الأيام الفاضلة والأضاحي

سليمان بن حمد العودة
عناصر الخطبة
  1. التشويق إلى الحج .
  2. من الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة .
  3. من أحكام صلاة العيد والأضحية .
  4. فضل الأضحية .
  5. من سنن الأضحية وآدابها .
اهداف الخطبة
  1. بيان فضل عشر ذي الحجة وأيام الحج
  2. التنبيه على بعض أحكام الأضحية وآدابها .

اقتباس

أيها المتردد في الذهاب للحج وليس ثمة ما يمنعك من مرضٍ أو حاجة.. استعن بالله واعقد العزم فلا يزال في الأمر فرصة، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة.

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين..

اتقوا الله عباد الله وعظموا شعائر الله، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
أيها المسلم اعمل لدنياك بقدر بقائك فيها، واعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها، وإياك والتسويف فالموت أمامك والمرض يطرقك، والأشغال تتابعك، وحوادث الزمان ستفاجئك، والخلاص بأمان من ذلك كله أن تستعين بالله، وتبادر إلى عمل الصالحات وتثمن الأيام الفاضلات، وليس يخفاك فضل عشر ذي الحجة التي أنصرم شطرها، وشطرها الآخر يسير على عجل لا ينتظر الغافلين حتى يتذكروا ولا الغارقين في سبات نوم عميق حتى يستيقظوا.

أيها المتردد في الذهاب للحج وليس ثمة ما يمنعك من مرضٍ أو حاجة.. استعن بالله واعقد العزم فلا يزال في الأمر فرصة، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة. ألا أيها المتقاعس عن المسارعة للخيرات في هذه الأيام الفاضلة استدرك ما فاتك، والحق من سبقك، واعمل صالحاً لنفسك، فلا يزال في الأيام فرصةٌ لمن تحركت فيه هممُ الشوق إلى الجنان..

ألا أيها الراغبُ في الأضحية يمكنك أن تنوي ذلك وإن لم تعقد العزم عليه قبل ذلك، وإذا نويت فأمسك عن الأخذ من شعرك وبشرتك، ولا إثم عليكم فيما أخذته قبل النية، أما من نوى قبل فعليه الإمساك عن ذلك من حين دخول العشر.

أيها المسلم وإن فاتك الصوم في هذه الأيام أو بعضها فاحرص ألا يفتوك صيام يوم عرفة ففيه من الفضل تكفير سنتين " سنة قبله وسنة بعده" كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.

تعرض لنفحات الله في هذا اليوم، فلله في يوم عرفة عتقاء من النار، روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثرُ من أن يُعتقَ الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة".

فاحرص على صيام هذا اليوم، واحرص على الابتهال إلى الله بالدعاء، والذكر ِ وتلاوة القرآن، ويوم عرفة لا يتكرر في السنة إلا مرة.

أيها المسلم.. ويوم النحر يوم عظيمٌ من أيام الله، ويغفل عن ذلك اليوم وجلالة شأنه كثيرٌ من المسلمين، مع أن بعض العلماء يراه أفضل أيام السنة على الإطلاق، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أعظم الأيامِ عند الله يومُ النحر ثم يومُ القر".

ويوم القر هو الحادي عشر وهو يوم الاستقرار بمنى للحجاج فليحرص المسلم على إدراك فضل هذا اليوم حاجاً كان أم مقيماً، وعلى غير الحاج في هذا اليوم أن يغتسل ويتطيب ويذهب لصلاة العيد، ولا يتهاون في أدائها، فهي سنةٌ مؤكدة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن العلماء المحقين من يراها واجبة، كشيخ الإسلام ابن تيمية، مستدلاً بقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر:2]، وتشهد النساء صلاة العيد حتى الحيض، وتعتزل الحيّضُ المصلى.

ومن السنة ألا تأكل شيئاً قبل الذهاب لصلاة عيد الأضحى حتى تعود وتأكل من أضحيتك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته فليكن لك فيه أسوة.
واحرص على التكبير في هذه الأيام وحتى عصرِ آخرِ التشريق قال تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ) [البقرة: من الآية203].

صلْ أقاربك وجيرانك وإخوانك في أيام العيد فهي من الأعمال الصالحة وهي سببٌ للألفة والمحبة، واعطف على المساكين، وتصدق على المحتاجين.

يا أخا الإسلام أما الأضحية فأجرها عظيم، وهي سنة أبينا إبراهيم، ونبينا محمدٍ عليهم الصلاة والسلام، ومشروعيتها في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) [الكوثر:1-3].

وقال تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) [الحج: من الآية36].

وروى البخاري ومسلم –رحمهما الله- في صحيحيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر.

وفي فضلها ورد حديثٌ –وإن ضعفه بعض أهل العلم- قال عليه الصلاة والسلام: "ما عمل آدميٌ من عمل يوم النحر أحبَّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكانٍ قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً".

أيها المضحي طب نفساً بأضحيتك، واختر من الأضاحي أحسنها إن كنت قادراً على ذلك، ولا تهدي إلى الله ما تستحي أن تهديه إلى نفسك، وإليك وصية عروة بن الزبير لبنيه، فقد روى مالكٌ في الموطأ –بسند صحيح- إلى عروة –يرحمه الله- أنه كان يقول لبنيه: "يا بني لا يُهدينَّ أحدكم من البدن شيئاً يستحي أن يهديه لكريمه إن الله أكرمُ الكرماء، وأحق من اختير له" .

(وكريم الرجل: من يَكْرُم عليه، ويَعزُّ عليه).

إخوة الإسلام: ومن فضل الله ورحمته ويسر الإسلام أن الأضحية الواحدة تجزئ عن الرجل وأهل بيته ويصل ثوابها الأموات والأحياء، إذا شملهم بها وإياكم والمباهاة بالأضاحي، أخرج مالك والترمذي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: " ما كان نُضحي بالمدينة إلا بالشاة الواحدة، يذبحها الرجل عنه، وعن أهل بيته، ثم تباهى الناسُ بعد، فصارت مباهاة". قال الترمذي: حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق. أهـ، ونُقل أنه قولُ مالكٍ والليث والأوزاعي وغيرهم، أن الشاة والواحدة تجزئ عن أكثر من واحد.

بل إن من يُسر الإسلام أن من لم يجد الأضحية وهو راغبٌ فيها، فأجره على الله، وتأملوا هذا الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي –بسند صحيح- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُمرت بيوم الأضحى عيداً جعله اللهُ لهذه الأمة"، قال له رجلٌ: يا رسول الله: أرأيت إن لم أجد إلا منيحةً أنثى -المنيحةُ هنا: هي الناقةُ أو الشاةُ تُعارُ لينتفع بلبنها، وتُعادُ إلى صاحبها- أفأضحي بها قال صلى الله عليه وسلم: "لا، ولكن خُذ من شعركِ وأظفارك وتقصٌ شاربك، وتحلق عانتك، فذلك تمامُ أضحيتك عند الله".

عباد الله وتنبهوا لوقت الذبح، وعليكم بسنة محمد صلى الله عليه وسلم في الصلاة ثم النحر، وهو القائل: "إن أولَ ما نبدأُ به في يومنا هذا: نُصلي ثم نرجعُ فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سُنتنا، ومن ذبح قبلُ فإنما هو لحمٌ قدّمه لأهله، ليس من النُّسكِ في شيء".

قال بعض العلماء: "ويشترط في الأضحية ألا تُذبحَ إلا بعد طلوع الشمسِ من يوم العيد، ويمر من الوقتِ قدر ما يُصلى العيد ويصح ذبحها بعد ذلك في أي يوم من الأيام الثلاثةِ في ليل أو نهار، ويخرج الوقت بانقضاء هذه الأيام".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحج:36-37].

 

 

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبدهُ ورسوله إمامُ المتقين وسيدُ ولدِ آدم أجمعين..

اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين.

معاشر المسلمين : من السنة أن يذبح الإنسان أضحيته بنفسه رجلاً كان أو امرأة، وتقول حال الذبح: بسم الله والله أكبر اللهم هذا عن فلان –ويسمي نفسه ومن أشركهم في أضحيته- فعل ذلك رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.

فإن كان لا يُحسن الذبحَ فليشهده ويحضره –إن كان حاضراً- و ينيب عنه من يذبحها له إن كان مسافراً.

ومن السنة شحذ المدية، وإضجاعُ الذبيحة على شقها الأيسر ويضع الذابحُ رجله اليمنى على عنقها، مستقبلاً بها القبلة ويسمي ويكبر،ويقول: اللهم منك وإليك اللهم تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك، قال ابن تيمية يرحمه الله: "ومن أضجعها على شقها الأيمن وجعل رجله اليسرى على عنقها فهو جاهل بالسنة، مُعذبٌ لنفسه وللحيوان" .

أما الإبلُ فالسنة نحرها قائمة معقولةً يدُها اليسرى قائمةً على ما بقي من قوائمها، ومن أضجعها خالف السنة أخرج البخاريُ ومسلم وأبو داود عن زياد بن جبير قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها، فقال ابعثها قياماً مقيدة، فهذه سنةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

ومن السنة كذلك أن يأكل منها ويهدي ويتصدق.. قال العلماء: ولا يجوز بيعها ولا بيع جلدها، ولا يُعطى الجزار من لحمها شيئاً كأجرٍ، وله يكافئه نظير عمله.

عباد الله تأكدوا –في ضحاياكم وهديكم- من السِّن المجزئ في الأضاحي والهدي. ويجزئ من الإبل ما له خمسة سنين، ومن البقرة ما له سنتان، ومن المعز ما له سنة ومن الضأن ما له سنة أو ستةُ أشهر –على خلاف بين الأئمة-.

واحذروا من العيوب المانعة من الإجراء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراءُ البيَّن عورُها والمريضة بينٌ مرضها، والعرجاء بين ضلعها، والكسيرة التي لا تُنقي" –وفي رواية: "العجفاء التي لا تُنقي".

قال البراء –راوي الحديث- قلتُ: فإني أكرهُ أن يكون في السن نقص؟ قال: ما كرهتَ فدعه ولا تُحرمه على أحد.

ألحق أهلُ العلم بذلك: العضباءُ التي ذهب أكثرُ أذنها أو قرنها، والهتماء التي ذهب ثناياها من أصلها والعصفاء وهي ما انكسر غلاف قرنها، والعمياء، والتولاء –وهي التي تدور في المرعى ولا ترعى- والجرباء التي كثر جربها.

عباد الله –كلوا واشكروا ربكم حيث أغناكم وهيأ لكم ما تذبحون وتأكلون وسخرها لكم واستحضروا تقوى الله فلن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم.. فإن فقه العبادات في الإسلام مطلبٌ وقليل من الناس من يتفطن لذلك.. كما أن القليل من عباد الله الشكور.

ومن شكر الله ذكرهُ في هذه الأيام الفاضلة وعدم التجاوز على حدود الله، فقد قال عليه الصلاة والسلام عن أيام التشريق: "أيام أكل وشرب وذكر لله" وهنا فائدتان: الأولى كما قال ابن رجب رحمه الله: وفي هذا الحديث إشارةٌ إلى أن الأكلَ والشربَ في أيام العيد إنما يُستعان بها على ذكر الله وطاعتهِ، وذلك من تمام شكر النعمة.. فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله، وبدلها كفراً وهو جديرٌ أن يُسلبها كما قيل:
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله فشكرُ الإلهُ يزيل النقم

الفائدة الثانية: إنه لا يجوز التطوعُ بصيام أيام التشريق لأنها أعيادُ أهل الإسلام، كما ورد في الحديث: "يوم عرفة ويومُ النحرِ، وأيام التشريق عيدُنا أهل الإسلام".

اللهم هيء للمسلمين حجهم، وتقبل من الصائمين والمضحين والمتقربين إلى الله أعمالهم آمين.

 

 

 

 


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي