إِنَّهَا رَحمَةٌ في رَحمَةٍ في رَحمَةٍ، رَحَمَاتٌ يَخُوضُ فِيهَا العَائِدُ وَهُوَ يَمشِي، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتهُ وَغَطَّتهُ، وَصَلَوَاتٌ وَدَعَوَاتٌ ممَّن لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ؛ فَخَابَت وُجُوهٌ لا تَتَمَعَّرُ لِرُؤيَةِ المَرِيضِ وَهُوَ يَئِنُّ مِن أَلَمٍ، وَجَفَّت عُيُونٌ لا تَذرِفُ الدَّمعَ رَأفَةً بِهِ! وَشَقِيَت نُفُوسٌ أَثقَلَتهَا الذُّنُوبُ وَالدُّيُونُ وَرَكِبَتهَا الهُمُومُ وَالغُمُومُ، ثم هِيَ لا تَطلُبُ الرَّحمَةَ في طَاعَةِ رَبِّهَا وَإِسعَادِ إِخوَانِهَا
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بمَا تَعمَلُون) [الحشر: 18]
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: الإِسلامُ دِينُ العِبَادَةِ وَالمُعَامَلَةِ، دِينُ طَهَارَةِ القَلبِ وَإِصلاحِ القَالَبِ، دِينُ الصَّبرِ وَالمَرحمَةِ، دِينٌ لا يُؤمِنٌ مُتَّبِعُهُ حَقَّ الإِيمَانِ حَتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ.
وَكَمَا جُعِلَت عَلَى المُكَلَّفِ فِيهِ وَاجِبَاتٌ وَطُلِبَ مِنهُ امتِثَالُهَا - فَقَد ضُمِنَت لَهُ حُقُوقٌ وَنُدِبَ الآخَرُونَ إِلى الوَفَاءِ لَهُ بها، وَإِذَا كَانَتِ الحُقُوقُ بَينَ النَّاسِ تَختَلِفُ بِحَسَبِ ضَرُورَتِهَا وَالحَاجَةِ إِلَيهَا - فَإِنَّ حَقَّ المَرِيضِ يَأتي مِنهَا في مَكَانَةٍ عَالِيَةٍ؛ إِذِ المَرِيضُ يُنهَكُ بِالدَّاءِ جَسَدُهُ، وَتَضعُفُ قُوَّتُهُ وَتَنقَطِعُ حِيلَتُهُ، فَتَزُولُ لِذَلِكَ حِدَّةُ نَفسِهِ ويَرِقُّ قَلبُهُ، وَيَرهُفُ شُعُورُهُ وَيَلطُفُ إِحسَاسُهُ، فَتَرَاهُ يَفرَحُ بِالزِّيَارَةِ وَيَأنَسُ بِالعِيَادَةِ، وَيَشتَاقُ لِمَن غَابَ وَيَهَشُّ لِمَن حَضَرَ، وَيَحزَنُ وَهُوَ يَرَى إِخوَانَهُ عَنهُ مُعرِضِينَ، وَبِدُنيَاهُم عَن عِيَادَتِهِ غَافِلِينَ.
وَإِنَّ لِلمَرضَى عَلَى إِخوَانِهِم مِنَ الحَقِّ مَا لَو عَلِمُوهُ وَاحتَسَبُوهُ - لَمَا تَوَانَوا عَن زِيَارَتِهِم لَحظَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّ لهم مِنَ الفَرحَةِ بهم وَالسُّرُورِ بِمَجِيئِهِم، مَا لَوِ استَحضَرُوهُ وَاستَطعَمُوهُ - مَا قَدِرُوا عَلَى مُفَارَقَتِهِم سَاعَةً، وَمَن جَرَّبَ البَلاءَ يَومًا عَرَفَ قِيمَةَ العَافِيَةِ، وَمَن رَقَدَ عَلَى سَرِيرِ المَرَضِ ثَمَّنَ قَدرَ الزِّيَارَةِ.
وَمِن ثَمَّ؛ فَقَد عُنِيَ الإِسلامُ بهذَا الجَانِبِ أَيَّمَا عِنَايَةٍ، وَأَولاهُ مِنَ الاهتِمَامِ قَدرًا عَظِيمًا؛ حَيثُ جَعَلَهُ مِن حَقِّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ، وَأَجزَلَ لِلعَائِدِ الأَجرَ وَضَاعَفَ لَهُ الثَّوَابَ؛ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "حَقُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ خمسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعوَةِ، وَتَشمِيتُ العَاطِسِ" وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ المُسلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ المُسلِمَ لم يَزَلْ في خُرفَةِ الجَنَّةِ حَتى يَرجِعَ".
وَإِنَّ لِزَائِرِ المَرِيضِ مَعَ الأَجرِ وَالثَّوَابِ لَرَاحَةً لِنَفسِهِ وَأُنسًا وَانبِسَاطًا، وَفي الزِّيَارَةِ مِنَ اللَّذَّةِ مَا لا يَذُوقُهَا إِلاَّ مَن جَرَّبَهَا؛ وَكَيفَ لا تَطِيبُ حَيَاةُ الزَّائِرِ وَلا تَرتَاحُ نَفسُهُ وَلا يَتَّسِعُ صَدرُهُ، وَالمُنَادِي يُنَادِيهِ: أَنْ طِبتَ وَطَابَ ممشَاكَ وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلاً؟ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "مَن عَادَ مَرِيضًا، أَو زَارَ أَخًا لَهُ في اللهِ؛ نَادَاهُ مُنَادٍ بِأَن طِبتَ وَطَابَ ممشَاكَ وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلاً".
وَلَكَم نُفَرِّطُ اليَومَ في هَذَا الأَجرِ وَنَتَنَاسَاهُ وَنَتَغَافَلُ عَنهُ؛ إِذْ نَنطَلِقُ في أَودِيَةِ الدُّنيَا طَالِبِينَ مَتَاعَهَا وَزِينَتَهَا، مُتَّبِعِينَ شَهَوَاتِها مَفتُونِينَ في زَخَارِفِهَا، غَيرَ مُهتَمِّينَ بما عِندَ اللهِ مِنَ القُربَةِ وَالزُّلفَى لِمَنِ احتَسَبَ؛ فَلا يَدرِي أَحَدُنَا إِلاَّ وَقَد فَجَأَهُ المَوتُ وَاختَرَمَتهُ المَنُونُ، فَتَجَرَّعَ أَلَمَ الغُصَّةِ وَتَحَسَّرَ لِفَوَاتِ الفُرصَةِ.
وَالنَّدَمُ كُلُّ النَّدَمِ وَالحَسرَةُ كُلُّ الحَسرَةِ، يَومَ يُوَافي رَبَّهُ فَيَقُولُ لَهُ: "يَا بنَ آدَمَ، مَرِضتُ فَلَم تَعُدْني! قَالَ: يَا رَبِّ كَيفَ أَعُودُكَ وَأَنتَ رَبُّ العَالَمِينَ ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمتَ أَنَّ عَبدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَم تَعُدْهُ؟ أَمَا عَلِمتَ أَنَّكَ لَو عُدتَهُ لَوَجَدتَني عِندَهُ ؟".
إِنَّ القُلُوبَ حِينَ تَلتَفِتُ عَنِ احتِسَابِ الأَجرِ، وَتَغفُلُ عَنِ ابتِغَاءِ الثَّوَابِ - فَلا تَسَلْ عَن قَسوَتِهَا حَينَئِذٍ وَتَصَلُّدِهَا، وَنِسيَانِهَا حَقَّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ! وَلَقَد عَادَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَهُودِيًّا لَمَّا مَرِضَ، فَمَا أَكرَمَهُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- وَمَا أَرحَمَهُ! وَمَا أَنبَلَ خُلُقَهُ وَمَا أَزكَى نَفسَهُ!
في البُخَارِيِّ عَن أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: "كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخدِمُ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ فَقَالَ لَهُ: "أَسلِمْ"؛ فَنَظَرَ إِلى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَهُ فَقَالَ: "أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ. فَأَسلَمَ، فَخَرَجَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: "الحَمدُ للهِ الَّذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ".
فَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ! هَذَا محمدٌ رَسُولُ اللهِ، أَفضَلُ خَلقِ اللهِ عُنصُرًا وَأَنفَسُهُم مَعدِنًا، وَأَرفَعُهُم مَكَانَةً، وَأَعلاهُم قَدرًا، وَأَعلَمُهُم وَأَكرَمُهُم وَأَرحَمُهُم، وَذَاكَ غُلامٌ وَيَهُودِيٌّ أَيضًا، وَمَعَ هَذَا زَارَهُ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ؛ فَمَا أَطهَرَهُ مِن قَلبٍ وَمَا أَزكَاهَا مِن نَفسٍ!
قَلبٌ رَقِيقٌ حَتى مَعَ أَعدَائِهِ، وَنَفسٌ تَرحَمُ مَن لا يُحِبُّهَا!؛ فَأَينَ قُسَاةُ القُلُوبِ اليَومَ مِن هَذَا الخُلُقِ العَظِيمِ؟ أَينَ مَن لا يَعنِيهِم أَمرُ مَرضَاهُم وَلا يَحفِلُونَ بِشَأنِهِم؟ أَكُلَّ هَذَا زُهدًا في الأَجرِ وَاستِغنَاءً عَنِ الرَّحمَةِ؟! أَكُلَّ هَذَا قَسوَةً في القُلُوبِ وَمَرَضًا في النُّفُوسِ؟ أَكُلَّ هَذَا رَغبَةً عَن إِرضَاءِ رَبِّهِم وَمَولاهُم؟!
لَقَد قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "مَن عَادَ مَرِيضًا لم يَزَلْ يَخُوضُ الرَّحمَةَ حَتى يَجلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ اغتَمَسَ فِيهَا" وَقَالَ: "إِذَا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ المُسلِمَ مَشَى في خِرَافَةِ الجَنَّةِ حَتى يَجلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتهُ الرَّحمَةُ، فَإِنْ كَانَ غُدوَةً صَلَّى عَلَيهِ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حَتى يُمسِيَ، وَإِنْ كَانَ عَشِيًّا صَلَّى عَلَيهِ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حَتى يُصبِحَ".
إِنَّهَا رَحمَةٌ في رَحمَةٍ في رَحمَةٍ، رَحَمَاتٌ يَخُوضُ فِيهَا العَائِدُ وَهُوَ يَمشِي، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتهُ وَغَطَّتهُ، وَصَلَوَاتٌ وَدَعَوَاتٌ ممَّن لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ؛ فَخَابَت وُجُوهٌ لا تَتَمَعَّرُ لِرُؤيَةِ المَرِيضِ وَهُوَ يَئِنُّ مِن أَلَمٍ، وَجَفَّت عُيُونٌ لا تَذرِفُ الدَّمعَ رَأفَةً بِهِ! وَشَقِيَت نُفُوسٌ أَثقَلَتهَا الذُّنُوبُ وَالدُّيُونُ وَرَكِبَتهَا الهُمُومُ وَالغُمُومُ، ثم هِيَ لا تَطلُبُ الرَّحمَةَ في طَاعَةِ رَبِّهَا وَإِسعَادِ إِخوَانِهَا.
لَقَد بَكَى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في مِثلِ هَذِهِ المَوَاقِفِ وَأَبكَى؛ فَعَن أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: "دَخَلنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَبي سَيفِ القَينِ، وَكَانَ ظِئرًا لإِبرَاهِيمَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِبرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثم دَخَلنَا عَلَيهِ بَعدَ ذَلِكَ وَإِبرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفسِهِ، فَجَعَلَت عَينَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- تَذرِفَانِ.
فَقَالَ لَهُ عَبدُالرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ: وَأَنتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: "يَا بنَ عَوفٍ إِنَّهَا رَحمَةٌ" ثم أَتبَعَهَا بِأُخرَى فَقَالَ: "إِنَّ العَينَ تَدمَعُ وَالقَلبَ يَحزَنُ، وَلا نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبرَاهِيمُ لَمَحزُونُونَ".
وَعَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: "أَرسَلَتِ ابنَةُ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِلَيهِ: أَنَّ ابنًا لي قُبِضَ فَأْتِنَا؛ فَأَرسَلَ يُقرِئُ السَّلامَ وَيَقُولُ: "إِنَّ للهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعطَى، وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصبِرْ وَلْتَحتَسِبْ".
فَأَرسَلَت إِلَيهِ تُقسِمُ عَلَيهِ لَيَأتِيَنَّهَا، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعدُ بنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بنُ كَعبٍ وَزَيدُ بنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ، فرُفِعَ إِلى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- الصَّبيُّ وَنَفسُهُ تَتَقَعقَعُ، فَفَاضَت عَينَاهُ. فَقَالَ سَعدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذَا؟ فَقَالَ: "هَذِهِ رَحمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ، فَإِنَّمَا يَرحَمُ اللهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ".
أَلا فَزُورُوا المَرضَى -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَادعُوا لهم، وَلْيَدعُوا لَكُم؛ فَإِنَّهُم أَرَقُّ مَا يَكُونُونَ، وَلَعَلَّ أَحَدَهُم -وَهُوَ في حَالَةِ ضَعفٍ- أَن يَدعُوَ لِزَائِرِهِ فَتُقبَلَ دَعوَتُهُ، وَقَد قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "اُبغُوني ضُعَفَاءَكُم؛ فَإِنَّمَا تُنصَرُونَ وَتُرزَقُونَ بِضُعَفَائِكُم".
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا حَضَرتُمُ المَرِيضَ أَوِ المَيِّتَ فَقُولُوا خَيرًا؛ فَإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تُقُولُونَ" رَوَاهُ مُسلِمٌ.
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "مَن عَادَ مَرِيضًا لم يَحضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِندَهُ سَبعَ مَرَّاتٍ: "أَسأَلُ اللهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرشِ العَظِيمِ أَن يَشفِيَكَ إِلاَّ عَافَاهُ اللهُ مِن ذَلِكَ المَرَضِ".
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ يَا عَظِيمُ يَا رَبَّ العَرشِ العَظِيمِ، اللَّهُمَّ اشفِ مَرضَانَا، وَارحَمْ مَوتَانَا، وَوَفِّقْنَا لاغتِنَامِ الأَعمَارِ في الصَّالِحَاتِ قَبلَ المَمَاتِ. اللَّهُمَّ أَصلِحْ قُلُوبَنَا وَارحَمْنَا، وَأَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، وَاغفِرْ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ لِعِيَادَةِ المَرِيضِ لَفَوَائِدَ غَيرَ إِدخَالِ السُّرُورِ عَلَيهِ وَتَصبِيرِهِ وَحُصُولِ الأَجرِ لِلزَّائِرِ، مِن أَهَمِّهَا وَأَبلَغِهَا أَثَرًا: أَن يَعلَمَ المَرءُ ضَعفَهُ، وَقِلَّةَ حِيلَتِهِ، وَقُربَ الغِيَرِ مِنهُ، ممَّا لَعَلَّهُ يُذَكِّرُهُ مَصِيرَهُ؛ فَيَستَعِدَّ لَهُ وَيَزدَادَ مِنَ الصَّالِحَاتِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "عُودُوا المَرضَى وَاتَّبِعُوا الجَنَائِزَ تُذَكِّرْكُمُ الآخِرَةَ".
ثُمَّ اعلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ لِعِيَادَةِ المَرضَى آدَابًا تَكمُلُ بِهَا الزِّيَارَةُ، مِن أَهَمِّهَا: إِخلاصُ النِّيَّةِ، وَاستِحضَارُ عَظِيمِ الأَجرِ، وَأَلاَّ يَرَى الزَّائِرُ لِنَفسِهِ فَضلاً بِزِيَارَتِهِ أَو مَنًّا، بَل يَستَحضِرُ أَنَّ زِيَارَتَهُ المَرِيضَ حَقٌّ لَهُ، يُؤجَرُ بِفِعلِهِ وَقَد يَأثَمُ بِتَركِهِ.
كَمَا أَنَّ ممَّا يَنبَغِي مُرَاعَاتُهُ: الوَقتَ المُنَاسِبَ لِلزِّيَارَةِ، وَأَلاَّ يُطِيلَ في المُكثِ عِندَ المَرِيضِ بِمَا يَشُقُّ عَلَيهِ أَو عَلَى أَهلِهِ، إِلاَّ إِذَا اقتَضَتِ المَصلَحَةُ أَو رَغِبَ المَرِيضُ في ذَلِكَ.
وَمِن آدَابِ الزِّيَارَةِ: الدُّعَاءُ بِمَا كَانَ الرَّسُولُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- يَدعُو بِهِ لِلمَرِيضِ مِن قَولِهِ: "لا بَأسَ، طَهُورٌ إِن شَاءَ اللهُ".
وَيَحسُنُ بِالزَّائِرِ أَن يُذَكِّرَ المَرِيضَ بِسَعَةِ رَحمَةِ اللهِ وَوَاسِعِ فَضلِهِ، وَألاَّ يُقَنِّطَهُ مِنَ الشِّفَاءِ وَلا يُيَئِّسَهُ مِنَ العَافِيَةِ، وَأَن يُوصِيَهُ بِأَن يُحسِنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ -تَعَالى-، وَيُذكِّرَهُ بِأَنَّهُ وَحدَهُ هُوَ الشَّافي، كَمَا يَجمُلُ أَن يُذَكِّرَهُ بِفَضلِ التَّوبَةِ وَالاستِغفَارِ وَالرُّجُوعِ إِلى اللهِ، وَمَا لِلصَّدَقَةِ مِن الأَثَرِ في الشِّفَاءِ بِرَحمَةِ اللهِ، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "دَاوُوا مَرضَاكُم بِالصَّدَقَةِ" حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي