إن من نعم الله علينا: هذا الأمنَ الوارفَ الظلال، الذي جعله -سبحانه- لكل من دخل المسجدَ الحرام، ذلكم المسجد الذي ودّعته أجسادُ الحجاج، وقلوبهم تطوف به مهما نأت بأجسادهم الديار، كيف وهو وِجْهَتُهُم في كل صلاة؟! بل هو قبلتهم في الحياة وفي الممات ..
الحمدُ لله الذي أحاطَ بكلِّ شيءٍ خُبْرا، وأرسلَ رسلَهُ بالبيناتِ عُذْرًا أو نُذْرا، تعالى وتقدّس عن الشريكِ والمثيل، يضاعفُ الحسناتِ ولا يظلمُ الفتيل، وَسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا، وأحاطَ بالخلقِ عُلُوًّا وقهرا.
وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، أوْلَانا نِعَمَه تترى، وأسبغ علينا فيض عفْوِه سِتْرا.
وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسولُه، الذي أتمّ الله به الدين، وعَبَدَ ربَّه حتى أتاه اليقين، مُكْثِرًا لربه ذكرا، ومُقيمًا له أمرا، صلواتُ الله وسلامه عليه، الأولى فاقُوا الأنامَ تُقًى وطُهْرا، وعلى أصحابِه أكثرِ الأمةِ برّا، وأسبقِها للخيرِ نَشْرا، وعلى من اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عبادَ الله-، اتقوه وراقبوه في باطنِكم وظاهركم، وفي قولكم وفعلكم، اتقوه بين يديه واقفين، وإلى رحمته ضارعين، وفي أعمالكم مقيمين.
من اتقى الرحمنَ الرحيم؛ رَجَا دارَ النعيم، وخافَ العقابَ الأليم، واستحْيَا من نظرِ المولى الكريم.
أيها المؤمنون: مَشْهَدٌ عَصِيٌّ على الذاكرةِ نسيانُه، عميقةٌ معانِيْه، كثيرةٌ ألوانُه، تعي فيه الأسماع حقَّ الوعي، وتُبصِرُ العُيونُ كُلَّ الإبصار، مشهدٌ عظيمٌ أَثَرُه، متعدِّدةٌ عِبَرُه؛ إنه مشهدُ التوحيد، والتعظيمِ لخالقِ العبيدِ -جلَّ وعزّ-، يجأر الحجيجُ فيه بتلبية التوحيد والبراءةِ من الشرك، يلبُّون نداءَ ربِّهِم، ويتَّبِعُون رضوانَه، ويسألونه عطاءَه، يقِفُون حيثُ وَقَفَ الأنبياء، ويؤدُّون شعائرَ الحُنفاء، ضجُّوا إلى مولاهم بقلوبٍ محترقة، ففاضت الأعينُ بالدموعِ مستبقة، إذْ يدنو منهم أرحمُ الرُّحماء، فيباهي بجمعِهم أهلَ السماء.
ضجَّتْ بدعائهم وتلبيتِهم وهادُ مكة وفِجَاجُها، نحرُوا لربهم وأطْعَمُوا البائسَ الفقير، أتموُّا نسكَهم، وقَضَوْا تَفَثَهم، واطَّوَّفُوا بالبيت العتيق.
إن ربَّنا -سبحانه- لا يُحْصى عليه ثناء، فضله علينا عظيم، وخيرُه فينا مدرار، فاللهم لك الحمدُ كالذي نقول، وخيرًا مما نقول، ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما تحب وترضى.
إن من نعم الله علينا: هذا الأمنَ الوارفَ الظلال، الذي جعله -سبحانه- لكل من دخل المسجدَ الحرام، ذلكم المسجد الذي ودّعته أجسادُ الحجاج، وقلوبهم تطوف به مهما نأت بأجسادهم الديار، كيف وهو وِجْهَتُهُم في كل صلاة؟! بل هو قبلتهم في الحياة وفي الممات.
يتوجهون شطرَه في كل صلاة توجها ذا مقصد نبيل، يغفل عنه من كانت صلاتُهم خداجًا، ومن لم تأمرهم صلاتُهم ولم تنهَهُم.
إنه توجهٌ يذكّرنا بتشغيبِ السفهاء على العلماء والصلحاء: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) [البقرة: 142]؛ حيثُ أولُ صلاةٍ توجَّهَ المسلمون فيها إلى هذا البيت المعظَّم، الذي أكّد الله التوجُّهَ إليه أيًا كان الأمر: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة: 144]، ثم قال: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [البقرة: 149-150].
لِمَ هذا التأكيدُ كلُّه؟
يبيِّنُ ذلك قولُه جل في علاه: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [البقرة: 147] إي وربي، إن الحقَّ من ربِّنا؛ فلا يجوز الامتراءُ في الحق أن جهِلَهُ جاهل، وخشيةُ المسلم لربه هي النعمةُ والهدى: (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [البقرة: 150].
إنها سُنةٌ ماضية؛ ولكن من يوقظُ القلوبَ الراقدة؟!
يرتبطُ المسلمُ ذو الضميرِ الحيِّ بالقبلةِ الحقّ، فيتذكّرُ كم غالٍ ونفيس من دمٍ ومال بذله الجيلُ الأول -رضوانُ الله عليهم- مع رسولِ الهدى -صلى الله عليه وسلم- ؛ من أجل تحريرِ البيت من قبضةِ الشرك، وتطهيرِه من رجسِ الأوثان.
ويذكِّرُهُ الحكمةَ في الدعوة التي سنها المصفى -صلى الله عليه وسلم- بقوله لعائشة -رضي الله عنها-: "وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ، أَنْ أُدْخِلَ الجَدْرَ فِي البَيْتِ، وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ" [متفقٌ عليه].
يلوحُ له بيتُ الله الحرام، لم يبرحْ يطاولُ الزمان، شامخَ البنيان، في منعةٍ من الله وأمان، فيحيا دائمَ الثقةِ بربه، عميقَ التوكلِ عليه، وبقدر صلته بربه يكون أمانُه.
أجل -أيها المسلمون- من الذي جعل البيت الحرام مباركًا وهدًى للعالمين؟! ومن الذي جعله قيامًا للناس به تقوم مصالحهم في الدارَين؟! من الذي مَنَعَ عن مكةَ الفيل، وسلّط عليها رسولَه والمؤمنين؟! ومن الذي توعَّدَ من أراد فيه بإلحادٍ بظلم بالعذابِ الأليم؟! أليس هو اللهَ ربَّ الثقلين؟! ربَّ العالمين.
إن الظنَّ أن في البعد عن دين الله وشرعه أمانًا عاجلًا أو آجلًا، أو الظنَّ بأن في التزامِ شرعِ الله أو شيء من شعائر دينه ما يكون سببًا في الخوفِ أو تَسَلُّطِ الأعداء؛ لظنٌّ جاهليٌّ، دحضه الله في كتابه بقوله: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص: 57].
بل شنَّعَ الله -تعالى- على ظانّي هذا الظنِّ السَّوْءِ بقوله: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش: 3 - 4].
إنَّ الأمنَ لفي جِوارِ الله، والخوفَ لفي النأيِ عن هدى الله، ومن ابتغى العزة بغير الله أذلَّه الله.
أيها المؤمنون: لقد شَهِدَ الحجاجُ -أثابهم اللهُ وتقبَّلَ منهم- منافعَ عظيمة، تعلَّمَ جاهلُهم، وتخفَّف من الذنوبِ مُثقَلُهم، وابتهلوا إلى ربهم جميعُهُم، وختموا مناسكَهم بدعاء الموفَّقين: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
وقد ذمَّ سبحانه من لا يسألُه إلا في أمر دنياه، قال في آيات الحجّ: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [البقرة: 200 - 202].
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان قومٌ من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون: اللهم اجعله عامَ خصب وعامَ غيث، ولا يذكرون من أمر الآخرة شيئًا؛ فأنزل الله هذه الآية".
ومن المنافع التي شهدوها: ذكرُ اللهِ كثيرًا، متمثلًا في كل شعائر الحجّ، فأمر تعالى بذكره كذكر الآباء أو أشدَّ ذكرًا، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "اذكروا اللهَ كذكرِ الأطفالِ آباءَهم وأمهاتِهم".
وقالت طائفةٌ من العلماء: معنى الآية: "اذكروا الله وعظِّموه وذُبُّوا عن حُرَمِهِ، وادفعوا من أراد الشركَ في دينه وشعائرِهِ، كما تذكرون آباءكم بالخير إذا غضَّ أحدٌ منهم وتحْمُونَ جانِبَهم".
قال أبو الجوزاء لابن عباس: إن الرجلَ اليومَ لا يذكرُ أباه، قال: ليس كذلك؛ ولكن أن تغضبَ لله -تعالى- إذا عُصِيَ أشدَّ من غضبِك لوالديك إذا شُتِما.
ما يُؤَكِّد -أيها المؤمنون- ارتباطَ العبادة وتعظيمَ حرمات الله بحياةِ المؤمن حتى يأتيَه اليقين؛ كيف وقد رجَعَ بمنفعةٍ هي من أعظمِ المنافع، ألا وهي خروجُهُ من ذنوبه كيومَ ولدته أمه إن هو لم يرفُثْ ولم يفسُقْ، ومثله من صام يوم عرفة فغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وإن المسلمَ لن يعودَ بعد هذا الموسمِ العظيمِ معصومًا من الزلل، كلا، ولكن عليه أن يحذرَ من التلفُّعِ بالمعرّات، ولْيُسْرِعِ الأوبةَ من الخطيئات، ولْيَعْتَصِمْ بربِّ الأرضِ والسماوات، وليْراغمِ الشيطانَ الرجيمَ ما أحياه الله، ولْيحذَرْ من اتِّبَاعِ خُطُوَاتِه؛ كما راغمه في نسكه، مستلهمًا من عصيانِ الخليلِ -عليه السلام- له خيرَ عظة: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 83].
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلى اللهُ وسلَّمَ على رسولِه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإنّ المساجدَ هي بيوتُ الله، وهي أفضلُ البقاع وأحبُّها عنده تعالى، وخيرُها: المساجدُ الثلاثة التي لا تُشَدُّ الرحالُ إلَّا إليها، وكانَ المَسْجِدُ الحرامُ أوَّلَها بناءً، وأحقَّها بالتعظيم، بوّأ اللهُ للخليلِ إبراهيمَ -عليه السلام- مكانَه ألا يشركَ بالله شيئا؛ فكان قيامُه على التوحيد، وكان الأحقَّ به المؤمنون المتقون حيثُ كانوا.
لقد ظنّ المشركون أن عمارةَ المسجد الحرام وسقايةَ الحاجّ كافيان في أولويتهم بالبيت العتيق؛ وأن قربَهم منه كفيلٌ بردِّ العذاب عنهم، فجاءتهم الآيات مبيِّناتٍ أن ذلك لا ينفعُ دون الإيمانِ بالله، والطهارةِ من أدناس الشرك: (وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [الأنفال: 34].
لقد أَصْلَحَ اللهُ المسجدَ الحرام وما حوله بالتوحيدِ الخالصِ للهِ الكبيرِ المتعال، منذ أن طهَّره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده الشريفة يوم أن جاء الحقُّ وزَهَقَ الباطل من رجس الأوثان، وأدناس المشركين، ولم يدنسه مذ ذلكم اليوم إلا المنافقون من القرامطة الباطنيين وأوليائهم، الذين قتلوا الحجاج في المسجد الحرام عام سبعةَ عشر وثلاثِمئةٍ للهجرة، ونهبوا أموالهم، وألقوهم في بئر زمزم، وسرقوا الحجر الأسود، ومكث عندهم ثنتين وعشرين سنة، حتى كان من أَلَّفَ من العلماء في ذلك الوقت في أحكام المناسك يقول: ويقبِّلَ الحجر الأسودَ إن وُجِد.
فهؤلاء الباطنيون لا يأبَهُونَ بهذه البقاع المباركة، بل يرَوْنَ بقعةَ كَربلاء أفضلَ من الكعبة بمرات، وأن فضلَ الكعبة إنما هو شيءٌ من فضل كربلاء، كما تنضح بذلك كتبهم، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن تعظيمهم للمشاهد والقبور: "وَحَدَّثَنِي الثِّقَاتُ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَرَوْنَ الْحَجَّ إِلَيْهَا أَعْظَمَ مِنَ الْحَجِّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَيَرَوْنَ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ أَعْظَمَ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ" [منهاج السنة النبوية (3/ 451)]، هكذا يخبر شيخ الإسلام عمّن حدثه من الثقات.
والحقيقة أن كتبهم في هذا الزمن أظهرت ذلك بكل صراحة.
ومروياتُهم تتوعَّدُ الحجيجَ بالقتلِ بين الصفا والمروة، وتتوعَّدُ بني شيبةَ سدنةَ البيتِ بالقتلِ والصلبِ يومًا ما؛ حسدًا وبغضًا للمسلمين وللعرب على وجهٍ أخصّ، وتاريخُهم المعاصرُ في الحرمِ المكيِّ غيرُ خاف.
أما أمانيُّهم اليوم فأعظمُها تخليصُ الحرمَيْنِ من قبضةِ الوهابيةِ زَعَمُوا.
لقد ساءهم مساءةً عظيمة رعايةُ هذه الدولةِ المباركةِ للحرمَينِ الشريفَينِ حقَّ رعايتهما، وتطهيرُهما من مظاهر الشرك ووسائلِه، وإيصادُ بابِ البدع.
ومن عجبٍ أن يتباكى من هذا هو ماضيه وحاضره على حادثٍ عرضيّ كان في الحج، ويسيِّسَ القضيةَ لمآربَ دُنيا.
إن الحرمين الشريفين أهلٌ لئن يخدما، وبلاد الحرمين الشريفين -حرسها الله- خيرُ من قام ويقوم بخدمة الحرمين الشريفين، وجهودها ونفقاتها التي تبذلها بكل سخاء باديةٌ للعِيان.
لقد سخَّرت كافة وزاراتها وأجهزتها لخدمة الحجاج، وفعَّلَتْ قطاعاتِها الأمنية للسهر على أمنهم، ولن تتوانى -بإذن الله- عن محاسبة المقصِّرين، وتطوير خدماتها، كما أكد ذلكم وليُّ أمرها -وفقه الله-، وهي بحمد الله حارسةُ العقيدة، وحاميةُ جناب التوحيد، والداعية إليه بكل وسيلة.
هذه حالُ القِبلةُ الثانية، وبينها وبين القِبلةِ الأولى رباطٌ قرآنيٌّ وصله الله، وما وصله الله -تعالى- لا ينقطع، إنها أرضُ الحنفاء، ومسرى سيِّدِ الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
ولئن كانت الأمةُ تعاني الويلاتِ من منافقيها وأعدائها في الداخل، وتكالبِ الظالمين من الخارج؛ فلا ينبغي أن ينسيَها ذلكم كلُّه قضيتَها الأولى، التي هي قطبُ رحى قضاياها أجمع؛ فالمسجد الأقصى هو ثالثُ مساجدها، وهي الأحقُّ به، وفلسطينُ السليبةُ المباركة هي أرضها التي أورثها الله إياها، ومحطتُها هي محلُّ امتحانٍ وكشفٍ لإيمان المسلمين، وغيرتِهِم على مقدساتهم وأوطانهم، وولائهم وبرائهم الدالَّين على صدق دعوى الإيمانِ أو كذبِها.
وإنه لشرفٌ عظيم أن يختار اللهُ من عباده مجاهدين مرابطين في تلكُمُ الأرضِ المباركة، يحملون أرواحهم على أكفهم، وآخرين يجاهدون بأموالهم ودعواتهم وسياساتهم، مؤمنين بموعود الله، منتظرين فرجه، متوكلين عليه.
هذا، وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه؛ محمد بن عبد الله، الهاشمي القرشي.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي