الملائكةُ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ، وسَفَرةٌ كرامٌ برَرَة، يعبُدُون الله عِبادةً عظيمةً، فهم لا يفتُرُون عن تسبيحِ الله وتحميدِه بالليلِ والنهار، ولا يستحسِرُون ولا يسأَمُون، ولَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ، وهم من خشيتِهِ وإجلالِهِ مُشْفِقُون خائِفُون، أعظمُهم قَدرًا ومكانةً عند الله: جبريلُ - عليه السلام -، فهو الرّوحُ المُوكَّلُ بالوحيِ الذي به حياةُ القلوب، ومِيكائيلُ المُوكَّلُ بالقْطرِ والغيثِ الذي به حياةُ الأرضِ والأبدان، وإسرافيلُ المُوكَّلُ بنفخِ الصُّور الذي به حياةُ الناسِ وبعثُهم من قبورِهم، وإسرافيلُ قد التَقَمَ القَرنَ، وحنَى جبهَتَه، وأصغَى سمعَه، ينتظِرُ متى يُؤمَرُ بالنّفخِ، كما ثبَتَ في الحديث.
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنِا، وسيئاتِ أعمالِنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحْدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين.
أما بعد:
فاتَّقوا الله - عبادَ الله -، واعْلَموا أن هذه الدنيا في حقيقتِها سفرٌ إلى الله، ومراحلُ تُطوَى إلى يومِ القرارِ والمعاد، والسعيدُ المُوفَّقُ هو الذي جعل الدنيا جِسرًا إلى الآخِرة، ولم يتَّخِذها وطنًا وقرارًا؛ بل هو فيها كأنه غريبٌ أو عابرُ سبيل، أو كأنه نامَ تحت ظِلِّ شجرةٍ ثم راحَ وتركَها، (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر: 39].
أيها المسلمون:
إن الله تعالى عظيمٌ جليلٌ، له في كلِّ شيءٍ آيةٌ تدلُّ على أنه الواحِدُ القهَّار، القادرُ العظيم، الذي أتقَنَ كل شيءٍ خلقَه، وأبدَع كلَّ شيءٍ صَنَعَه، ولا تحيطُ بقدرتِهِ العجيبةِ العقولُ ولا الأفْهام، ولا تُدرِكُ عظمَتَه خيالاتُ النفوسِ ولا الأوْهَام.
وإنّ من أعظم العوالِمِ والخوالِقِ التي تتجلَّى فيها قدرةُ الربِّ - سبحانه - وعظمتُه: عالمَ الملائكةِ الأخْيار، المُصطَفَيْن الأطْهار، الذين هُم أثرٌ من آثارِ عظمةِ الله وجلالِه وقُدرته، ولذلك جعَلَ - سبحانه وتعالى - الإيمانَ بهم، ومعرفتَهم، والتصديقَ بوجودِهِم وأعمالِهِم رُكنًا عظيمًا من أركانِ الإيمان، التي لا يقبلُ الله ُ صرفًا ولا عدلاً إذا لم يأتِ بها كلَّها، (وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء: 136].
إن الحديثَ عن الملائكة بشيءٍ من التفصيلِ، من خلالِ النصوصِ الشرعيةِ الثابتةِ الكثيرة، لهو مما يزيدُ الإيمانَ ويُقوِّيه، ويُرسِّخُ اليقينَ في القلوب، فتفرحُ بربِّها - سبحانه -، وتمتَلئُ تعظيمًا له وإجلالاً، ويعلمُ الإنسانُ مِقدارَ ضعفهِ وعجزهِ، وأن هناك من هو أعظمُ منه خَلقًا وقُدرةً وقوَّةً.
إن الملائكة عالَمٌ عظيمُ الشأن من عوالمِ هذا الكونِ الفسيح، عالَمٌ كلُّهُ طُهرٌ ونقاءٌ وصَفاءٌ، خَلقهَم اللهُ من نُور، كما في "صحيحِ مسلم"، وهم من أقدَمِ وأعظمِ خلقِ الله، أعطاَهم الله القُدرة العظيمةَ على التّشَكُّلِ بأشكالٍ مُختلفة، وخلَقَ لهم أجنحةً مثنَى وثُلاثَ ورُباعَ وأكثر من ذلك، وهم لا يأكلُون ولا يشرَبون ولا يتناسَلُون، قد وهَبَهم الله - سبحانه - القوّة والقدرة والسرعةَ العجيبةَ التي يستطيعون بها تنفيذَ أوامرِ الله، وهم (لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
خلَقَهم الله - سبحانه - خِلقةً باهرةَ العظمةِ والجمال والبَهاء، وهذا أمرٌ مُتقرِّرٌ في فِطَرِ النَّاس، كما وصَفَت النساءُ جمالَ يوُسُفَ - عليه وعلى نبيِّنا أفضلُ الصلاة والسلام - حين قُلنَ: (مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) [يوسف: 31].
وهذا جبريلُ - عليه السلام - رآهُ النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مرَّتَين على خِلقَتِه التي خلَقَه اللهُ عليها، مرةً رآه وقد سَدَّ الأفُق، ومرةً رآه وله ستمائة جَناح، يَسقطُ منها التّهاويلُ من الدرِّ والياقُوت.
وقد أذِنَ الله لنبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يُحَدِّث الناس عن مَلكٍ من حَمَلة العَرش، رِجلاه في الأرضِ السُّفلى، وعلى قَرنِه العرش، ما بين شَحمةِ أذُنه وعاتقِه خَفَقَان الطيرِ سبعمائة سنة، يقولُ ذلك المَلَك: "سبحانك حيثُ كُنتَ، سبحانك حيثُ كُنت".
فلا إلهَ إلا الله، لا إلهَ إلا الله، ما أجلَّ الله، وأعظِم به - سُبحانه -.
أيها المسلمون:
الملائكةُ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ، وسَفَرةٌ كرامٌ برَرَة، يعبُدُون الله عِبادةً عظيمةً، فهم لا يفتُرُون عن تسبيحِ الله وتحميدِه بالليلِ والنهار، ولا يستحسِرُون ولا يسأَمُون، ولَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ، وهم من خشيتِهِ وإجلالِهِ مُشْفِقُون خائِفُون، أعظمُهم قَدرًا ومكانةً عند الله: جبريلُ - عليه السلام -، فهو الرّوحُ المُوكَّلُ بالوحيِ الذي به حياةُ القلوب، ومِيكائيلُ المُوكَّلُ بالقْطرِ والغيثِ الذي به حياةُ الأرضِ والأبدان، وإسرافيلُ المُوكَّلُ بنفخِ الصُّور الذي به حياةُ الناسِ وبعثُهم من قبورِهم، وإسرافيلُ قد التَقَمَ القَرنَ، وحنَى جبهَتَه، وأصغَى سمعَه، ينتظِرُ متى يُؤمَرُ بالنّفخِ، كما ثبَتَ في الحديث.
والملائكةُ يصُفُّون بين يدَي ربهم - سبحانه - في السماء، ويتراصُّون في الصفوف في تمامٍ ونظامٍ، وما من موضعٍ في السَّماء إلا وفيه مَلكٌ ساجدٌ أو قَائِمٌ، وهذا يدلُّ على كثرةِ عددهم كثرةً لا يُحصِيها إلا الله، كما ثبَتَ أنه يدخُلُ البيتَ المعمورَ في السماءِ السابعة كل يومٍ سبعون ألفَ مَلَك، ثم لا يعودون إليه مرةً أُخرَى، ويُؤتَى بجهنم يومَ القيامة ولها سَبعون ألفَ زِمام، مع كل زِمامٍ سَبعون ألفَ مَلَكٍ يجُرُّونها، فكم يكونُ عددُ المَلَائكة إذًا؟!
فلا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ما أعظمَ الله، وأنعِم به من إلهٍ عظيمٍ قديرٍ.
أيها المسلمون:
هؤلاءُ الملائكةُ الكرامُ كلَّفَهم الله - سبحانه - بأعمالٍ ووظائف كثيرةٍ ومتنوعةٍ في هذا الكون الهائِل؛ فهناك ملائكةٌ لحملِ عرشِ الرحمنِ -سُبحانه-، الذي هو أكبرُ المخلوقات، وملائكةٌ لحفظِ نظامِ الكَون وتدبيِره، وسَيرِ أفلاكِه، وحراسةِ السماءِ وحفظها من كل شيطانٍ مارد، وهناك المُدبِّراتُ والمُقسماتُ أمرا، وهناك ملائكةٌ للسَّحابِ والقَطْر والرياح، وملائكةٌ للرحمةِ، وملائكةٌ للعذابِ. وقد بيّن لنا ذلك ربُّنا - سبحانه - في صدر سورة الصَّافات والذَاريات والمُرسلات والنَّازِعات وغيرها كثير.
وقد كُلِّفَت الملائكةُ الكرام بوظائفَ عامَّةٍ تتعلَّقُ بالبشرِ جميعًا، ووظائفَ أُخرى تتعلَّقُ بالمؤمنين خاصَّة، فهمُ الذين غسّلوا آدم - عليه السلام - بالماء وِترًا بعد مَوتِه، وكفَّنوه، وألحَدُوه في قبرِه، تعليمًا لأبنائِه، وهم الذين يقومُون على خلقِ البشر بأمرٍ من اللهِ - سبحانه -، فإذا مرَّت على النُّطفةِ والعَلَقةِ والمُضغَةِ المدةُ المعروفةُ، بَعَثَ الله إليها مَلَكًا، فصَوَّرها وشقَّ سمعَهَا وبصَرَها، ثم يَسألُ الله تعالى: أذكرًا يكونُ أم أُنثى؟ أسعيدٌ هو أم شقيٌّ؟ وعن رزقِه وأجلِه، ثم يكتُبُ ذلك، ثم ينفُخُ فيه الروح، ثم هي بعد ذلك تكتُبُ أعمالَ الإنسان كُلَّهَا في حياته، وترصُدُ عليه ألفاظَه، (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار: 10- 12].
والملائكةُ تَحرُسُ الإنسان، مُسلمًا كان أو كافرًا، تحرُسُه من القَدَرِ الذي ليس له، (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعد: 11].
قال مُجاهدٌ - رحمه الله -: "ما مِنْ عبدٍ إلا له مَلكٌ مُوكَّلٌ بحفظِه في نومه ويقَظَته من الجنِّ والإنسِ والهوَامِّ".
أمة الإسلام:
إن للملائكةِ علاقةً خاصَّةً بالمؤمنين دون سائر البشر، فهي دائمًا تستغفِرُ للمؤمنين وتشفَعُ لهم عند ربِّهِم، وتستغفِرُ لطالبِ العلم وتضعُ له أجنحَتَها رضًا بما يصْنَع، وتُصلِّي على مُعلِّم الناسِ الخير، وعلى أصحاب الصفِّ الأوَّل، وعلى الذينَ يَصِلُون الصفوفَ، وإذا دعا المؤمنُ أمَّنَت الملائكةُ على دُعائِه وقالت له: "ولك بمِثل"، وإذا أحبَّ الله عبدًا أحبَّه جبريل، ثم تُحبُّه الملائكةُ، ثم يُوضَع له القَبُولُ والحبُّ في الأرض، ويُرسِلُ الله ملائكتَه إلى عبدِهِ المؤمن، فتُحرِّكُ فيه بواعثَ الخير، وتكونُ معه في غالِبِ أحوالِه، تُدافعُِ عنه، وتُؤيِّدُه بالحقِّ، وتُسدِّدُه في قوله وفعله، وتقذِفُ في قلبِه الحكمةَ، وتُشجِّعُه على فعلِ الخيرات والثباتِ عليها.
أما المنافِقُ والفاجِرُ، فالله - سبحانه - يُرسِلُ عليه الشياطينَ تؤُزُّه أزًّا، وتقذِفُ في قلبه الشكُوكَ والعقائدَ الفاسِدَة، وتُحرِّكُ فيه بواعثَ الشرِّ والباطلِ، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن للمَلَك لَمَّةً بقلبِ ابن آدم، وللشيطان لَمَّة.
وقد قال عليٌّ - رضي الله عنه -: "كنا نتحدَّثُ أن السَّكينةَ تنطِقُ على لسانِ عُمرَ وقلبِه".
والملائكةُ تأتي المؤمِنَ في ساعةِ الاحتِضار، تُبَشِّرُه بالجنةِ والرِّضوان، وتُثبِّتُه، ثُم تقبِضُ روحَه بكل سُهولةٍ ورحمةٍ، فيأخذها ملَكُ الموت ويصعَدُ بها إلى السماء، ولها رائحةٌ طيبةٌ زكِيَّةٌ، تُفَتَّحُ لها الأبواب.
والملائكةُ تشهدُ جنائِزَ الصالحين المؤمنين، كما شهِدَ سبعون ألف مَلكٍ جنازةَ سعد بن معاذ - رصي الله عنه -، وثبَتَ أنها غسَّلَت حنظلةَ بن عامر - رضي الله عنه - الذي استُشهِدَ في معركةِ أُحُد، وكانت عليه جَنابَة.
ولله ملائكةٌ سيَّاحُون، يشهَدُون مجالسَ الذكرِ والعلمِ في المساجدِ وغيرها، وتَحُفُّ الحاضرينَ بأجنحتها، وهي تدعُو وتستغفِرُ للمُصلِّي ما دام في مُصلاَّه ما لم يُحدِث، وتقِفُ على أبوابِ المساجِدِ يوم الجُمُعة، تكتُبُ أسماءَ الداخِلِين على ترتيبِ دُخُولهم، فإذا خرجَ الإمام طوَوا صُحُفَهم، وجلَسُوا يستمِعُون الذكرَ.ط
والملائكةُ تُحبُّ سماعَ القرآن، وقد تنزِلُ إلى الأرض إذا سمِعُوا قارِئًا حسنَ الأداء، كما حصَلَ لأُسَيد بن حُضَير - رضي الله عنه -، وقد جعَلَ الله عند رأس النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في قبره مَلَكًا، يُبلِّغُه عن أمَّته الصلاةَ والسَّلام، يقولُ المَلَكُ: "هذا فُلانُ بن فُلانٍ يُسلِّمُ عليك".
ولله ملائكةٌ يتعاقَبُون فينا عند صلاة الفجر وعند صلاة العصر، يرفَعُون إلى الله أعمالَ العباد، في هذَين الوقتَين.
والملائكةُ تحمِي مكَّة والمَدينةَ من الطاعون، وتحرُسُهما من الدَّجال في آخرِ الزمان، وهي باسِطةٌ أجنِحَتها على الشام، وتُؤيِّدُ المؤُمنينَ وتُثبِّتُهم في حروبهم مع أعدائِهم، وقد تُقاتِلُ معهُم، كما حَصلَ في بدرٍ وأُحُد وحُنَينٍ وغيرها، وتبُثُّ الرُعبَ والتّخْذِيلَ في قلوبِ المجرمين والطغاةِ والظالمين، وتتولَّى إهلاكَهم، وإنزالَ العقوبات بهم، كما طمَسَ جبريلُ - عليه السلام - أعيُنَ قومِ لوُط، ثم رفَعَ قُراهم بجناحِه، ثم قلَبَها عليهم، وأُتبِعُوا لعنةَ الله وغضَبَه، و(حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود: 82، 83].
بارَكَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعَنا بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِرُوه؛ إنه هو الغفورُ الرحيم.
الحمدُ لله، الحمدُ لله العظيم في خلقَه وملَكُوته، القاهرِ فوق عبادِه بعزَّتِه وقوَّتِه وجبَرُوته، نحمدُه - سبحانه - ونشكُرُه، ونُثنِي عليه ونُمَجِّدُه، ونُصلِّي ونُسلِّم على سيِّدِ الأنبياء والمرسَلين، وعلى آله الطيبين وصَحابته الأكْرَمين، والتابِعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
وبعد .. أيها المسلمون:
إن الإيمانَ بالملائكةِ من أُصولِ الدينِ العِظام، ومُحكَمات الشريعةِ وأُسُسها الكبار، التي دلَّت عليها النصوصُ المُتكاثِرة، ومنها حديثُ جبريلَ - عليه السلام -، حديثُ جبريلَ العظيم حينما دَخَل على النبي- صلى الله عليه وآلِه وسلم - في أُخرَيَاتِ حياتِه، فقرَّر عقائدَ الدِّين وأصولَ المِلَّة، وعلَّمَ النّاسَ أمورَ دينهم.
إنّ الإيمانَ بالملائكةِ الكِرام من أُصولِ الدينِ التي يجِبُ على الناسِ تعلُّمُها، لما في ذلك من زيادةِ الإيمانِ وتقوِيَتِه، وثباتِ العبدِ في هذهِ الحياة، حينما يُؤمِنُ بالملائكة وبأعمالهِم، ويشعرُ أنهم معه، تُؤيِّدُه وتنصُرُه وتُثبِّتُه وتُدافِعُ عنه.
ولذلك، فإن الواجبَ على المؤمنِ أن يتعلَّمَ هذا الأصلَ العظيمَ، ويحرِصَ على إجلالِ ملائكةِ الله الكرَام، وإكرامهم واستِحيَائهم واستجلابِهم، وأن يبتعِدَ ويحذَرَ كلَّ الحَذَرَ من الأعمالِ والوسائل التي تُؤذِيهم وتُبعِدُهم وتُنفِّرهم، فيفُوتُه بذلك من الحفظِ والعنايةِ والخيراتِ والبركةِ ما لا يُحصَى.
وقد ثبَتَ في النصوص أن الملائكةَ الكرامَ تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنُو آدم، من الروائِحِ الكريهة والقَذَرِ والنجَس، وأنها تَلعَنُ من يرفعُ حديدةً أو سلاحًا في وجه أخيِه المسلم بغير وجهِ حقٍّ، وتلعَنُ المرأةَ التي لا تستجِيبُ لزوجِها من غير عُذرٍ، وتلعَنُ الذي أحدَثَ حَدَثًا أو آوَى مُحدِثًا، أو سبَّ الصحابةَ - رضي الله عنهم -، كما ثبَتَ بذلك الحديث.
وتلعَنُ من انتَسَبَ إلى غيرِ أبيِه، أو تولَّى غيرَ مواليِه رغبةً عنهم، وثبَتَ أيضًا أن الملائكةَ لا تقرَبُ جِيفَةُ الْكَافِرِ، ولا الْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ والزَّعفَران، ولا تقرَبُ السَّكران، ولا الذي عليه جَنابةٌ ولم يَغتسِل منها إلا أن يتوضَّأ، وهي لا تقرَبُ البيتَ الذي يهجُرُ أهلُهُ القرآنَ والذكرَ، ويستبدِلُون بذلك المنكراتِ ومعاصي اللهو، والمعازِف ومزامير الشيطان.
وهي لا تدخلُ البيتَ الذي فيه كلابٌ، أو تصاويرَ وتماثيلُ مُعَظَّمة، وغير من ذلك من الأعمال التي تُؤذِي الملائكةَ وتُنفِّرُهم وتُبعِدُهم عن العبدِ.
أيّها المسلمون:
وإن من العَجَب أن بعض الناسِ يَشْتكِي من السِّحر والعَينِ ومَسَّ الشياطين، وتغيُّر الأحوالِ في نَفسِه وأهلِه وبيتِه، والحقيقةُ أنه هو السببُ في ذلك؛ لأنه تلبَّسَ بالمعاصي والمنكراتِ في نفسِه وبيتِه وأهلِه، وآذَى الملائكةَ بأعمالِه، فخرَجُوا من دارِه وابتعَدُوا عنه، فتعكَّر صفوُ حياته، وخلا الجوُّ للشياطينِ فهجَمَت عليه من كلِّ ناحيةٍ، واستحوَذَت عليه، وأذاقَته الآلامَ والأحزانَ والشقاءَ النفسيَّ.
وإن من الحقائقِ الثابتةِ - يا مسلمون - أن وجودَ الملائكة يطرُدُ الشياطينَ ويُخزِيهم، كما هرَبَ الشيطانُ لما رأى الملائكةَ نازِلةً في معركة بدرٍ الكبرى، ونكَصَ على عَقبَيْهِ وقال في رُعبٍ وخَوفٍ: (إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ) [الأنفال: 48].
وسيقومُ الشيطانُ خطيبًا في جهنم، ويُعلِنُ للناس أنه: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم) [إبراهيم: 28].
فاتَّقُوا الله - يا عباد الله -، اتَّقُوا الله، واعلَمُوا أنَّ الملائكةَ خَلقٌ كرامٌ أبرارٌ، وأن من أجلِّ أعمالهم حفظَ المؤمنين والدفاعَ عنهم، وتأييدَهم وتحريكَ الخير في قلوبهم، وهم يستَحيُون من صالحِي المؤمنين، كما كانت الملائكةُ تستَحِي من عُثمان - رضي الله عنه -.
فاستَحيُوا منهم - بارك الله فيكم -، استَحيُوا منهم وأكرِمُوهم، ولا تُؤذُوهم، ولا تُخرِجُوهم من بيوتِكم؛ تسعَدُوا في حياتِكم، وتهنَؤُوا في معايشِكم، وتغشَاكُم الرحمةُ، وتنزِلُ عليكمُ السَّكينةُ، ويحفَظُكُم الله في أنفسِكِم وأهلِيكُم، ومَدخَلِكِم ومَخرَجِكِم.
ثم صلُّوا وسلِّموا على سيِّد البشرية وهادِيها وسِراجِها المُنير، فإن الله - عز وجل - قد أمرَنا بالصلاة والسلام عليه؛ حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وثبتَ عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «من صلَّى عليَّ واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرَ صلوات، وحطَّ عنه عشرَ خطيئات، ورفعَ له عشرَ درجات».
فاللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم على نبيِّنا وسيِّدنا وحبيبِنا وقُدوتِنا محمدٍ، وعلى آلهِ وأزواجه وذريَّاته الطيبين الطاهرين، وسائرِ صحابتِه الكرامِ الأبرارِ الأطهارِ، وخُصَّ منهم: أبا بكرٍ الصدِّيقَ، وعُمر الفاروقَ، وعُثمانَ ذا النُّورَين، وعليًّا أبا الحسنَين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، اللهم انصُر دينَك، وكتابَك، وسُنَّةَ نبيِّك، وعبادَك الصالِحين.
اللهم اجعَل بلدَنا هذا بلدًا آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلاد المُسلمين.
اللهم انصُر إخوانَنا المُجاهِدين في كل مكان، اللهم انصُرهم في فلسطين، اللهم انصُرهم في الشام، اللهم انصُرهم في الشام، وفي العراق، وفي اليمن، وفي كل مكانٍ يا قويُّ يا عزيز.
اللهم انصُر إخوانَنا المُجاهِدين المُرابِطين على الحُدود، اللهم انصُر إخوانَنا المُجاهِدين المُرابِطين على الحُدود، اللهم كُن لهم عونًا وظهيرًا، ومُؤيِّدًا ونصيرًا بقوَّتِك يا قويُّ يا عزيز.
اللهم وفِّق جميعَ وُلاة المُسلمين للعملِ بكتابِك وسُنَّة نبيِّك - صلى الله عليه وآله وسلم -.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضَاه، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضَاه، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه صلاحُ البلاد والعباد، واجعَلهم مفاتيحَ للخيرِ مغاليقَ للشرِّ برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم اغفِر لنا وارحَمنا، وعافِنا واعفُ عنَّا، وارزُقنا واجبُرنا، وارفَعنا ولا تضَعنا، وأكرِمنا ولا تُهِنَّا، وزِدنا ولا تنقُصنا، وأعطِنا ولا تحرِمنا، وآثِرنا ولا تُؤثِر علينا، وانصُر علينا ولا تنصُر علينا، وكُن معنا ولا تكُن علينا برحمتِك يا أرحم الراحمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ، وآله وصحبِه أجمعين.
تم تحميل المحتوى من موقع
الجمهرة معلمة مفردات المحتوى الأسلامي