أيها الناس: إن أكثر المعاملات وقوعا هو البيع والشراء، وإن للبيع والشراء شروطا لا بد منها إذا فقدت أو فقد بعضها لم يصح البيع؛ فمن تلك الشروط: أن لا يشتمل العقد على غرر، فإن كان في العقد غرر فهو باطل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الغرر. فمن الغرر: أن يكون الثمن مجهولا أو السلعة مجهولة. وقد سمعنا أن...
الحمد لله الذي أباح لنا من التعامل كل معاملة مبنية على العدل والصدق والبيان، وحرم علينا كل معاملة مبنية على الظلم والكذب والكتمان، ونظم لنا طرق التعامل أحسن نظام وأكمله، حتى كان ذلك النظام كفيلا للتعايش بين الناس بالمحبة والألفة والرحمة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي أحسن كل شيء خلقه، وأحكم كل نظام شرعه، وهو أحكم الحاكمين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أفضل النبيين، وإمام المتقين، وحجة الله على الخلق أجمعين، المبعوث رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا: أن هذا الدين دينكم الذي تفتخرون به، وحق لكم أن تفتخروا به، فإنه الدين الذي نظم للعباد سبل معاملتهم مع الله ومعاملتهم مع عباد الله.
فكما أن الله شرع لكم عبادات تتعبدون الله بها على حسب ما أمركم به، وأرشدكم إليه، وأنكم لا يمكنكم أن تعبدوا الله إلا بما رضيه وشرعه، لا يمكنكم أن تعبدوه بما تهواه أنفسكم.
فكذلك أذن لكم في معاملات تتعاملون بها فيما بينكم على حسب ما أباحه، وأذن به، لا على حسب ما تريدون وتشتهون.
فالبيع له شروط شرعية، والإجارة لها شروط شرعية، والهبة والرهن والوقف وغيرها كل ذلك له شروط، يجب اعتبارها، والتعامل على وفق حدودها: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[البقرة:229].
أيها الناس: إن أكثر المعاملات وقوعا هو البيع والشراء، وإن للبيع والشراء شروطا لا بد منها إذا فقدت أو فقد بعضها لم يصح البيع؛ فمن تلك الشروط: أن لا يشتمل العقد على غرر، فإن كان في العقد غرر فهو باطل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الغرر.
فمن الغرر: أن يكون الثمن مجهولا أو السلعة مجهولة.
وقد سمعنا أن بعض الناس يجمع أنواعا من السلع مجهولة العدد مختلفة القيمة، فيبيعها جميعا بسعر واحد، وهذا جهالة واضحة، فإن السلع الرخيصة قد تكثر فيكون المشتري مغبونا، وقد يكون الأمر بالعكس فيكون البائع مغبونا، وقد يكون البائع عالما بالأمر ولكن يريد تغرير المشتري وخداعه.
كما سمعنا أن بعض الناس يبيع جميع ما في دكانه بسعر واحد والمشتري لا يدري ما قدر كل سلعة فيه، وهذه جهالة وغرر حرام باطل، لا يجوز الإقدام عليه.
سمعنا أنه باع دكانه كل حبة منه بريال، فلما أحصوه ظهر كيس السكر بريال وصندوق الكبريت بريال وبقية الأنواع على ريال، وهم حين العقد لا يعلمون كم عدد السكر مثلا، وكم عدد الكبريت، وكم عدد الأنواع الأخرى.
فيا سبحان الله! كيف يشكل على هؤلاء أن هذا غرر ومخاطرة؟
فقد يربح المشتري ربحا كثيرا، وقد يخسر خسارة كبيرة!.
يا سبحان الله! كيف يقع هذا علنا؟
إن كان وقع علنا ولا ينكره أحد، إن هذا لشيء عجيب!.
ألم تعلموا -أيها المسلمون-: أن هذا نوع من الميسر، وقد قرن الله الميسر بالخمر، وعبادة الأصنام، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة: 90 - 91].
أيها المسلمون: إن هذا العمل لموقع للعداوة والبغضاء، فإن الخاسر من البائع أو المشتري في هذه الصورة يقع في قلبه من الهم والغم والحزن، والنظر إلى أخيه بعين السخط ما لا حاجة إليه.
وإن الواجب على من وقع منه ذلك: أن يتوب إلى الله، وأن يفسخ العقد، ويرد السلعة إلى صاحبها، ويأخذ الثمن إن كان قد سلمه.
ومن شروط العقود: أن تكون برضى من الطرفين، فمن أخذ ماله بغير رضا منه ببيع أو إجارة أو غيرهما فالعقد حرام باطل، إلا أن يكون ذلك بطريق شرعي.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-: وتمشوا في معاملتكم على الوجه الذي أذن لكم فيه ربكم، ولا تتعدوا حدوده فتهلكوا.
واعلموا: أن كل مال كسبه الإنسان أو أخذه بغير طريق حلال، فلا خير فيه ولا بركة، بل هو شر ووبال على صاحبه.
إن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن خلفه بعده كان زادا له إلى النار، وإن تغذى به فدعا الله فلن يستجاب له.
وباب التوبة للتائبين مفتوح.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قال الله -تعالى-: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 188].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ... إلخ...
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي