إن في مجتمعكم مشكلة تصد عن ذكر الله، وتوجب للعبد الغفلة عن طاعة الله، لا أقول: إنها مشكلة علمية؛ لأن الكثير يعرف حكمها، ولكن المشكلة فيها هو العمل والتنفيذ ألا أنبئكم ما هي المشكلة؟ هي: مشكلة الإصرار على اللهو من الاستماع إلى آلات الطرب والغناء المحرم، التي,...
الحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه، وأدر عليهم النعم والأرزاق ليشكروه، وأمرهم بحماية أعمارهم وحفظ أوقاتهم أن يضيعوها سدى ليستفيدوا من حياتهم، ويفوزوا بالربح والفلاح حين يلاقوه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحكمة في خلقه وشرعه، وله الحكم المطلق بين خلقه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل النبيين، وإمام المتقين، وسيد أولي العزم من المرسلين، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، وحجة على العباد أجمعين، فبين للعباد طرق سيرهم إلى الله، ونظم لهم شؤونهم وأعمالهم في هذه الدنيا وبعد الممات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-: واعلموا أنكم لم تخلقوا عبثا، ولن تتركوا سدى، وإنما خلقتم لأمر عظيم، وهيئتم للقيام بعمل جليل جسيم خلقتم لعبادة الله والامتثال لأوامره والانزجار عن نواهيه.
لقد أمركم الله -تعالى- بكل ما يقوم هذه العبادة، ونهاكم عن كل ما يصدكم عن ذكر الله، وعن طريق السعادة.
ألا وإن في مجتمعكم مشكلة تصد عن ذكر الله، وتوجب للعبد الغفلة عن طاعة الله، لا أقول: إنها مشكلة علمية؛ لأن الكثير يعرف حكمها، ولكن المشكلة فيها هو العمل والتنفيذ ألا أنبئكم ما هي المشكلة؟ هي مشكلة الإصرار على اللهو من الاستماع إلى آلات الطرب والغناء المحرم التي أصبح كثير من الناس عاكفا عليها، حتى أشغلته عن كثير مما يهمه، ويعنيه في دينه ودنياه، فكان في ذلك ضياع للوقت، ونفاد للمال، وإصرار على المعصية، وتعلق القلب بغير الله.
ولا أدري -أيها الإخوان-: ما شأن المصرين عليها، هل هم في شك في تحريمها أم عندهم ضعف في إيمانهم وعزيمتهم؟ أم هم رأوا الأسباب المقتضية لها، فظنوا أنه لا بأس بها، وصدق قول القائل: "مع كثرة الإمساس يقل الإحساس"؟.
فمن كان في شك في تحريمها، فليستمع إلى بعض النصوص الواردة فيها؛ فمن ذلك قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)[لقمان: 6].
أكثر المفسرين على أن المراد بذلك: اللهو الغناء.
قال ابن مسعود -رضي الله عنه- :"والله الذي لا إله غيره إن ذلك هو الغناء" وكررها ثلاث مرات.
وتفسير الصحابة حجة؛ لأنهم أعلم الناس بالقرآن لفظا ومعنى، حتى قال بعض العلماء: أنه في حكم المرفوع.
وفي صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف"[أبو داود (4039)].
والمعازف، هي: آلات اللهو.
فذمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على استحلالها، وقرن ذلك باستحلال الحر، وهي/ الفروج، يعني استحلال الزنا.
وباستحلال الحرير والخمر، وردت أحاديث أخرى كثيرة في السنن والمسند، تدل على التحريم والوعيد لمن استحل ذلك، أو أصر عليه.
ولولا خوف الإطالة لذكرناها مع أن المؤمن يكفيـه دليل واحد صحيح عـن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قـال الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)[الأحزاب: 36].
قال ابن القيم -رحمه الله-: "حكى أبو عمرو بن الصلاح الإجماع من أهل العلم على تحريم السماع الذي جمع الدف والشبابة، وهما آلتان من آلات اللهو، فيا من شك في تحريمه هذه أدلة التحريم، ويا من عرف الحق وضعفت عزيمته، حتى اجترفته التيارات، ارجع إلى نفسك فحاسبها، واقنعها بالرجوع عن الإصرار عليه، واستعن بالله على ذلك، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأن من أصر على المعصية مع علمه بها، فلا عذر له، ويوشك أن يزيغ قلبه، ويطبع عليه، فيلتبس عليه الحق، ويخسر دينه ودنياه، ولا تغتر -أيها العاقل المؤمن-: بعمل الناس، ولكن اعرض أعمالهم على كتاب ربك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، فإن وجدت فيهما تحريم ذلك فاجتنبه، فإن الحساب غدا على ما في الكتاب والسنة، لا على عمل الناس.
ولا تطلق لنفسك العنان في الترفيه، فتقع في المحظور والحرام، فإن الترفيه نوعان:
نوع مباح، بريء من الإثم، لا يمنع الإنسان منه، وهو ما أحله الله ورسوله من المتنزهات، والنظر في جمال المخلوقات من الأنهار والأشجار والجبال، ونحوها، ومن المسابقة على الأقدام وغيرها والسباحة، ونحوها مما هو حلال نافع في الدين وفي الدنيا، فهذا لا بأس.
والنوع الثاني: ترفيه بريء، من الأجر، مليء من الوزر، فهذا يمنع الإنسان منه، ومنعه منه عين المصلحة، ألا ترى الطبيب يمنع المريض من الطعام الذي يشتهيه حيث يضره لوقايته من الضرر، وجلب ما ينفعه، وذلك مثل الترفيه بما حرم الله، فهذا ممنوع منه لما فيه من الإثم والفساد.
وفقني الله وإياكم لفعل مراضيه، وجنبنا أسباب سخطه ومعاصيه، وأرانا الحق حقا ورزقنا اتباعه، وأررانا الباطل باطلا ورزقنا اجتنابه، إنه جواد كريم رؤوف رحيم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ... الخ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي