إن تلقي بعض الناس لبعض الفساق والعصاة، ورفعة أهل المعاصي، وذل أهل الطاعات؛ موجب للعنة رب الأرض والسماوات, ومقتُ جميع الخلق لكم حتى الحيوانات, وسبب لنزع البركات, وموجب لحلول أنواع الأمراض والأسقام والهلكات؛ مثل أمراض السل والسرطان, ومثل الأمراض التي استعصت على كثير من الأطباء
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه, ومذل من خالف أمره وعصاه, الناصر لمن ينصره من أهل طاعته وأوليائه, الذين يغضبون لغضبه ويرضون لرضاه, ولا تأخذهم في ربهم لومة لائم, ولا يخشون أحداً سواه، ويحبون لحبه ويبغضون لبغضه, ويوالون أولياءه ويعادون أعداءه, ويجاهدون أهل معاصيه بأنفسهم وأموالهم وألسنتهم، طاعة لله.
أحمده سبحانه حمداً يملأ الأرض والسماء, وأشكره على سوابغ نعمه وآلائه, ونعوذ بالله من زوال نعمه، إنه على كل شيء قدير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, الذي يغار إذا انتهكت محارمه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل-، واعلموا أنه بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إعلان بترك الواجبات, واستخفاف بحق رب الأرض والسماوات, وإعلان بظهور المنكرات، وإعلان بعلو الفسقة.
عباد الله: إن تلقي بعض الناس لبعض الفساق والعصاة، ورفعة أهل المعاصي، وذل أهل الطاعات؛ موجب للعنة رب الأرض والسماوات, ومقتُ جميع الخلق لكم حتى الحيوانات, وسبب لنزع البركات, وموجب لحلول أنواع الأمراض والأسقام والهلكات؛ مثل أمراض السل والسرطان, ومثل الأمراض التي استعصت على كثير من الأطباء.
إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجب لتسلط الأعداء وجور الولاة؛ فماذا يرتقب مرتكب المحظورات المعرض عن الله تهاوناً وعدم مبالاة؟! أما سمعتم الله يقول في محكم الآيات: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة:79].
عباد الله: أما سمعتم بما فعل بالقرون الخاليات من أنواع التدمير والعقوبات؟! منهم من خسفنا, ومنهم من أرسلنا عليه حاصباً, ومنهم من أغرقه الله، وما حل بهم من أليم العذاب والهلكات, التي يصلون بها إلى نار الجحيم والحسرات, ويُحْرَمون بركات الأعمال والأرزاق.
عباد الله: أما سمعتم بعظيم عذابه لمرتكب المحرمات, وبمن لم ينكر المنكرات، روى الإمام أحمد -رحمه الله- عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعقاب من عنده، قلت: يا رسول الله! أما فيهم يومئذٍ أناس صالحون؟ قال: بلى، قلت: كيف يصنع بهم؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس".
في الأثر: "لا تزال هذه الأمة تحت يد الله, وفي كنف الله, ما لم يمالئ قراؤها فساقها, وما لم يزك صلحاؤها فجارها، وما لم يهن شرارها خيارها، فإذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم يده, ثم سلط عليهم جبابرتهم, فساموهم سوء العذاب ثم ضربهم بالفاقة والفقر".
وروي عن نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أظهر الناس العلم وضيعوا العمل, فتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب، وتقاطعوا الأرحام، لعنهم الله عند ذلك, فأصمهم وأعمى أبصارهم" ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم".
وتقول عائشة -رضي الله عنه-: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صعد المنبر فقال: "يا أيها الناس! إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم, وتستنصروني فلا أنصركم, وتسألوني فلا أعطيكم".
أمة الإسلام: لنستمع إلى هذا الحديث بإمعان، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس! إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم, وتستنصروني فلا أنصركم، وتسألوني فلا أعطيكم".
فما بعد هذا الحرمان -يا أمة الإسلام- حُرمنا القطر من السماء لأي شيء يا عباد الله؟ بظهور المنكرات وانتشار المعاصي؛ فإليك اللهم المشتكى, وإنا لله وإنا إليه راجعون!
يقول نبيكم -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر المهاجرين: خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهنّ ما ظهرت الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا, ولا نقص قوم المكيال إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان, ولا منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء, ولولا البهائم لم يمطروا، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم, فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم".
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر, حتى تكونوا من الذين قال الله فيهم: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104] ويقول جل وعلا: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران:110] اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأسأل الله أن ينفعنا بالقرآن العظيم، وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم, وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه، يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأستهديه وأستغفره وأتوب إليه, وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر؛ فإن كل واحد منا عليه واجب بقدر المستطاع، فأولاً: باليد فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، هكذا أرشدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المسلمون: بالأمر بالمعروف يحصل الخير الكثير: ينقمع أهل المعاصي والفساد, وتظهر هيبة المسلمين حتى في قلوب الأعداء, ويحصل الأمن والاستقرار, وحصول البركات والخيرات, أما إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فسترون المنكرات بأعينكم, وتلمسونها بحواسكم، وتفقدون القوة والأمن والاستقرار، ويطأكم الأعداء بالأقدام، وتحل اللعنة وترسل الرحمة ويصيبكم العذاب؛ فلا دعاء مستجاب عند ذلك.
أمة الإسلام: اعتبروا فيمن سلف من الأمم من قبلكم, وما أصابهم الله به من أنواع العقوبات, وما ربك بظلام للعبيد, غير أن الله -عز وجل- يغار, وغيرته أن يأتي العبد ما حرم الله عليه.
أيها المؤمنون: توبوا جميعاً إلى الله -عز وجل-, وأقلعوا عما أنتم فيه من الغفلة والرقاد, واعلموا أن كلكم راعٍ, وكل راعٍ مسئول عن رعيته, وسوف تقفون بين يدي الله -عز وجل-, ويسألكم عن هذا التفريط والإهمال.
فأعدوا للسؤال جواباً, وللجواب صواباً, وليس الجواب أن نترك الحبل على الغارب ونقول: عجزنا! لا. بل نجاهد ولو في بيوتنا, كما كان عباد الله الذين مدحهم الله في القرآن فهذا إسماعيل -عليه السلام- يقول فيه: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً) [مريم:54-55] ويقول جل وعلا: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طه:132]
عباد الله: الحذر الحذر من مجالسة أهل المنكرات؛ فإن العقوبة واللعنة تعمّ من جالسهم ورضي بأفعالهم, وأقرهم عليها, ومصداق ذلك ما رواه إمام أهل السنة في مسنده وما روي في السنن من حديث عمرو بن مرة عن سالم بن أبي جعد عن أبي عبيدة عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من كان قبلكم كان إذا عمل فيهم العامل الخطيئة جاءه الناهي تعذيراً, فإذا كان الغد جالسه وآكله وشاربه, كأنه لم يره على خطيئة بالأمس فلما رأى سبحانه وتعالى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض, ثم لعنهم على لسان أنبيائهم: (دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [المائدة:78]
وكان متكئاً -صلى الله عليه وسلم-؛ فجلس وقال: "والذي نفس محمد بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً؛ أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض, ثم يلعنكم كما لعنهم".
ذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمر الصنعاني: "أن الله أوحى إلى يوشع بن نون -عليه السلام-: أني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم, وستين ألفاً من شرارهم، قال: يا رب! هؤلاء الأشرار, فما بال الأخيار؟! قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي, وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم".
فيا عباد الله -يا أمة الإسلام- لننتهي عن المداهنة, لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر, ونرجع إلى الله -عز وجل- ونتوب؛ فإنه يقبل التائب إذا أناب ورجع, وعلينا بإصلاح أنفسنا وأهلينا حتى يصلح المجتمع وتحصل الخيرات وتحل البركات من فاطر الأرض والسماوات.
إخواني المسلمين: إن الأهل والأولاد تحت مسئوليتنا؛ فعلينا أن نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر, ونرشدهم إلى طاعة الله -عز وجل-, فإنهم أمانة في الأعناق, وسنسأل عن هذه الأمانة أمام الله -عز وجل- في يوم لا تنفع فيه أعذار.
وصلوا على من أدى الرسالة, وبلغ الأمانة محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث أمركم الله أن تصلوا عليه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]
اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي-, وعن سائر أصحابه أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك -وإن كنا مقصرين- يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأصلح أئمة وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين.
اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم انصر بهم دينك، اللهم اجعلهم حرباً لأعدائك سلماً لأوليائك، اللهم أقر بهم أعين الآباء يا رب العالمين.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23] اللهم أنت الله لا إله إلا أنت, أنت الغني ونحن الفقراء, أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
ربنا أنت غني عنا وعن أعمالنا؛ فلا تؤاخذنا بسوء أعمالنا، ولا بما فعل السفهاء منا يا رب العالمين، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]
اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار, عاجلاً غير آجل, اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم، ولا بلاء، ولا غرق.
اللهم ارحم عبادك, اللهم إنا خلق من خلقك, فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم أغثنا يا رب العالمين, يا من خزائنه ملأى, يا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين, اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق.
اللهم أحي بلدك الميت، اللهم انشر رحمتك على العباد, يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) [النحل:90-91 ]
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي