فاتقوا الله في أموركم عامة، وفي صلاتكم خاصة فأحكموها؛ فإنها آخر دينكم، فتمسكوا بآخر دينكم وما أوصاكم به ربكم عز وجل؛ فإن الصلاة من آخر ما عهد إليكم نبيكم؛ فقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان آخر وصيته لأمته، وآخر عهده إليهم عند خروجه من الدنيا أن اتقوا الله في الصلاة وفيما ملكت إيمانكم، وهي آخر ما يذهب من الإسلام ليس بعد ذهابها إسلام ولا دين ..
الحمد لله الذي جعل الصلاة عمود الدين. وقال: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة 45: 46]
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. حث على إقام الصلاة في كتابه المبين. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. كان آخر وصيته لأمته عند خروجه من الدنيا الحث على الصلاة لما لها من الأهمية في الدين. صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى في دينكم عامة وصلاتكم خاصة. أقيموها وحافظوا عليها وأدوها بخشوع وطمأنينة وحضور قلب، ولازموا لها الجمع والجماعات، وابنوا لها المساجد، واهتموا بشأنها غاية الاهتمام؛ فهي عمود الدين، وعنوان السعادة. هي نور لكم في الأرض، وذخر لكم في السماء، وعون لكم على مشاق الحياة. (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ). (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) [العنكبوت :45]
هي قُرّة عين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومفزعه عند الشدائد، وراحته من المشاق.
هي الركن الثاني من أركان الإسلام. يجتمع فيها من أنواع العبادات ما لا يجتمع في غيرها.
هي الصلة بين العبد وبين ربه. وهي الفارقة بين الكفر والإيمان، فلا حظ في الإسلام لمن ضيع الصلاة.
عباد الله: إن ميزان الصلاة في الإسلام عظيم، ومنزلتها عند الله عالية؛ فاهتموا بشأنها غاية الاهتمام، وأدوها بالوفاء والتمام؛ فالصلاة مكيال من وَفّاه وُفِّيَ أجره من رب العالمين، ومن طفف فيه قد علمتم ما قال الله في المطففين.
إنه لا يكتب للعبد من صلاته إلا ما عقل منها، ولا تصح إلا إذا أُدِّيَت بطمأنينة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد، فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرد عليه السلام فقال: "ارجع فصلَّ فإنك لم تصلّ". فعل الرجل ذلك ثلاثاً، وفي كل مرة يقول له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ارجع فصل فإنك لم تصلّ" فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ. ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". متفق عليه.
وفيه دليل على وجوب الطمأنينة وأن من تركها لم يفعل ما أمر به ولم تبرأ ذمه منه؛ فمن صلى بدون طمأنينة أمر بإعادة الصلاة. قال بعض العلماء: في هذا الحديث دليل على أن الطمأنينة في الصلاة لا تسقط بحال، وإلا سقطت عن هذا الأعرابي الجاهل.
وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نقر المصلي صلاته وأخبر أن النقر صلاة المنافقين. قال -صلى الله عليه وسلم-: "تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً".
كما أن من صفات المنافقين في الصلاة أنهم لا يؤدونها مع الجماعة. ومن صفاتهم فيها ما قال الله عنهم (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:142).
قال الإمام شمس الدين ابن القيم رحمه الله: فهذه ست صفات في الصلاة من علامات النفاق: الكسل عند القيام إليها. ومراءاة الناس في فعلها. وتأخيرها. وقلة ذكر الله فيها. والتخلف عن جماعتها.
وعن أبي عبد الله الأشعري قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه ثم جلس في طائفة منهم، فدخل رجل منهم فقام يصلي فجعل يركع وينقر في سجوده ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر إليه فقال: "ترون هذا لو مات لمات على غير ملة محمد، ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم". الحديث رواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه فأخبر أن الذي ينقر الصلاة لو مات لمات على غير الإسلام.
وقد جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لص الصلاة وسارقها شراً من لص الأموال وسارقها فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته" قالوا: يا رسول الله كيف سرق صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها" أو قال: "لا يقيم صلبه في الركوع والسجود". رواه الإمام أحمد. فصرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الذي لا يتم صلاته أسوأ حالاً من سارق الأموال، ولا ريب أن لص الدين شر من لص الدنيا.
أيها المسلمون: ومما يخل بالصلاة خللاً عظيماً مسابقة الإمام في الركوع والسجود والخفض والرفع. قال الإمام أحمد: ليس لمن سبق الإمام صلاة.
بذلك جاءت الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، جاء الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أما يخاف الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار؟". وذلك لإساءته في صلاته؛ لأنه لا صلاة له، ولو كانت له صلاة لرجي له الثواب ولم يخف عليه العقاب أن يحول الله رأسه رأس حمار.
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمنا صلاتنا وعلمنا ما نقول فيها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا. وإذا قال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) فقولوا: آمين يجيبكم الله. وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا. وإذا رفع رأسه وقال: سمع الله لمن حمده فارفعوا رؤوسكم وقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم، فإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا. وإذا رفع رأسه وكبر فارفعوا رؤوسكم وكبروا". قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تلك بتلك" قال الإمام أحمد: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا كبر فكبروا، معناه: أن تنتظروا الإمام حتى يكبر ويفرغ من تكبيره وينقطع صوته ثم تكبرون بعده.
والناس يغلطون في هذه الأحاديث ويجهلونها، وكذلك بقية أفعال المأموم في الصلاة يجب أن تكون بعد نهاية فعل الإمام لا تكون معه ولا قبله. ومعلوم أن المأموم لا يستفيد من مسابقة الإمام؛ فإنه لن ينصرف من الصلاة قبل الإمام، ولكن يخدعه الشيطان فيحمله على المسابقة؛ ليفسد عليه صلاته.
فاتقوا الله في أموركم عامة وفي صلاتكم خاصة فأحكموها؛ فإنها آخر دينكم، فتمسكوا بآخر دينكم وما أوصاكم به ربكم عز وجل؛ فإن الصلاة من آخر ما عهد إليكم نبيكم؛ فقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان آخر وصيته لأمته، وآخر عهده إليهم عند خروجه من الدنيا أن اتقوا الله في الصلاة وفيما ملكت إيمانكم، وهي آخر ما يذهب من الإسلام ليس بعد ذهابها إسلام ولا دين، وهي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله وهي عمود الإسلام.
وقد خصها الله عز وجل بالذكر من الطاعات كلها ونسب أهلها إلى الفضل، وأمر بالاستعانة بها وبالصبر على جميع الطاعة واجتناب المعصية. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون 1: 2] الآيات إلى قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون 10: 11]
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي