جهاد الشيطان

سعد بن تركي الخثلان
عناصر الخطبة
  1. قصد العداوة بين الشيطان وآدم عليه السلام .
  2. وسوسة الشيطان للإنسان .
  3. معرفة الشيطان لمواطن الضعف عند الإنسان .
  4. مداخل الشيطان لإضلال الإنسان .
  5. مراتب وخطوات إضلال الشيطان للإنسان .
  6. وسائل الوقاية من الشيطان والتحرز منه .

اقتباس

لقد جعل الله -تعالى- كيد الشيطان على بني آدم جعله منحصرًا في شيء واحد فقط وهو الوسوسة، فليس له سلطان على ابن آدم إلا بالوسوسة فقط، فالشيطان يوسوس للإنسان، ويزين له المعصية، ويهونها عليه، ويثبطه عن الطاعة، ويكسله عنها، لكنه ..

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي حذرنا من الشيطان، وأمرنا أن نتخذه عدوا، أحمده -تعالى- وأشكره حمدا وشكرا كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله -تعالى- بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى من اتبع سنته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3].

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4].

(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق:5].

عباد الله: كان الحديث في خطبة الجمعة الماضية عن جهاد النفس، ذكرنا أن جهاد النفس، وجهاد الشيطان من أشق الجهاد وأصعبه، وأن جهاد أعداء الله في الخارج فرع عن هذا الجهاد، وجرى الحديث عن أهمية جهاد النفس ومكانته وحقيقته، وحاجة الإنسان إليه، وأهمية معرفة الإنسان بأحوال النفوس.

ونستكمل الحديث عن هذا النوع من الجهاد بالحديث عن جهاد الشيطان، وقبل ذلك لا بد أن نستحضر أن عداوة الشيطان للإنسان قديمة تبدأ مع بداية خلق أبينا آدم أب البشر، فإن الله -تعالى- لما خلق آدم وصوره، ونفخ فيه من روحه، وأظهر شرفه على الملائكة، أظهر الله -تعالى- شرف أبينا آدم بالعلم، غار منه الشيطان، ودب إليه داء الحسد، كيف يُفضل هذا الذي خلق من طين علينا؟! ثم أمر الله -تعالى- الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا كلهم إلا إبليس (فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [البقرة:34].

(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) [الأعراف:11-13].

وبعد ذلك سأل الله -تعالى- أن يُنْظِره إلى يوم القيامة ليتمكن من إغواء ما يستطيع من بني آدم حتى يدخلوا معه النار: (قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأعراف:14-18].

وبعد ذلك أمر الله -تعالى- آدم وزوجه حواء أن يسكنا الجنة، وأن يأكلا منها حيث شاءا، ونهاهما عن شجرة واحدة، ابتلاءً وامتحانًا لهما: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأعراف:19].

وأخبرهم الله -تعالى- بأن الشيطان عدو لهما فلا يخرجنهما من الجنة فيشقيان: (إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) [طه:117].

ولكن ما زال بهما عدو الله اللعين الشيطان الرجيم، ما زال بآدم وزوجه يوسوس لهما، ويأتيهما بطرق ماكرة لم يأت إليهما، لم يأت إليهما، ويقول مباشرة: كُلا من الشجرة، ولو قال ذلك لما أطاعه، لكنه جاءهما بطريق خبيث ماكر: (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) [الأعراف:20].

فأتاهما من جهة الحرص والطمع، ولم يكتف بهذا، بل أقسم بالله العظيم، وحلف لهما بأنه ناصح لهما: (وَقَاسَمَهُمَا) أي أقسم لهما بالله: (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف: 21] قال قتادة: "فحلف لهما بالله حتى خدعهما" فقال لهما: إني قد خلقت قبلكما وأنا أعلم منكما: (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ) [الأعراف:22].

عند ذلك أكلا من الشجرة، وماذا كانت النتيجة؟ في حين أن أكلا من الشجرة بدت لهما سوءاتهما، أي انكشفت عوراتهم، السوءة هي: العورة، وسميت السوءة: عورة، وتسمى العورة: سوءة؛ لأنه يسوء صاحبها كشفها، فلما انكشفت عوراتهما جعلا يأخذان من ورق الجنة ويلصقانه ويلصقانه ويرقعانه عليهما ليسترا به عوراتهما.

سبحان الله! ما أعظم شؤم المعصية، بينما هما في الجنة يتنعمان، ويقال لهما: (وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا) [البقرة: 35] إذا هما بعد المعصية يطلبان ورق الجنة ليسترا به عوراتهما.

ثم انظر إلى مسارعة آدم وزوجه إلى ستر عورتهما بأوراق الجنة، وهذا يدل على أن الحياء من انكشاف العورة أمر مركوز في فطرة الإنسان، فهما قد بادرا إلى ستر عوراتهما من حيث من حين زوال الساتر لهما بدافع فطري، وبهذا يتبين أن الذين يرون أن العري وكشف السوءات تحررا وجمالا؛ إنما هم أقوام فسدت فطرهم، وانطمست معالم إنسانيتهم، إذ أن الفطرة السليمة تنفر من انكشاف السوءة، وتحرص على سترها ومواراتها: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ) [الأعراف: 22].

عند ذاك ندِما ندما عظيما، وجعلا يبكيان بكاءً عظيمًا، ولم يعرفا كيف يتوبا: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) [البقرة:37] يقولها مع الندم، فيتوب الله عليه وعلى زوجه، وهذه الكلمات هي: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23].

وهي أعظم كلمات يقولها التائب، أعظم ما يقوله التائب أن يأتي بهذه الكلمات التي تلقاها أبونا آدم، يقولها فيتوب الله عليه: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) [الأعراف:23-24].

فأهبط الله -تعالى- آدم وزوجه إلى الأرض، وقد هيأ هذا الكوكب، هيأه لعيش الإنسان عليه قبل إهباط أبينا آدم وحواء، هيأ الله -تعالى- هذا الكوكب فأهبطهم الله -عز وجل- إلى الأرض، وأهبط معهم الشيطان، وأخبر بأنه عدو لهما ولذريتهما من بعدهما، ولهذا قال عز وجل: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا) [الأعراف:27].

عباد الله: لقد جعل الله -تعالى- كيد الشيطان على بني آدم جعله منحصرًا في شيء واحد فقط وهو الوسوسة، فليس له سلطان على ابن آدم إلا بالوسوسة فقط، فالشيطان يوسوس للإنسان، ويزين له المعصية، ويهونها عليه، ويثبطه عن الطاعة، ويكسله عنها، لكنه لا يجبر الإنسان على الوقوع في المعصية، فليس الشيطان يكبل الإنسان بالحديد ثم يدفعه للمعصية، لا، لكنه يوسوس ويزين ويقبل على الإنسان بخيله ورجله، ويعد ويمني، ويستخدم هذه الأساليب الماكرة التي استخدمها مع أبي البشر آدم وزوجه حينما أوقعهما في المعصية، ولهذا قال عز وجل: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [إبراهيم:22].

عباد الله: وإن الشيطان يعرف مواطن الضعف عند كل إنسان، وينفذ إليه من مواطن الضعف عنده، وله خطوات على ابن آدم حتى يوقعه في المعصية، فهو لا يأتي الإنسان ويقول له: لا تصلّ! وإنما يقول: انتظر قليلا قليلا! فافعل كذا! وافعل كذا! حتى تفوته صلاة مع الجماعة، ثم لا يزال به حتى يخرج وقتها إن استطاع ذلك مع الإنسان.

وهو لا يقول: افعل الزنا! وإنما يأتيه بخطوات حتى يوقعه في الزنا، كما قيل: "نظرة فابتسامة فموعد فلقاء" ولهذا قال عز وجل: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) [البقرة:168].

فالشيطان له خطوات على بن آدم حتى يوقعه في المعصية، وحتى يثبطه عن الطاعة، حري بالعاقل الذي يريد السعادة في الدنيا والآخرة أن يحذر هذا العدو اللعين، أن يحذره غاية الحذر، وأن يجاهده أشد المجاهدة، وأن يستحضر دائما بأن هذا الشيطان كان هو السبب في إخراج أبينا آدم من الجنة، وأنه ما سأل الله -تعالى- أن ينظره إلى يوم القيامة إلا أن يتمكن من إغواء ما يستطيع من بني آدم حتى يدخلوا معه النار.

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "جهاد الشيطان مرتبتان: إحداهما: جهاده على دفع ما يلقى إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان، والثانية: جهاده على دفع ما يلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، فالجهاد الأول يكون بعده اليقين، والثاني: يكون بعده الصبر، قال عز وجل: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24] هذا الصبر يدفع الشهوات، وباليقين يدفع الشكوك والشبهات".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 5 - 6].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولنساء المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسمليا كثيرا.

أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

عباد الله: إنَّ مداخل الشيطان على بن آدم كثيرة ومتنوعة، وإن تبين هذه المداخل أمر من الأهمية بمكان من أجل النظر في سبيل الخلاص والنجاة من هذا العدو الذي جعله الله -تعالى- عدوا للإنسان، وأمر باتخاذه عدوا: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر:6].

عباد الله: وإن مداخل الشيطان تأتي من قبل صفات الإنسان، فلئن كان الشيطان خرج من الجنة بالحسد، فإن آدم خرج منها كما يقول أهل العلم بالحرص والطمع، وتتم خطوات الشيطان التي يستدرج بها ابن آدم حتى يتخذه معبودا له من دون الله، كما قال عز وجل: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [يس:60].

وقال إبراهيم لأبيه: (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا) [مريم: 44].

نعم قد يكون الإنسان عبدًا للشيطان إذا أسلم له القيادة، وأفلت الزمام لشهواته: (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) [الحج:3-4].

ويأتي من بعد الكفر مسالك أخرى: من الابتداع في دين الله -عز وجل- عن طريق القول على الله بغير علم، فالقول على الله بغير علم هو خطوة من خطوات الشيطان، يقول الله -عز وجل-: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:168-169].

فالقول على الله بغير علم هو الأصل في إفساد العقائد، وتحريف الشرائع، ويخشى من ذلك على أقوام يخوضون في علوم لا يحسنونها، ويتجرأون على فتاوى لا يحيطون بها.

وتأتي خطوات الشيطان من بعد ذلك في أحوال النفوس وطبائعها، فالبخل وخوف الفقر سلاح شيطاني يقول فيه سفيان الثوري -رحمه الله-: "ليس للشيطان سلاح ليس للشيطان سلاح مثل خوف الفقر، فإذا وقع في قلب الإنسان منع الحق، وتكلم بالهوى، وظن بربه ظن السوء".

وأصدق من ذلك وأبلغ قول الله -عز وجل-: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا) [البقرة: 268].

ومن مواطن الضعف لدى الإنسان التي يستغلها الشيطان: الغضب، فإن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب بني آدم، فيضعف الإنسان عند الغضب ضعفًا شديدًا فيتكلم ويتصرف بما لا يليق وبما يندم عليه فيما بعد، استبّ رجلان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحدهما قد احمر وجه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد" [البخاري: 5650].

وأما الأماني والغرور، فذلكم هو السلاح الشيطاني المضَّاء: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء: 120].

يعدهم هذا الغّرار، يعدهم بحسب طبائعهم، يجرهم إلى حبائله بحسب ميولهم ومشتهياتهم، يخوف الأغنياء من الفقر إذا هم تصدقوا وأحسنوا، كما يزين لهم الغنى وألوان الثرى بالوسائل المحرمة.

وإن من أعظم مداخل الشيطان على الإنسان: فضول الكلام والنظر، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وأكثر المعاصي إنما تتولد من فضول الكلام والنظر، وهما أوسع مداخل الشيطان، فإن جارحتهما لا يكلان وليس يسئمان، بخلاف شهوة البطن فإنه إذا امتلأ لم يبق فيه إرادة للطعام، وأما العين واللسان فلو تركا لم يفترا من النظر والكلام، فجنايتهما متسعة الأطراف كثيرة الشعب عظيمة الآفات".

عباد الله: هذه عداوة الشيطان للإنسان، وقد أمرنا الله -تعالى- باتخاذه عدوا، وأن نستحضر هذه العداوة له، وأخبرنا سبحانه بأنه يرانا هو وقبيله من حيث لا نراه، فالشيطان وذريته يرون بني آدم، وينفذ الشيطان إلى بن آدم عن طريق الوسوسة يعده ويمنيه ويقبل عليه بخيله ورجله، ويزين له المعاصي، ويثبطه عن الطاعات، لكن كيده انحصر، لكن كيده منحصر على ابن آدم بالوسوسة، ولهذا سماه الله -تعالى-: بالوسواس الخناس.

وإن من أعظم ما يُتقى به الشيطان وما يذهب به الشيطان: ما أرشدنا إليه ربنا -عز وجل- في قوله: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: 200].

فينبغي للمسلم أن يكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كلما وسوس له الشيطان، كلما وجد وسوسة فليقل: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

إذا وجد شكوكًا وشبهًا تدور في رأسه، فليعلم بأنها من الشيطان، وليقل: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

إذا تواردت عليه الهموم والأحزان، فليعرف بأنها من إيحاء الشيطان؛ لأن الشيطان يحب إدخال الحزن على المسلم: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [المجادلة: 10] فليقل: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

كلما نزغه نزغ، وكلما ترآت أتته وساوس، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم.

وجرب هذا من نفسك إذا تواردت عليك الوساوس والأفكار، قل: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" تجد أنها تنقشع مباشرة، وتذهب هذه الوساوس والأفكار مباشرة في نفس اللحظة، حتى في الصلاة إذا عرض لك الشيطان بالوساوس فقل: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" سواءً أكنت في القيام أو في الركوع أو في السجود، أو في أي موضع من مواضع الصلاة.

وهذه استعاذة بالله من الشيطان ولا تضر وليست هي من جنس كلام بني آدم الممنوع في الصلاة، ويدل لهذا ما جاء في صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله إن الشيطان قد لبس علي صلاتي حتى لا أدري ما أقول؟" أي أنه وسوس له إلى هذه الدرجة حتى أصبح لا يدري ما يقول، فأرشده النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى علاج عظيم، فعله هذا الصحابي فذهبت عن هذه الوسائل، قال: "ذاك شيطان يقال له: خِنزَب، فإذا وجدته فاستعذ بالله منه" قال عثمان: "ففعلت ذلك فأذهبه الله عني" [مسلم: 5868].

إذا وجدت الوساوس فقل: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" سواء أكنت داخل الصلاة أو خارجها: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأعراف: 200].

ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن صحابته أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكان، اللهم اخذل من خذل دين الإسلام في كل مكان يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في جميع البلدان، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم هيئ للأمة الإسلامية أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم أعنا على ذكرك وعلى شكرك، وعلى حسن عبادتك.

اللهم أدم علينا نعمة الأمن والاستقرار والرخاء، ورغد العيش والوحدة، واجتماع الكلمة، واجعلها عونا لنا على طاعتك ومرضاتك، واجعلنا لنعمك وآلائك شاكرين، اللهم واجعلنا لنعمك وآلائك شاكرين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكره إذا نسي، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، وللمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180 - 182].


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي