أحاط هذه العلاقة بسياج من العفة والحشمة والطهر والأدب، جعلها مكرمة معظمة مقدسة محترمة، لتكون هذه العلاقة نواة لأسرة مسلمة صالحة تعبد الله -سبحانه وتعالى-، وتكون هذه الأسرة نواة لمجتمع مسلم، ليكون...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد:
أيها المسلمون -عباد الله-: روى الإمام البخاري في صحيحه عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ، فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا.
وَنِكَاحٌ آخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا -أي من حيضها- أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ -أي يطلب من زوجته أن ترسل إلى رجل ليعاشرها- وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ -يرسل إلى رجل شجاع أو إلى رجل ذكي ونحو ذلك ليعاشر زوجته حتى يأتيه ولد ذكي شجاع كهذا الرجل- فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ.
وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا تَقُولُ لَهُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ -أي أنكم كلكم قد أصابها- وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ -تختار واحد منهم على مزاجها وبحسب ما تريد- تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ.
وَنِكَاحُ الرَّابِعِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ -أي علامات- تَكُونُ عَلَمًا فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمْ الْقَافَةَ -أي الذين يلحقون الأولاد بآبائهم من خلال النظر في الشبه بين هذا الولد وبين أبيه- ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ.
تقول عائشة -رضي الله عنها-: "فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ".
هذا الحديث -أيها الأحباب- وهذا الخبر من عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- يعطينا صورة عما كان عليه أهل الجاهلية من الفوضى الأخلاقية والضياع والتخبط في الأنساب، وانحراف مفهوم الزواج، والغاية منه.
صار المقصود عندهم فقط مجرد إفراغ الشهوة لا أكثر ولا أقل، وليس لهم مقصود في هذا النكاح إلا أن يفرغ الواحد شهوته، ويحصل ولدا، ثم بعد ذلك فليكن ما كان.
كان هذا مفهومهم حتى صاروا أشبه بالحيوانات التي لا هم لها ولا غاية لها إلا أن ترضي نزاعاتها ورغباتها، وتسكن شهواتها، حتى جاء الإسلام فغير هذه المفاهيم، وقوم هذا الاعوجاج والانحراف، وأعاد للإنسان إنسانيته وكرامته، وأعاد النظر في العلاقة بين الذكر والأنثى، ونظم هذه العلاقة بنظام فريد عظيم تميز به هذا الدين.
أحاط هذه العلاقة بسياج من العفة والحشمة والطهر والأدب، جعلها مكرمة معظمة مقدسة محترمة، لتكون هذه العلاقة نواة لأسرة مسلمة صالحة تعبد الله -سبحانه وتعالى-، وتكون هذه الأسرة نواة لمجتمع مسلم ليكون هذا المجتمع هو أساس بناء الأمة المسلمة التي تعبد ربها -سبحانه وتعالى-.
ومن تأمل في الشريعة الإسلامية يجد أن هذه العلاقة، وأن الأسرة في الإسلام قد عظمت وفخمت وأعطيت لها مكانة، ومنزلة عظيمة.
ولهذا -أيها الأحباب- من أول لحظات تأسيس الأسرة لم يسمح الإسلام بأن يكون حال الإنسان كحال الحيوان يمشي في الشارع فيلقي أنثى فتهب له نفسها فيعاشرها، ويقضي منها وطره وحاجته، لم يرض أن يكون هذا هو أسلوب تكوين هذه العلاقة، بل جعل لهذا التأسيس آدابا، وجعل له أحكاما، وجعل له ضوابط حتى تعطي الإنسان استشعارا بأهمية هذه العلاقة، وبأهمية هذه الأسرة.
أمر الرجل إن أراد المرأة أن يأتي البيت من بابه، أن يأتي إلى أهلها ويخطبها من وليها ولا يتجرأ ويتجاوز الحدود، فيخاطبها مباشرة، بل لابد من أن يأتي من الباب ويستأذن من الأهل، ويخطبها من الولي، ليشعر بأهمية هذه العلاقة، وأنه مقدم على أمر عظيم، فإذا اقتنع بهذه المرأة ورغب فيها، فإنه بعد ذلك يعقد عليها.
وهنا يأخذ عليه العهد والميثاق الغليظ؛ كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء: 21].
سمى الله -سبحانه وتعالى- عقد الزواج: بالميثاق الغليظ، ليس هذا فحسب، بل أمر أن يكون هذا الميثاق بإشراف الولي مباشرة، وليس هذا فحسب، بل أمر أن يكون بحضور الشهود، ليكون أمراً مشهودا معلنا لا خفاء فيه ولا سر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "أيما امرأة نكحت دون إذن وليها فنكاحها باطل".
وليس هذا فحسب، بل أمره الله -سبحانه وتعالى- أن يدفع مهرا ليستشعر أهمية هذا الموضوع، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) [النساء: 4].
وقال سبحانه وتعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) [النساء: 24].
(فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ) [النساء: 11] أمرا مشروعا مأمورا به من عند الله -سبحانه وتعالى-، وهذا كله لا يتم إلا بموافقة المرأة وأخذ ابنها، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر" [رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه-].
هذه الإجراءات كلها -أيها الأحباب- عند تأسيس الأسرة، وانظروا إلى هذا التعظيم والتأكيد والتشديد حتى لا تأسس هذه الأسرة، ولا تبنى هذه العلاقة إلا على أساس متين واضح، وعلى رابط قوي محكم.
ثم إذا بنيت هذه الأسرة، فهناك حقوق وهناك واجبات لابد من الالتزام بها، فليست القضية أن يأخذ الرجل امرأة ليقض منها وطره وحاجته، بل هناك حقوق مترتبة على هذا، وهناك واجبات لابد من أدائها، لابد للرجل أن يعاشر زوجته بالمعروف، وأن ينفق عليها، وأن يكفيها حاجتها، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].
وقال جل وعلا: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34].
ويجب على الرجل أن يحفظ سر زوجته، وأن يصون عرضها، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن من شر الناس عند الله منزلة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها" يفضحها ويتكلم بما لم يطلع عليه أحد من الناس إلا هو، هذا من شرار الناس عند الله -سبحانه وتعالى- يوم القيامة.
وفي المقابل كذلك يجب على المرأة أن تطيع زوجها، وأن تحفظه في بيته، وأن تصونه في عرضه، وأن تحفظ عليه ماله، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما روى ذلك عبد الرحمن بن عوف عنه قال صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت".
وهذه الحقوق -أيها الأحباب- كلها المقصود منها تأكيد هذه العلاقة.
المقصود منها تحقيق التماسك في الأسرة.
المقصود منها توثيق هذه الروابط حتى تبقى هذه الأسرة متكاملة متماسكة مترابطة، وهذا فيما بين الزوجين، وليس هذا فحسب، بل كذلك الأولاد؛ لأن الأسرة عبارة عن زوجين وأولاد، فأمر الأولاد بطاعة آبائهم، وبرهم، والإحسان إليهم، والامتثال لأوامرهم، وعدم الخروج والتمرد عليهم، في القرآن في غير موضع: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23].
وأمر الآباء بأن يحسنوا إلى أولادهم، ويقوموا برعايتهم، ويوفروا لهم حاجياتهم، قال صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول".
وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته".
وليس هذا فقط على مستوى الأسرة المحدودة، بل حتى على المستوى الأوسع من ذلك أمر تعالى بصلة الأرحام، الأعمام والعمات والأخوال والخالات، وغير ذلك من الأقارب، أمر بصلتهم، والإحسان إليهم، يقول تعالى في الحديث القدسي: "يقول الله -سبحانه وتعالى- أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته".
حتى تبقى هذه الأسرة متماسكة على المستوى الداخلي، وحتى على ما هو أوسع من هذا، بل حتى ليس على مدى الحياة، بل إلى ما بعد الموت يبقى هذا الرابط وتبقى هذه العلاقة.
الإسلام لم يجعل هذه العلاقة تنتهي بمجرد الموت، بل بقي أو جعل هناك أمورا تترتب بعد الموت بناء على هذه العلاقة، وهناك الميراث الذي يرثه الأقارب يرثه الأهل الأقربون من الميت، وهناك كذلك صلة رحم الميت، فإذا مات الأب أو ماتت الأم لم تنقطع الصلة بأرحامهم، روى أبو أسيد الساعدي: أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما بهما بعد موتهما؟" فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما".
قال العلماء: "صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما التي تكون من جهتهما، فمن جهة الأب هناك الأعمام، ومن جهة الأم هناك الأخوال، فلا تنقطع الصلة بالأعمام والأخوال بمجرد موت الأب أو الأم، بل تبقى هذه الصلة، ويكون هذا من بر الوالدين".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين وكفى بالله شهيدا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد:
أيها الأحباب الكرام: هذه لمحات سريعة تبين كيف أن الإسلام حرص على أن تكون الأسرة متماسكة، وأن تكون مترابطة، وأن تكون العلاقة بين أفرادها محكمة متينة، ولا يدخلها شيء من التفكك ولا الاضطراب؛ لأن الأسرة -أيها الأحباب- هي اللبنة الأولى لبناء المجتمع، وهي الأساس الأول لوجود المجتمع، وبصلاح الأسرة يكون صلاح المجتمع، وبترابطها وتماسكها يكون ترابط المجتمع وتماسكه، وبقدر ما يحصل فيها من التفكك، وبقدر ما يحصل فيها من الاضطراب، يحصل هذا التفكك والاضطراب في المجتمع، فصلاحها صلاح للمجتمع، وفسادها فساد للمجتمع.
ولهذا -أيها الأحباب- إذا تفككت الأسرة، وحصلت الاضطرابات فيها، وانحدرت العلاقة بين أفرادها؛ نتج من ذلك مشاكل خطيرة جدا، وبعضها قد يستعصي على الحل، ولا يمكن علاجه أبداً.
من هذه الأمراض والمشاكل: الأمراض النفسية التي تحصل للأولاد من جراء هذه الاضطراب، ومن جراء هذا التفكك والخلافات الأسرية، فينشأ هؤلاء الأولاد وقد حملوا بأمراض وعقد نفسية ربما لا يستطيعون التخلص منها إلى أن يموتوا.
بل حتى الزوجات الرجل والمرأة يعانيان من هذه المشاكل، وتصيبهما بأمراض نفسية، وتصيبهما بمتاعب نفسية بسبب المشاكل والخلافات الدائمة المستمرة.
ولا شك أن المجتمع إذا وجدت فيه هذه الأمراض النفسية، فإنه ستكون لها أثر نفسية خطيرة جدا عليها.
من آثار ونتائج هذا التفكك -أيها الأحباب-: سوء التربية الذي أصبح اليوم ظاهرة متفشية، ونذير شؤم، يهدد مستقبل البلاد، ويهدد مستقبل الأمة إن نشأت الأجيال على غير تربية صحيحة، على غير استقامة وصلاح.
ومن أهم أسباب سوء التربية: التفكك الأسري، من المظاهر والمشاهد المتكررة أن تحصل مشكلة لأحد الأولاد يفعل خطأ أو نحو ذلك، فيذهب أحد الناس ليشتكي بهذا الولد عند أهله، فلا يجد من يشتكي عنده، الأب غير موجود، والأم تلقي المسئولية على الأب، والإخوان كل واحد منهم في واد، والأعمام كل واحد مشغول بنفسه، فلا يجد الشخص ما يخاطبه في شأن هذا الولد، فيدرك أن هذا الولد هو ضحية من ضحايا هذا التفكك الذي يعيشه كثيرا من الأسر.
كذلك أيضا -أيها الأحباب- من النتائج السيئة التي تترتب على تفكك الأسر: وقوع بعض أفراد الأسرة في أنواع من الجرائم كالسرقة والنصب والاحتيال، بل وتعاطي المخدرات، وترويج المخدرات، بل ربما وصل الحال إلى الوقوع في الرذيلة، وممارسة الفواحش، بل ربما يصل الأمر إلى أن يحول البيت إلى وكر من أواكر الدعارة والتعاطي المخدرة.
وهذا نسمعه، نسمع من هذه الأخبار الشيء الكثير، والسبب أن الأسرة قد تفككت الأب غير حاضر مسافر غير موجود، أو أنه موجود بجسده لكن روحه ليس مع أولاده، أو أن المرأة مطلقة تعيش في بيت مع أولادها، ليس لها كافل ولا معيل، ولا هناك من يتفقد أحوالها، فتسلك سبيل الجريمة، وتسلك طريق الرذيلة، وربما جرت معها أولادها وأدخلتهم في هذا الطريق.
وهذه الظاهرة -أيها الأحباب- تزداد يوما بعد يوم، وتتفشى في مجتمعاتنا يوما بعد يوم.
من نتائج هذا التفكك -أيها الأحباب- أنه يؤثر على قيم ومبادئ المجتمع التي حرص الإسلام على ترسيخها؛ كالمحبة والتواصل والتعاون والإخاء، ومساعدة المحتاج، هذه المعاني كلها تهدم حين ينشأ ولد في أسرة مفككة، فلا يجد من يصلحه أو يعاونه أو يسانده أو يسعى في إصلاح حال أسرته، فيصب جام غضبه ولومه وعتابه على المجتمع الذي في ظنه أنه خذله، وخذل أسرته، حتى وصلت إلى هذا الحال فينشأ وقد حمل في قلبه حقدا وكراهية على الناس، ويكبر متمردا على قيم هذا المجتمع ومبادئه وأخلاقه.
وهذا نراه -أيها الأحباب-، هذا نشاهده في كثير ممن نشئوا في أسر مفككة يغلب عليهم التمرد، ويغلب عليهم العدوانية والكراهية، وحمل البغضاء والشحناء لسائر أفراد المجتمع.
هذه -أيها الأحباب- بعض آثار ونتائج تفكك الأسر، والأمر أعظم من هذا وأشد وأخطر من هذا.
ولأن هذه الظاهرة -أيها الأحباب- خطيرة جدا ومؤثرة جدا في الحاضر والمستقبل، فإن لنا حديثا آخر عنها نتحدث عن هذا التفكك عن مظاهره وعن أسبابه، وعن كيفية علاجه.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يصلح أحوالنا كلها.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي