لماذا نحبهم؟

صالح بن مقبل العصيمي
عناصر الخطبة
  1. فضل الصحابة .
  2. أعظمهم قدرا .
  3. لماذا نحبهم؟ .

اقتباس

حَدِيثُنَا اليومَ عَنْ خِيَارِ هَذِهِ الأمةِ، وأفضلِهَا علَى الإطلاقِ، جيلٌ لا جيلَ مثلُهُ بالفضلِ والإحسانِ، لَا يُـخَالِفُ مسلِمٌ فِي أَنَّـهُمْ أَفضلُ خَلْقِ اللهِ بعدَ الأنبياءِ والرُّسُل، لَا يُـحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤمِنٌ، وَلَا يَبْغَضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ.

الْـخُطْبَةُ الأُولَى:

إنَّ الْـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. وَعَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ: حَدِيثُنَا اليومَ عَنْ خِيَارِ هَذِهِ الأمةِ، وأفضلِهَا علَى الإطلاقِ، جيلٌ لا جيلَ مثلُهُ بالفضلِ والإحسانِ، لَا يُـخَالِفُ مسلِمٌ فِي أَنَّـهُمْ أَفضلُ خَلْقِ اللهِ بعدَ الأنبياءِ والرُّسُل، لَا يُـحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤمِنٌ، وَلَا يَبْغَضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ.

وَأَجَلّ صَحْبِ الرُسْلِ صَحْبُ مُحَمَّدٍ *** وَكَذاكَ أَفضَلُ صَحْبِهِ العُمَرانِ

رَجُلانِ قَدْ خُلِقا لِنَصْرِ مُحَمَّدٍ *** بِدَمي وَنَفْسي ذانِكَ الرَّجُلانِ

لقدْ قَالَ اللهُ عَنهُمْ: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح:29]، فَيَا لَعِظَمِ هَذَا الوَصْفِ! شَهَادَةٌ مِنَ اللهِ لَـهُمْ بِأَنَّـهُمْ رُحَـمَاءُ بَينَهُمْ.

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

فَقَدْ بُعثَ النَّبِـيُّ، -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-، إِلَى النَّاسِ، فَانْقَسَمَ أَهْلُ زَمَانِهِ إِلَى أَقْسَامٍ، فَاخْتَارَ قَوْمٌ عَدَاوَتَهُ وَمُشَاقَّتَهُ، وَهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ وَغَيْـرُهُمْ، وَأَظْهَرَ قَوْمٌ مَـحَبَّتَهُ وَنُصْرَتَهُ، وَأَبْطَنُوا فِي سَرِيرَتِـهِمْ بُغْضَهُ وَعَدَاوَتَهُ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَاختَارَ قَوْمٌ الإِيـمَانَ بِهِ وَمَـحَبَّتَهُ وَنُصْرَتَهُ، وَفَدَوهُ بالأَنفُسِ والأموَالِ والأولَادِ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الصَّحْبِ الْكِرَامِ الْمَيَامِيـنِ الأَطْهَارِ.

حُبُّ الصَحابَةِ وَالقَرابَةِ سُنَّةٌ *** أَلْقى بِها رَبّي إِذا أَحياني

قُلْ خَيرَ قَوْلٍ في صَحابَةِ أَحمَد *** وامْدَحْ جَميعَ الآلِ وَالنِّسْوانِ

لَقَدِ اتَّـبَـعُـوا مُـحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- بِاختِيَارِهِمْ، وَانقَادُوا لَهُ بِرَغَبَاتِـهِمْ، وَانطَوَتْ قُلُوبُـهُمْ عَلَى مَـحَبَّتِهِ وَنُصْرَتِهِ؛ فَكَانُوا قُوَّةً مَعَهُ، سَاعَدَتْهُ عَلَى تَـجَاوُزِ الأَزَمَاتِ، وَرَدِّ كَيْدِ الأَعْدَاءِ، فَالسَّاعَاتُ الَّتِـي قَضَوْهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- هِيَ أَفْضَلُ سَاعَاتِ الدُّنْيَا.

لَقَدْ سَاهَـمُوا مَعَ النَّبِـيِّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- فِي بِنَاءِ أَسَاسِ الإِسْلَامِ، وَوَضْعِ قَوَاعِدِهِ، كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-، فَلَمُقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً، خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمُرَهُ" رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: "لَمَشْهَدٌ شَهِدَهُ رَجُلٌ يُغَبِّرُ فِيهِ وَجْهَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-، أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ وَلَوْ عُمِّرَ عُمُرَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ" رَوَاهُ أَحْـمَدُ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

وَيَكْفِي مِنْ فَضَائِلِهِمْ أَنَّـهُمْ هَجَرُوا الأَهْلَ وَالأَمْوَالَ وَالأَوْلَادَ، وَتَرَكُوا مُعْتَقَدَاتِـهِمُ الَّتِـي اِعْتَقَدُوهَا عَشَرَاتِ السِّنِيـنَ، وَوَرِثُوهَا كَابِرًا عَنْ كَابرٍ، مِنْ أَجْلِ الإِيـمَانِ بِهِ وَبِدَعْوَتِهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- وَاجْتَمَعُوا مَعَهُ فيِ الْمَدِينةِ، وَفَدَوهُ بِالأَروَاحِ، والأَمْوَالِ، والآبَاءِ، وَالأَجْدَادِ، وَالأَعْرَاضِ.

فَإنّ أبي وَوَالِدَهُ وَعِرْضي *** لعرضِ محمدٍ منكمْ وقاءُ

فَكَثَّرُوا سَوَادَهُ، وَقَهَرُوا بِشِدَّةِ مَـحَبَّتِهِمْ لَهُ الْمُلُوكَ وَزُعَمَاءَ وَرُؤَسَاءَ الْقَبَائِلِ فِي زَمَانِهِ، قَالَ عُرْوَةُ بنُ مَسْعُودٍ لِقَوْمِهِ: "فَوَاللَّهِ! مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

فَيَا لعِظَمِ هَؤُلَاءِ الأَصْحَابِ، وَعِظَمِ أَدَبِـهِمْ، وَتَوْقِيـرِهِمْ لِـخَلِيلِ رَبِّنَا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-! لَقَدْ نَشَرَ رُسُلُ وَجَوَاسِيسُ الْمُلُوكِ فِي الْعَالَـمِ لِمُلُوكِهِمْ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ؛ حَتَّـى قَوَيتْ هَيْبَتُهُ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- عِنْدَهُمْ، وَنَصَرَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ بِالرُّعْبِ، فَخَضَعَ لِقَوْلِهِ القَرِيبُ، وَهَابَهُ الْبَعِيدُ، فَبِانقِيَادِهِمْ له -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- انْقَادَتْ لَهُ أُمَمٌ، وَسَقَطَتْ بَيْـنَ يَدَيْهِ دُوُلٌ، وَفُتِحَتِ الْفُتُوحَاتُ.

أَسْلَمَتْ فِي عَصْرِهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- مَكَّةُ، وَالْمَدِينَةُ، وَنَـجْدُ، وَهَجَرٌ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَاليَمَنُ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- سَارَ الصَّحَابَةُ عَلَى نَـهْجِهِ؛ فَفَتَحُوا الْعِرَاقَ، وَخُرَاسَانَ، وَمِصْرَ، وَالشَّامَ، وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، كُلُّ هَذَا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، رِضْوَانُ اللهُ عَلَيْهِمْ.

وَخَيْـرُ هَؤُلَاءِ الأَصْحَابِ هُوَ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللُه َعَنْهُ- بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْـجَمَاعَةِ، حَيْثُ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِقَولِهِ: (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة:40].

صِدِّيقُ أَحمَدَ صاحِبُ الغارِ الَّذي *** هُوَ في المَغارَةِ وَالنَبيُّ اثنانِ

أَعْني أَبا بَكْرِ الَّذي لَم يَخْتَلِف *** مِن شَرْعِنا في فَضْلِهِ رَجُلانِ

هُوَ شَيخُ أَصْحابِ النَبيِّ وَخَيرُهُم *** وإمامُهُم حَقّاً بِلا بُطلانِ

وَيَلِيهِ بِالفَضْلِ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَى ابْنُ أَحْـمَدَ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّ عَلِيًّا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "لَا يُفَضِّلُنِي أَحَدٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا جَلَدْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي".

لَمّا قَضى صِدِّيقُ أَحمَدَ نَحْبَهُ *** دَفَعَ الخِلافَةَ للإِمامِ الثاني

أَعْني بِهِ الفاروقَ فَرَّقَ عنْوَةً *** بِالسَّيفِ بَينَ الكُفْرِ وَالإِيمانِ

هُوَ أظهَرَ الإِسلامَ بَعْدَ خَفائِهِ *** وَمَحا الظَلامَ وَباحَ بالكِتْمانِ

ثُـمَّ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، حَيْثُ اسْتَقَرَّ أَمْرُ السَّلَفِ وَالْمُسْلِمِيـنَ قَاطِبَةً عَلَى فَضْلِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛

وَمَضى وَخَلّى الأَمرَ شورى بَينَهُم *** في الأَمرِ فاجتَمَعوا عَلى عُثْمانِ

مَن كانَ يَسْهَرُ لَيلَهُ في رَكْعَةٍ *** وِتراً فَيُكْمِلُ خَتْمَةَ القُرآنِ

فَفَضْلُهُ مُتَوَاتِرٌ، هَاجَرَ الْـهِجْرَتَيْـنِ، وَزَوَّجَهُ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- بِابْنَتَيْهِ الْوَاحِدَةِ تِلْوَ الأُخْرَى، وَجَهَّزَ جَيْشُ الْعُسْرَةِ.

ثُـمَّ يَلِيهِ فِي الْفَضْلِ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَلَا يَسْبِقُهُ أَحَدٌ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ زَوْجُ فَاطِمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-: "أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي" رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ" رَوَاهُ أَحْـمَدُ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

وَلِيَ الخِلافَةَ صِهْرُ أَحمَدَ بَعدَهُ *** أعْني عَليَّ العالِمَ الرَبّاني

زَوْجَ البَتولِ أَخا الرَسولِ وَرُكْنَهُ *** لَيْثَ الحُروبِ مُنازِلَ الأَقْرانِ

جَعَلَنِـي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ المقبولِينَ، ونَفَعَنِـي وَإِيَّاكُمْ بِالقرآنِ العظيمِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْب فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْـخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ.

وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللهِ: ثُـمَّ يَأْتِي بَعْدَ الْـخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ بِالْفَضْلِ بَقِيَّةُ الْعَشَرَةِ، ثُـمَّ أَهْلُ بَدْرٍ، وَأَهْلُ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ، وَأَهْلُ بَيْعَةِ الشَّجَرَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100].

يَا لعِظَمِ مَا نَالَهُ الصَّحَابَةُ! فَطُوبَى لَـهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ؛ فَلَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح:18].

وَمِنْ فَضْلِهِمْ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ- أَنَّـهُمْ أَوَّلُ مَنْ يَـجُوزُ الصِّرَاطَ بَعْدَ مُـحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-، لِمَا ثَبَتَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عِنْدَمَا سُئِلَ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً؟ قَالَ: "فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ".

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُـحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْـرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ.

اللَّهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْـمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ احْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَـهْدِيًّــا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ.

الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْـمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي