لقد بلغت محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقومه وأهله وعشيرته الذروة, وتملكت قلبه الشريف؛ حتى جعلته يتحرَّق ألماً عليهم؛ لأنَّهم رفضوا الاستجابة له صلى الله عليه وسلم, وهو يعلم أنَّ إسلامهم هو سبيل سعادتهم دنيا وأخرى, وأن عنادهم وإصرارهم على الكفر هو سبيل...
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: المحبة قسمان: محبة عاقلة نافعة معمِّرة لدنيا المحبوب وآخرته, ومحبة رعناء جاهلة ضارَّة حمقاء مدمِّرة لدنيا المحبوب وآخرته.
المحبة العاقلة النافعة، هي التي تريد الخير للمحبوب ولو ذلك يسيئه ويخالف هواه.
أما المحبة الرعناء الجاهلة الضارة، فهي التي تسعى لإرضاء المحبوب في كل ما يشتهي ويهوى, ولو كان ذلك سيجلب له ولغيره شراً كبيراً, وضراً عظيماً, وعذاباً أليماً في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة المؤمنون: وما دمنا نعيش في شهر ربيع الثاني عقب شهر ربيع الأول شهر مولد الحبيب الأعظم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنا نقول: بأنَّ محبة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- لأهله ولأمته بشقيها أمة الدعوة وأمة الاستجابة هي المحبة العاقلة النافعة, هي محبة الحريص على من أحب؛ كما قال تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم) [التوبة: 128] فهو حريص على هداية الأمة كلِّها بشقيها أمة الدعوة، وأمة الاستجابة، فضلاً عن أهله وعشيرته.
لقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على إنقاذ الجميع من المهالك الدنيوية والأخروية, وهذه هي المحبة النافعة, هذه هي المحبة الصادقة التي نبعت من قلب المحب تجاه المحبوب.
وقد تجسَّد هذا الحب الصادق من سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحو أمته من خلال هذا الحديث الشريف, عن جابرٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلِي" وفي رواية: "ومثل أمتي" "كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا, فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا, وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا, قَالَ: فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ, أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنْ النَّارِ, هَلُمَّ عَنْ النَّارِ, هَلُمَّ عَنْ النَّارِ, فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا" [رواه مسلمٌ].
أيها الإخوة الكرام: المحبة النافعة أن تُلزم من تحب بما ينفعه في الدنيا والآخرة ولو كان ذلك يسيئه ويزعجه, وهكذا كان سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله -تعالى- رحمة للعالمين, فمن مظاهر رحمته النابعة عن المحبة الصادقة العاقلة النافعة: أنه كان يذكِّر قومه ويلحُّ عليهم أن يقولوا كلمة التوحيد, وما ذاك إلا لسلامة دنياهم وآخرتهم, وكان القوم يتضايقون من ذلك, ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- صابر على سوء أخلاقهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صادق في محبتهم وحريص على هدايتهم.
وبلغ من ضيق القوم أنهم كلَّموا عمه أبا طالب في أن يكفَّ عن هذا الأمر, فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَا عَمَّاهُ، والله لَو وَضَعُوا الشَّمْسَ في يَمِينِّي وَالقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أنْ أَتْرُكَ هذا الأمْرَ" أَمْرَ التبليغ أَمْرَ الهداية أَمْرَ النصح "مَا تَرَكْتُه حتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أو أهْلَكَ فِيه" [رواه البيهقي في دلائل النبوة].
وقد أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمه بأنه يريد لهم خيري الدنيا والآخرة, وكل هذا من صدق محبته لقومه ومن حرصه عليهم فقال له: "يا عم أريدهم على كلمة يدين لهم العرب وتؤدى إليهم العجم الجزية" قال: ما هي؟ قال: "شهادة أن لا إله إلا الله" فقاموا وقالوا: أجعل الآلهة إلهاً واحداً. [رواه البيهقي].
هذا لدنياهم, أما لآخرتهم فبيَّنها -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا" [رواه أحمد].
أيها الإخوة الأحبة: لقد بلغت محبة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقومه وأهله وعشيرته الذروة, وتملكت قلبه الشريف حتى جعلته يتحرَّق ألماً عليهم؛ لأنَّهم رفضوا الاستجابة له صلى الله عليه وسلم, وهو يعلم أنَّ إسلامهم هو سبيل سعادتهم دنيا وأخرى, وأن عنادهم وإصرارهم على الكفر هو سبيل شقاوتهم الأبدية, فكان صلى الله عليه وسلم مثله كمثل الأب الرحيم العاقل إذ يرى ولده الذي يحبه ويريد له الخير يقذف نفسه في المهالك الدنيوية والأخروية.
ولمَّا زادت هذه المشاعر الكريمة النابعة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم ومن صدق محبته لقومه, أرشده الله -تعالى- إلى التخفيف منها حتى لا تؤثر عليه صلى الله عليه وسلم, فقال تعالى: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر: 8].
وقال له: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) [الكهف: 6].
أيها الإخوة الكرام: إن المحبة النافعة الصادقة تدفع المحب نحو محبوبه اندفاع غيرة وشفقة وحرص, والمحب الصادق لا يمشي مع محبوبه في مخالفة بل ربما يقسو عليه.
هذا حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- الذي أحب أهله الكرام المحبة النافعة الصادقة الكاملة يتخذ موقفاً من السيدة عائشة -رضي الله عنها- عندما ذكرت السيدة صفية -رضي الله عنها-, تقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: "بعَثَتْ صَفِيَّةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِطَعَامٍ قَدْ صَنَعَتْهُ لَهُ وَهُوَ عِنْدِي, فَلَمَّا رَأَيْتُ الْجَارِيَةَ أَخَذَتْنِي رِعْدَةٌ, حَتَّى اسْتَقَلَّنِي أَفْكَلُ فَضَرَبْتُ الْقَصْعَةَ فَرَمَيْتُ بِهَا, قَالَتْ: فَنَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-, فَعَرَفْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ, فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِرَسُولِ اللَّهِ أَنْ يَلْعَنَنِي الْيَوْمَ, قَالَتْ: قَالَ: أَوْلَى, قَالَتْ: قُلْتُ: وَمَا كَفَّارَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: طَعَامٌ كَطَعَامِهَا وَإِنَاءٌ كَإِنَائِهَا" [رواه الإمام أحمد].
لقد علَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- البشرية جمعاء بأن صدق المحبة للمحبوب أن تمنعه مما يضره في الدنيا والآخرة, وتجسَّد هذا الأمر من خلال حديث المرأة المخزومية التي سرقت في عهد سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, روى البخاري عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "أن قرَيشاً أهَمَّهُمْ شَأنُ المَرأَةِ المخزومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ، فقالوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا : مَنْ يَجْتَرِئ عَلَيْهِ إلا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ حِبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟" سيدنا أسامة حبيب وابن حبيب, غالٍ وابن غالٍ عند سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, "فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ" نظر المحب إلى المحبوب, ونظر المحبوب إلى المحب وقال له: "أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله؟" ولم يكتفِ بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- "ثُمَّ قامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: "إنَّمَا أهْلَك مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ" وهذه هي المحبة الحمقاء الضارَّة الرعناء التي تجرُّ الوبال على نفس المحبوب الذي انساق خلف شهواته ليصبح عضواً فاسداً في المجتمع, مع ضياع مستقبله في الآخرة, "وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ, وَايْمُ الله، لَوْ أَنَّ فَاطمَةَ بِنْتَ مُحمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعتُ يَدَهَا". إنَّ بغضهم للضعيف وعدمَ محبتهم له جعلت من الضعيف مستقيماً, وربما بذلك سَلِمَ على دنياه وآخرتِه, أما محبتهم الحمقاء لمن أحبوه فكانت سبباً لدمار من أحبوه دنيا وأخرى.
أيها الإخوة الكرام: من خلال ما تقدَّم أتوجَّه إلى كلِّ أب وأم, إلى كلِّ زوج, إلى من أكرمه الله -تعالى- بنسمة, إلى من أكرمه الله -تعالى- بذرية, لِأقول له: ما نوع محبتك لولدك؟
هل محبة الوالدين لأبنائهما هي محبة عاقلة نافعة معمِّرة لدنياهم وآخرتهم؟ أم هي محبة رعناء ضارة جاهلة مؤذية مدمِّرة لدنياهم وآخرتهم؟
الملاحظ -أيها الإخوة الكرام-: أن محبة الكثير من الآباء والأمهات لأبنائهم هي محبة رعناء جاهلة مدمرة, لأن مظاهر الفساد التي نراها في شبابنا وشاباتنا ما هي إلا ثمرة من ثمار ما نقول.
أيها الإخوة الكرام: اسمحوا لي أن أقول لكم: إن شراء الهاتف النقَّال للأبناء إن كانوا في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية لا أراه إلا من الحبِّ الأرعن؛ لأننا جميعاً نعلم بأن هذا الجهاز سلاح ذو حدين, يُستخدم في الخير ويستخدم في الشر, وإن استخدامه عند الكثير من الشباب المراهقين في الغالب الأعمِّ استخدام في الشر.
وإذا أردتم مصداق هذا الكلام أقول لكم: سلوا مدراء المدارس في المراحل الثلاث, وسلوا المدرسين ماذا يشاهدون على الجوالات عند هؤلاء الشباب؟ والله شيء يندى له جبين الأحرار.
زوروا المحلات التي تباع فيها الجوالات وتنزَّل عليها البرامج والنغمات والصور وسلوا أصحابها ما هي طلبات الشباب والشابات من تنزيل صور ومقاطع فيديو؟
أيها الإخوة الكرام: إن مرحلة المراهقة هي من أخطر المراحل التي يمرُّ فيها شبابنا وشاباتنا, فلا تنقادوا وراء الحب العاطفي المدمِّر في شراء الهواتف النقَّالة.
الكل يعلم إلى أي شيء يُوجَّه شبابنا وشاباتنا وذلك من خلال القنوات الفضائية ومن خلال أجهزة الإعلام, والكلُّ يعلم أن الكثير من الآباء مشغولون بتجاراتهم عن أبنائهم, والكثير من الأمهات مشغولات عن أبنائهم بزيارتهنَّ أو بعملهنَّ أو بأنفسهنَّ.
أيها الإخوة الكرام: والشيء العجيب أن ترى بعض الآباء والأمهات في حالة تناقض في محبتهم لأبنائهم, إذا دخل الأبناء سنَّ التكليف وطلبوا من آبائهم الزواج جاء الرفض مباشرة وبدون توقف مع الحزم على أن لا يفتح هذا الموضوع مرة ثانية؛ لأنه لا زواج إلا بعد إتمام الدراسة الجامعية ثم مرحلة التخصص, ثم مرحلة الخدمة الإلزامية, ثم تأمين السكن, ثم, ثم...
لا أدري -أيها الإخوة-: هل هذا الموقف تجاه الأبناء في هذا الحال من الحب الصادق النافع أم من الحبِّ الأرعن؟
ولكن إذا طلب الولد أو طلبت البنت الهاتف النقَّال مع العلم بخطورته فإن تنفيذ الطلب لا يستغرق دقائق, ما هذا التناقض العجيب؟
أيها الإخوة: إن من صور الحب الأرعن الأحمق: أن يهمل الآباء حجاب البنات وخاصة إذا صارت قريبة من سن التكليف.
كم اختلف الرجال مع نسائهم حول هذا الموضوع؟ الأم مُصِرَّة على عدم حجاب ابنتها؛ لأنها صغيرة, دخلت المرحلة الإعدادية ما زالت صغيرة, دخلت المرحلة الثانوية ما زالت صغيرة, ولما اشتدَّ عودها وطلب منها الأبوان الحجاب اعتذرت الفتاة وقالت: إن لا أحب الحجاب, إني لن أتحجب حتى أقتنع بالحجاب, من المسؤول عن هذا؟
إن الحب الصادق النافع أن تدرِّب أولادك منذ نعومة أظفارهم على الالتزام بأوامر الله -عز وجل-؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: "وشاب نشأ في طاعة الله" [رواه البخاري ومسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ, وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ, وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في الْمَضَاجِعِ" [رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب -رضي الله عنه-].
أيها الإخوة الكرام: إن من صور الحب الأرعن الأحمق: أن يسمح الرجل لبناته ونسائه بالذهاب إلى حفلات الأعراس حيث الغناء والموسيقا وكشف العورات ودخول العريس على عروسه مع وجود التصوير على أجهزة الهواتف النقَّالة, وكم من كارثة حلَّت من وراء هذه الأعراس؟
أين الحب العاقل النافع في حفلات الأعراس حيث نؤسِّس الحياة الزوجية على أساس من الكتاب والسنة والانضباط بضوابط الشريعة؟
هل الإذن بدخول الرجل ليلة زفافه على عروسه في حفل النساء من الحب النافع العاقل أم من الحب الأرعن؟ والنبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ" [رواه البخاري عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه].
والله -تعالى- يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].
أيها الإخوة الكرام: من صور الحب الأرعن الأحمق: أن يأذن الرجل لنسائه ومحارمه بالسفر بدون محرم, وخاصة هذا الصيف قد أقبل والرحلات المدرسية والجامعية قد أقبلت معه.
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُحذِّر من سفر المرأة بدون محرم أو زوج فيقول: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلاثِ لَيَالٍ إِلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ" [رواه البخاري عن عبد الله بن عمر].
وكلُّ ذلك من الحب الصادق النافع الحريص على أعراضنا, والبعض يأذن بالسفر لنسائه ومحارمه بدون محرم, والاختلاط قائم بين الرجال والنساء, والفتن منتشرة, والجوالات بما تحتويه كافية للغواية -والعياذ بالله تعالى-.
من الحب الصادق النافع: أن لا تأذن لنسائك ولا لمحارمك بالسفر بدون محرم أو زوج ولو للحج والعمرة, وبكلِّ أسف حتى رأينا السفارة السعودية تأذن بالسفر للديار المقدسة بدون محرم, لأن الغرب وأمريكا هكذا يريدون لنسائنا أن تسافر بدون محرم.
وإن سافرت إلى الحج بدون محرم أو زوج مع وجود فتوى تجيز لها ذلك وسَّعت المرأة دائرة هذه الفتوى وأخذت تسافر شرقاً وغرباً قياساً على هذه الفتوى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أيها الإخوة الكرام: علينا بالحب العاقل النافع المفيد المُعمِّر لأبنائنا, وإياكم من الحب الأرعن الضار المُدمِّر لأبنائنا دنيا وأخرى, وذلك من خلال قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6].
وهذا ما أحب الله -تعالى- لنا, وذلك من خلال قوله تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ) [النساء: 69].
ومن خلال قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ أَبَى" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ, وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى" [رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-].
ليكن حبُّنا لفروعنا وأزواجنا حباً نافعاً عاقلاً لا أرعن حتى لا نفر منهم يوم القيامة, قال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيه * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيه * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس: 34 - 37].
كل هذا بسبب الحب الأرعن الضار المُدمِّر, أما الحب النافع العاقل المُعمِّر فهو الذي يجمعنا يوم القيامة في جنات عدن, قال تعالى: (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَاب * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 22 - 24].
عليكم -أيها الشباب- بالصبر والمصابرة وخاصة في أيام المراهقة, واحذروا الجوالات والمخالفات الشرعية, عليكم بالصبر والمصابرة أمام هذه المغريات؛ لأنها والله ما تريد منكم إلا الضلال بعد الهدى.
عليكم -أيها الآباء والأمهات- بالصبر والمصابرة حيال أبنائكم في توجيههم إلى جادة الصواب بالحكمة والموعظة الحسنة.
اللهم أكرمنا بذلك واحفظنا وأصولنا وفروعنا، آمين.
أقول قولي هذا, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي