هلا عرفت قيمة الإنسان؟

أحمد شريف النعسان
عناصر الخطبة
  1. قيمة الإنسان في الإسلام ومكانته .
  2. بعض صور تكريم الإنسان في الإسلام .
  3. جريمة قتل المسلم بغير حق والتحذير من ذلك .

اقتباس

الإنسان خَلْقُ اللهِ -تعالى- وصنعتُهُ, وما عرفَ قيمةَ الإنسانِ إلا المسلمُ الملتزمُ بدينِ الله -تعالى-, الذي له صلةٌ بالقرآنِ العظيمِ. أمَّا مَن قَطَعَ صلَتَهُ بالله -تعالى-, وقَطَعَ صلَتَهُ بالقرآنِ العظيمِ؛ فإنَّه لا يعرف قيمةَ الإنسانِ, ويكونُ جاهلاً بِهِ, ومن الطبيعي أن...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيا عباد الله: الإنسان خَلْقُ اللهِ -تعالى- وصنعتُهُ, وما عرفَ قيمةَ الإنسانِ إلا المسلمُ الملتزمُ بدينِ الله -تعالى-, الذي له صلةٌ بالقرآنِ العظيمِ.

أمَّا مَن قَطَعَ صلَتَهُ بالله -تعالى-, وقَطَعَ صلَتَهُ بالقرآنِ العظيمِ؛ فإنَّه لا يعرف قيمةَ الإنسانِ, ويكونُ جاهلاً بِهِ, ومن الطبيعي أن يكونَ الإنسانُ عدواً لما يجهل.

القرآنُ العظيمُ هو الذي عرَّف المسلمينَ قيمةَ الإنسانِ, وذلك من خلال قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70] آيةٌ من كتابِ الله -تعالى- توضِّح بأنَّ الإنسان مُكَرَّمٌ, والذي كرَّمه هو الله -تعالى-.

يا عباد الله: صورُ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسان كثيرةٌ وكثيرةٌ جداً, ومن أرادَ أن يعرفَ صورَ التكريمِ لهذا الإنسانِ عليه أن يرجعَ للقرآنِ العظيمِ, ولِسُنَّةِ الحبيبِ المصطفى -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, فمن صورِ تكريمِ الله -تعالى- للإنسان:

أولاً: خَلَقَ اللهُ -تعالى- الإنسانَ بيديه:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أنَّ الله -تعالى- خلقه بيديهِ؛ كما قال تعالى: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) [ص: 75].

ثانياً: نفخَ فيه من روحهِ وأسجدَ له ملائكته:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أنَّ الله -تعالى- نفخَ فيه من روحِهِ, وأسجدَ له ملائكته, قال تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) [الحجر: 29].

بعد أن نفخَ الله -تعالى- في الإنسانِ روحَهُ, أَمَرَ الملائكةَ التي خَلَقَها الله -تعالى- من نور, والتي لا تعصي الله فيما أمر, أن تسجدَ لهذا الإنسانِ سجودَ تعظيمٍ.

ثالثاً: تولَّى الله -تعالى- تعليمه:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أنَّ الله -تعالى- علَّمهُ, قال تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [البقرة: 31 - 32].

وقال تعالى: (الرَّحْمَن * عَلَّمَ الْقُرْآن * خَلَقَ الإِنسَان * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن: 1- 4].

رابعاً: سخَّر له ما في السموات والأرض:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أنَّ الله -تعالى- خَلَقَ له الكونَ من سماواتٍ وأرضٍ قبل خلقه, ثمَّ جعلها مسخَّرةً له, قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية: 13].

خامساً: جَعَلَهُ اللهُ -تعالى- خليفةً له في الأرض:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أنْ جعلهُ الله -تعالى- خليفةً له في الأرض, قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة: 30].

سادساً: حرَّم الاعتداءَ على الجنين:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أنَّه حرَّمَ الاعتداءَ عليه وهو جنينٌ في بطنِ أمهِ, وفرضَ عقوبةً على عاقلةِ القاتِلِ وكفارةً عليهِ, فجعل غُرَّةً على عاقلةِ من قَتَلهُ, وهي نصفُ عُشرِ الدية, أي ما يعادلُ قيمةَ خمسةِ جمالٍ, وصيامُ شهرينِ كفارةٌ على جنايتهِ.

سابعاً: حرَّم على الإنسان قَتلَ نفسهِ:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أنَّه حرَّم على الإنسانِ أن يقتلَ نفسه؛ لأنَّ نفسه ليست مِلكاً له بل هي مِلكٌ لله -تعالى-, فمن قَتَلَ نفسه حرَّم الله -تعالى- عليه الجنة, وجعلهُ في نارِ جهنَّم خالداً مخلَّداً فيها -هذا إذا استحلَّ الانتحار-، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ, فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا, وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ, فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا, وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ, فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا".

ثامناً: حرَّم على الإنسان أن يدعوَ على نفسهِ:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أنَّه حرَّم على الإنسانِ أن يدعو على نفسه لضُرٍّ مسَّه, روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُم الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ, فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ فَاعِلاً, فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَت الحَيَاةُ خَيْرًا لِي, وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَت الوَفَاةُ خَيْرًا لِي".

تاسعاً: أخَّرَ إقامةَ الحدِّ على الجاني كرامةً للجنين:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أنَّه أخَّرَ إقامةَ الحدِّ على جانٍ, رعايةً لحقِّ الغيرِ, كما جاء في صحيح الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ -رضي الله عنه- قال: "جَاءَت الغَامِدِيَّةُ إلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ, إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي, وَإِنَّهُ رَدَّهَا, فَلَمَّا كَانَ الغَدُ, قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ, لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا, فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى, قَالَ: إِمَّا لا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي, فَلَمَّا وَلَدَتْ, أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ, قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ, قَالَ: اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ, فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ, فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ فَطَمْتُهُ, وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ, فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِن المُسْلِمِينَ, ثُمَّ أَمَرَ بِهَا, فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا, وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا, فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ, فَرَمَى رَأْسَهَا, فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا, فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- سَبَّهُ إِيَّاهَا, فَقَالَ: "مَهْلاً يَا خَالِدُ, فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ" ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ".

يا عباد الله: لقد أخَّرَ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- إقامةَ الحدِّ على المرأةِ الغامدية, بعد أن ردَّها, وذلك رعايةً للجنينِ الذي حملت به من سفاحٍ, فالإسلام يرعى الإنسان ولو كانَ الحملُ من حرامٍ؛ لأنَّه صنعةُ الله -تعالى- وخَلْقُهُ.

هذا هو إرهابُ الإسلامِ, الذي جعلهُ الغربُ وأذنابُهُ من حكام المسلمين والعرب ذريعةً لمحاربةِ الإسلامِ وأهلهِ.

هذا هو الإسلامُ الذي عرَفَ قيمةَ الإنسانِ, وخاصَّةً إذا لم تقترف يدهُ جريمةً, وهذا هو الإسلام الذي قَبِلَ التائبَ فجعَلَهُ كمن لا ذنبَ له, حيث صلَّى سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- على من أقامَ عليها الحدَّ, وأنتم تعلمون أَثَرَ صلاةِ سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- حيث قال تعالى: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ) [التوبة: 103].

عاشراً: توعَّدَ اللهُ -تعالى- القاتلَ بغير حقٍّ بأمورٍ خمسةٍ:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أنَّه توعَّد القاتلَ لغيرِهِ بغيرِ حقٍّ بأمورٍ خمسةٍ, قال تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

هل سمعَ قاتلُ العمدِ بغيرِ حقٍّ هذا الوعيدَ من اللهِ -تعالى-؟ يا من يقتلُ الأطفالَ والنساءَ والأبرياءَ بغير حقٍّ, هل سمعتَ هذه الآيةَ الكريمةَ؟ يا من يسفكُ الدماءَ البريئةَ بدونِ شفقةٍ ولا رحمةٍ, هل سمعتَ هذا الإنذارَ من الله -تعالى-؟ أَمَا بقيت ذرَّةُ إيمانٍ في القلبِ تردعُكَ عن قَتلِ الأبرياءِ؟ ما أنتَ قائلٌ لربكَ يومَ القيامةِ؟

الحادي عشر: توعَّدَ اللهُ -تعالى- من أعان على القتلِ ولو بشطرِ كلمةٍ:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أنَّه توعَّد من أعانَ على قتلٍ بغيرِ حقٍّ ولو بشطرِ كلمةٍ, روى ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ, لَقِيَ اللهَ -عز وجل- مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ" لو قال رجلٌ لآخر: "اُقـ"، ولم يكمل الكلمة: "اُقتل" لقِيَ اللهَ -تعالى- وهو آيِسٌ من رحمة الله -تعالى-, هذا حالُ المعينِ بشطرِ كلمةٍ, فما ظنُّك بالقاتلِ -والعياذُ بالله تعالى-؟

بل يقول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ, لأَكَبَّهُمْ اللهُ فِي النَّارِ" [رواه الإمام الترمذي عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ تعالى عَنهُما-].

هل عَرَفتُم قيمةَ الإنسانِ المؤمِنِ, ومكانَتَهُ عندَ اللهِ -تعالى-؟

الثاني عشر: لا يُغفَرُ ذنبُ القاتلِ المُصِرِّ:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أن جَعَلَ اللهُ -تعالى- بعد جريمةِ الشِركِ جريمةَ القتلِ, وأنَّ ذنبَ القاتلِ المُصِرِّ لا يُغفَرُ, قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أَنْ يَغْفِرَهُ, إِلا الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا, أَوْ الرَّجُلُ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا" [رواه الإمام أحمد عن معاوية -رضي الله تعالى عنه-].

الثالث عشر: رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بريءٌ من القاتلِ بغيرِ حقٍّ:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أنَّ سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تبرَّأ من قاتِلِ العمدِ بغيرِ حقٍّ, ولو كان المقتولُ كافراً, يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "مَنْ أَمَّنَ رَجُلاً عَلَى دَمِهِ، فَقَتَلَهُ، فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ القَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ المَقْتُولُ كَافِرًا" [رواه الطبراني عَنْ عَمْرِو بن الْحَمِقِ -رضي الله عنه-].

هذا هو الإسلامُ الإرهابيُّ الذي يتحدَّثُ عنه الغربُ وأذنابُهُ.

الرابع عشر: أوَّلُ ما يُقضى بين العبادِ في الدماءُ:

من صورِ تكريمِ اللهِ -تعالى- للإنسانِ: أنَّ أوَّلَ ما يُقضى به بين العبادِ في الدماء, وأنتم تعلمونَ أنَّ حقوقَ العبادِ مبنيَّةٌ على المشاحَّة, وحقوقَ اللهِ -تعالى- مبنيَّةٌ على المسامحة, يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ" [رواه الإمام البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-].

ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ الصَّلاةُ" [رواه الإمام أحمد عن تميم الداريِّ -رضي الله عنه-]. هذا في حقوقِ اللهِ -تعالى-.

ومما لا شكَّ فيه من ضيَّعَ حقوقَ الله -تعالى-, فهو لحقوقِ العبادِ أضيَعُ, ومن يحافظَ على حقوقِ العبادِ, فهو على حقوقِ اللهِ -تعالى- أحفظُ, فماذا يقولُ العبدُ لمولاه يومَ القيامةِ إذا كان مضيِّعاً الصلاةَ وهيَ حقُّ الله -تعالى-, وكانت يده ملطَّخةً بدماءِ الأبرياءِ؟

يا عباد الله: من خلال ما تقدَّمَ أقول: لا يعرفُ قيمةَ الإنسان إلا من كانت له صلةٌ بكتاب الله -تعالى-, وبهدي سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, ولكن عندما ابتعدَ الناسُ عن الهُدى الذي أكرمنا الله -تعالى- به, هانَ على بعضهم قتلُ الإنسانِ, وصارَ قتلُ الإنسانِ كقتلِ العصفورِ.

جريمةُ سفكِ الدماءِ التي تأتي بعد جريمةِ الإشراكِ باللهِ -تعالى-, صارت سهلةً هيِّنةً, وقلَّما أن تنظرَ إلى شاشاتِ التلفازِ, أو المجلاتِ, أو الصحفِ, أو الجرائدِ, ولا ترى فيها جرائمَ القتلِ, لقد انتشرَ القتلُ أيَّما انتشارٍ, وكَثُرَ الهرجُ, القتلُ هنا وهناك, أصبحت حرمةُ الدماءِ حقيرةً.

ولا يمكن أن يعرفَ الإنسانُ قيمةَ الإنسانِ إلا بعودتِهِ إلى كتابِ اللهِ -عز وجل-, فهلا علَّمتم أبناءكم وإخوانكم حرمةَ دمِ الإنسانِ؟ هلا ذكَّرتموهم أن يتَّقوا الله -تعالى- في دماءِ العبادِ, وأنَّ قتلَ الإنسانِ جريمةٌ وأيُّ جريمةٍ, هلا نصحتم أبناءكم وإخوانكم إن كانوا مجنَّدينَ أو ضبَّاطاً أن يحذروا من قتلِ الأبرياءِ؟ وأن لا يُعَلِّلَ جريمةَ القتل التي يرتكبها بأنَّه مأمورٌ من قِبَلِ وليِّ الأمرِ.

يا عباد الله: علِّموهم قولَ الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) [النساء: 59] علِّموهم بأنَّ طاعةَ وليِّ الأمرِ نافذةٌ إذا كانت صادرةً عن طاعةِ الله ورسوله, وإلا فلا طاعةَ لمخلوقٍ -مهما كان- في معصيةِ اللهِ -تعالى-, وهل هناكَ معصيةٌ أعظمُ من معصيةِ سفكِ الدماءِ بغيرِ حقٍّ بعد الإشراكِ بالله -تعالى-؟

يا أخي: إذا أَمَرَكَ أَحَدٌ بقتلِ أَحَدٍ, فتذكَّر قولَ الله -تعالى-: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

أيُّها القاتل: ما أنتَ قائلٌ لربك؟

يا عباد الله: قولوا للقاتِلِ: إذا جَمَعَ الله الأوَّلينَ والآخرينَ, وَوَضَعَ الميزانَ, ونَطَقَتِ الألسُنُ, وتكلَّمتِ الجوارحُ, ودنتِ الشمسُ من الرؤوسِ بمقدارِ ميلٍ, وخاضَ الناسُ بعرقهم كلٌّ على حَسَبِ عَمَلِهِ, وجاءَ المقتولُ آخذاً رأسهُ بيدٍ, والقاتلَ بيدٍ أخرى, وهو يقولُ لربِّنا -عز وجل-: "يا ربِّ سلهُ لمَ قَتَلَني؟ فما أنتَ قائلٌ لربِّك يومَ القيامةِ أيُّها القاتل؟".

أيُّها المجرمُ السَّفاحُ: إذا كانَ المعينُ على القتلِ ولو بشطرِ كلمةٍ آيساً من رحمةِ اللهِ -تعالى-, فكيفَ حالكَ أنتَ؟ هل نسيتَ قولَ الله -تعالى-: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

كيف تجْتَرئُ على بنيانِ اللهِ فتهدمُهُ؟ وسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- يقول: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ" [رواه الإمام الترمذي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-].

والدنيا فيها المسجدُ الحرامُ, والكعبةُ المشرَّفةُ, والمسجدُ النبويُّ الشريفُ, والمسجدُ الأقصى, وبيوتُ الله -تعالى- في مشارقِ الأرضِ ومغاربها.

يا عباد الله: حذِّروا أبناءكم وإخوانكم من إراقةِ الدماءِ؛ لأَنْ يَأتِيَ العزيزُ عليكم مقتولاً -لا قدَّر الله تعالى- خيرٌ له من أن يأتيَ قاتلاً؛ لأنَّهُ لو جاءَ مقتولاً فهو شهيدٌ إن شاء الله -تعالى-, أما إذا جاءَ قاتلاً -لا قدَّرَ الله تعالى- كيفَ يكونُ حالُهُ وحالُكَ؟ وإن رضيتَ بالقتلِ فأنتَ شريكٌ معه في الإثم.

يا عباد الله: عزاؤنا بأنَّ الإنسانَ لن يموتَ إلا بأَجَلِهِ, قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله) [آل عمران: 145] فما من ميِّتٍ يموت إلا ويموتُ بأجلِهِ, ويكونُ قاتِلُهُ آثماً.

يا عباد الله: هل من عودةٍ إلى كتابِ الله -تعالى- القائل: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء: 59].

هيِّئِ الجوابَ لله -تعالى- أيُّها القاتل.

اللهم لا تسوِّد وجوهنا يوم القيامة.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي