيَّ لا أَنْسَاهُ مَا حَيِيتُ، أَسْأَلُ اللهَ -تعالى- أَنْ يَجْزِيَكَ عَنِّي خَيْرَاً. هذا مَعَ عَبْدٍ من العِبَادِ، وفي أَمْرٍ قَد يَحْصُلُ مَرَّةً وَاحِدَةً ولا يَتَكَرَّرُ، فَكَيْفَ بِنَا مَعَ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيا عباد الله: عِنْدَمَا يُحْسِنُ إِلَيْنَا عَبْدٌ من عِبَادِ اللهِ -تعالى-، بإِسْدَاءِ مَعْرُوفٍ، أَوْ بِقَضَاءِ حَاجَةٍ، أَوْ بِإِعَانَةٍ على أَمْرٍ من الأُمُورِ، فَإِنَّا لا نَعْرِفُ كَيْفَ نَشْكُرُهُ وَنَرُدُّ لَهُ الجَمِيلَ، وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ لَهُ: إِنِّي عَاجِزٌ عَن شُكْرِكَ، وَلَكَ فَضْلٌ عَلَيَّ لا أَنْسَاهُ مَا حَيِيتُ، أَسْأَلُ اللهَ -تعالى- أَنْ يَجْزِيَكَ عَنِّي خَيْرَاً.

هذا مَعَ عَبْدٍ من العِبَادِ، وفي أَمْرٍ قَد يَحْصُلُ مَرَّةً وَاحِدَةً ولا يَتَكَرَّرُ، فَكَيْفَ بِنَا مَعَ رَبِّ الأَرْبَابِ، مَعَ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ لِخِدْمَتِنَا، الذي يَقُولُ: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].

والذي يَقُولُ: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان: 20].

يا عباد الله: كَيْفَ يَكُونُ مَوْقِفُنَا مَعَ رَبِّ الأَرْبَابِ، ذِي الطَّوْلِ والإِنْعَامِ العَزِيزِ الوَهَّابِ، الذي أَكْرَمَنَا بِنِعْمَةِ الإِسْلامِ والإِيمَانِ، إِذْ بِهَا صَلاحُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ؟ قَالَ تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].

يا عباد الله: لا سَبِيلَ لِعَدِّ وَحَصْرِ نِعَمِ اللهِ -تعالى- عَلَيْنَا، من النِّعَمِ نِعْمَةُ الأَمْنِ من الخَوْفِ، وَنِعْمَةُ الإِطْعَامِ من الجُوعِ، قَالَ تعالى: (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [قريش: 4].

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنَاً فِي سِرْبِهِ، مُعَافَىً فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا" [رواه الترمذي عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ].

يا عباد الله: لَقَد كُنَّا نَتَقَلَّبُ في هذهِ النِّعَمِ، وَمَا كُنَّا نَعْرِفُ قَدْرَهَا حَتَّى فَقَدْنَاهَا.

من النِّعَمِ: نِعْمَةُ الحَوَاسِّ من سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَأَفْئِدَةٍ، قَالَ تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36].

وَنَحْنُ وَبِكُلِّ أَسَفٍ، الكَثِيرُ مِنَّا لا يُقَدِّرُ هذهِ النِّعْمَةَ، ولا يَشْكُرُ اللهَ -تعالى- عَلَيْهَا، بَلْ يَصْرِفُهَا في مَعْصِيَةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-.

من النِّعَمِ التي أَسْبَغَهَا اللهُ -تعالى- عَلَيْنَا: نِعْمَةُ الإِيجَادِ والإِمْدَادِ، قَالَ تعالى مُشِيرَاً إلى بَعْضِ هذهِ النِّعَمِ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفَاً وَطَمَعَاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ) [الروم: 20 - 25].

هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعَمِهِ؟

يا عباد الله: هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ الإِيجَادِ والإِمْدَادِ؟

هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ الزَّوْجَاتِ والأَزْوَاجِ؟

هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ؟

هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ اللِّسَانِ والنُّطْقِ؟

هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ؟

هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ المَاءِ؟

هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ المَوْتِ والبَعثِ والنُّشُورِ؟

يا عباد الله: الكَثِيرُ مَن عَصَى اللهَ -تعالى- بِنِعْمَةِ الإِيجَادِ، وَبِنِعْمَةِ الأَزْوَاجِ، الكَثِيرُ مَن تَجَرَّأَ على مَعْصِيَةِ اللهِ -تعالى- في أَرْضِهِ وَتَحْتَ سَمَائِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِأَنَّ اللهَ -تعالى- قَادِرٌ على خَسْفِ الأَرْضِ بِهِ، أَوْ إِنْزَالِ العَذَابِ عَلَيْهِ من السَّمَاءِ، قَالَ تعالى: (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك: 16 - 17].

يا عباد الله: الكَثِيرُ مِمَّنْ عَصَى اللهَ -تعالى- بِنِعْمَةِ اللِّسَانِ فَنَطَقَ بِكَلِمَةِ الكُفْرِ، والسَّبِّ والشَّتْمِ واللَّعْنِ، والطَّعْنِ في دِينِ اللهِ -تعالى- والعِيَاذُ باللهِ -تعالى- والطَّعْنِ فِي سَلَفِ الأُمَّةِ.

والكَثِيرُ مِمَّنْ عَصَى اللهَ -تعالى- بِنِعْمَةِ المَاءِ بالإِسْرَافِ، بَلْ تَجَرَّأَ البَعْضُ على مَنْعِهَا عَن عِبَادِ اللهِ -تعالى-، وهؤُلاءِ سَيُمنَعُونَ مِن فَضْلِ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، إِذَا لَم يَتُوبُوا إِلى اللهِ -تعالى-.

والكَثِيرُ مِمَّنْ أَنْكَرَ البَعْثَ والنُّشُورَ، فَعَاثَ في الأَرْضِ جَوَّاً وَبَحْرَاً وَبَرَّاً فَسَادَاً وَإِفْسَادَاً.

يا عباد الله: واللهِ حَالُنَا عَجِيبٌ، عِنْدَمَا نَرَى إِنْسَانَاً أَحْسَنَ إِلَيْنَا رَأَيْنَا أَنْفُسَنَا صِغَارَاً أَمَامَ هذا العَبْدِ، وَاحْتَرْنَا كَيْفَ نُقَدِّمُ لَهُ الشُّكْرَ والثَّنَاءَ، أَمَّا مَعَ اللهِ -تعالى- تَرَى الكَثِيرَ قَد تَنَكَّرَ لِنِعَمِ اللهِ -تعالى- وَتَجَاهَلَهَا، وَنَــسِيَ بِأَنَّ اللهَ -تعالى- هُوَ المُنْعِمُ، فَعَصَى اللهَ -تعالى- بِنِعْمَةِ اللهِ -تعالى-.

يا عباد الله: أَيْنَ المُقِرُّ بِأَنَّ اللهَ -تعالى- هُوَ المُنْعِمُ، فَقَابَلَ النِّعْمَةَ بالشُّكْرِ؟

يا عباد الله: لِنَسْمَعْ من اللهِ -تعالى- هذا الاسْتِفْهَامَ الإِنْكَارِيَّ، قَالَ تعالى: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل 60]؟

(أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61]؟

(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62]؟

(أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 63]؟

(أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [النمل: 64]؟

(قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النمل: 65]؟

يا عباد الله: مَن أَقَرَّ بِنِعَمِ اللهِ -تعالى- عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْكُرَهُ ولا يَجْحَدَهُ.

كَفَانَا -يا عباد الله- ذُنُوبَاً وَإِعْرَاضَاً عَن اللهِ -تَبَارَكَ وتعالى-.

كَفَانَا سَفْكَاً للدِّمَاءِ، وَسَلْبَاً للأَمْوَالِ.

كَفَانَا نُكْرَانَاً لِنِعَمِ اللهِ -تعالى- عَلَيْنَا، وَلْنَكُنْ للهِ شَاكِرِينَ لا جَاحِدِينَ.

اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بذلكَ، آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي