من علامات سلامة القلب الرحمة والرأفة بعباد الله، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رفيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، عفيف متعفف ذو عيال".
الحمد لله الذي خلق الخلق وحده، أوجدهم من العدم، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) [الملك:23]، والصلاة والسلام على خيرة خلقه محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد..
فيا عباد الله.. اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا –رحمكم الله تعالى- أن الله خلق الإنسان وأمده بالأعضاء التي بها قوام حياته، فجعل له اليدين والرجلين، والسمع والأبصار، وهذه الأعضاء لا يمكنها التصرف والتحرك إلا بإشارات من القلب. فالقلب هو ملك الأعضاء والمحرك لها، من خلاله يوجه المرء أعضاءه للخير أو للشر.
ولقد بين رسولنا صلى الله عليه وسلم هيمنة القلب على الأعضاء عندما قال صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".
بل إنه جعل صلى الله عليه وسلم استقامة القلب دليل على استقامة الإيمان حين قال: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه".
ولما للقلب من أهمية عظيمة في الإيمان كان القلب محل نظر الرب جل وعلا، ففي الحديث: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم".
والقلب –عباد الله- على اسمه كثير التقلب، لهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ربه بتثبيت قلبه، ويكثر من ذلك. فعن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبب كثرة دعائه بـ"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ". وفي حديث الآخر: "لقلب ابن آدم أشد تقلباًمن القدر إذا اجتمعت غلياناً".
ولقد بين القرآن الكريم أن القلوب قلبان: قلب سليم قد سلم مما سوى الله، فهو يوجل لذكر الله، ويخاف من عذابه، ويرجو رحمته ويخشى عقابه، فهذا صاحبه قد وعد بالنجاة يوم الحساب (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:87-89].
وإن لسلامة القلب –عباد الله- علامات تدل عليه، من أبرزها محبة الله تعالى والإكثار من ذكره جل وعلا، فإن القلوب كما قيل: كالقدور، وألسنتها مغارفها، فاللسان يخرج ما في القلب من حلو أو حنظل، فإذا امتلأ القلب بحب الرب جل وعلا، تحرك اللسان بالذكر ولا بد، وإذا امتلأ بغير ذلك من الكفر والفسوق والعصيان تحرك اللسان بالغيبة والنميمة والفحش والبذاء.
ومن علامات سلامة القلب الرحمة والرأفة بعباد الله، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رفيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، عفيف متعفف ذو عيال".
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "وإذا أشرق في القلب نور الإيمان واليقين بالوعد، وامتلأ من محبة الله وإجلاله، رق وصارت فيه الرأفة والرحمة، فتراه رحيماً، رقيق القلب بكل ذي قربى، ومسلم يرحم النملة في جحرها، والطير في وكره، فضلاً عن بني جنسه، فهذا أقرب القلوب من الله تعالى، والله سبحانه إذا أراد أن يرحم عبداً أسكن في قلبه الرأفة والرحمة، وإذا أراد أن يعذب عبداً نزع من قلبه الرحمة والرأفة، وأبدله بهما الغلظة والقسوة، وفي الحديث الثابت "لا تنزع الرحمة إلا من شقي".
ومن علامات سلامة القلب كذلك طهارته من الغل والحسد والظلم، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل، فقال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".
وعلى العكس من القلب السليم قلب آخر غلب عليه الهوى، وختمت عليه الغفلة فطبع بطابع القسوة، فأصبح كالحجارة أو أشد قسوة.
فقسوة القلب –عباد الله- داء خطير يقرب من الشيطان، ويبعد عن الرحمن، كما في الحديث: "إن أبعد القلوب عن الله القلب القاسي". وما خلقت النار إلا لإذابة القلوب القاسية، (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الزمر: 22].
ولقد ضرب كثير من المسلمين خصوصاً في الأزمنة المتأخرة بقسوة القلب وإعراضه عن الله تعالى، فلا يرق قلب كثير منهم لآية ولا يلين لموعظة، يسمع آيات الله تتلى عليه بكرة وعشياً وكأن المخاطب بها غيره، ويسمع أحاديث الآخرة، الموت والقبر، والبعث والنشور، والجنة والنار فلا تهزه الآيات، ولا يلين لتلك العظات، وما ذاك إلا لقسوة القلب ومرضه وبعده عن الله تعالى.
إن من أعظم أسباب قسوة القلب –أيها المسلمون- كثرة الذنوب والخطايا، فكلما أكثر المرء من الذنوب طبع الله على قلبه وأبعده منه.
يقول الله تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين:14] ، وفي الحديث: "إن العبد إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، فإن عاد زيد فيها حتى تعلوا قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله في القرآن".
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى في الآية: "هو الذنب على الذنب حتى يعمي القلب فيموت".
ومن أسباب قسوة القلب كثرة مخالطة من لا يذكر بالله تعالى.
فمن الناس من تكون مخالطته وبالاً على المرء في دينه ودنياه، وقد تكون هذه المخالطة على نوع من المودة في الدنيا إلا أنها تنقلب خسارة وعداء يوم القيامة (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67].
ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً للجليس الصالح بحامل المسك، وللجليس السوء بنافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذوك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة.
ومن أسباب قسوة القلب كذلك الغفلة عن ذكر الله تعالى. فذكر الله حياة للقلوب، والغفلة عن ذكره قسوة لها.
جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله تعالى فقال: يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي، قال: "أذبه بالذكر".
يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون:9].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه الكريم، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي