إن توقير النبي -صلى الله عليه وسلم- شرطٌ من شروط الفلاح، والخيبة والخسران هو في انتهاك حرمته، وحرمة مدينته، وحرمة مسجده وقبره الشريف. وهذا ما طالعتنا به الأخبار المفزعة الأخيرة قبل أمس.. أين ذهبت عقول هؤلاء، أين ذهبت مروءتهم؟! أين دينهم؟! فإنه لا دين لسفك الدم الصائم غيلة في رمضان، في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبجوار مسجده فلا هم وقَّروه، ولا وقَّروا مدينته، ولا وقَّروا مسجده، ولا قبره -صلى الله عليه وسلم- ولا احترموا دم المسلم المعصوم.. فأي خسران بعد هذا الخسران!
الحمد لله الذي بلَّغنا شهر رمضان، وأنعم علينا بإتمام عدته، الحمد لله الذي خلَق وبرأ وأبدع كل شيء ذرأ، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه، وصلى الله على سيد المرسلين محمد وآله أجمعين.
الله أكبر، الله أكبر ، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين أسأل الله لي ولكم القبول.
يقول الله سبحانه (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف:157].
إن توقير النبي -صلى الله عليه وسلم- شرطٌ من شروط الفلاح، والخيبة والخسران هو في انتهاك حرمته، وحرمة مدينته، وحرمة مسجده وقبره الشريف.
وهذا ما طالعتنا به الأخبار المفزعة الأخيرة قبل أمس؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أين ذهبت عقول هؤلاء، أين ذهبت مروءتهم؟! أين دينهم؟! فإنه لا دين لسفك الدم الصائم غيلة في رمضان، في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبجوار مسجده فلا هم وقَّروه، ولا وقَّروا مدينته، ولا وقَّروا مسجده، ولا قبره -صلى الله عليه وسلم- ولا احترموا دم المسلم المعصوم.. فأي خسران بعد هذا الخسران!
في السلسلة الصحيحة عن ابن عمر قال -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أطيبك وأطيب ريحك! وما أعظمك وأعظم حرمتك!" يعني الكعبة "والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم حرمة منك ماله ودمه، وأن يُظَن به إلا خيرًا".
إن أول من أجرَم في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في داخل مسجده هو ماجوسيّ فارسي مجرم، وهو أبو لؤلؤة المجوسي، حين طعَن أمير المؤمنين عمر بخنجره المسموم.
فهل هؤلاء من أرباب فكره؟ أم هل هناك أصابع مجوسية تحرك مثل هذه الجرائم لإثارة الفتنة في بلاد الحرمين؟! الله أعلم.
ولا يقل خطورة عن هذه الجرائم المتتالية: جريمة طائفة من الكُتاب والصحافيين في اتهام ثقافة هذه البلاد النابعة من كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- في نشوء مثل هذا الفكر العفن، ولا سبيل لديهم سوى بغضهم للتدين بوجه عام، وغرامهم في الفساد والخلاعة والانفلات الأخلاقي، فهم متسلطون على الهيئة، وعلى الدعاة المعتدلين، وعلى المناهج الدينية، وعلى مدارس القرآن وحِلَق التحفيظ، ويتهمونها بأنه السبب وراء هذه الجرائم.
وللمنصف أن يتأمل في معدل أعمار أولئك الأغرار الذين يفجِّرون فهم ما بين الثامنة عشر إلى الثانية والعشرين، ومدارس تحفيظ القرآن والمناهج الدراسية الدينية لها أكثر من ستين عامًا، أي: أكثر من ثلاثة أجيال، فلماذا لم تخرج لنا جيلاً من المفجرين من قبل، لكن دأب المرجفين يصطادون في الماء العكر.
فأسأل الله لبلادنا وبلاد المسلمين الأمن والأمان والحفظ من كل خارجي وضال.
معاشر المسلمين: قد يغلب على بعضنا اليأس والقنوط جراء الأحداث الأليمة المزمنة في أمتنا، فرَّج الله عن إخواننا الموحدين في كل مكان.
ولا يزيد التئام الجرح إلا إيلامًا؛ فإننا نرى الصفويين المتوحشين الحاقدين سائرين في مشاريعهم العدوانية للقضاء على أهل السنة من جانب، وترى الخوارج القتلة الذين لم يبقوا على رطب ولا يابس..
من جانب آخر والطغاة الجبارين في طغيانهم يعمهون، وأراضي المسلمين ومقدساتهم ما زالت في قبضة اليهود، وأراضٍ في قبضة الفرس الحاقدين بالرغم من كل هذه الأهوال والمعاناة والجراح ما زلنا مأمورين بالتفاؤل؛ لأن ديننا دين التفاؤل والأمل لا دين اليأس والقنوط، وقد أنزل الله –تعالى- في غزوة أحد التي عانى منها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من آلامها (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 146- 148].
إذاً ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا، وما استكانوا، هذه هي تربية القرآن الأمل والتفاؤل فقط، ولا مكان للقنوط ولا للتشاؤم.
وفي قصة يعقوب مع ابنه يوسف عليهما السلام عبارة مشهورة؛ إذ قال لأبنائه في أصعب المواقف: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87].
وفي صحيح المسند عن أبي هريرة قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب الفأل الحسن، ويكره الطيرة".
وفي صحيح الجامع من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال -صلى الله عليه وسلم- "الكبائر الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله".
وفي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم"، وكلما قوي الإيمان واستحكم تبلور اليقين بالله وحسن أقداره في قلب المؤمن، حتى إن ليرى الفرج بعينيه وهو في بطن الأهوال.
فالله أكبر التي رددناها في العيد تعني أن الله أكبر من كل مجرم غاشم، وأنه مطَّلع على خلقه عليم حكيم، وأنه متم نوره ولو كره المجرمون.
في غزوة الأحزاب أكثر الأجواء خوفًا ماذا كان يقول المؤمنون؟ قال تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب:22].
هكذا بكل ثقة ما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا.
إن أحسن أدوية المحن والملمات، وأنفعها في الحال والمآل هو حسن الظن بالله، ولا يحسن الظن بربه إلا المتفائل، ولا يقتدي بهدي النبي إلا المتفائل، أما التشاؤم فهو سوء ظن بالله جل وعلا.
ومما قضى الله ما يخفِّف العناء، بل ويقلبه إلى رجاء ورضاء أنه يجري للعباد بالمصائب الأجور ورفع الدرجات، وتكفير السيئات، ثم يتبعها الفرج وحسن العاقبة.
فكم من المحن في طياتها مِنَح، وكم من العسر اتبعه اليسر تأكيدًا مؤكدًا (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح: 5- 6]، ولن يغلب عسر يسرين.
أيها الإخوة: إن تغيير واقع الأمة لا يكون بالصراخ ولا بالعويل، ولا يكون باللعن، ولا بإلقاء اللوم هنا وهناك، إن تغيير واقع الأمة يبدأ بتغيير النفس، ففي سورة الرعد قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].
فهل يكون لنا سهم مبارك في تغيير واقع أمتنا؟ أسأل الله ذلك.
اليوم عيد، وينبغي أن نعلم أن إظهار السرور في العيدين مندوب، وهي من الشريعة التي شرعها الله لعباده، وذلك حمدًا لله على نعمه، وشكرًا لله على كرمه؛ إذ وفقنا لإتمام صوم الشهر (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185].
قد صحَّ في البخاري أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه"، فالفرح بالعيد، وبإتمام عدة رمضان لا يتعارض مع الأسى الذي نشعر به تجاه إخواننا المستضعفين حولنا، فقلوبنا معهم ودعاؤنا لهم لا يهدأ وهو جهد مُقِل، أسأل الله لهم فرجًا قريبًا يا رب العالمين.
معاشر المسلمين: العيد تغافُر وتسامح، العيد بر بالوالدين، العيد صلة للأرحام، العيد أكفّ متصافحة، وقلوب صافية، العيد أنس ووئام، والعيد وفاء لرمضان، فلنجعل من العيد شكرًا لله نسطره بالأعمال الطيبة الصالحة، ونراقب فيه إحسان الله إلينا وكرمه ومنته وحلمه ورحمته ولنذكره في كل حين قيامًا وقعودًا وعلى جنب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب: 41- 42].
ولا ننسى تعويذ أنفسنا، وتعويذ أولادنا؛ إذ هم اليوم في أحسن زينة، فإن العين تصيب أعز الناس من دون قصد، سلمنا الله وإياكم من كل شر.
اللهم تقبل منا طاعاتنا واكتب أجورنا..
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي