عمل المسلم في اليوم والليلة

سلطان بن عبد الله العمري
عناصر الخطبة
  1. من أعمال المسلم الذاكر في اليوم والليلة .
  2. الأدلة عليها من الكتاب والسنة .
  3. بيان فضل بعضها .

اقتباس

في كل يوم وليلة هناك أعمال صالحة، بعضها واجب وبعضها مستحب، والمؤمن ينافس غيره في زيادة رصيد الحسنات، كما قال -تعالى-: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين:26]. وفي هذا اليوم سوف نتجول في عملك -أيها المسلم- في اليوم والليلة لنقف عليها بأدلتها، ونرى منهج نبينا -صلى الله عليه وسلم- فيها؛ لعلنا أن تقتبس من نوره.

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي يحب العابدين الصادقين، والصلاة والسلام على سيد العابدين وقدوة الصادقين.

أما بعد: في كل يوم وليلة هناك أعمال صالحة، بعضها واجب وبعضها مستحب، والمؤمن ينافس غيره في زيادة رصيد الحسنات، كما قال -تعالى-: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين:26].

وفي هذا اليوم سوف نتجول في عملك -أيها المسلم- في اليوم والليلة لنقف عليها بأدلتها، ونرى منهج نبينا -صلى الله عليه وسلم- فيها؛ لعلنا أن تقتبس من نوره.

يبدأ كل يوم بصلاة الفجر، فحينما تسمع الأذان انهض مباشرة واحذر من نزغات الشيطان التي تدعوك للكسل عن الصلاة.

وتوضأ وأحسن وضوءك تكن خطواتك للمسجد إحداها تكتب لك حسنة والأخرى تمحو عنك سيئة.

وأنت تمشي إلى بيت الله تذكر أن الله يراك وقد تركت نومك وفراشك لأجله -تبارك وتعالى- لتناجيه وتقف بين يديه.

وعند دخولك المسجد قدم رجلك اليمنى وقل دعاء الدخول: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك" رواه مسلم. وقل: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم" رواه أبو داود بسند صحيح.

وهناك سنة راتبة بين الأذان والإقامة، وهي ركعتان فقط، ومما ورد في فضلها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما عليها" رواه البخاري. فيا عجباً أن تكون ركعتان فقط خيرا من الدنيا وشهواتها وأموالها وزينتها! نعم، إنها الحسنات التي يحبها الرحمن. وإذا كان هذا فضل سنة الفجر، فما بالكم بصلاة الفجر؟!.

والسنة أن تقرأ في الركعة الأولى سورة الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد. رواه مسلم. والسنة تخفيفها.

ومن فاتته سنة الفجر قبل الصلاة فيجوز له أن يصليها بعد صلاة الفجر، أو بعد طلوع الشمس.

أخي المسلم: إن لصلاة الفجر فضائل عديدة، ومنها أنها الصلاة التي تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار، كما قال -تعالى-: (وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودَاً) [الكهف:]. رواه البخاري.

ومن فضائل صلاة الفجر أن "مَن صلى البردين دخل الجنة" رواه البخاري، والبردان هما الفجر والعصر.  ومنها أن "من صلى الفجر فهو في ذمة الله" رواه مسلم.

ومن أدلة أهمية صلاة الفجر أن الصحابة كانوا يرون أن التخلف عنها من علامات النفاق، كما قال ابن مسعود: "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق".

أخي المسلم: ثم بعد الفجر يستحب لك أن تبدأ صباحك بأذكار الصباح الواردة عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- التي تجعل قلبك يعيش في رياض الإيمان، (أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].

ومنها: "أَصْـبَحْنا وَأَصْـبَحَ المُـلْكُ لله وَالحَمدُ لله، لا إلهَ إلاّ اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لهُ، لهُ المُـلكُ ولهُ الحَمْـد، وهُوَ على كلّ شَيءٍ قدير، رَبِ أسْـأَلُـكَ خَـيرَ ما في هـذا اليوم وَخَـيرَ ما بَعْـدَه، وَأَعـوذُ بِكَ مِنْ شَـرِ ما في هـذا اليوم وَشَرِ ما بَعْـدَه، رَبِ أَعـوذ ُبِكَ مِنَ الْكَسَـلِ وَسـوءِ الْكِـبَر، رَبِ أَعـوذ ُبِكَ مِنْ عَـذابٍ في النّـارِ وَعَـذابٍ في القَـبْر" رواه مسلم.

ومن أذكار الصباح: "اللّهُـمَّ بِكَ أَصْـبَحْنا وَبِكَ أَمْسَـينا، وَبِكَ نَحْـيا وَبِكَ نَمُـوتُ وَإِلَـيْكَ النُّـشُور" رواه الترمذي.

ومن أذكار الصباح: "اللّهـمَّ أَنْتَ رَبِّـي لا إلهَ إلاّ أَنْتَ، خَلَقْتَنـي وَأَنا عَبْـدُك، وَأَنا عَلـى عَهْـدِكَ وَوَعْـدِكَ ما اسْتَـطَعْـت، أَعـوذُ بِكَ مِنْ شَـرِ ما صَنَـعْت، أَبـوءُ لَـكَ بِنِعْـمَتِـكَ عَلَـيَّ، وَأَبـوءُ بِذَنْـبي فَاغْفـِرْ لي فَإِنَّـهُ لا يَغْـفِرُ الذُّنـوبَ إِلاّ أَنْتَ" رواه البخاري.

واعلم أن من ثواب هذا الذكر أن من قاله موقناً به حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة، ومن قاله موقناً به حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة.

ومن أذكار الصباح: "اللّهُـمَّ إِنِّـي أَصْبَـحْتُ أُشْـهِدُك، وَأُشْـهِدُ حَمَلَـةَ عَـرْشِـك، وَمَلائِكَتَكَ وَجَمـيعَ خَلْـقِك، أَنَّـكَ أَنْـتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أَنْـتَ, وَحْـدَكَ لا شَريكَ لَـك، وَأَنَّ ُمُحَمّـداً عَبْـدُكَ وَرَسـولُـك". (أربع مرات). رواه أبو داود.

وبين الفجر والظهر وقت طويل لم يجعل الله فيه صلاة واجبة، قال العلماء: ليزداد شوقك للصلاة القادمة، وليكون لك وقت لقضاء أمورك وحاجاتك.

ولكن؛ جاءت النصوص بالحث على صلاة الضحى، وهي من السنن التي ورد فيها الثواب الكبير.

ومن فضل صلاة الضحى: روى مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها-، أنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ".

وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ".

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وأَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّهُ قَالَ: "ابْنَ آدَمَ، ارْكَعْ لِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَكْفِكَ آخِرَهُ" رواه الترمذي وصححه الألباني.

ويبدأ وقتها بعد طلوع الشمس بنحو ربع ساعة حتى قبيل الظهر بربع ساعة، وأقلها ركعتان، ولا حدّ لأكثرها.

فإذا أذّن لصلاة الظهر فيستحب لك صلاة أربع ركعات قبلها وركعتين بعدها، كما جاء في الحديث: "من صلى ثنتي عشرة ركعة بنى له الله بيتاً في الجنة"، ومنها أربعة قبل الظهر، وثنتان بعده.

يا عبد الله، لا تستعجل الخروج من المسجد بعد الصلوات، واعمر وقتك بالأذكار النبوية التي تقال بعد الصلاة ومنها: "استغفر الله"، تقولها ثلاثاً، "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".

ومن الأذكار بعد الصلوات: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر .كل واحدة ثلاثا وثلاثين مرة. ثم اقرأ آية الكرسي ثم المعوذات.

ثم اخرج من المسجد. وقل دعاء الخروج: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم إني أسألك من فضلك". رواه مسلم.

ثم بين الظهر والعصر ليس هناك عمل جاءت الشريعة بالحث عليه أو النهي عنه، ولكن جرت العادة بالقيلولة فيه، ويورد بعض العلماء حديث: "قيلوا فإن الشياطين لا تقيل" والحديث رواه أحمد وحسنه الألباني.

فإذا أذن العصر استحب لك صلاة أربع ركعات قبل الفريضة، وقد ورد فيها حديث حسنه بعضهم: "رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً" رواه ابن حبان.

وصلاة العصر لها مزية كبيرة في ديننا، قال -تعالى-: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) [البقرة:238]، والمراد بالوسطى هي العصر.

وجاء في الحديث: "مَن ترك صلاة العصر فقد حبط عمله" رواه البخاري. وهذا الحديث يمثل خطراً كبيراً عليك يا من تفرط في هذه الصلاة.

وفي الحديث الآخر: "الذي تفوته العصر كأنما وتر أهله وماله" رواه البخاري. والمعنى: من لم يصلها فكأنما فقد أهله وماله.

وإنه لوعيد شديد وتحذير بليغ في تعظيم صلاة العصر، وللأسف! ترى إهمالاً من بعض الناس في النوم عن صلاة العصر بحجة الإرهاق عند الرجوع من الدوام أو الدراسة.

وبعد صلاة العصر يبدأ وقت أذكار المساء، وهي نفس أذكار الصباح، ولكن تستبدل قول أصبحنا بـ "أمسينا".

فاحرص -بارك الله فيك- على الأذكار؛ لتكون في حفظ الله ورعايته، وعوّد أولادك وبناتك عليها؛ لتحيط بكم عناية الله.

وبعد العصر حتى غروب الشمس يعتبر من أوقات النهي التي لا يجوز فيها الصلاة مما ليس له سبب، وأما الصلوات التي لها سبب فتجوز في أوقات النهي، ومثال ذلك: صلاة الجنازة وصلاة الاستخارة، وركعتا الطواف، وسنة الوضوء، فيجوز فعل كل ذلك حتى في أوقات النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب.

ثم إذا غربت الشمس ارتفع صوت الأذان لصلاة المغرب، وبين الأذان والإقامة يستحب صلاة ركعتين؛ لما جاء في صحيح البخاري: "صَلُّوا قبل المغرب، صلُّوا قبل المغرب" رواه البخاري.

ثم بعد الانتهاء من صلاة المغرب يستحب لك صلاة ركعتين، وهي من ضمن السنن الرواتب التي كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحافظ عليها.

ثم بعد ذلك دخول وقت العشاء، اعلم أن من فضل صلاة العشاء ما جاء في هذه الأحاديث: قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله" رواه أبو داود بسند صحيح.

واعلم أن صلاة العشاء من الصلوات الثقيلة على المنافقين، كما في الحديث: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيمها لأتوهما ولو حبواً" رواه البخاري.

وبعد الفراغ من الصلاة يستحب لك صلاة ركعتين، وهي من السنن الرواتب.

اللهم حبب إلينا الإيمان، وزيِّنْهُ في قلوبنا، وارزقنا عبادتك آناء الليل وأطراف النهار.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي يوفق من يشاء لعبادته.

معاشر المسلمين: إن من أحب الأعمال إلى الله الصلاة في جوف الليل، صلاة الليل هي أفضل الصلوات بعد الفريضة، وصلاة الليل هي زاد المؤمن وراحته وجنته، قال -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) [الإنسان:26]، وقال -تبارك وتقدس-: (يَا أَيُّهَا الْمُزَمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلَاً) [المزمل:1-2]، وقال الله عن أهل الجنة: (كَانُوا قَلِيلَاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) [الذاريات:17]. "وكان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يقوم الليل حتى تفطرت قدماه" رواه البخاري.

فاحرص -يا عبد الله- على أن تصلي من الليل ركعات، سواء قبل نومك، أو حينما تستيقظ قبل الفجر. قال أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-: أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث، وذكر منها: "وأن أوتر قبل أن أنام" رواه البخاري.

ومن فضل صلاة الليل: قال -عليه الصلاة والسلام-: "عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله -تعالى-، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد" رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.

ومن عجيب صلاة الليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس" رواه الحاكم والبيهقي وحسنه الألباني.

واعلم أن القيام في آخر الليل له مزية كبيرة حيث ينزل الرب -تبارك وتعالى- إلى السماء الدنيا ويقول: "هل من داع فأستجيب له؟" رواه البخاري.

وصلاة الليل من أكبر أسباب انشراح الصدر ونور القلب، ولقد كان السلف يعتنون بها عنايةً كبيرة، يقول أحد الصالحين: "منذ أربعين سنة ما أحزنني إلا طلوع الفجر"، وقال آخر: "والله! لولا الليل؛ لما أحببت البقاء في الدنيا!".

ومن أراد قيام الليل فليراع هذه الأسباب الميسرة لقيام الليل: ألا يكثر الأكل والشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام، وألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه، وألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام، وألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل.

اللهم حبب إلينا صلاة الليل، واجعلنا من المداومين عليها. اللهم ارزقنا حلاوة مناجاتك ولذة الإقبال إليك.

اللهم كن لإخواننا المسلمين في جميع البلاد، يسر أمورهم، وفرج همومهم. اللهم وفق ولي أمرنا لنصرة المسلمين، وألبسه الصحة والعافية يا رب العالمين.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي