الحمد لله، حمدًا طيبًا مباركا فيه الذي أعاننا على الصيام والقيام والدعاء والقرآن والصدقات في شهر رمضان. فوالله ما صمنا إلا بتوفيق الله، وما قمنا إلا بتوفيق الله، وما دعونا وتصدقنا وقرأنا القرآن إلا بتوفيق الله، فلله الحمد أولاً وآخراً. نعم، يا عبد الله، إنّ صيامك لرمضان نعمة ربانية تستحق شكر الكريم سبحانه، إنّ قيامك وطاعاتك رزق من الكريم –سبحانه- تستحق الشكر والحمد والثناء الحسن، فكم من المسلمين الخاسرين وكم من الكافرين الهالكين الذي حُرموا من الصيام والقيام وفعل الطاعات في شهر رمضان المبارك، شهر البركات!!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
عباد الله: أول آية نقرأها، ونودع من خلالها شهر رمضان المبارك، هي قول ربنا الكريم سبحانه وتعالى: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) [الأعراف: 43].
نعم، نودع رمضان، ونحن نقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله.
الحمد لله، حمداً طيباً مباركاً فيه الذي أحيانا فأدركنا شهر رمضان كاملاً.
الحمد لله، حمداً طيباً مباركاً فيه الذي أكرَمنا فعبدْناه سبحانه في رمضان.
الحمد لله، حمدًا طيبًا مباركا فيه الذي أعاننا على الصيام والقيام والدعاء والقرآن والصدقات في شهر رمضان. فوالله ما صمنا إلا بتوفيق الله، وما قمنا إلا بتوفيق الله، وما دعونا وتصدقنا وقرأنا القرآن إلا بتوفيق الله، فلله الحمد أولاً وآخراً.
نعم، يا عبد الله، إنّ صيامك لرمضان نعمة ربانية تستحق شكر الكريم سبحانه، إنّ قيامك وطاعاتك رزق من الكريم –سبحانه- تستحق الشكر والحمد والثناء الحسن، فكم من المسلمين الخاسرين وكم من الكافرين الهالكين الذي حُرموا من الصيام والقيام وفعل الطاعات في شهر رمضان المبارك، شهر البركات!!
أيها المؤمن: إن حمدك لله –تعالى-، وشكرك له سبحانه وثناءك عليه، هو من أعظم العبودية لله تعالى، هو من فقه أسماء الله الحسنى: الكريم والرزاق وواسع الفضل والرحمن الرحيم، هو من استشعارك لفضل الله عليك وعطائه الجزيل لك، فليس من الإيمان أن يقتصر حمدنا لله وشكرنا لله واستشعارنا لفضل الله فقط حينما نحصل على الرزق المادي، بل الرزق الإيماني ورزق الطاعات من أعظم الرزق الرباني الذي يستحق منا الحمد والشكر والثناء الحسن، والاستشعار القلبي بفضل الله.
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا وَإِذَا رَأَى مَا يَسُرُّهُ، قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ". فالحمد لله على نعمة شهود الشهر، وعلى نعمة الصحة والقدرة فيه على فعل الطاعات، فكم من مريض مُنع الصيام؟! وكم من عليل مُنع القيام؟! وكم من مثبور هالك حرم الصيام والقيام؟!
ألم تعلم، يا أيها الإنسان، أنّ من صور عذاب الله للعبد الحرمان من الطاعة، والحرمان من فعل الخير، قال تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران: 180]، وقال تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) [التوبة: 127]. فيا رزاق زدنا من رزق الطاعات، ولا تعذبنا بحرماننا من فعل الصالحات.
عباد الله: ثاني آية نقرأها، ونودع من خلالها شهر رمضان المبارك، هي قول ربنا الكريم سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 60].
قال ابن كثير: "قوله: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) أي: يعطون العطاء وهم خائفون ألا يتقبل منهم؛ لخوفهم أن يكونوا قد قصَّروا في القيام بشروط الإعطاء. وهذا من باب الإشفاق والاحتياط، كما روى أحمد: عن عائشة؛ أنها قالت: يا رسول الله، (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: "لا يا بنت أبي بكر، يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، وهو يخاف الله عز وجل".
وفي رواية الترمذي، قال: "لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم".
وقال السعدي: "(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا) أي: يعطون من أنفسهم مما أمروا به، ما آتوا من كل ما يقدرون عليه، من صلاة، وزكاة، وحج، وصدقة، وغير ذلك، (و) مع هذا (قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أي: خائفة (أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) أي: خائفة عند عرض أعمالها عليه، والوقوف بين يديه، أن تكون أعمالهم غير منجية من عذاب الله، لعلمهم بربهم، وما يستحقه من أصناف العبادات".
فالمؤمن العارف بالله وحقوقه مهما قدم من الخيرات ومهما يعمل من الصالحات فإنه يستشعر النقص في جنب الله والوفاء بحقوقه وأداء العبادات على الوجه المطلوب، ويبقى على حال من الخوف ألا يقبل الله تعالى منه، رغم رجائه الكبير بالله تعالى، وهذا هو دأب الصالحين والعارفين بالله تعالى، قال الحسن البصري: "إن المؤمن جمع إيماناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً".
عباد الله: فنحن نودع شهر رمضان وما حملناه من طاعات ونحن خائفون وجلون أن لا يتقبل الله تعالى منا لما قد يعتري أعمالنا من النقص والقصور، ولأن الوفاء بحق الله تعالى في أداء العبادات وإعطائها حقها أمر لا يعلم حقيقته إلا الله، ونحن لا نخاف قنوطًا ولا إساءة ظن بالله تعالى بل نخاف ونوجل تعظيمًا لمقام الله تعالى، وإجلالاً لمقام العبودية، وتقصيرًا منا بأداء الله حقه في عبادتنا، وتواضعًا منا في جنب الله العظيم.
عباد الله: ثالث آية نقرأها، ونودع من خلالها شهر رمضان المبارك، هي قول ربنا الكريم سبحانه وتعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
قال ابن كثير: "أي: بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا، فإنه أولى ما يفرحون به، (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) أي: من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة. لما قُدم خراجُ العراق إلى عمر -رضي الله عنه- خرج عُمَرُ ومولى له فجعل عمر يعد الإبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: الحمد لله تعالى، ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته. فقال عمر: كذبت. ليس هذا، هو الذي يقول الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) وهذا مما يجمعون".
وقال الشوكاني: "وتكرير الباء في برحمته للدلالة على أن كل واحد من الفضل والرحمة سبب مستقلّ في الفرح، والفرح: هو اللذة في القلب بسبب إدراك المطلوب، وقد ذمّ الله سبحانه الفرح في مواطن كقوله: (لاَ تَفْرَحْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين) [القصص: 76]- وهو فرح الكبر وفرح الغرور- وجوّزه في قوله: (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُم اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) [آل عمران : 170] وكما في هذه الآية".
وقال صاحب المنار: "(هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) أَيْ: أَنَّ الْفَرَحَ بِفَضْلِهِ وَبِرَحْمَتِهِ أَفْضَلُ وَأَنْفَعُ لَهُمْ مِمَّا يَجْمَعُونَهُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ وَسَائِرِ مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، مَعَ فَقْدِهِمَا لَا لِأَنَّهُ سَبَبُ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ، الْمُفَضَّلَةِ عَلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ".
فيا عبد الله: يا أيها العابد: مَنْ حقّك: يا مَن صمت رمضان، ويا مَن قمت رمضان، ويا مَن أكثرت مَن فعل الخيرات في رمضان، من حقّك أن تفرح وأن تُسَرّ بذلك: فرحًا مشروعًا وسرورًا مباركًا، فهذا والله هو من فضل الله عليك وهذه هي رحمته لك، وهذه هي والله أسباب الفرح الدائم والباقي المستمر دنيا وآخرة.
وأما ذاك البعيد الذي أفطر وتنكب طريق الصالحات فليس له إلا الحزن والذم والخزي بعد انقضاء رمضان، ليس له إلا الحسرة والندم والخيبة، وما ينتظره من الله في الآخرة من العذاب والحساب فهو أكبر، قال تعالى: (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ) [الرعد: 34].
عباد الله: رابع آية نقرأها، ونودع من خلالها شهر رمضان المبارك، هي قول ربنا الكريم سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
قال ابن كثير: "في البخاري عن سالم بن عبد الله بن عمر: "اليقين: الموت". والدليل على ذلك قوله تعالى إخبارًا عن أهل النار أنهم قالوا: (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) [المدثر: 43-47]".
وقال السعدي: "(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) أي: الموت أي: استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى الله بأنواع العبادات".
(واعبد ربك حتى يأتيك اليقين): هو أمر إلهي لكل مسلم أن يعبد الله حتى يتوفاه الله، أن تستغرق العبادة جميع مراحل عمره، ففي الحديث: "خيركم من طال عمره وحسن عمله".
(واعبد ربك حتى يأتيك اليقين): ولم يقل ربك سبحانه حتى يأتيك شوال. فلا نريد منك، أيها المؤمن بالله، بعد رمضان أن تودع رمضان وتودع معه العبادات لله العظيم، فهذه الآية حجة عليك حتى موتك، فودِّع رمضان وأنت تقول له كما عبدت ربي سبحانه فيك يا رمضان سأستمر بعبادة ربي سبحانه بعدك يا رمضان؛ لأن الله أمرني أن أعبده قبل رمضان وفي رمضان وبعد رمضان، فقال لي آية عظيمة، وأمرني فيها بأمر جليل: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) أي: الموت. سمعنا وأطعنا يا ربنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
عباد الله: وفقنا الله –تعالى- لحمده على نعمة رمضان، ونعمة الطاعات فيه، ووفقنا للاستمرار في فعل الخيرات والدوام على عمل الصالحات، فالعبودية لله تعالى هي غاية خلق الله تعالى لنا، وهي غاية في حقنا قائمة ما أقام الله الأرواح في أجسادنا.
اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي