الصلاة هي عمود الإسلام وركنه الأكبر، ورمز الإيمان.., وإذا أردت أن تقيس درجة الإيمان في مجتمع من المجتمعات الإسلامية فانظر أين هو من الصلاة. وبفضل الله -سبحانه وتعالى- هناك إقبال كبير على الصلاة وعلى المساجد وإن لم يكن هذا الإقبال وصل إلى الحد المطلوب فلا يزال الذين خارج المساجد في أوقات الصلاة أكثر من الذين هم داخل المساجد، ولكن هذا الإقبال طيِّب يبشر بخير عظيم بإذن الله -عز وجل-. ومع هذا الإقبال على الصلاة وعلى المساجد إلا أن هناك بعض الأخطاء التي يقع فيها الكثير من المصلين...
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد أيها المسلمون عباد الله: افترض الله -سبحانه وتعالى- على عباده فرائض كثيرة وأوجب عليهم واجبات متنوعة؛ فمنها عبادات وواجبات بدنية، ومنها عبادات وواجبات مالية، ومنها عبادات وواجبات قولية، ومنها ما يجمع بين هذا كله.
وعلى رأس هذه الواجبات والفرائض وفي أعلى هرم هذه العبادات بعد الشهادتين مباشرة تأتي الصلاة التي هي أوجب الواجبات وأعظم الفرائض.
الصلاة التي هي عمود الإسلام وركنه الأكبر، ورمز الإيمان وشعار التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى-.
الصلاة التي يتميز بها المسلم عن غيره، قال -صلى الله عليه وسلم-: "بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر".
الصلاة التي من حافظ علها وداوم عليها في أوقاتها كانت لها نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة يوم القيامة، ويأتي يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف، والعياذ بالله.
وإذا أردت أن تقيس درجة الإيمان في مجتمع من المجتمعات الإسلامية فانظر أين هو من الصلاة، وما هي منزلتها ودرجتها عند أفراد هذا المجتمع وأبنائه.
وبفضل الله -سبحانه وتعالى- هناك إقبال كبير على الصلاة وعلى المساجد وإن لم يكن هذا الإقبال وصل إلى الحد المطلوب فلا يزال الذين خارج المساجد في أوقات الصلاة أكثر من الذين هم داخل المساجد، ولكن هذا الإقبال طيِّب يبشر بخير عظيم بإذن الله -عز وجل-.
ومع هذا الإقبال على الصلاة وعلى المساجد إلا أن هناك بعض الأخطاء التي يقع فيها الكثير من المصلين، وهذه الأخطاء منها ما هو مؤثر يؤدي إلى بطلان الصلاة، ويؤدي إلى فسادها فيذهب تعب المصلي وعمله بلا فائدة، ومن هنا وجب التنبيه على هذه الأخطاء حتى تُعرَف وتُجتَنَب.
من أهم الأخطاء -أيها الأحباب- أن كثيرًا من الناس يصلون ويؤدون هذه العبادة العظيمة بناء على أشياء تعلموها من هنا أو هناك وبناء على اجتهادات شخصية، وهذا غير صحيح، فالصلاة عبادة من العبادات، والعبادة لا تؤدَّى إلا كما يريدها الذي افترضها وهو الله -سبحانه وتعالى- بحسب ما بيَّنه في كتابه الكريم، وبحسب ما بيَّنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته الشريفة.
و"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، هكذا يقول محمد -صلى الله عليه وسلم-، فليس أداء الصلاة بحسب رغبات الإنسان أو بحسب ذوقه ومزاجه، أو بحسب ما يناسبه وما لا يناسبه، هناك شروط محددة وهناك أركان معينة وهناك موانع لا بد من اجتنابها وهناك سنن وآداب يستحب الإتيان بها، وكل هذا مفصَّل في كتاب الله وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على وجه الخصوص.
نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال لنا وأمرنا قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، فلم يجعل أمر الصلاة موكلاً إلى الناس بل أمرهم بالاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، وصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقصروا في هذا الأمر، بل نقلوا إلينا صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتفصيل، ونقلوا لنا أدق الأفعال والأقوال التي كان يفعلها، ويقولها نبينا -صلى الله عليه وسلم- في صلاته، حتى كيف كان يضع أصبعه إلى أيّ جهة، وماذا كان يقول في هذه اللحظة، وكيف كان يهوي إلى السجود، وكيف كان يرفع، وغير ذلك من التفاصيل كلها مبينة بأحاديث كثيرة منقولة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فليس على المسلم إلا أن يقرأ هذه الأحاديث، وأن يتعلم صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما نقلها الصحابة الكرام فيصليها كما صلاها محمَّد -صلى الله عليه وسلم-.
من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها كثيرٌ من المصلين عدم الاهتمام بإسباغ الوضوء وإكماله وإتمامه، فلربما جاء الرجل متأخرًا مسرعًا متعجلاً يريد إدراك الإمام أو إدراك الصلاة فيتوضأ وضوءًا سريعًا يهمل فيه بعض أجزاء الوضوء فلا يغسلها بالماء فيؤدي هذا إلى فساد وضوئه، ومن ثَم يؤدي إلى فساد صلاته.
النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر سافره مع أصحابه رأى أصحابه يتوضئون وقد تركوا أعقابهم لم يغسلوها بالماء فنادى -صلى الله عليه وسلم- وصاح بأعلى صوته، وقال "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ"
قال العلماء: "إنما قال "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ" لأن الأعقاب إذا لم تُغسَل بطل الوضوء، وإذا بطل الوضوء بطلت الصلاة ولم تصح عند ذلك".
كذلك أيضًا ربما انتقل الواحد من استخدام الماء والتوضؤ بالماء إلى التيمم بالتراب دون أن يكون معذورًا في هذا عذرًا حقيقًا، وهذا يقع فيه التساهل عند كثير من الناس يظن بعض الناس أن الإنسان إذا كان مريضًا مثلاً أنه يجوز له أن يتيمم بالتراب في أي حال من الأحوال مع أن التيمم بالتراب لا يكون إلا عند العجز على استخدام الماء أو عند التضرر باستخدام الماء.
قد يكون الشخص مريضًا نعم، ولكنه لا يتضرر من استخدام الماء فيلزمه أن يتوضأ به ولا ينتقل إلى التراب وإلا كانت طهارته غير صحيحة، وكانت صلاته غير صحيحة.
من الأخطاء الشائعة في الصلاة: التساهل في موضوع ستر العورة، وهذا يقع عند بعض الناس خصوصًا الشباب فبعض الشباب يلبسون سراويل تؤدي إلى انكشاف العورة عند الركوع والسجود، وهذه من أسباب الموضات التي يتابعها الشباب دون تفكر أو نظر فيها، فيؤدي هذا اللبس القصير إلى انكشاف العورة في الصلاة ويؤدي ذلك بالتبع إلى بطلان الصلاة.
والواجب على المسلم أن يستر في صلاته ما بين سرته وركبته، فإذا انكشف شيء من ذلك خاصة إذا كان عن تعمد أو تساهل؛ فإن هذا يؤدي إلى بطلان الصلاة، والله -عز وجل- يقول: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف: 31].
والزينة هنا المقصود بها الثياب التي يحصل بها تغطية وستر العورة.
ومن الأخطاء الشائعة كذلك في الصلاة: تقديم الصلاة على وقتها، أو تأخيرها عن وقتها، وعدم الانضباط بالمواعيد والمواقيت المحددة لها والله –تعالى- يقول في كتابه الكريم: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء:103]، أي لها أوقات محددة وأوقات معينة لا تقبل الصلاة إلا في هذه الأوقات التي حددها وعينها لنا ربنا -سبحانه وتعالى-.
نزل جبريل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فعلمه هذه المواقيت، وعلمها النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه الكرام وهم نقلوها إلينا.
ولكل صلاة وقت ابتداء، ولكل صلاة وقت انتهاء، فلا يجوز أن تُقَدَّم قبل وقتها، ولا يجوز أن تُؤَخَّر بعد وقتها إلا إذا كان الإنسان معذورًا عذرًا شرعيًّا صحيحًا يبيح له أن يؤخر الصلاة أو أن يقدمها.
والتساهل في هذا أيها الأحباب يقع كثيرًا عند الناس، بعض الطلاب أحيانًا يريدون أن يدركوا، ولكن وقت الصلاة يكون في وقت الدروس أو المحاضرة فيتعجلون ويؤدون الصلاة قبل وقتها قبل أن يؤذن المؤذن لها عن حسن نية وإرادة لإدراك الصلاة، ولكنهم بهذا الفعل لا يكونون مدركين لها، بل صلاتهم في هذا الحال باطلة غير صحيحة.
وبعض الناس على العكس يتساهل في الأمر، ويقول: الوقت ما زال ممتدًا، والوقت ما زال طويلاً، وإذا خرج وقت الظهر صليتها مع العصر، وإذا خرج وقت المغرب صليتها مع العشاء ويجمع الناس بين الصلوات لأعذار لا يصح أن تعتبر أعذرًا عند الله -سبحانه وتعالى-.
البعض يجمع لأجل أن يشاهد فيلمًا أو مباراة، والبعض يجمع لأجل القات، والبعض يجمع لأجل عمل ليس بالأمر الضروري، ولا يترتب عليه ذهاب نفس أو مال أو نحو ذلك، وهذا من التساهل الذي يؤدي إلى بطلان الصلاة وإلى فسادها.
كل صلاة يستمر وقتها إلى دخول الصلاة التي تليها باستثناء صلاة الفجر، فإن وقتها لا يمتد إلى الظهر، وإنما يستمر إلى طلوع الشمس فإذا طلعت الشمس خرج وقت الفجر، ويستحب ويطلب من كل مسلم أن يعجل ويبادر لأداء الصلاة في وقتها وقت الفضيلة فإذا أخرها عن هذا الوقت كره له ذلك، وإذا بالغ في تأخيرها حتى يضيق الوقت في أدائها كلها فإنه يصير بهذا آثما عند الله -سبحانه وتعالى- إذا لم يكن له عذر شرعي في هذا التأخير.
من الأخطاء كذلك أيها الأحباب: عدم التفريق بين الجمع والقصر فبعض الناس يظن أن الجمع والقصر لا بد أن يكون متلازمين، وهذا ليس بصحيح فقد يجمع الإنسان بين الصلاتين دون أن يقصر الصلاة، وقد يقصر الصلاة دون أن يجمعها مع غيرها فالجمع هو أن يؤدي المسلم الصلاتين في وقت واحدة منهما إما تقديمًا أو تأخيرًا، ولا يكون هذا إلا بالظهر مع العصر أو المغرب مع العشاء.
أما العصر مع المغرب فلا يصح أن تجمع والفجر لا يصح أن تجمع مع أي صلاة لا قبلها ولا بعدها.
هذا هو المقصود بالجمع بين الصلوات، وهذا يجوز أن يفعلها المسلم إذا كان معذورًا بسفر أو كان مريضًا يشق عليه أن يؤدي كل صلاة في وقتها، أو كان في حالة مطر يصعب معه الخروج إلى المسجد فيجمع أهل المسجد الصلاتين ليتسنى للناس إدراك الجماعة.
وأما القصر وهو أن يصلي الإنسان الصلاة الرباعية يصليها ركعتين اثنتين فقط، وهذا لا يكون إلا في الظهر والعصر والعشاء فحسب، أما المغرب فلا تُقصَر، وأما الفجر فهي ركعتان كذلك لا تُقصَر.
القصر -أيها الأحباب- رخصة خاصة للسفر، لا يقصر المسلم إلا إذا سافر، وذلك بأن يغادر بلاده وأن يخرج من منطقة إقامته ويفارق المساكن والبنيان، فعند ذلك يجوز له أن يقصر بعد المغادرة، يجوز له بعد مغادرة إقامته أن يقصر إذا كان قد عزم على سفر يعده الناس سفرًا بمسافة قدرها بعض العلماء بثمانين كيلو مترًا، أو أكثر من هذا، فإنه بذلك يعد مسافرًا فإذا سافر ونزل في منطقة، ونوى أن يقيم فيها أكثر من أربعة أيام فعند جمهور العلماء أن القصر في حقه ينتهي بمجرد الوصول إلى هذه المنطقة، ويكون بذلك في حكم المقيم.
والناس كما قلنا -أيها الأحباب- يقع عند الكثير منهم التساهل في هذه الأمور، ولها تفاصيل كثيرة لا يسع المقام لذكرها وشرحها، وينبغي على المسلم إذا واجهته مسألة كهذه أن يسارع في السؤال فبعض الناس إذا واجهته مسألة يجتهد من نفسه بالغرائب والعجائب سمعنا عمن يجمع بين العصر والمغرب، وسمعنا عمن يقصر المغرب، وسمعنا عمن يقصر صلاة الفجر، وهذه كلها غرائب وعجائب ما أنزل الله بها من سلطان إنما هي نتيجة للجهل وعدم السؤال عن أحكام الدين، فأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا لما يحب ويرضى.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مزيدًا.
وبعد: أيها الأحباب الكرام: من الأخطاء الشائعة في الصلاة: التعجل والتسرع وعدم الطمأنينة والسكينة في الصلاة.
الصلاة أيها الأحباب لها مقصود عظيم ليست مجرد أفعال وحركات وأقوال، الصلاة عبادة وانكسار وخضوع بين يدي الله -سبحانه وتعالى-، الصلاة دعاء وتضرع وابتهال، الصلاة تعظيم وتقديس لذي الكمال والجلال، الصلاة مناجاة بين العبد وبين ربه -سبحانه وتعالى-.
وهذه المناجاة لا يصلح فيه الإسراع والتعجل بل لا بد فيها من التأني والتمهل؛ دخل رجل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس بين أصحابه في المسجد فصلى هذا الرجل ركعتين ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ" فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ "- ثَلاثاً - فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: "إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ معك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً, ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً. وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا".
أي أدِّ هذه الأركان واطمئن في كل ركن من هذه الأركان، وتمهل فيه ولا تتعجل، وهذا يدل صراحة على أن الطمأنينة في الصلاة أمر لازم وركن لا تفريط فيه ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- أرجع هذا الرجل ثلاث مرات وقال له: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ".
وكم من الناس اليوم الذي يصلون وهم في الحقيقة لا يصلون؛ لسرعة صلاته ولشدة تعجلهم في فعل هذه الصلاة وأدائها، ومثل هذه الصلاة لا ينظر الله إليها قال -صلى الله عليه وسلم- "لا ينظر الله إلى صلاة عبد لا يقيم صلبه بين ركوعها وسجودها".
وفي حديث أبي قتادة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته"، قالوا يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها وسجودها".
سماها النبي -صلى الله عليه وسلم- سرقة، واعتبرها أسوأ أنواع السرقات.
ويروي لنا أبو عبد الله الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى رجلاً لا يُتم ركوعه وينقر السجود أي: يسرع فيه كما ينقر الغراب طعامه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو مات هذا على حاله لمات على غير ملة محمد -صلى الله عليه وسلم-".
لو مات على حاله أي: من التعجل في الصلاة والإسراع فيها، وعدم التأني لمات على غير ملة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل الذي يصلي ولا يتم ركوعه وسجوده كمثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين فلا تغني عنه شيئًا"، لا تشبعه التمرة والتمرتين وهكذا الصلاة السريعة لا تسمن ولا تغني من جوع.
من الأخطاء الشائعة في الصلاة كذلك أيها الأحباب عدم قراءة الفاتحة في الصلاة والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" حتى إن كان المصلي مأمومًا؛ فإنه مأمور بقراءة الفاتحة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقرءوا خلف إمامكم إلا أن تكون بفاتحة الكتاب".
وبعض الناس يظن أنه يقرأ الفاتحة، وفي الحقيقة هو لا يقرأها، وذلك أن البعض يقف في الصلاة صامتًا لا يتكلم، لا يحرك شفتيه ولا يصدر عنه أي صوت ويمرر الفاتحة على قلبه فيظن أنه قد قرأ الفاتحة، وهذه لا تسمى قراءة لا لغةً ولا شرعًا، بل هذا نوع من التذكر والاستحضار، وأما القراءة فإنه لا بد فيها من تحريك الشفتين، ولا بد أن يصدر صوتًا خافتا يسمع الإنسان به نفسه، ولا يسمع من بجواره ولا يزعجه، ولكن على الأقل يسمع نفسه هذا الصوت ويردد هذه الكلمات.
وأما مجرد تمرير الفاتحة على القلب؛ فإنه لا يعد قراءة، ولا يعتبر فاعلاً ذلك قارئ للفاتحة.
من الأخطاء كذلك في الصلاة: الحركة الكثيرة المتتابعة، وهذه قد اتفق العلماء على أنها تبطل الصلاة، ولكن اختلفوا في تقدير هذه الحركة التي تبطل الصلاة، النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى أصحابه يشيرون أيديهم عند السلام، أي: عند التسليم من الصلاة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "اسكنوا في الصلاة"، فهي موضوع سكون، وليس موضع حركة.
وهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه الذي يشيرون عند السلام فحسب، فكيف بمن يمضي ويقضي صلاته من أولها إلى آخرها، وهو في حركة واضطراب، وهذا لا شك أنه يؤدِّي إلى نقصان صلاته إن لم يؤدِّ إلى بطلانها.
من الأخطاء الشائعة كذلك أيها الأحباب: أن يأتي المصلي وقد سُبق من إمامه فيأتي والإمام راكع فيدخل يريد أن يدرك الإمام في الركوع ليدرك بذلك الركعة، فمن عجلة البعض يأتي فيكبر تكبيرة واحدة ويركع مباشرة، وينوي بهذه التكبيرة تكبيرة الركوع وبهذا تكون صلاته غير صحيحة ولا تنعقد؛ لأن المفترض أن يكبر تكبيرة ينوي بها تكبيرة الإحرام، فالصلاة لا تنعقد إلا بتكبيرة الإحرام، ثم يكبر تكبيرة ثانية، وينوي بها تكبيرة الركوع، فهناك تكبيرتان؛ تكبيرة إحرام وتكبيرة ركوع، وإذا كبر تكبيرة واحدة، ونوى بها تكبيرة الإحرام صحت كذلك صلاته، لكن المشكلة أن البعض يكبر فينوي بهذه التكبيرة تكبيرة الركوع فتكون صلاته غير منعقدة ولا صحيحة.
أخيرًا -أيها الأحباب- من الأخطاء التي يقع فيها بعض المصلين خاصة ممن يصلي على الكراسي أن يكون الإنسان عاجزًا عن الركوع والسجود يصعب عليه الانحناء فيصلي على الكرسي وهو قادر على القيام.
فالواجب على مثل هذا أن يقوم في موضع القيام، فإذا جاء موضوع الركوع والسجود جلس، ولكنَّ البعض لا يفرق فيجلس من أول صلاته مع قدرته على القيام، وهذه الصلاة بهذه الصفة تكون باطلة؛ لأن القيام ركن من أركان الصلاة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمران بن الحصين: "صلِّ قائمًا فإن لم تستطع فصلِّ قاعدًا"، فلا يقعد إلا عند العجز، والله -عز وجل- يقول (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)، ويقول -صلى الله عليه وسلم- "ما أمرتكم به بشيء فأتوا منه ما استطعتم".
فما كان الإنسان قادرًا على فعله من أفعال الصلاة يجب عليه فعله، وما كان عاجزًا عن فعله انتقل إلى بدله أو تركه إن لم يكن له بدل.
هذه بعض الأخطاء المهمة التي تقع من بعض المصلين، وبقيت هناك كثير من الأخطاء التي تقع أيضًا من بعض المصلين نتحدث عنها بخطبة لاحقة إن شاء الله.
نسأله -سبحانه وتعالى- أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي