في حياتنا ألوانٌ من المتاعب، وفي ساعاتنا تجري أحزانٌ وأقدارٌ مؤلمة، هذا في مالهِ، وهذا في نفسهِ، وهذا في أسرتهِ، وهذا في وظيفتهِ، وهذا في والديه، كل ذلك مما تتألمُ به النفس، وربما أصابها قلقٌ كبير، وحزنٌ عظيم. حينها لا بد أن نتذاكر فضائلَ الصبر، ونتجول في بساتينهِ، فنقول: الصبر هو حبس النفسِ عن الجزع، وحبسُ اللسان عن التشكّي.
الحمد لله الذي يحبُّ الصابرين، وجعلَ البشارةَ لهم فقال: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة:155]، الحمد لله الذي جعل للصابرين معية خاصةً، فقال: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:153].
والصلاةُ والسلامُ على سيد الصابرين، الذي صبر على أعظم المتاعب والمصائب، فكان أنموذجاً مميزاً في الصبر، فصلوات ربي وسلامه عليه.
أما بعد: معاشر المسلمين، في حياتنا ألوانٌ من المتاعب، وفي ساعاتنا تجري أحزانٌ وأقدارٌ مؤلمة، هذا في مالهِ، وهذا في نفسهِ، وهذا في أسرتهِ، وهذا في وظيفتهِ، وهذا في والديه، كل ذلك مما تتألمُ به النفس، وربما أصابها قلقٌ كبير، وحزنٌ عظيم.
حينها لا بد أن نتذاكر فضائلَ الصبر، ونتجول في بساتينهِ، فنقول: الصبر هو حبس النفسِ عن الجزع، وحبسُ اللسان عن التشكّي.
الصبر زادٌ لكل داعيةٍ إلى الله -تعالى-، فهو منهج الأنبياء والرسل الذين ذاقوا مرارة الحياة في سبيل تبليغ دين الله، فتأمل كيف صبر نوح خمسين وتسعمائة سنة وهو يدعو قومه للتوحيد، ومع ذلك لم يؤمن معه إلا قليل!.
ثم انظر في سيرةِ الخليلِ إبراهيم كيف صبرَ على مجادلةِ قومهِ المشركين، وكيف صبر على معاندةِ والدهِ له، وكيف صبر على محاولةِ إحراقهِ بالنار، وكيف صبر على الهجرةِ من بلاده لبلادٍ أخرى، وكيف صبرَ على هجرتهِ لمكة وبناء الكعبة؛ إنها دروسٌ في الصبرِ الكبير لكلِ من سارَ في طريقِ الدعوةِ والإصلاح.
ثم تعال لموسى -عليه السلام- وصبرهِ على أذى فرعون وعناده وجبروته، وصبر موسى على بني إسرائيل وضعفِ دينهمِ وكثرةِ مجادلتهم.
ثم انظر في صبرِ نبينا -صلى الله عليه وسلم- على فقد والديه في صغره، وصبره على فقدِ عمه بعدما ناصره، ثم صبره على فقدهِ لزوجته خديجة، ثم صبره على رفض المشركينَ لدعوته، ثم صبره على تعذيبِ أصحابهِ أمامه، ثم صبره على رحلته للطائف، وما وجد من الطرد والرجم بالحجارة؛ دروسٌ كبرى وقصصٌ عظمى في الصبرِ والثباتِ على حملِ هذا الدين وتبليغه للناس.
إن في حياةِ الأنبياء وصبرهم دروسا للدعاة والمصلحين على مر التاريخ، ولذا قال ربنا: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف:35].
أيها الكرام: ما أجمل الصبر حينما يدخل لبيوتنا! فيصبرُ الوالدان على الأولادِ والبنات، يصبرون على جهلهم، وعلى سوءِ الخلق منهم، وعلى ضعف العلم والتعليم، وغير تلك الصور التي تحتاج للصبر.
ما أحلى الصبر على تلك الزوجة التي ربما جهلت عليك أو قصرت في حقك، أو غلبت غيَرتها عقلَها!.
إن لم تصبر أيها الزوج على زوجتك فسوفَ تتخذ القرار بردّاتِ فعلٍ قد لا تكونُ حكيمة؛ بل ربما نزل الطلاق في بيتكم بسببِ ضعفِ صبرك، ولكن لا يُفهم من هذا الكلام أن نسكت عن إيجادِ حلولٍ لأخطاءِ الزوجة.
بل لا بدَّ من مناصحتها، والسعي في تصحيحِ ما بدرَ منها، وإدخال طرفٍ من أهلها إن استدعى الأمر ذلك.
ونقول لكل زوجة: اصبري على زوجك، ولا تتضجري من وضعه المالي، أو الوظيفي، وساعديه على متاعب الحياة.
إنك لتتعجب من بعض الأخوات في خلقِها مع زوجها، مللٌ وسوءُ أدبٍ في العشرة بسببِ قلةِ صبرها على زوجها، بل وجدنا زوجات تطالبُ بالطلاقِ عند أدنى خلاف، وعلى أتفه الأسباب!.
عجيبةٌ هذه المرأة! أين الصبرُ الذي يحميها من ألمِ الطلاق، ويحمي أولادها من جحيمِ الضياعِ والفراقِ، الذي ينتج بسببِ ضعفِ صبرها؟.
وفي نفسِ الوقت نخاطبُ كلَ زوج يمارس السلوكياتِ الخاطئة: لا يصح -أخي الكريم- أن تستمر على عيوبك وجهلك على زوجتك بحجةِ أنه لا بد أن تصبر عليك! بل اتق الله، وعاشرها بالمعروف، واحرص على تأدية حقوقها.
ومن صورِ الصبر: الصبرُ على الوالدينِ، وخاصةً عند الكبر، (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) [الإسراء:23].
أيها الابن: أعلمُ أنك ربما واجهت عتاباً من والديك وربما أساءا إليك، ولكن اصبر عليهما فلقد تعبا كثيراً لأجلك، وأبشر بالثواب الكبير من ربك -جل وعلا-.
عباد الله: ما أروع الصبر على القيام بالعبادات على وجهها الشرعي! فاصبر -يا عبد الله- على القيامِ لصلاةِ الفجر، وعلى الصلاة في الجماعة وفي أول الوقت.
أوما سمعتَ بقصة ذلك الأعمى الذي يمشي لبيوتِ الله ويصبرُ على ما ينتابُ طريقه من المعوقات؟ هل سمعتَ بقصةِ ذلك الذي يحضرُ للمسجدِ بعربيةٍ كهربائية، وأنتَ تفرط فيها مع أنك معافى البدن؟ فهل عرفت الفرق بينك وبينه؟ إنه الصبر والصدق في عبادة الله.
أيها الكرام: كم نحن بحاجةٍ للصبر حينما تتزينُ الشهواتُ لنا! تلك القنوات تبث الصور والأفلام التي تُذهبُ بجمالِ دينك وتدنس عفافك، وفي جوالك ربما بدأتَ تُفتن بالمشاهداتِ عبر اليوتيوب لبعض المحرمات. يا أخي، أين الصبر عن المعاصي؟ لماذا لا تجاهد نفسك وتمنعها من ذلك؟ قال -تعالى-: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات:40-41].
إنك لتتعجب ممن يسافر لأجلِ تلك الشهوات، ويبذلُ ماله في سبيلِ شهوةِ ساعة ربما أورثت عليه حزناً طويلاً! كم من شهوةٍ جرّت على صاحبها مرضَ الإيدز ثم بدأ يبحثُ عن العلاجِ هنا وهناك!.
يا عبد الله، احذر من مقدمات المعاصي، قال -تعالى-: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) [البقرة:208]، إنها خطوات، ومقدمات، ونوافذ، ربما كانت سهلة في بداياتها؛ ولكنها جروحٌ كبرى في نهاياتها.
إن صبرك عن الشهوات خيرٌ من صبرك على العذابِ الذي ربما نزل بك يوم القيامة، فحينها: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات:35-36]، (فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا) [الأعراف:51].
إن لحظةً في نار جهنم ستنسيك كل ساعات المعاصي التي عشتها، فكن خائفاً من عذاب الله -تعالى-.
أيها الكرام، وهناك صبر على فقد الولد والبنت، مهجة الفؤاد، يا ترى؛ كيف تصبرُ على رحيلهم من حياتك؟ كيف تقدرُ على أن تدفنهم بيدك بعدما كنتَ تلاعبهم بيدك؟ نعم، يمكننا أن نصبر حينما نعرف فضل الصبر على فقدهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ولد العبد قال الله -تعالى- لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول الله -تعالى-: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد" رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
وفي مستدرك الحاكم بسند صحيح أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال لرجلٍ مات ابنه: "أما يسرك أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟" فقال رجل: أله خاصة أو لكلنا؟ قال: "بل لكلكم".
معاشر المسلمين: وما أجمل الصبر في سبيل التعلم وكسب الشهادات وترقي المناصب! الصبرُ فيها يبلغكَ منازل الناجحين، ويصعدُ بك لسلمِ المتميزين.
وحينما تتأملُ في قصصِ الناجحين من العلماءِ والخبراءِ وغيرِهم تجد أنهم تجرعوا مرارة الصبر في البدايات، ولكنهم الآن في روضات العلم والمعرفة والحظوظ.
اللهم أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا يا رب العالمين...
الحمد لله..
معاشر الصابرين: هناك، وفي مجال رزقك، اصبر يا عبد الله، واعلم -بارك الله فيك- أنك مأجورٌ على كل قطرة عرق تصيبك في طريق رزقك، (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) [الملك:15] .
وطلبُ الرزق يحتاجُ لصبرٍ كبير، وضدُّ ذلك الكسل الذي ربما ينتابُ البعض حتى تفوتهُ فرصُ العملِ وأبوابُ النجاح، ثم تراهُ في مؤخرةِ الركب، وربما فاتت عليه مصالحُ دنيوية كثيرة، وتراهُ بعد زمن يسألُ الناسَ أموالَهم بسببِ تخلفهِ عن الكمالات، وما ذاك إلا بكسلهِ عن السعي في الرزق.
يا أيها المحب: قم مبكراً لعملك، وانفض غبارك، واجتهد في وظيفتك، وارم بالكسل جانباً لكي تسير في ركب الناجحين، لعلك تحظى بأرزاق الله، (وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [الجمعة:11].
إن الطيور تحلقُ في السماءِ بحثاً عن رزقها وتصبرُ على ما يعترضها، وتلك النملةُ تزاحم طريقَ الحياةِ لتجلب لها ولبني جنسها بعض القوت، وأنت نائم على فراش الكسل والبطالة! هيا! قم والبس ثياب الصبر، وانهض لطريق الجد، وسوف تصل بإذن الله.
ومن صور الصبر: الصبر على الأمراض التي تنزل بنا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا مرض حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه".
ومن ذلك الصبرُ على مرضِ السحرِ والعين، والثقةُ بالله في رفع ذلك البلاء، والحذر من الذهاب للسحرة والمشعوذين الذين يضرونك ولا ينفعونك، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أتى عرافاً وسأله وصدّقه فقد كفر بما أنزل على محمد".
فيا أيها المصاب: لا تتعلق إلا بالله، واصبر على قدر الله الذي نزل بك، وابحث عن الأدوية المباحة، واحرص على الرقية الشرعية؛ لعل الله أن يكشف عنك ما أصابك.
يا أيها المريض: لقد ابتلي نبيُ الله أيوب بمرضٍ طال معه نحو ثلاثة عشر عاماً، ولكنه كان من الصابرين، فجاءت الآيات تزكي صبره: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص:44]، فكن صبوراً على البلاء، واقفاً عنده بحسن الأدب.
اللهم ارزقنا الصبر على طاعتك، وعن معصيتك، اللهم أفرغ علينا صبراً لنثبت عند نزول البلاء بنا.
اللهم فرج هموم إخواننا في كل مكان، يا رب أنت العليم بهمومهم وأحزانهم، فيا رب رفقاً بهم ولطفاً بهم.
اللهم انصر من نصر الدين، اللهم انتقم من الظالمين والمفسدين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي